الخيانة صفة وسياسة الدكتاتوريات ووسيلتهم لإخضاع الشعوب
ياسر خلف
السياسة من وجهة نظر النظم الدكتاتورية المهيمنة؛ هي أن تكون الشعوب بلا إرادة، عقيمة بعيدة عن الإبداع، مُنكبَّة على ذاتها، مُنصاعة، ومُقتادة إلى حيث يرغب ويريد الجلاَّدُ أو السيد الأوحد. لا يجب على المجتمع أن يتمتع بالحرية والقِيَم والمبادئ، فهذه المفاهيم يكرِّسها الدكتاتور حسب مقايس تلائم سلطته وايديولوجيته، وينزعها حينما يشعر بأنها قد تتحول إلى نوعٍ من التمرد؛ فهذه النُّظم الدكتاتورية لا تمارس السياسة إلا حين تنوي خِداع المجتمع أو الشعب أو بمعنى آخر الاستغلال والتحكم والهيمنة، هي سياستها في إخضاع المجتمع واستعباده، وقد عرَّفوا السياسة من مفهوم السلطة بأنها فن الوصول إلى الحكم أو الهيمنة على مقدَّرات المجتمع؛ فهنا يمكن الربط بين السلطة والدكتاتورية على أنهما مُتمِّمان ومُكمِّلانِ لبعضهما لحدِّ التطابُق؛ فلا وجود لدكتاتورية بدون سلطة، وبحكم السلطة مناقضة أو مُنافية مع الديمقراطية؛ فهي تؤدِّي إلى الدكتاتورية. يقول القائد عبد الله آجلان في هذا الصدد: “فبالإمكانِ تقييمُ السياسة عند تحويلِها إلى حالةِ حُكمِ السلطةِ على أنه تحريفُ السياسةِ عن حقيقتِها الجوهرية، وإسقاطُها في وضعٍ تَنكرُ فيه ذاتَها. ذلك أنّ ساحةَ السلطةِ هي الحقلُ الذي تُنكَرُ فيه السياسة. بناءً عليه، فحُكمُ الدولةِ ليس سياسةً أو إدارةً سياسيةً كما تُرَوِّجُ له الليبراليةُ بإصرار، بل وعلى النقيض، إنه يعني إنكارَ السياسةِ وإقامةَ الحُكمِ المزاجيِّ للسلطةِ أو الإدارةِ المضبوطةِ للدولةِ بدلاً منها. ولا يُمكنُ البتةَ تعريفُ إدارةِ الدولةِ كسياسة، بل هي ضربٌ من ضروبِ السلطةِ المضبوطةِ والمؤَطَّرةِ بمعايير وقواعد. وفي كلِّ الأحوال، فالسلطةُ بالذات تعني دحضَ وتفنيدَ السياسة”.
حيث يمارس الدكتاتورية عبر هيمنتها وسياستها الكاذبة أبشع أنواع الانحطاط الأخلاقي، وأكثر صُورَ الإجرام تجلياً ووضوحاً، وهذا التشويش والعربدة في هذا السياقِ في أعلى درجاتها إقناعاً للدكتاتوريات المهيمنة المتسلطة؛ حيث يتحدث بتعالٍ كالطاووس ويتبجَّحُ كالقرود عن تحقيقِ تطورٍ كبيرٍ على الصعيدِ السياسي، وعن بلوغِ مستوى النشوة الغرائزية في الميدان العسكري؛ بحيث يبلغ فيه الزهوّ والتباهي والغطرسة لحد إطلاق صفة الخيانة والعمالة على كل من يقاوم سلطانه وطغيانه، ولا يجاري وينصاع لإملاءاته.
أجل هكذا هي دكتاتوريات الشرق الأوسط وعلى وجه التحديد “بشار الأسد” وسلطته وداعميهِ ومُناصرِيه من دول إقليمية شبيهة ومتوائمة مع سياسته الكاذبة لحد التخمة والتورّم؛ فهذا المتعجرف المتطاول الذي فاق “هتلر” في قتل الأبرياء وتخطى “نيرون” في حرق وتدمير وطنه؛ يُطْلِقُ على لسانه وبدون خجلٍ وحياءٍ صفة “الخيانة” على كل مَنْ هو موجود في شمال سوريا؛ وهو مَنْ سَفَكَ وقتل أكثر من ثمان مئة ألف مواطنٍ سوريٍ جلُّهم من الأطفال والنساء، وهجَّر وشرَّد قُرابةَ الخمسة عشر مليوناً من شعبه، وهذه التُّهمة القديمة الجديدة التي تفوَّه بها بشار الأسد؛ هي فقط ليُغازل ويُهادِنَ بها توأمهُ في القتل والخداع والكذب ” الطاغية أردوغان”؛
الذي كان شريكه في هذه المأساة والمقتلة العظيمة للسوريين عبر صفقات من الخيانة المتبادلة بحق سوريا أرضاً وشعباً ووطناً، وليس سوريا فحسب بل تعداها إلى المتاجرة بمقدسات الشعوب ومقدراتهم عبر الإدعاء الكاذب بمناصرة القضية الفلسطينية وهم أول من باعها مقابل الإبقاء على كرسيهم ومنفعتهم وتجارتهم.
لنكرر السؤال من خان الشعب والإنسانية باسم الإنسانية والوطنية والقومية وغيرها من الشعارات الرنانة؟ أليست هي النظم المهيمنة وسياساتها وأساليبها الفارغة من أي قيم ومضمون.
من الخائن وأنت لم تترك وسيلة وأداة لقتل شعبك وتدمير بلدك واستعمال السلاح المحرم والفكر العنصري والتطرف الطائفي والمذهبي، من ترك وخان الباب وجرابلس وقبلها لواء الاسكندرونة مقابل اتفاق أمني يحفظ كرسيه، ويديم أمد دكتاتوريته وطغيانه؛ والقائمة طويلة من سلسلة الخيانات المترابطة والمتشابكة بين الدكتاتوريات والهيمنات السلطوية في شرقنا الأوسطي لحد التطابق.
فالكذب والنفاق السياسي عند هؤلاء المتآلهين المقنعين هو اختلاط الكذب بالكذب؛ فلا وجود للصدق في حديثهم وسلوكهم، فهم تجردوا من إنسانيتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم؛ فباتوا أشبه بغربان ينعقون على جثثٍ قتلوها وواروا سوءتها
وبالمقابل أو النقيض من اتهامات الدكتوريات التي هي بالأساس صفات متجذرة في بنيتهم وتركيبتهم السلطوية، فمن يتحلى بصفات المقاومة والثورة ومجابهة الظلم والإرهاب والتطرف والعنصرية لا يمكنها إلا أن تكون في طليعة المنقذين والأوفياء لشعبهم ووطنهم ومجتمعهم، وهذا ما تحلى به تماماً شمال سوريا بجميع مكوناته وشعوبه؛ التي يتهم بشار الأسد بالخيانة متناغماً بذلك مع سلطان الإرهاب والخيانة اردوغان الذي باع ما يسمى بقوى المعارضة مقابل منافعه وخيانته المتبادلة مع الأسد.
نعم الشمال السوري وعبر مشروعه العصري المتمثل بالفدرالية الديمقراطية، وقواتها العسكرية التي أثبتت للعالم أجمع قدرتها على صون كرامة الإنسان وانتشاله من براثن الإرهاب عبر مقاومتهم وصمودهم في كل معركة خاضوها ليجبر العالم أجمع على مد يد الدعم والمساندة لها؛ لأنها ببساطة جابهت الإرهاب عوضاً عن العالم بأسره، وليصبح ملاحمهم وبطولاتهم قِبلةً للأحرار والتواقين للخلاصِ من الخيانات المتمثلة بالدكتاتوريات المتوارث وأدواتها القذرة من المرتزقة والمأجورين. [1]