احذروا من أصبح خنجراً في ظهورنا
الإدارة الذاتية وقعاً و.. واقعاً
مصطفى عبدو
سابقاً كانت الأنظمة تستعين بشخصيات محددة, مُنتقاةٌ بعنايةٍ من بين أفراد المجتمع, لتجنيدها للعمل وفق مقتضيات مصلحتها, وبالتالي كانت لها القدرة على التأثير فيهم، وجرهم إلى حيث تريد، هؤلاء كانوا من أكثر الناس بعداً عن قلوب الناس، يبيعون الوطن والضمير والإنسان بكل سهولة، ويمكنهم إعلان وقوفهم مع القاتل في أي لحظة ودون تردد، إن ما قام به هؤلاء كانت بمثابة مهنة مربحة، حرفة، مشروع، إلى جانب النفوذ والشهرة لا غير، وليس لديهم أية أرضية إنسانية أو أخلاقية, بدليل مشاركة الكثير منهم بأعمال تخل بالآداب الاجتماعية والأخلاقية. كانوا بالفعل نجوم من ورق في المجتمع، كانت الناس تتحاشاهم وتتجنب الالتقاء بهم، ومع ذلك كان ظهورهم يتكرر؛ فأينما توجهت تلتقي بأحد منهم، إنهم كانوا نجوماً فعليين بحكم تكرار ظهورهم في المناسبات والندوات الحزبية والاجتماعات، وحتى في الجوامع بين المصلين تجدهم قد لبسوا ثوب الطاعة والتدين. ثمةَ قائمةٌ لا يمكن حصرها أثارت وتثير اليوم الكثير من التساؤلات بين المواطنين، جراء ردود أفعالها سابقاً وحاضراً. ربما كان على رأس تلك القائمة من يتقلدون مناصب رفيعة بحكم قدرتها السريعة ومهارتها في التحول إلى حرباء من نوع فريد، تستطيع التأقلم والمراوغة وتغيير لونها بما يتناسب مع البيئة الجديدة (ولكن تبقى حرباء دون أدنى شك).
اليوم أصبح هؤلاء أنفسهم من الأخاطب الكبيرة التي تعمل ضمن مؤسساتنا؛ سواءً بحكم اسمها وعلاقاتها وقدراتها التسويقية، أو بحكم صلات القربى أو الوساطات أو بحكم فرضهم من قبل بعض الأشخاص، أو بحجة أنه من أقارب الشهيد فلان، فكيف يمكن لهؤلاء الوقوف مع الوطن عندما يكون ذلك الوقوف خطراً على مصالحهم الشخصية ؟! كيف سيقفون مع من يطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ؟ ستكشف مع الأيام رخصهم ودناءة أنفسهم ؟!
لكنني أود أن ألفت الانتباه إلى أن السير وفق هذا المفهوم ربما سيعرضنا لانتكاسات وتأثير على المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها شبابنا وشاباتنا ودفعوا الغالي والنفيس.
لقد كشفت الأزمة المُعاشة أقنعةً كثيرةً ولكن أكبر قناع يتوجب علينا الحذر منه هو قناعُ (عبدةِ المصالحِ الشخصية) الذين يناصرون هذا أو ذاك وفقاً لما تقتضيه مصالحهم الشخصية، وأصحابيّ هذا القناع الاحترافي دأبوا على ارتدائه في كل الأوقات وفي كل الأزمنة، لكن الثورة الحقيقية أسقطت كل الأقنعة عن كل الوجوه!
ولكن بعيداً عن ذلك كله فإن النموذج النقيض، نموذج الناس الذين وقفوا مع الثورة والشعب منذ البداية، وقبلوا بخسارة أرواحهم وأموالهم وأعمالهم وامتيازاتهم إضافة إلى حملات التشويه لسمعتهم وسمعة ذويهم. فما المكاسب التي حققها هؤلاء جراء وقوفهم مع الوطن وقد كان بإمكانهم أن يكسبوا كغيرهم الكثير؟ وربما نستطيع توجيه هذا السؤال لمن يصف الكرد والقوات التي تحارب الإرهاب اليوم بأنهم “خونة” … فماذا كسب هؤلاء ليخونوا؟؟ وهل ثمة من يختار الخيانة في مقابل روحه ودمه؟[1]