ترجمة/ بهاءالدين جلال
البروفيسور نیل روسندروف باحث كبير في المركز الدبلوماسي العام بجامعة جنوب كاليفورنيا و قد عمل استاذاً و كاتباَ و مستشاراً لسنوات عديدة في مناطق مختلفة من العالم حول المواضيع المتعلقة بعلاقات السياسة الخارجية الأمريكية و تأثير الثقافة على الدبلوماسية و انعكاساتها على العلاقات الدولية، وقد التقت كولان البروفيسور نیل روسندروف وسألته عن كيفية قيادة منظمة الأمم المتحدة الحالية للعالم، وامكانية تغيير هيكلها الحالي:
* لقد مرّ 25 عاماً على سقوط جدار برلين و حتى بعد انتهاء الحرب الباردة نرى أنّ الأمم المتحدة هي ذات المنظمة التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، هل بأستطاعة المنظمة قيادة العالم في القرن الحادي و العشرين الحالي؟
- هذا سؤال جيد، هناك اسلوبان للأجابة عنه، الأول عبارة عن الأسلوب النظري و الأفتراضي، و الثاني هو الأسلوب العملي، و نقصد بذلك أنّ أي تغيير يحصل في هيكلة الأمم المتحدة يجب أنْ يكون بموافقة الأعضاء الدائميّن الخمسة في مجلس الأمن الدولي، و نتسائل هل يجوز لكل من بريطانيا و فرنسا في هذه الظروف امتلااك مقعد دائم لهما في مجلس الأمن الدولي؟ هذه مسألة تتطلب النقاش، و قد تم اجراء حوار حول توسيعه ليضم المانيا أو الهند أو البرازيل، أو تخصيص مقعد للأتحاد الأوروبي بدلاً من فرنسا و بريطانيا ،وهذا الأمر يتعلق دائماً بحق النقض(الفيتو) وهذه مشكلة البناء و السياسة (structural problem and political problem) وسيتم حلها ولكن من الناحية العملية فأنّ افضل الأمور هي انْ تستطيع الأمم المتحدة الأستمرار في اداء دورها وتنظيم عملها كما ينبغي.
* في تسعينيات القرن الماضي، دعت الولايات المتحدة الأمريكية العالم الى اقامة نظام عالمي جديد، اي توجه الدول نحو الديمقراطية و تجاوز زمن الحرب الباردة، ولكن شهدت ال 25 سنة الماضية اعمال عنف و اضطرابات اكثر مما شهدته ال 45 سنة من الحرب الباردة، هل هذا لا يعني عدم تأسيس النظام المنشود حتى الآن؟
- مفهوم النظام العالمي الجديد قد تم التعبير عنه من قبل شخص او ادارة، و بالتأكيد من ادارة بوش الأب الذي طرح عدة نقاط حول التدخل الأمريكي في موضوع احتلال العراق للكويت، و عندما عبّر بوش الأب عن هذا المفهوم في 1991 كان تعبيراً عن حدث تأريخي في ذلك الحين ، ولكنه لم يتوقع ما يحدث في 11 سيبتيمبر 2001 من قبل منظمة القاعدة أي بعد عقد من الزمن، كما لم يكن يتوقع أنْ يأتي ابنه في عام 2003 ليحتل العراق، كما تتذكرون أنّ فرانسيس فوكوياما قد ادلى بتصريح في ذلك الوقت وقال لقد وصلنا نهاية التأريخ، ولكن ليس بمعناه الحرفي، أي أنه ليس تحدياً جدياً لنوع معين من رؤية عالمية لنمط ليبرالي ديمقراطي كأفضل صيغة لتنظيم السياسة القومية والدولية، وهل كان ذلك صحيحاً ام لا، و سيبقى سؤالاً مفتوحاً، و لكن فعلاً أنّه لم يكن يتوقع كل تلك التحديات التي ظهرت في اوروبا و الشرق الأوسط بسبب اندلاع الفكر القومي، ولكن فسّر ذلك بعض المحللين في CIAو MI5 الذين أشاروا الى قدرة الأرهابيين في الحاق الأضرار كما حدثت في 11 سيبتيمبر، لذا علينا انْ نكون حذرين و لن تقول أنّ جورج بوش الأب اعلن في 1991 عن النظام العالمي الجديد.
* كل التوقعات كانت تشير الى انّ امريكا هي القوة الوحيدة العظمى التي تدير شؤون العالم بمفردها، ولكن تبين أنّها لن تستطيع ذلك، والأن نرى عالم ذا اقطاب متعددة بدلاً من عالم يديره قطبان، وهذا يعني أنّ الأممم المتحدة لا تستطيع حل المشكلات، هل آن الأوان لأنشاء منظمة جديدة تتولى حل مشكلات العصر؟
- اعطني فرصة لأجيب عن السؤال يعكس آرائي الشخصية، يسرني أنْ ارى الأمم المتحدة و هي اداة فعالة لحكم العالم، و لن تكون المنظمة الوحيدة لحكم العالم، ولكنني اكثر واقعياً الذي أرى ظهور نظام جديد و اكثر من مائتي دولة قومية تكون لكل واحدة اهداف و تطلعات حضارية، و أنا كمؤرخ ليست لدي عصاً سحرية ، ولكن علينا الأقرار بأن نتوقع حدوث كل شىء، والأمم المتحدة فيها دول عظمى مثل بريطانيا و فرنسا و امريكا و الصين و روسيا، وهي قوى تتنافس بينها، ولو عدنا الى بداية تسعينيات القرن الماضي، لوجدنا أنّ الأتحاد السوفيتي ضحى بنفسه تطوعاً، و كان من المقرر انشاء روسيا ديمقراطية بين احضان الأتحاد السوفيتي، لقد تحدث غورباتجوف في عام 1986 عن تنظيم البيت الأوروبي المشترك، و عندما احتضنت روسيا القيم الأوربية كان تعبيراَ عن التفاؤول..
وبعد احداث ساحة تيانمين في 1989 كان هناك تصور خاطىء بالنسبة الى الصين، ولكن في اوائل النصف الثاني للتسعينيات قررت عدم تبني التعددية الأوروبية، ولكن من جهة اخرى، قدمت نفسها كجهة فعالة في النظام السياسي و الأقتصادي الدولي، مع انّ الصين في تلك الفترة كانت تشكّل مصدر قلق على المستويين المحلي و العالمي، ولكن في كل الأحوال كانت فترة تأريخية في حينها، لا أعني بذلك انّ العالم يسوده الكثير من الأضطرابات و الأزمات و لاتدار وفق جدول أو برنامج كما ينبغي، ولكن في الوقت ذاته علينا الأنتظار و اعطاء المزيد من الوقت لأقامة نظام عامي جديد.
* كما يقال أنّ التأريخ يعيد نفسه، لو نظرنا الى تسعينيات القرن الماضي نرى أنّ دول اوروبا الشرقية و منطقة البلقان تتعرض لأعمال العنف و الابادة الجماعية، والآن تمر الشرق الأوسط بالمرحلة ذاتها، ولكن مشكلات اوروبا الشرقية تم حلها من خلال استحداث دول جديدة، هل يجوز انتهاج الحل ذاته لمشكلات الشرق الأوسط؟
- انه من المستحسن قيام دول الشرق الأوسط بأعادة ما حدث في دول اوروبا الوسطى و الشرقية، انا على دراية بما يدور في مخيلتكم حول المنطقة الكوردية التي تديرونها بأنفسكم، أنا لا ادّعي بأنني خبير عراقي، و انما في الحقيقة أنا عالم ستراتيجي عالمي، وبالتأكيد فإنّ من منظور الشرق الوسط لايزال اقليم كوردستان في العراق يحقق المزيد من التقدم و التطور، لقد تحدثتم عن جزء من الحل وهو عبارة عن بلقنة المنطقة في اوروبا الشرقية ،اعتقد أنّكم تتحدثون عن تقسيم جيكوسلوفاكيا الى جمهوريتي جيك و سلوفاكيا، أو تفكك يوغسلافيا، التي كانت تعاني من الشلل و لم تكن مستعدة للتحكيم او حتى القبول بقوة حفظ السلام من ( ذوي القبعات الزرقاء) و قد يكون ذلك من افضل ما ادته الأمم المتحدة حتى الآن.
علينا أنْ نتذكر بول وولفوتز وهو محلل سياسي ناجح الذي اشار الى حدثين في اوروبا الشرقية و الوسطى، عندما انهار الأتحاد السوفيتي و أُلغيتْ معاهدة و ارشو و انقضاء سيطرة الأتحاد السوفيتي على ادارة المنطقة، و تطوير الفكرة و تحويلها الى نموذج ليطبّق في الشرق الأوسط، وعلى سبيل المثال عندما تريد ازاحة دكتاتور في أي بلد عليك الأستعانة بالديمقراطية و التعددية كبديل للنظام السابق، ولكن مسيرة الأحداث لم تكن تعبّر عن الواقع و لم تأت ظروف مساعدة لتحقيق هذا الغرض.
* خارطة ما بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت مصدر مشاكل لتلك الدول، وعلى سبيل المثال كوردستان المقسمة على اربع دول، ستعلن عن استقلالها عاجلاً أم آجلاً. و مشكلة اللغة الواحدة لاتزال قائمة في الشرق الأوسط، فمثلاً ما يتعلق بكوردستان انها تخلصت من الدكتاتورية قبل فترة و أنّ مطالب الشعب تزداد يوماً بعد يوم، هل تعتقد أنْ يسود السلام و الأستقرار في الشرق الأوسط؟
- من السهل أنْ تقول أنها ممكنة، ولكن تواجهك اسئلة اخرى تتعلق بماهية الأحتمالات، لكل دولة التي اشرتم اليها تأريخها و ظروفها و مشكلاتها الخاصة، لو نظرنا الى تونس لوجدنا انها لاتزال تعاني من مشكلات ولكنها تُعدّ من النجوم اللامعة في الربيع العربي، يحاول شعبها بناء الدولة على اسس جديدة، ما يجري الآن في اقليم كوردستان العراق مبعث أمل كبير، ولكن هل انكم تتخذون صيغة الأنفصال في العراق أو بقائه ضمن العراق، وهذا سيبقى سؤالاَ مفتوحاً، ولكن من دون المحافظة على وحدة العراق سوف تؤدي الأوضاع الى توترات وعدم الأستقرار في المنطقة ولأسباب عدة منها : منْ الذي سوف يسيطر على النفط و يقوم بتوزيعه؟ كما ان معظم دول المنطقة تشكلتْ من قبل الدول الأستعمارية ما عدا بعض الدول التي كان لها تأريخ ومن بينها مصر و ايران، وانّ هناك سؤالاً آخر يطرح نفسه وهو: ما هي اولويات الحكومة، وما أولويات مطالب الشعب في المنطقة؟ ان اقليم كوردستان يناضل بجدية من اجل شعبه ولكن هناك بعض الأمور الرئيسة، كسيادة القانون و ضمان الحقوق الكاملة و حماية الأقليات والأبتعاد عن الدولة العرقية أو الدينية، ان تلك الأمور مهمة جداَ ليست للأقليم فحسب، بل حتى لدول الشرق الأوسط و اوروبا الشرقية، من اجل تحقيق الأستقرار و النمو و الأزدهار.
* اصبح الأرهاب في الشرق الأوسط مشكلة اخرى تهدد الأمن و السلام العالميين، كما أنّ الشرق الأوسط تحتوي على مصادر الطاقة و الأرهابيون لهم نشاطات في تلك المناطق، واذا استولى الأرهابيون على تلك المصادر و سبّب أزمة طاقة في العالم، هل يكون هذا مبرراَ لقيام الغرب بالتدخل في المنطقة؟
- بالنسبة الى الأرهابيين، أو أية منظمة اجرامية، أو قراصنة البحار فإنهم يبحثون عن مأوى لهم ليمارسوا دورهم التخريبي و الأجرامي و بث الرعب و الدمار فيه، و للتصدي لهذا الخطر يتطلب الأمر قيام الحكومات بحماية مجتمعاتها من تداعيات و آثار تلك الجرائم، وخاصة اذا حصلت القاعدة على بعض الأسلحة الفتاكة أو النووية و تستخدمها لضرب المدن الكبيرة وهذا سوف يؤدي الى زعزعة الاوضاع وعدم الأستقرار في المنطقة برمتها.[1]