* أربيل / زيد محمود علي محرر صحفي
يعدّ الشاعر (#كريم ده شتي#) من شعراء الكرد البارزين ، فهو يتمتع بتجربة غنية وله بصمات على النخبة الشعرية في كردستان ، وأستطاع ان يصنع لنفسه مكانة متميزة في وجدان النخبة من الشعراء والمثقفين. ويضل شاعر اصيل وحداثي ومعاصر ، ومن الشعراء الكاريزميين.
وهذا اللقاء مع الشاعر كان ضرورة للأجابة عن الكثير من الأسئلة التي تدور في ذهن كل واحد منا ، لأزالة النقاب بجرأة وحرية عن أمور متعددة بحاجة الى معرفتها ، فأثار في حوارنا معه شهيتنا على طرح الكثير من الاسئلة.
ا كونك احد رموز الشعراء المعروفين ، كيف تقيم تجربة الشعراء الكرد الشباب…؟
ج/ التجربة الشعرية مفهوم يحمل في طياته معطيات ثقافية فكرية مهمة ، ولا يمكن لأي جيل من الأجيال ، سواء كان الجيل هذا من الشباب أو ممن سبقوهم أن يشكل تجربة شعرية ثرة ما لم يكن مدججاً بالثقافة المعاصرة المتنوعة ، ولهذا يخطأ من يظن عكس ذلك ، لأن التجربة الشعرية تعني تكوين رؤية شعرية منفتحة على تجارب عالمية ومعالم فكرية وثقافية قادرة على أنتاج النص الجيد والمعرفة الجيدة ، ليبقى النص خالداً على مرّ الزمن ، والتجربة الشعرية الشابة لا تزال في طور التكوين والتكامل ، أنها بحاجة الى الصقل ، أي بحاجة الى تنمية ذهنية بأتجاه التحديث والتجديد ، واليوم وبسبب من التطورات التكنولوجية ، هناك ظهور العديد من التقنيات من نوع الأنترنيت وقنوات الاتصال الاجتماعي الفيس بوك ، وتنوع تكنيكات سمعية وبصرية ، نرى الشباب وهم في حالة من الانشغال التام الى حد الادمان مع هذه الابداعات التكنولوجية بحيث أبعدتهم نوعا ما عن التوجه نحو المطالعة الرصينة ومتابعة النتاجات الثقافية المحلية والعالمية ، ولهذا يمكن وصف تجربة الشباب الشعرية بتجربة الانشطار بين هذه التقنيات والكتابة المباشرة ، ولا بد من القول بأنه لايمكن الوصول الى المعالم الشعرية الجيدة لتجربة هؤلاء الشباب هذا فيما اذا وجدت هذه التجربة بمعناها المثقل بالابداع والثقافة ، فهي قليلة تنتشر هنا وهناك ، وهذه القلة غير قادرة على خلق تجربة شعرية شاملة تحمل سمات جيل الشباب.
اما قلته أثار لدينا سؤال ما هي قراءتك للشعر العالمي…؟
ج/ منذ البداية كنت شغوفاً بمتابعة ومطالعة ما التقطتها من القصائد العالمية ، ولي من رصيد القراءة هذه غزارة هائلة من مختلف النتاجات الشعرية العالمية ، وليست بالضرورة أن تكون كل هذه النتاجات في مستوى أستسيغه، وبحكم تجربتي المتواضعة في هذا المجال من قراءة الشعر والقصة والرواية ، تكونت لديّ رؤية تحويلية للتمييز بين الجيد والرديء من هذه النتاجات ، قرأت اكثرية النتاجات الخالدة للشعراء من أمثال [رامبو ، بودلير ، مالارميه وأليوت] والذي أنا اسميهم جيل المعرفة الشعرية الخالصة ، ولحد الان مستمر في المتابعة ، ولاسيما النتاجات الاوربية والعربية واللآتينية (شعراً وقصة ورواية) ، فأنا غير منقطع عن التجارب العالمية ، وبطبيعة الحال فأن أي انقطاع مع النتاجات الانسانية يؤدي في النهاية الى نوع من الهبوط الثقافي والاخفاقات.
ما هي إهتماماتك غير الشعرية…؟
ج/ غير الشعر ، أنا أترجم أيضاً وخاصة عن اللغة الفارسية والعربية وأحياناً عن الانكليزية ، الترجمة ليست من أختصاصي ، وأنما أود أن أنقل الى القراء هذه النتاجات التي أعجب بها أنا ، لعل القارىء يعجب بها ايضاً وهذا من دواعي سروري ، سبق لي أن ترجمت رواية الجذور (لالكسي هيلي) عن الفارسية النص الكامل ورواية ل(هرمان هسه) و (الرحلة الى الشرق) و(الوسوسة الأخيرة للمسيح) لكازانتزاكي ، و(نداء البرية) ل(جاك لندن) ، ومجموعة قصصية بعنوان (الكتاب) يحتوي على قصص لعدد من الكتاب ، هناك سردية شعرية في ترجماتي هذه ، أي انها تحمل لغة شعرية ، ولي من كتابة الروايات القصيرة أي النوفيلتات نصيب ، فكتبت رواية (القيامة) ورواية (خيول في الريح) وكذلك (الضبع).
ا ماذا تقول عن المعاناة…؟
ج/ لكل عمل أدبي معاناته وشجونه ، لكن ما يعانيه الشاعر لايضارعها معاناة أخرى ، الشاعر أصلاً كائن معاناتي ، فالشعراء أكثر حساسية من غيرهم للظواهر الحياتية ، وكذلك أكثرهم رؤية للجمال ، والشاعر يعيش مع معاناته صادقاً منتجاً لقصائد تعبر عن هذه الحالة ، وحتماً معاناة كهذه تنتج نصوصاً إنسانية كبيرة ذات بعد فكري ، أقول هذا وأنا لا أقصد بشكل مطلق ، بل استثني في هذا ما أنا اسميهم المشغولين بكتابة الشعر ويدمرون روح الشعر بأستمرار ، بل أعني المبدعين وحتماً أنهم القلة الرائعة بين هذه الجمهرة الغفيرة الفارغة من أية رؤية شعرية . وأني على يقين بأن الشاعر الجيد لايفقد بريقه أبداً. ماهو لون شعرك.. وهل هنالك تحولات في قصائدك…؟
ج/ من خلال السنوات الطويلة الحافلة بالأمل والمخاض والمعاناة ، مرت تجربتي الشعرية بتحولات فكرية وثقافية كثيرة ، بدءاً بديوان الأرض والصقر ، وانتهاءً بديواني جمرات تحت الرماد ، ففي ديواني الاول الأرض والصقر تدور قصائدي حول التلاقح بين محبة الارض والوطن ومحبة الآخر ، ولهذا يتسم الديوان هذا بنوع من الفكرة الازلية لدى الانسان حول علاقته بارضه واستحالة الفصل بين الولد والمولد ، بين المحب والمحبوب ، بين العاشق والمعشوق ، ومن ثم كتبت الديوان الثاني (الضباب الابيض للروح) ، حيث الارض دمرت بأفعال شياطين ديستوفسكي ، بتصرفات مظلمة ولهذا يحمل الديوان نوع من النوستاليجيا والعودة لبناء عش النص المفقود ، واستعادة فردوس الطفولة المفقودة ، وتدوين شعر حنيني ، شعر يحمل إنتقاماً جمالياً إيستيتكياً ، حيث القصائد فيها تئن تحت وطأة التراجيديا العارمة والفواجع ، ففي بقية الدواوين فهي أكثر من ستة عشرة ديواناً ، تتحول تجربتي الشعرية من دالة الى دلالات أخرى ، من ثيمة الى ثيم أخرى ، حتى استقرت في الاخير وفي ديواني جمرات تحت الرماد الى نوع من الجمال الصرف ، والتي تفني وبأبعاد تصوفية معاصرة ومعطيات سريالية ووجودية في عالم من البوست موديرنيزم أي ما بعد الحداثة.
طقوسك في الكتابة…؟
ج/ تقترب حدود الكتابة السحرية والشعرية مع حدود الفلتان والقلق الفيزيائي ، أي أن الكتابة لاتعرف الرحمة بشأن الوقت ، كل الاوقات عندي هي المساحة المثالية والزمنية لأكتب فيها ، اكتب في الهدوء بمثل ما أكتب في الضوضاء ، في البيت وفي الخارج ، فوق المياه والضفاف ، في الصعود والهبوط ، أي لا زمن لي ولا مكان لي أثناء الكتابة ، طقوسي في الكتابة كأضرام النار في هشيش الكلمة ، فأنا عندما اكتب أضج بكافة قواي الذهنية والفكرية في ميدان الكلمة ، ولهذا أنا أشبه الريح في هبوبها بين غابات الروح.
ا/ بمن تأثرت…؟
ج/ من خلال قراءتي للنتاجات العالمية والمحلية ، تأثرت بكتب ونصوص وشعراء وكتّاب كثيرين ، ولهذا يصعب عليّ تحديد تأثري بأحد من هؤلاء الكائنات الحقيقية والافتراضية ، سبق وان كنت مولعاً جداً بقراءة (نالي)الشاعر الكردي الكلاسيكي و(جلال الدين الرومي) و(مالارمي) وغيرهم ، والتأثير عادة يأتي من خلال الأندماج الروحي والفكري مع هذه النتاجات الثرة العظيمة ، وأني على يقين بأن الشعراء كلهم متأثرون بشكل أو بآخر بنبع من الينابيع ، حيث في الاخير كلهم الامتداد الطبيعي لهذه العملية ، عملية كتابة الابداع.
ا هل للشعر الغربي تأثيراً على الشعر الكردي…؟
ج/ لايمكن لتراث أي شعب أن يعيش بمعزل عن تراث شعوب أخرى ، ولايدوم مالم يكّون هذه العلاقة التبادلية والتأثرية بينه وبين تراث شعوب أخرى على الارض ، وحتماً هناك تأثيرات غربية على النتاجات الشعرية الكردية ، خاصة النتاجات الشعرية المعاصرة للشعراء الغربيين ، خاصة التيار الشعري الفرنسي المعاصر ، وهناك شعراء كرد متأثرون بهذه النتاجات ، خاصة في ثمانينيات القرن الماضي.
كيف تقرأ مستقبل الثقافة الكردية…؟
ج/ لايمكن للأنسان تحديد مستقبل الثقافة ، وأنما بأمكانه ان يتكلم عنه من خلال الاستنتاج والاستقراء للمعالم الحالية للوضع الثقافي ، أي بأمكانه أن يبشر بالخير لثقافة ما عندما يرى نضوجها اليومي وتطورها المستمر ، فالثقافة الكردية في حالة من النهوض في الوقت الحاضر ، خاصة أمتلأت المدن بالمطابع المتطورة والمكتبات وإقامة الندوات والمسرحيات والمهرجانات الدولية والأفلام ، وحتماً هناك سلبيات كثيرة وكذلك ايجابيات ، ومن خلال تحليلنا لهذه الجوانب لنا أن نقول بأن الثقافة الكردية أيضاً تحاول وبجد ان تشكل مستقبلاً أفضل لنفسها.
* شاعر من مواليد (1955) أربيل ، خريج جامعة بغداد / قسم القانون (1980) ، له من الدواوين الشعرية [الارض والصقر ، الضباب الأبيض للروح ، وريقات ، بيانو الشرق ، كتاب الماء ، كتاب الناي ، حديقة السطوع ، حديقة الخفوة ، جمرات تحت الماء].[1]