عنوان الكتاب: ممر الحياة
من روجافا إلى #شنكال#
اسم الكاتب(ة): بولاتل جان
مكان الأصدار: #كوباني#
مؤسسة النشر: افا
تأريخ الأصدار: 2022
بولاتل جان
ممر الحياة
من روجافا إلى شنكال
في شهر آغسطس/ آب من العام 2014 عاشَ الشَّعبُ #الكرديّ# مأساةً تاريخيّةً لا تُنسى، وجريمةً إنسانيّةً بحقِّ مئات الآلاف من أبناء الشَّعب الكرديّ الإيزيديّ في قضاء شنكال بجنوبيّ كردستان #إقليم كردستان العراق#، وعلى الرَّغم من مرور أعوام على المأساة والحادثة الأليمة؛ مازالت آثارها الكارثيّة وارتداد زلزال شنكال ماثلاً بكلّ وحشيّته وتراجيديّته في الذَّاكرة الجمعيّة للشَّعب الكرديّ عموماً، والكرد الإيزيديّين على وجهِ الخصوص.
البعض ومنذ اليوم الأوّل من المأساةِ أو الجريمةِ، أو سمّوها ما تشاؤون، حاول المستحيل للالتفاف على القضيّة وخلق التشويشِ على مُجريات القصّة ومسحها من الذّاكرة وحذفها من البصر.
مرّت سنوات، والبعض يحاول التحدّثَ عن (بطولاته الأسطوريّة) في شنكال ودفن الحقيقة بكلّ السُبُلِ والوسائل.
مرّت سنوات، والبعض يحاول إيهام الرأي العامّ العالميّ والكرديّ والإيزيديّ بحقائقَ كاذبة وتزوير لحقائقَ صارخة.
مرّت سنوات، ومايزال الشَّعب الجريحُ مشتّتاً، منهَكاً، ضائعاً بين خيام النُّزوح وطرق الهجرة والمنفى.
مرّت سنوات، وماتزال غزلان جبال شنكال الأصيلات سبايا لدى وحوشِ العصر وصعاليك الصحراء القذرين، وهُمْ على عهد تجارتهم بأعراض الكرد في أسواق النّخاسة.
مرّت سنوات، ولم تتمكّن مأساة مقاومة شنكال الأليمة ومِن بعدها مأساة مقاومة كوباني التّاريخيّتين، من توحيد الفرقاء الكرد في كلمة واحدة.
مرّت سنوات، ولم يُحاسب أيُّ مسؤولٍ عن كلّ ما حدث للشَّعب الكرديّ الإيزيديّ في شنكال.
مرّت سنوات، ولم يخرج أحدهم بكلّ جرأة أمام الشَّعب ليُقدّم شرحاً واضحاً وحقيقيّاً لكلّ ما حدث، ولم يعتذر أحدٌ عمّا حدث.
مرّت سنوات، والبعض يحاول بكلّ ما أوتِيَ من قدرة تشويه سُمعة من تدخّلَ وحمى وحافظ على بقايا ما تبقّى من أرضِ وشعبِ شنكال.
مرّت سنوات، وقد تغيّرت القصص بحسب سرد أهواء البعض لها، وتغيّر معها أبطالُ القصص، ومن ثمّ تغيّرت الصور والتصريحات والرّوايات.
هكذا إذاً تتغيّر أحداث التّاريخ مع تغيُّر الأهواء وأصحاب الأهواء وقوّة أصحاب الأهواء، ومع مدى قدرتهم على الدَّفع وحشوِ المال في جيوب (الكُتّاب والصحفيّين وشهود عيان عميان)، فلا تصل إلينا الحقيقة كما هي، بل تصلنا على شكل حقائق مشتّتة ومتفاوتة ومتناقضة في الكثير من الفصول والأحداث والشُّخوص.
وطالما أنتَ ساكِتٌ عن الحقِّ، فإنَّ الباطل سيسرد قصّتك. وطالما أنتَ هاجِرٌ لقلمك, فإنَّ غيرك سيحمله عنك ويكتبك كما يحلو له.
نعرف جيّداً أنَّ صُراخ الباطل مرتفعٌ جدّاً فوق الحقّ، وضجيجه أكثر قدرةً على جذب الأضواء واعتلاء منصّات الخِطاب أمام عشرات الميكروفونات والعدسات والأعين الضبابيّة.
لذا دعنا نكتب، فلنكتبْ يومنا لكي يكون تاريخَ غدنا، وإن لم نكتب كلمةً فإنَّ حقيقتنا سوف تذوب في بحر الأكاذيب والقصص المُحبَّكة.
ماذا حدث لشنكال؟
ماذا حدث للإيزيديّين؟
ماذا حدث للقوّات الموجودة؟
ماذا حدث في الأيّام الأولى من شهر آغسطس/ آب عام 2014؟
هذا بالضبط ما سأحاول الإجابة عليه بين طيّات هذا الكتاب الذي حاولت بكلّ ما أوتيتُ من مَلَكَةِ العقل والإدراك، ومن التحلّي بالموضوعيّةِ والضمير والأمانة التّاريخيّة، تناولَ الأحداث التي كنتُ شاهداً على جُلِّها، أو أخذتُها مباشرة من شخوصها والشّاهدين عليها، فهنا كتابُ توثيقٍ لحقبةٍ مُهمّةٍ وكذلك مذكّرات ذاتيّة، وبالتالي تداخلَ الذّاتيُّ مع التوثيقيِّ والعامّ مع الشَّخصيّ، ويبقى الهدفُ من السّرد بكلّ تفاصيله، هو التزام الأمانة التّاريخيّة والقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة والواجب الوطنيّ والقوميّ. قد يشعر البعض بالانزعاج، وقد يفرح آخرون لبعض الفصول، بينما ينزعجون من فصول أخرى، وقد يَستهجِنُ غيرهم بعضَ الأطروحات والسَّرديّات التي لم يتعوَّد سماعها أو سماع ما قد يغايرها، وبالنتيجة كلّ ذلك لا يساوي شيئاً أمام الأمانة التّاريخيّة والضمير الحيِّ لأيِّ شخصٍ يُقدِم على تأريخ الفترة القريبة والمُعاشة، فهي من الخطورة بمكان أنها قد تدفع بالكثيرين للعزوف عن خوض غمارها حتّى لا يستفزّوا المكامنَ الخطيرة في مفاصل التّاريخ المعاصر.
شاءت الصُّدَفُ وضرورات المهامّ الثّوريّة أن أكونَ شاهداً على تلك الحِقبة، وإن كانت هنالك فضائل في كلّ ما جرى من مقاومة وبطولات, فهي بكلّ تأكيد بفضل الشُّهداء العظماء وكلّ المقاتلين الشُّجعان والقادة العسكريّين والسّياسيّين الرّائعين، الذين تضافرت جهودهم وعقولهم لتغيير مجرى الأمور في شنكال.
لكل الشُّهداء المجد والخلود، ولكلّ المقاتلين والقادة الشُّجعان التَّقدير والاحترام.
بولات جان
3-8-2021
*تصميم الغلاف: عنتر شَوو[1]