حاوره سردار ملا درويش
كرس حياته في السياسية من أجل قضية الشعب الكردي. لا يخشى الحديث عن استقلال دولة كردستان الكبرى، وأن استقلال كردستان تدعمه القوى الدولية، مع يقينٍ أن الوحدة لا تبني وطناً، دون وجود حلفاء أقوياء.
“محمد صالح جمعة” سياسي كردي حائز على درجة الدكتوراه في تاريخ الاقتصاد السياسي ومدرس في جامعة برلين في ألمانيا. انتسب عام 1959 لصفوف “الحزب الديمقراطي الكردستاني- العراق” كممثل عن الحزب السوري، وترأس وفد الطلبة الكرد في لقاء “الملا مصطفى البارزاني” عام 1970، كما رُشّح عضواً في اللجنة المركزية ثم المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني-العراق عام 1979، وعُيّن مستشاراً للرئيس مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان قبل أن يتقاعد.
– شبهت الربيع العربي ب “الشتاء العربي”، واعتبرت أن مشّهد الشرق الأوسط اليوم؛ لم يحدث منذ اتفاقية “سايكس بيكو”، ماذا تقصد بذلك؟
ما يحصل الأن لا يسمى ثورة، من وجهة نظري هي انتفاضة وليست ثورة، لأن الثورة كمفهوم أكبر من أن لا تنتصر بمبادئها. وفي سوريا لم تنتصر الانتفاضة لأن المفاهيم لم تتغير، السوريون وأدوا ثورتهم قبل نضجها، والنظام لعب دوراً كبيراً في تسيير الثورة كما يريد، وما يحدث في سوريا اليوم من كوارث لم يحدث إلا في زمن “هولاكو”.
أيضاً النظام خرج من المشهد بعد تصدر داعش الواقع، ويعود ذلك لعدم إدراك المجتمع العربي عامةً وليس السوري فقط لجوهر مفهوم الثورة الحقيقي، ومن هنا كانت النتيجة إعادة انتاج صراع يقارب عمره 1400 عام.
لو أرادت الانتفاضة الانتصار، كان يجب أن تنظر للأمام والاستمرار بها بشكل حضاري، لا بالعودة فكرياً إلى الخلف نحو صراع مذهبي.
– أين ترى مستقبل سوريا من الأوضاع القائمة في الشرق الأوسط؟
وضع سوريا لا يختلف عن دول المنطقة عامةً. هناك حقيقة أن الشعوب العربية لم تؤسس دولها بل أسسها حكام عرب على شكل دولة القبيلة أو دولة العشيرة أو دولة العائلة. لذا فمستقبل سوريا بات غامضاً، النظام وإيران هما من يتحكمان بواقع سوريا وبدعم مباشر من روسيا.
ما يؤسس لسوريا هو رسم فيدرالية قادمة، وبرغم محاربة السوريين لذلك وأيضاً تركيا، لكن هذا الشكل سيتم والأمر محسوم. ورفض هذا الشكل سيكرس المزيد من نزيف الدماء، على غرار العراق الذي لم تتفق كافة مكوناته على أن الفيدرالية هي الحل الأنسب. طبعا مرّد هذا الكلام أن الأمر خرج من يد السوريين، وبات بيد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهما يعملان على ترسيخ الفيدرالية في سوريا، وأيضاً ترسيخ الكونفدرالية في الشرق الأوسط بدعم ومطلب من “إسرائيل”، لذا يتطلب من السوريين التعامل مع هذا الواقع، ونسيان إعادة مركزية الدولة.
– برأيك أين الكرد من كل الخرائط التي تُرسم في المنطقة؟
الكرد أصدقاء الجميع، ودوماً مدّوا يد العون للجميع حتى الدول الإقليمية، مثلاً كنا نريد العيش مع الأتراك منذ عام 1514 لكن الجميع خاننا وطعن بنا بل وقاموا بمعاداتنا.
اليوم من حقّ الكرد أن يبحثوا في مصلحتهم وأن يتحالفوا مع أصدقاء جدد، فهم اليوم في ضفّة، وتركيا وإيران والعرب في ضفّتيّن أخريين. تركيا تحاول معاداة روسيا وأمريكا والجميع، “واعتقد هذا يخدم الكرد إلى حد بعيد في تحقيق هدفهم”، من هنا يجب علينا الاعتراف أن الملف السوري اليوم خرج من أيدي تركيا وإيران، ما يعني أن حدوداً جديدة لسوريا قادمة، وستكون مخالفة لحدود “سايكس بيكو”، الأمر يأتي في صالح الكرد حتماً وربما في صالح كردستان الكبرى.
– ما هو موقف إقليم كردستان العراق من الأوضاع الدائرة في سوريا منذ بدء الثورة السورية وحتى اليوم؟
إقليم “كردستان العراق” رغبته الدائمة هو بناء دولة سوريا الديمقراطية. اليوم الإقليم يرى أن مطلب الفيدرالية لسوريا سيساهم في وقف الدمار والقتل. وموقف الإقليم واضح ولا يمنع إيجاد كونفدرالية في الشرق الأوسط، المطلب الذي يخيف العرب والأتراك، بحكم أن العقبة الدائمة أمامهم هي دولة “إسرائيل”، وهذه عقبةٌ لهم، بالنسبة للكرد ليس بالضرورة أن يفكروا بهذه الطريقة، على العكس هم لا يمانعون التآلف مع “إسرائيل” التي تدعم بكل ثقلها السياسي والعسكري إقامة دولة كردستان.
– في مجمل آرائك تركز على مسألة الصراع الطائفي في المنطقة، والحديث عن الدور الإيراني والإسرائيلي والتركي، ما هي عوامل الربط بين هذه الدول؟
الصراع بين إيران والعرب لا يعود لمسألة طائفية، بل هو صراع سياسي قديم بين الفرس والعرب، لكن إيران تحاول دائماً إبقاء الصراع ضمن الإطار الديني والهدف هو السيطرة على منطقة “الشرق الأوسط” باسم الدين، وهذا الصراع لن ينتهي حتى تحل مسألة فصل الدين عن الدولة في المنطقة برمتها، آنذاك لن يبقى صراع يسمى (سنة وشيعة). أوربا لم تنته من صراعاتها إلا بفصل الدين عن الدولة. أيضاً اليوم يظهر الصراع الإيراني- السعودي في المنطقة؛ في حال استمراره سيكون دامياً ولن ينتهي، ولكن باعتقادي أنه في ظل التحالفات القائمة، وموقف الغرب من إيران، فالخاسر بالنهاية سيكون إيران، في حال استمرارها بالدفع باتجاه الصراع الديني.
– تقول في إحدى حواراتك إن دولة “كردستان الكبرى” غدت مطلباً للحلفاء الغربيين، ولن تستطيع أي قوة عرقلة إقامتها، من هم هؤلاء الحلفاء، وما هي الركائز التي تؤكد على الوصول لهذا المطلب، خاصةً وأن الكرد شهدوا طعنات تاريخية بخصوص استقلالهم؟
الدعوة لدولة كردية هي رغبة الكرد جميعاً، ولا أنكر أن ذلك لا يتحقق بالأماني، لكن سأشرح الفكرة: الدول المعادية للكرد كتركيا وإيران ونظامي سوريا والعراق اليوم يقفون على الجانب الأخر من الحلف الدولي الذي يتكون من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا و”إسرائيل” وبعض دول الخليج العربي، لذا ما يحدث لا يرسمه الكرد كي يلومهم العرب على ذلك، فقد قلت في عام 2011 إن “صدام حسين بظلمه للكرد أوصلهم إلى الفيدرالية، واليوم أقول إن بشار الأسد بظلمه للكرد سيوصلهم لدولتهم”.
إن مساندة دول الغرب و”إسرائيل” للكرد يأتي ضمن إطار إيجاد حليف في المنطقة، والكرد أثبتوا عدم عدائهم لأحد، فعندما حاولت تركيا الدخول لإقليم كردستان العراق ومنع إقامة إقليم كردي، طلب الغرب منهم العودة عن ذلك وقالوا لهم: “عودوا وإلا ما فعلناه في يوغسلافيا.. سيكون مصيركم”.
الكثير من الدول اليوم تدعم تحرر الكرد وإقامة دولتهم، ومن بينها “إسرائيل” والولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى، ليكون للكرد دور في الشرق الأوسط، هذه حقيقة ف”إسرائيل” أحد الداعمين لذلك، وهذا ما يجب أن يقبله الجميع، “أليس من حق الكرد أن يفكروا بدولتهم! وما هدف العرب من معاداة ذلك؟”.
– حديثك الدائم يكون عن كردستان، في سوريا المناطق الكردية تخضع لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقال إنه يتبع لفكر حزب العمال الكردستاني، فكيف ترى شكل المنطقة الكردية في حال بقيت المنطقة تحت إدارة سلطة واحدة، وكيف يكون الحل الأنسب للحفاظ على مكتسبات المنطقة ومستقبل شعبها؟
هناك لعبة توازنات في سوريا، لذا حزب الاتحاد الديمقراطي ال (#PYD#) يختلف عن واقع حزب العمال الكردستاني في تركيا، فالولايات المتحدة لا تتدخل اليوم في صراع تركيا مع حزب العمال الكردستاني، لكن في سوريا لا يوجد عداء أمريكي مع حزب الاتحاد الديمقراطي. وهذا يدعونا للقول إنه على الاتحاد الديمقراطي إما اتخاذ قرار الوقوف إلى جانب المجتمع الدولي، ونسيان محور إيران والنظام السوري – برغم أن إيران ستتمسك بدعمها له-، وإما أن يغير الحزب نفسه وفكره في المستقبل، وإلا لن يكون له دور، هذا إن لم يشهد الحزب انقسامات داخلية مستقبلاً بسبب الرؤى الحالية البعيدة عن المطلب الجوهري للكرد، لكن اعتقد أن الحزب بات يدرك اليوم أن تحالف الغرب مع الكرد هو من أجل فيدرالية المنطقة.
أود الإضافة أن مستقبل المنطقة الكردية والملف برمته يقوده إقليم كردستان العراق بقيادة مسعود البارزاني، وهو حليف أساسي للغرب اليوم، وهذه حقيقة لا تُخفى، لكن هذا لا يعني بأن تصل الأمور لصراع كردي- كردي، فهذا الأمر مرفوض وهو خط أحمر، ولن يقبله إقليم كردستان العراق ولا أي طرف كردي أخر.
– من وجهة نظرك كسياسي سوري عمل ضمن تأسيس البارتي في سوريا وانتقل إلى البارتي الديمقراطي العراقي، ما هو حجم اهتمام إقليم كردستان بالمناطق الكردية في سوريا؟
هذا السؤال يعيدنا إلى نقطة الفيدرالية مرةً أخرى، صحيح إن إقليم كردستان العراق لم يتدخل بشكل مباشر في واقع الكرد السوريين، لكن عندما تتطلب الحاجة والمساعدة لم ولن يتوانى، فقد شاهدنا هذا في “كوباني” عندما ازداد الخطر على الكرد، دخل مقاتلو البيشمركة وساعدوا “وحدات حماية الشعب” ضد داعش، فأينما حل الخطر على الكرد، سيكون الإقليم داعماً وسنداً لهم، وهذه حقيقة لا ترضي النظام السوري وإيران اللذان يريدان التحكم ب”حزب الاتحاد الديمقراطي”.
هناك أمر أخر أود الإشارة إليه، بأن النظام السوري لم يعد يستطيع استفزاز المنطقة الكردية في سوريا، أو ضربها، وذلك لمعرفته أن المجتمع الدولي لن يسمح بذلك. وفي النهاية كرد سوريا هم سيختارون من يقودهم مستقبلاً.
– داعش بات يتصدر المشهد الدولي من بوابتي العراق وسوريا، والمقاتلون الكرد هزموا التنظيم، فهل إزالة مشروع داعش سيخدم الكرد؟
حرب داعش ضد الكرد ودفاع الكرد عن أنفسهم كان له ضريبة كبيرة، ولكن في الوقت نفسه كان إيجابياً، فداعش الذي حارب الكرد ويقسم المنطقة، ساهم في تشكيل بداية طريق للكرد نحو رسم طريقهم ومستقبلهم. ومن يدرك ربما يصبح داعش بعدائه للكرد سبباً بتشكيل دولة الكرد. ويعود ذلك إلى أن دولتين بحجم العراق وسوريا لم تستطيعا الوقوف في وجه داعش، لكن الكرد استطاعوا. لذا فمشروع “سايكس بيكو” انتهى، والكرد باتوا محوراً مهماً في المنطقة اليوم.
يجب أن يفهم الجميع بأن الكرد لم يعادوا أحداً، وأنهم يرغبون بالتعايش مع العرب، كان “الملا مصطفى البارزاني” يقول “لسنا ضد العرب لكننا ضد الحكام العرب”، وإقليم كردستان العراق اليوم مع مطالب الشعب السوري، لكن هذا لا يعني أن يعادي الكرد الولايات المتحدة وروسيا اللتين تدعمان إقامة دولة أو فيدرالية للكرد.
أيضاً الكرد غير مجبرين على البقاء مكتوفي الأيدي عند مهاجمة داعش لمناطقهم دون أن يحموا أنفسهم ومنطقتهم، لذا اعتقد أن العرب يجب أن يكونوا قريبين من الكرد ويعترفوا بحقوق هذا الشعب، فلن ينفعهم العداء، وعليهم التفكير بشكل منطقي أن هناك خرائط ترسم اليوم، ويجب السير حسب واقعها كي لا يخسر الجميع، “لن نستطيع الانجرار والدخول في أتون حرب (سنية- شيعية)، فجميع الدول الإقليمية كانت على عداء مع الكرد عندما لم يكن للكرد أصدقاء، واليوم أيضاً يعادون الكرد لكن للكرد أصدقاء وداعمين”.
– الشارع الكردي في سوريا يقال إنه بات ينقسم لاتجاهين، أحدهما يمثله “قنديل” والأخر “إقليم كردستان”، إلى أي حد هذا الوصف دقيق، وكيف تستطيع الجهتان التوافق بخصوص كرد سوريا؟
هذا الأمر صحيح، وليس من السهل إجماع الطرفين، في الواقع هناك نقطة سياسية مهمة، هناك طرف لجانب الإقليم والأخير حليف الولايات المتحدة والغرب سياسياً وعسكرياً، بينما الطرف الأخر على الأقل سياسياً قريب من إيران، وعلينا الاعتراف أن إيران لن تجلب للكرد حقوقهم، كما أنها ليست طرفاً يُعتمد عليه. من هنا على قنديل إدراك أن النظام السوري زائل، وأن إيران ليست من سيحدد شكل سوريا المستقبلي، وإن كان اعتماد قنديل على النظام السوري وإيران فمن الأفضل ألا يبقى في سوريا، إلا في حال غير من تفكيره وعمل على توافق كردي- كردي. طبعاً هذا الكلام لن يرضي الكثيرين، لكن حقيقة المسألة أعقد بكثير من الأمنيات، لأن لا أمل في السير خلف محور (إيران والنظام السوري)، كما لن يكون هناك دور مستقبلي كبير لأي طرف كردي لن يرسخ الفيدرالية. في النهاية هناك مساندة عسكرية أمريكية لوحدات حماية الشعب، ربما تتوج مستقبلاً بدعم سياسي في حال غيرت السلطة الحالية من سياستها.[1]