الكورد واستقلال سوريا 1939-1946 …
برهان نجم الدين شرفاني *
مجلة الحوار – العدد /70/ – صيف 2017
موقف فرنسا من الحقوق القومية الكوردية في سوريا.
مشاركة الكورد في الحياة السياسية السورية.
موقف فرنسا من الحقوق القومية الكوردية في سوريا
كان السياسيون الفرنسيون ينظرون إلى سوريا، منذ بداية احتلالها، على أنها لا تشكل وحدة سياسية واجتماعية، وتدل على ذلك الرسائل البرقيات المتبادل بين الجنرال غورو ورئيس الوزراء الفرنسي ميلران بين السادس والثالث والعشرون من آب 1920، والموجودة في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية(1). ففي برقية سرية من ميلران إلى غورو تحمل عنوان: (مخطط لتنظيم الانتداب الفرنسي في سوريا)، يورد الأسباب التي من أجلها تمت تصفية الحكم العربي الفيصلي في دمشق، فيرى أنه من غير الممكن إقامة دولة واحدة، بل يجب إقامة سلسلة من الدول، تتناسب وتنوع الأعراق والديانات والحضارات، يمكن أن تشكل فدرالية تحت السلطة الفرنسية العليا. ويشرح ميلران إمكانية إنشاء هذه السلسلة من الدويلات أو الاستقلالات الإدارية، ويتطرق لوضع لبنان وإسكندرون وسوريا الداخلية والقبائل العربية. أما ما يسميه البلاد الكوردية، والتي تضم عنتاب، بيره جك، كلس، والأراضي الكوردية (شرق الفرات مع أورفة وماردين)، ويقصد بها منطقة الجزيرة وجزيرة بوتان، وهي مناطق تقع في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، فأن ميلران يرى، أنه لا يمكن إدخال هذه المنطقة في الفدرالية السورية، لأنها تفتقد إلى رابطة قومية مع سوريا، وأنه من الممكن مبدئياً تسليم الحكم فيها إلى أحد الزعماء المحليين مثل (محمد بك) زعيم عشائر المللية الكوردية، على أن يجري تعديل رسم الحدود كي لا تقسم عشائر المللية إلى قسمين. وبرأيه أن مثل هذا الوفاق مع الكورد، وتوطين عناصر كلدانية وآشورية على طول خط سكة الحديد في شرق الفرات، يضع فرنسا في وضع سياسي مثالي حيال كوردستان. ويخلص ميلران للقول إنه يجب أن يتغلغل النفوذ الفرنسي إلى المناطق الكوردية ولكن بحذر، وبناءاً على طبيعة هذا التغلغل، سيتم تقرير إذا ما كان بالإمكان دمج هذه المنطقة في الاتحاد السوري أو إقامة نظام مستقل لها. ولكن في الوقت الحاضر – يقول ميلران – يجب إقامة تمييز واضح بين هذه المناطق والبلاد السورية (2).
تكشف هذه الرسالة السياسة الفرنسية التي ستتبع في المناطق الكوردية، فعملت فرنسا خلال الأعوام الممتدة من عام 1920 – 1932 على توطيد نفوذها في المناطق الكوردية. إلا أنه في البداية لم تكن تشمل منطقة نفوذها، إلا منطقة كورداغ. وبعد عام 1921، استطاعت أن تتغلغل إلى منطقة الجزيرة، وتضعها تحت السيطرة العسكرية الفرنسية المباشرة(3).
عند دخول فرنسا كقوة منتدبة على سوريا، وبعد القضاء على الدولة العربية الفتية، في تموز 1920 واحتلال دمشق، بدأت ببسط سيطرتها على البلاد، وقامت فرنسا بتقسيم البلاد إلى خمس دويلات (دمشق – وحلب – ودولة لبنان الكبرى (الموارنة) ([4]) ودولة جبل الدورز(5) ودولة العلويين(6). واعتبرت فرنسا أن مهمتها كدولة منتدبة على البلاد، تقضي عليها بإتباع سياسة تثقيفية على المدى البعيد في الحقلين الإداري والسياسي، مع إظهار الاحترام لرغبات الأقليات، ولذلك لم تتردد فرنسا اعترافها بوجوب وجود دولتين مستقلتين في المنطقة التي سلمت لها، هما لبنان وسوريا، وقسمت سوريا إلى الأقسام السابقة، (بمنح الأقليات الدينية والطائفية كيانات خاصة بها)، مراعية بذلك الظروف الإقليمية والطائفية(7). وقامت فرنسا كجزء من سياسة فرق تسد التجنيد العسكري، إلى استغلال التركيبة الاجتماعية بتنوعاتها السكانية الاثنية والدينية، من خلال العمل على تجنيد فرق خاصة من القوى المحلية من الدروز الشركس والعلويين والكورد، عام 1921، تحت أمرة ضباط فرنسيين، أطلق عليها اسم (قوات المشرق الخاصة )، ومن ثم الاعتماد عليها في بسط سيطرتها على الكثير من مرافق الحياة في البلاد (8).
أما بالنسبة للكورد والذين يشكلون ثاني أكبر مجموعة قومية في سوريا من حيث السكان، لم تمنحهم فرنسا، الاستقلال الذاتي الذي طبقته في مناطق أخرى، ولم تلتفت إليهم في هذه التسوية، أي أنها لم تحقق ما حققته لغيرهم، من الدروز والعلويين مثلاً، رغم كون الكورد يشكلون أكثرية دينية وعرقية في مناطق سكناهم(9). ومع ذلك فأن تعاون سلطات الانتداب مع الكورد في سوريا، كان قد تم في فترة مبكرة، وذلك من خلال تحرك بعض العشائر الكوردية الموجودة في منطقة الجزيرة، الذين رغبوا في الاستفادة من الوجود الفرنسي للقيام بالعمليات العسكرية ضد عدوتهم التقليدية (تركيا) (10). وذلك عقب إعلان فرنسا أنهم سيساعدون العرب والكورد ضد الأتراك. ولتحقيق ذلك الهدف، توجه إسماعيل بك وتمر بك بأمر من محمود بك زعيم عشائر المللية، إلى حلب لمقابلة قائد القوات الفرنسية الجنرال الفرنسي (دي لاموت) عام 1920، وخلال اللقاء، تم الاتفاق بين الطرفين (الكوردي – الفرنسي) على اتفاق ينص على تعهد فرنسا مبدئياً بتحقيق نوع من الحكم الذاتي في المناطق الكوردية، بقيادة زعماء المللية، مقابل قيام العشائر الكوردية بطرد المخافر التركية في المنطقة، وبذلك قدمت السلطات الفرنسية كميات من الأسلحة إلى العشائر الكوردية، التي تمكنت من دحر المخافر التركية في مناطق: الرقة دير الزور والبوكمال والميادين، واستلموا السلطة في دير الزور أكثر من عام، وواصلوا تقدمهم باتجاه ويرانشهر(11).
تغيرت الظروف الدولية، بعد انتصار الحركة الكمالية، وقيام الدولة التركية الحديثة، ونتيجة تحسن العلاقات الفرنسية – التركية، بعد عقد اتفاقية فرإنكلين – بويون في العشرين من تشرين الأول عام 1921، وبموجب ذلك انتهت أيام التعاون (الكوردي – الفرنسي)، بمجرد ظهور بوادر تحسن العلاقات بين تركيا وفرنسا، وتمثل ذلك بطلب السلطات الفرنسية من رؤساء العشائر الكوردية، بإلقاء أسلحتهم والتوقف عن محاربة الأتراك (12).
لاشك أن الموقف الفرنسي تجاه الحقوق القومية الكوردية في سوريا كانت تتحكم فيه عوامل متداخلة، تأتي في مقدمتها الرغبة الفرنسية بعدم إثارة الحفيظة التركية على الجانب الآخر من الحدود السورية الشمالية، والتي كانت تراقب أوضاع الكورد السوريين عن كثب، ولا ترغب في غض الطرف عنهم، لاسيما أن العلاقات التركية – الفرنسية، شهدت نوعاً من الهدوء بعد عقد الاتفاقية السابقة، بسبب انشغال تركيا بمشكلة الموصل، وحرصها في هذه الفترة على ضمان حياد الموقف الفرنسي تجاه المشكلة، فضلاً عن الرغبة الفرنسية في التقرب من تركيا، وكان ذلك يعني أن الطرفين قد استطاعا اجتياز الأزمة التي حدثت بينهما عام 1922، بسبب حشد تركيا لقواتها على الحدود مع سوريا، وتهديد منطقة الإسكندرونة (13).
إن المعارضة التركية العنيدة ورفضها لأي مستقبل سياسي للكورد، ليس في كوردستان سوريا فحسب، بل في بقية أجزاء كوردستان الأخرى؛ دفعت فرنسا إلى استثمار القضية الكوردية وتوظيفها لصالحها، وتحويلها إلى ورقة ضغط على تركيا طوال عقود الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي(14).
أخذ الفرنسيون ينظرون إلى الكورد في سوريا، على أنهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات، ولم تلتفت إليهم، وتعتبرهم قومية ذات خصائص معينة، كما لم تولي وضعهم السياسي والقومي أي اهتمام، وغضت الطرف عنهم، ولم تسمح لهم حتى بإدارة منطقتهم من قبلهم، أو حتى دراسة لغتهم القومية في مدارس منطقتهم، بجانب اللغة الرسمية(15). كما فعلت مع غيرهم من القوميات المسيحية والدرزية، فلم تعطي فرنسا استقلالاً داخلياً للكورد بالدرجة التي أعطتها لجبل الدروز، كما أنها لم تشأ تقوية الكورد على حساب العناصر الغير إسلامية التي كانت تعيش بين ظهرانيهم كالأرمن وغيرهم، فضلاً حرصها على علاقاتها بالدول المجاورة في العراق وتركيا (16). ولم تتردد فرنسا في وضع المناطق الكوردية في الجزيرة تحت ادارتها العسكرية المباشرة (17).
كانت مثل هذه المواقف كفيلاً بظهور بوادر النقمة الكوردية، وسادت حالة من عدم الاستقرار في العلاقات (الكوردية – الفرنسية)، تحولت فيما بعد إلى مصادمات عسكرية وحالة من الشدة والعنف والتوتر بين الطرفين، في المناطق الكوردية، في الجزيرة وكورداغ، لذلك تأخر الفرنسيون في بسط سيطرتهم على منطقة الجزيرة سيطرة كاملة حتى عام 1926، حيث كان نفوذ رؤساء العشائر الكوردية قوياً، وذكرت أحدى التقارير البريطانية أن منطقة الجزيرة حينذاك كانت (مركزاً لفعاليات حاجو آغا) (18).
يمكن القول أن نضال الكورد ضد الاحتلال الفرنسي من عام 1920 – 1926، كانوا لا يبغون سوى طرد الفرنسيين، ولم يطرحوا أو يطالبوا بأي مطلب خاص بهم، سياسي أو ثقافي أو إدارة ذاتية مستقلة، ولا يخفى أن السبب في عدم طرح شعارات خاصة بهم، يكمن في تخلف المجتمع الكوردي في كوردستان سوريا في تلك المرحلة، في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكانت تعيش حالة من التأخر والتخلف، لذلك لم يمنعهم ذلك من معاداتهم للاحتلال الفرنسي(19).
أما بالنسبة للعامل الداخلي البارز في التوجه الفرنسي، فيعود إلى افتقار العديد من الشخصيات الكوردية النافذة في المجتمع الكوردي حينذاك إلى رؤية سياسية واضحة، حيث كان الشعور القومي ضعيفاً، وكان الشعور الديني هو الغالب، جراء التثقيف بمثل هذا الاتجاه من قبل رجال الدين والشيوخ المتنفذين، من الذين رسخوا في أذهان عامة الناس، أن لا فرق بين عربي وتركي وكوردي ما دام الإسلام يجمعهم(20). وقد وجد قرب قامشلو، في قرية خزنة مدرسة شرعية، وتكية أنشأها الشيخ أحمد الخزنوي أحد شيوخ الطرق النقشبندية، وأسس فرعاً للطريقة باسم الخزنوية (مازالت موجودة إلى اليوم)، ولها آلاف المريدين، لم تلعب دوراً مؤثراً في الأحداث خلال فترة الانتداب، ومثلها المدرستين الدينيتين لتعليم العلوم الشرعية في عامودا (21).فضلاً عن أن بعض القبائل الكوردية قد وقفت ضد الحكم الذاتي الكوردي في منطقة الجزيرة منذ عام 1934، ومنها عشيرة الكابارا بقيادة زعيمها شيخموس الهسو مع بعض القبائل الكوردية الأخرى، التي أدت دوراً مهماً في التحالف الوطني العربي – الكوردي، لمنع إقامة الحكم الذاتي للكورد(22).
كما تشكلت في حلب جمعية كوردية باسم (كردستان جمعيتي) في 16 شباط عام 1925، لمناصرة أحد أبناء السلطان عبد الحميد ليكون حاكماً على كوردستان(23). أما في منطقة جبل الكورد، فقد ساهمت الدعاية الكمالية ودعاية الوحدة الإسلامية في إثارة الاضطرابات والانشقاقات بين العشائر الكوردية(24). وقام الأتراك إلى تنظيم أجهزة سياسية موالية لهم داخل المقاومة الكوردية ضد الاحتلال الفرنسي، وكانوا يهدفون من وراء ذلك إلى انضمام المناطق الكوردية إلى دولتهم التركية، مستغلين في ذلك، العلاقات التاريخية والاقتصادية والقومية القديمة، بين سكان جبل الكورد والمراكز الإدارية (كلس – قره خان – الريحانية)، وخاصة أن السكان في الطرف الآخر (التركي)، هم كورد ويرتبطون ببعضهم على طرفي الحدود بعلاقات القربى. وأنشأوا حلقات دعائية تركية، ووزعوا عليها المنشورات، والتي اتخذت وسيلة لإظهار الدولة التركية بمظهر الدولة المتمدنة، لذلك لم يتردد بعض زعماء العشائر من الانضمام إلى هذه الدعاية، ومطالبتهم، ضمهم إلى تركيا، امثال (باي محمد) من عائلة شيخ إسماعيل زاده، وعدد آخر من الكورد الذين خدعوا بسياسة تتريك المنطقة(25). وفي غياب الحس القومي الكوردي في هذه المنطقة، قامت بين أعوام 1930 – 1940 حركة دينية اجتماعية سميت بحركة المريدين، لمحاربة الاحتلال الفرنسي في المنطقة، معتمدة في ذلك بالدرجة الأساس على الرابطة الدينية(26).
تنبهت السلطات الفرنسية إلى الدعاية التركية في منطقة جبل الكورد، وفي سياق ذلك عملت على استغلال الشعور القومي الكوردي، فلجأوا إلى زمر من الأغوات المناوئين لهم، والمخدوعين بسياسة التتريك، فجمعوا بعض الأغوات والوجهاء وعرضوا عليهم إقامة حكم ذاتي كوردي، أو ما يشبه دويلة كوردية، ومن جهة أخرى افتتحت المدارس في القرى الرئيسية، واهتمت بتدريس اللغة الفرنسية، إلا أنها أوقفت مخططها الكوردي فيما بعد ، بسبب انتهاء النزاع بين الفرنسيين والأتراك على مشاكل الحدود، أثر التنازل عن لواء اسكندرون للأتراك، مقابل تخلي الأتراك عن أطماعهم في منطقة جبل الكورد(27). كما أن عدم نضوج الشعور القومي عند الزعماء والأغوات والشخصيات الكوردية المتنفذة، والذين دعتهم السلطات الفرنسية للاجتماع، نشأت بينهم الخلافات من أول اجتماع، فضلاً عن عدم ثقتهم بالفرنسيين الأجانب، وخوفهم من انقلابهم عليهم، لذلك اتصل الكورد بالحركة الوطنية السورية (الكتلة الوطنية) في مناطق حلب، للتنسيق والوقوف بوجه السلطات الفرنسية(28).
ويتضح من ذلك جلياً أن الحقوق المتواضعة التي منحتها فرنسا للكورد، لم تدفع الشخصيات الكوردية النافذة إلى المطالبة بوضع خاص أو بالحكم الذاتي، بسبب افتقادهم إلى الرؤية السياسية الواضحة، بعكس الدروز وغيرهم الذين كانوا قد سبقوا الكورد بمراحل في مجال الثقافة والحركة القومية، فمن المعروف أن الدروز قد عبروا عن موقفهم المنادي بالرغبة في عدم الالتحاق بأي سلطة مركزية سورية(29)، من خلال مقررات المؤتمر الدرزي العام الذي عقد في السويداء في العشرين من كانون الأول عام 1920، والذي أكد على قيام حكومة وطنية مستقلة لجبل الدروز استقلالاً إدارياً واسعاً تحت الانتداب الفرنسي، كما نص على تعهد الإدارة الفرنسية عدم أجبار الدروز، الدخول في مشروع الوحدة في البلاد السورية فيما بعد (30).
وعلى الرغم من ضعف الحركة القومية الكوردية في سوريا في طرح مطالبها بقوة، يستنتج من تقرير بريطاني أن سلطات الانتداب الفرنسي كانت على علم بتطلعات الكورد القومية في سوريا، فقد أكد ضابط في مكتب الاستخبارات الفرنسية في بيروت، على أن الكورد المتنفذين في سوريا كانوا يتمتعون بفكر سياسي ناضج، وأن فكرة الكورد في سوريا عن كوردستان هي: ( تلك الأرض التي تمتد من خليج الاسكندرونة إلى كوردستان إيران، وأن عاصمة كوردستان هي ديار بكر، وذكر انه من المتوقع أن تقوم السلطات الفرنسية بمنح الكورد نوع من الحكم الذاتي يمتد عبر الشمال والشمال الشرقي من سوريا ) (31).
يبدوا ان الضابط الفرنسي لم يحسب فيما ذهب اليه، اي حساب للمعارضة التركية الشديدة، التي كانت تعارض أي تقدم تحرزه الحركة الكوردية، وكانت تركيا تبدي قلقها إزاء النشاط القومي الكوردي، وتنظر الى المناطق الكوردية التي الحقت بسوريا على انها مناطق تعود لها، وعندما تشكلت لجنة ترسيم الحدود التركية-السورية عام 1928، ادعت تركيا أن حدودها يجب أن تشمل منطقة الجزيرة، بحجة أن العناصر السكانية التي تسكن الجزيرة هي كوردية، وتريد البقاء معها، لكن ذلك اصطدم بالرفض الفرنسي وعدها مطامع تركية غير مبررة(32).
ومن الجدير بالذكر أن بريطانيا التي كانت لا تريد إثارة الأتراك والفرنسيين بعد حسمها مشكلة جنوب كوردستان (ولاية الموصل)، بضمها إلى صنيعتها المملكة العراقية، حذرت ضابط ارتباطها في بيروت من التطرق في المستقبل، إلى قضية الكورد وحقوقهم بأي شكل من الأشكال(33). وهذا ما دفعها إلى الاتصال بالمفوض السامي الفرنسي في بيروت لاتخاذ موقف صارم ضد جمعية خويبون، فعمدت السلطات الفرنسية في صيف عام 1928 إلى إغلاق مكتب خويبون في حلب، وأمرت بتحديد نشاطهم، ونتيجة لذلك أضطر قادة خويبون الالتزام بما تعهدوا به لفرنسا سابقاً من اقتصار عملهم ونشاطهم السياسي على كوردستان تركيا فقط(34).
اعربت فرنسا استعدادها لاطلاق مرحلة جديدة من الديمقراطية وانتخاب جمعية تاسيسة، تستطيع من خلالها فئات المجتمع السوري، تحديد مواقفها، لاعداد مسودة دستور، يتوافق مع تطلعاتها السياسية(35). وأثناء انعقاد الجمعية التأسيسية، قدمت المجموعات الكوردية من الزعماء والمثقفين، التي كانت تتولى الحراك السياسي الكوردي في سوريا، وثيقة إلى الجمعية التأسيسية السورية في 23 حزيران 1928، والتي طالب الموقعون عليها بتوفير الوسائل الكفيلة للحفاظ على ثقافتهم القومية، كي يصبحوا أعضاء نافعين في الدولة السورية. كما تضمنت مذكراتهم عدة مطالب، منها: استعمال اللغة الكوردية مع اللغات الرسمية الأخرى في المناطق الكوردية، وتدريس اللغة الكوردية في المدارس التي تقع ضمن المناطق الكوردية، واستبدال الموظفين الذين يعملون في المناطق الكوردية بموظفين كورد. كما تضمنت المذكرة أيضاً فكرة تشكيل قوة عسكرية كوردية بإدارة فرنسية لحماية الحدود، وتقديم التسهيلات للمزارعين الكورد في الجزيرة، واستثمار الأراضي زراعياً(36).
(الجزء الثاني…يتبع في العدد القادم)
————————————————
*(الدراسة فصل من رسالة الماجستير التي تقدم بها الباحث إلى جامعة زاخو- كردستان العراق، بعنوان ” كوردستان- سوريا خلال الانتداب الفرنسي” 1921- 1946″ وخصّ مجلة “الحوار” بهذا الفصل الذي ينشر على جزأين)
(1) نقلاً عن: وجيه كوثراني، بلاد الشام – السكان – الاقتصاد والسياسة الفرنسية في مطلع القرن العشرين- قراءة في الوثائق، (بيروت، 1980)، ص 218.
(2) المصدر نفسه، ص ص 219 – 221.
(3) Philippe Gouraud, Le General Henri Gouraud Au Liban Et En Syrie 1919 – 1923, (Paris,1993), p. p. 50 – 79 .
(4) الموارنة: طائفة مسيحية كاثوليكية، يؤلفون أكبر مجموعة مسيحية في لبنان من حيث العدد، سميت بهذا الاسم نسبة إلى القديس مارون عام 410م. والمعروف بأبي الموارنة، والمؤسس لهذه الطائفة التي انتشرت في سوريا ولبنان. وكانوا يتبعون الكنيسة الشرقية، ثم تحولوا إلى الكنسية الغربية فيما بعد، احتفظوا بطقوسهم باللغة السريانية، واخذت الجمعيات الكاثوليكية في مطلع القرن التاسع عشر، تعليمهم اللغة الفرنسية، فأصبحوا أكثر ميلاً نحو فرنسا. للمزيد ينظر: جلال كاظم محسن الكناني، الإدارة الفرنسية في سورية 1920 – 1936، أطروحة دكتوراه غير منشورة، مقدمة إلى مجلس كلية التربية (أبن رشد) جامعة بغداد، 2009 ، ص 97؛ فدوى أحمد محمود نصيرات، المصدر السابق، ص 146.
(5) طائفة دينية من سكان سوريا ولبنان، برزت إلى الوجود عام 1017م، في القاهرة في عهد الخليفة الفاطمي السادس بأمر الله. ويختلف مذهبهم من الناحية الفقهية عن باقي المذاهب الدينية. بعد الاحتلال الفرنسي منح الدروز في سوريا، استقلالاً إدارياً واسعاً عام 1921. وأصبح سلمي الأطرش أول حاكم لدولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء، للمزيد ينظر: سمير عبده، الدروز في سوريا، نشأتهم – تطورهم – تعدادهم، (دمشق، 2006)، ص 35؛ ذوقان قرقوط، المشرق العربي في مواجهة الاستعمار قراءة في تاريخ سورية المعاصر، (القاهرة، 1978)، ص ص156 – 157.
(6) تعرف هذه الطائفة باسم (النصيرية) ايضاً، وهي من فرق الشيعة الباطنية، سميت بالعلوية نسبة إلى الخليفة علي بن أبي طالب، ينتشرون في سوريا في منطقتين: اللاذقية وطرطوس وتوابعهما. أعلنت دائرة مستقلة عام 1920. ثم تحولت عام 1922 إلى دولة العلويين بموجب قرارات السلطة الفرنسية. للمزيد ينظر: سمير عبده، العلويون في سوريا، نشأتهم – تطورهم – تعدادهم، (دمشق، 2007)، ص 33؛ يوسف الحكيم، سورية والانتداب الفرنسي…، ص 62.
(7) بيير روندو، مستقبل الشرق الأوسط، تعريب: نجدة هاجر، سعيد الغز، (بيروت، 1959)، ص 107.
(8) للمزيد ينظر: باتريك سيل، الأسد والصراع على الشرق الأوسط، (لندن، 1988)، ص 37؛ بيرش بيربروجلو، اضطراب في الشرق الاوسط، ترجمة: فخري لبيب، (القاهرة،2002)، ص 82 .
(9) أمل مخائيل بشور، دراسة في تاريخ سوريا السياسي المعاصر، (بيروت، 2003)، ص 32 – 33؛ علي صالح ميراني، الحركة القومية الكوردية…، ص 60.
(10) علي صالح ميراني، الحركة القومية الكوردية…، ص 60.
(11) محمد علي بك إبراهيم باشا، المصدر السابق، ص ص 92 – 93.
(12) المصدر نفسه، ص 93.
(13) المصدر نفسه، ص 61.
(14) محمد علي بك إبراهيم باشا، المصدر السابق، ص 61؛ مجلة الحوار، مقال بعنوان، خصوصية القصية الكوردية في سوريا، العددان (62 – 63)، السنة السابعة عشر، قامشلو، تشرين الأول، 2010، ص 9.
(15) وليس أدل على ذلك أن مصطفى بوتي أحد الشباب الكورد في عين ديوار، قدم طلباً إلى الضابط الفرنسي المحلي في البلدة، بفتح مدرسة يكون التعليم فيها باللغة الكوردية، وبعد الموافقة الرسمية من الضابط المحلي، جاء الرفض الفرنسي من بيروت، وذهب الضابط الفرنسي إلى مصطفى بوتي بالقول: ” أن هذا الأمر غريب، وغير معقول أطلاقاً…كيف يمكن لحكومتي أن ترفض حقاً أساسياً وطبيعيا كهذا، حق تعليم القراءة والكتابة بلغتهم “. ينظر: نور الدين زازا، المصدر السابق، ص 102.
(16) حامد محمود عيسى، المشكلة الكوردية في الشرق الأوسط منذ بدايتها حتى سنة 1991، (القاهرة، 1992)، ص350.
(17) فيليب خوري، المصدر السابق، ص 85.
(18) (د. ك. و) ملف تشكيل دولة كوردية مستقلة 1924 – 1926، تقرير سفير صاحب الجلالة البريطانية في استبنول، في 22 تموز 1926.
(19) رشيد حمو، المسألة الكوردية في سوريا…، ص ص 16- 58.
(20) علي صالح ميراني، الحركة القومية الكوردية…، ص 62.
(21) عمار علي السمر، المصدر السابق ، ص 120.
(22) رمى شيخو الفرحة، المصدر السابق، ص 109.
(23) عبد الفتاح علي البوتاني، وثائق بريطانية عن تشكيل دولة كوردية مستقلة 1924 – 1927، (اربيل، 2008)، ص54.
(24) ناليدا فوكارو، أكراد سورية، بدايات التعبئة القومية في ظل الحكم الفرنسي، مجلة الحوار، العدد (40)، السنة العاشرة، قامشلو، صيف – 2003، ص ص 14 – 15.
(25) مجلة دراسات اشتراكية، دخول الأفكار الشيوعية إلى جبل الأكراد…، القسم الأول، ص ص190 – 191.
(26) روجيه ليسكو، ثورة جبل الأكراد…، ص 39.
(27) مجلة دراسات اشتراكية، دخول الأفكار الشيوعية إلى جبل الأكراد…، القسم الأول، ص 191.
(28) المصدر نفسه. ص 191
(29) علي صالح ميراني، الحركة القومية الكوردية…، ص 62.
(30) للمزيد ينظر: ذوقان قرقوط، المشرق العربي…، ص ص 156 – 157؛ حسن الحكيم، المصدر السابق، ص 257.
(31) عبد الفتاح علي البوتاني، الحركة القومية الكوردية التحررية دراسات ووثائق، تقديم الأستاذ الدكتور: خليل علي مراد، (اربيل، 2004)، ص 94.
(32) المصدر نفسه، ص 94
(33) المصدر نفسه، ص 95.
(34) محمد ملا أحمد، جمعية خويبون…، ص 95.
(35) ابراهيم محسن، المواجهة الوطنية ضدالفرنسيين خلال فترة الانتداب (1920-1946)، مجلة دراسات تاريخية،السنة الثامنة عشر،العددان(63-64)، جامعة دمشق، اذار- حزيران، 1998، ص197 .
(36) سعد ناجي جواد، الأقلية الكوردية…، ص 15.
[1]