(تركيا) ..... الى أين؟ (31) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني .2 إختيار برلمان كوردستاني و تأسيس مجلسٍ للأمن الوطني الكوردستاني
د. مهدي كاكه يي
البرلمان
في الحلقة السابقة تحدثنا عن إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية و التي ستُمثّل السلطة التنفيذية لكوردستان (الحكومة الكوردستانية) التي ستقوم بإدارة العمل لتحقيق أهداف النضال الكوردستاني. عدد أعضاء السلطة التنفيذية سيكون محدوداً و موزعاً على مختلف الإختصاصات و المجالات. الشعب الكوردستاني بحاجة أيضاً الى برلمان يقوم بسَنّ القوانين و الإشراف على عمل الهيئة التنفيذية و مراقبة أعمالها و تقييم أدائها و النظر في المقترحات المُقدّمة من قِبل هذه الهيئة و تصديق القرارات الصادرة منها، بالإضافة الى تمثيل الشعب الكوردستاني. يتم تحديد عدد أعضاء البرلمان الذين يمثلون كل إقليم كوردستاني تبعاً للنسبة المئوية لنفوس كل إقليم في كوردستان مع مراعاة تمثيل القوميات و الديانات و الطوائف الكوردستانية و النساء و الشباب في البرلمان. قد تُثير هذه المراعاة لتمثيل مكونات شعب كوردستان في البرلمان التساؤل عند البعض، إلا أن أخذ مثل هذا التمثيل في الإعتبار يكون ضرورياً في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور، حيث أن المجتمع الكوردستاني لا يزال مجتمعاً زراعياً متخلفاً بشكل عام و أن العائلة و العشيرة و القومية و الدين و المذهب تلعب دوراً كبيراً في حياته، كما أن هذا المجتمع هو مجتمع أبوي ذكوري، لا يزال الآباء يتحكمون بحياة بناتهم و أبنائهم الى حدٍ كبير و أن الرجل لا يزال متسيّداً على المرأة التي محرومة من حقها في المساواة بالرجل. بعد أن يتحضر و يتقدم المجتمع الكوردستاني، بحيث يصل الى مستوى الشعوب الغربية، حينذاك سوف يختفي دور القومية و الدين و المذهب و الجنس و العُمر في إدارة شئون البلاد، حيث يسود القانون و النظام و العدالة و مبدأ المواطنة و يتم بناء مؤسسات الدولة المدنية و التي يختفي فيها التمايز القومي و الديني و الطائفي و الجنسي و العُمري.
يمكن أن يكون عدد أعضاء البرلمان ما بين 500 الى 600 عضو. جنوب كوردستان له برلمان مُنتخَب من قِبل السكان، لذلك فأن أعضاءه هم ممثلون شرعيون للجنوب الكوردستاني و يمثلونه في البرلمان الجامع للكوردستانيين. قد تسمح ظروف غرب كوردستان الآن لإنتخاب برلمان له و أن يصبح أعضاؤه ممثلين لسكان هذا الجزء من كوردستان في البرلمان الكوردستاني العام. بالنسبة الى شمال و شرق كوردستان، يمكن إختيار ممثلين لسكانهما في البرلمان من ممثلي الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الوطنية و الأكاديميين الوطنيين، مع مراعاة الطبقات الإجتماعية و التوزيع الجغرافي للسكان و المكونات الكوردستانية القومية و الدينية و المذهبية و المرأة و الشباب.
إذا سمحت الظروف، من الأفضل أن يكون مقر البرلمان في جنوب كوردستان، حيث أنه لا يخفى أن موقف الحكومة التركية و الإيرانية هو موقف سلبيّ جداً بل عدائيّ من إنبثاق برلمان يجمع شمل كافة الكوردستانيين و حتى لو أنهما قبِلا بوجود مقر البرلمان في أربيل، فأنهما ستحاولان و تسعيان الى إيجاد نفوذ في البرلمان المذكور و التحكّم في قراراته. أما إذا لم تسمح الظروف بذلك، فأنه يمكن أن يكون مقر البرلمان في دولة أوروبية.
ينبغي وضع دستور عصري لشعب كوردستان من قِبل لجنة قانونية مختصة يتم تكليفها من قِبل البرلمان الكوردستاني لهذا الغرض. إذا سمحت ظروف كوردستان بإجراء إستفتاءٍ شعبي عليه، فأن الدستور سيكون دستوراً دائمياً يتم الإلتزام بمواده من قِبل الهيئات القضائية و الشرعية و التنفيذية. فيما لو لم تسمح ظروف كوردستان بذلك، حيث تقف الحكومات المحتلة لكوردستان عقبةً في إجراء الإستفتاء، حينئذٍ يمكن لبرلمان كوردستان قبول أو رفض أو تعديل الدستور المقترح و في حالة قبوله من قِبل البرلمان، فأنه ينبغي أن يكون الدستور مؤقتاً، يسري مفعوله الى أن يكون ممكناً إجراء إستفتاء شعبي على الدستور في كافة أرجاء كوردستان.
مجلس الأمن الوطني الكوردستاني
يحتاج شعب كوردستان الى تأسيس مجلس للأمن الوطني الكوردستاني الذي سيكون مجلساً إستشارياً يقوم بالأبحاث و الدراسات و التحليلات في مختلف المجالات و يقدّم نتائج دراساته بشكل توصيات و مقترحات و برامج و خطط، الى القيادة الكوردستانية لإدارة كوردستان و تطويرها و خدمة شعبها. ينبغي أن يتألف أعضاء هذا المجلس من علماء و خبراء و باحثين و أكاديميين في مختلف المجالات و أن يتشكل هذا المجلس من لجان عديدة تشمل مختلف الإختصاصات، مثل اللجنة القانونية و الإقتصادية و الصناعية و الزراعية و التعليمية و الثقافية و الإجتماعية و البيئية و الإعلامية و السياسية و العسكرية و لجنة العلاقات الخارجية و لجنة الجاليات الكوردستانية في المهجر ولجنة البحث العلمي و لجنة الأقليات القومية و لجنة الأقليات الدينية و المذهبية و غيرها، بحيث تتكامل في هذا المجلس كافة مجالات الحياة ليتكامل بدوره العمل الكوردستاني. يجب أن يتم إختيار أعضاء المجلس على أساس الكفاءة و الخبرة و الإختصاص، بعيداً عن تسييس المجلس و بعيداً عن الإعتبارات الحزبية و الشخصية، حيث يكون هذا المجلس مجلساً إستشارياً يقوم بشكل علمي برسم و تخطيط الإستراتيجية الكودستانية في مختلف مجالات الحياة و لذلك فأن المجلس سيكون له دوراً محورياً في وضع الإستراتيجية الإقتصادية و السياسية و الدفاعية و الأمنية و البيئية و البرامج و الخطط القصيرة و البعيدة المدى للسياسات المختلفة لكوردستان و تحقيق الإكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، بما فيها الأمن الغذائي و الطاقة و المستلزمات المعيشية الأخرى و إنتاج السلاح قدر الإمكان.
بتأسيس هذا المجلس سيتم وضع خطط مدروسة، تصبح برامجاً تهتدي بها الجهات التنفيذية، و بذلك يُنهي المجلس الفوضى السائدة في برامج عمل الكوردستانيين و يحدّ من القرارات الفردية و الحزبية و الحكومية الآنية و الإرتجالية و سيقود شعب كوردستان الى حيث مجتمع المؤسسات و القانون و النظام و يُقدم برامج عملٍ و خطط متكاملة و متوازنة للقيادة الكوردستانية لتحديد آليات نضالها و تحالفاتها و لبناء و إدارة كوردستان و حماية أمنها الوطني و الغذائي و يضمن تحرر كوردستان و بناء دولة ديمقراطية تكفل الحرية و الكرامة و الرفاهية و العدالة الإجتماعية لمواطني كوردستان.
سيكون المجلس الوطني الكوردستاني بحاجة الى الحصول على معلومات كاملة و مفصلة عن كوردستان في مختلف المجالات للنجاح في دراساته و أبحاثه و تحليلاته ليتمكن من وضع توصيات صائبة و دقيقة و رفعها الى البرلمان الكوردستاني و الهيئة التنفيذية لكوردستان. يتم الحصول على هذه المعلومات الضرورية للمجلس عن طريق إجراء مسح عام في كوردستان لمعرفة العناصر المختلفة فيها، كمّاً و نوعاً، لرسم الخطط و البرامج على ضوئها. هذا المسح العام في كوردستان يمكن أن يشتمل على إجراء إحصائية في المجتمع الكوردستاني لمعرفة أعداد نفوس القوميات و الديانات و المذاهب الكوردستانية المختلفة، أعداد الرجال و النساء، المتعلمين و غير المتعلمين، درجة التحصيل الدراسي، عمر المواطنين، عدد المدارس و المعاهد و الجامعات، دخل الفرد، إنتاجية الفرد، الناتج الوطني، عدد العاطلين عن العمل، مساحة الأراضي الزراعية المزروعة و غير المزروعة، أساليب الإنتاج الزراعي، مساحة الأراضي الديمية و السيحية، مساحة الغابات، نوعية المحاصيل الزراعية و أشجار الفواكه و أشجار الغابات و كميتها، عدد الفلاحين و العمال و الموظفين والأكاديميين و الإختصاصات، أعداد القرى و طبيعة بناء مساكنها و مدى توفر الماء و الكهرباء فيها، عدد التلاميذ و الطلاب في المدارس الإبتدائية و المتوسطة و الإعدادية و المعاهد و الكليات و الإختصاصات فيها، الموارد الطبيعية، عدد أفراد قوات الشرطة و الأمن و العسكريين و عدد المراتب و الصنوف و الأسلحة و أنواعها و كمياتها، عدد المعامل و الشركات و نوعياتها، أنواع و كميات المنتوجات الصناعية ، عدد البنوك، أعداد الثروة الحيوانية الداجنة و الثروة الحيوانية البرية و نوعياتها، عدد السدود و الطاقة التخزينية لها و إنتاجها للطاقة، عدد وسائل المواصلات و نوعياتها و موديلاتها، صلاحية طرق المواصلات، أنواع الجرائم المرتكبة و أعدادها و مناطقها، أعداد المساجين و البرامج المتبعة لتأهيلهم، المناطق السياحية و الفنادق و المطاعم فيها، المناطق الأثرية في كوردستان و مواقعها، مصادر المياه و صلاحيتها للإستعمال البشري، عدد المدخنين و أعمارهم، عدد المدمنين على الكحول من رجال و نساء، عدد الأرامل، عدد المطلقين و المطلقات، عدد المعوّقين، عدد أفراد العائلة، عدد الحدائق العامة و المنتزهات و الى آخره من الأمور الضرورية لرسم خطة تنموية ناجحة و حفظ أمن الكوردستانيين و كوردستان. ينبغي أن تكون المعلومات مفصلة و مرسومة جغرافياً و نوعياً و كمياً للتمكن من تحقيق أهداف تنموية ناجحة. في الحقيقة أن الأمور المذكورة هنا هي مجرد أمثلة لنماذج و عيّنات المعلومات المطلوبة، حيث أن كل لجنة من لجان مجلس الأمن الوطني الكوردستاني ستكون مؤهلةً لوضع دراسة مسحٍ شامل في مجال إختصاصها و تحديد كافة المعلومات المطلوبة لعمل كل لجنة من لجان البرلمان لتتمكن من القيام بمهامها بنجاح و بشكل جيد. هذه المعلومات ضرورية بالدرجة الرئيسية لوضع برامج التنمية، بينما هناك معلومات أخرى تحتاج بعض لجان المجلس الوطني لدراساتها، مثل معلومات إقتصادية و سياسية و عسكرية و أمنية عن الدول المحتلة لكوردستان و الدول الإقليمية الأخرى بصورة خاصة و معلومات عن السياسة العالمية بصورة عامة، و خاصة سياسات الدول الكبرى تجاه إستقلال كوردستان و تجاه الدول الإقليمية الأخرى و إستراتيجياتها في منطقة الشرق الأوسط الكبير و العلاقات التي تربط الدول المحتلة لكوردستان مع بعضها من جهة و علاقات هذه الدول مع دول العالم، خاصة مع الدول الكبرى من جهة ثانية.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]