إقليم غرب كوردستان و الإنتفاضة السورية - 5-
د. مهدي كاكه يي
- المصلحة الوطنية هي فوق المصالح الشخصية و الفئوية و الحزبية -
رغم التطورات التأريخية الكبرى المتسارعة التي تحدث في المنطقة و في كوردستان و التي ستؤدي الى تغيير الخارطة السياسية للمنطقة و تتيح فرصةً تأريخية لشعب كوردستان للتمتع بحريته و تحرره من الإحتلال و إستعادة توحيد كوردستانه و دخوله في المعادلات الإقليمية و العالمية كقوة لا يمكن تجاهلها أو الإستغناء عنها، فأن هناك أحزاب سياسية في غرب كوردستان لا تزال تتصرف من منطلق حزبي ضيق و تُفكر بعقلية تجاوزها الزمن، و قسم من هذه الأحزاب لا تزال تعيش في زمن الحرب الباردة و عصر الآيديولوجيات و التفرّد في النضال و في تمثيل الجماهير الكوردستانية، فتهتم بالجزئيات مثل كثرة أعضاء أحزابها و المؤيدين لها و سعة المناطق التي تتمتع فيها بالشعبية و التأييد و النفوذ، دون أن تعي هذه الأحزاب بأن شعب كوردستان أمام منعطف تأريخي فريد، يتخطى الأحزاب و الآيديولوجيات و أن مصير الشعب الكوردستاني مرتبط بنتائج التطورات الحاصلة و بذلك ترتبط مصائر كل الأحزاب الكوردستانية بنتائج هذه التطورات، بغض النظر عن مواقف هذه الأحزاب و تحالفاتها. إن شعب كوردستان يعيش في مرحلة التحرر الوطني و لذلك يحتاج النضال الكوردستاني الى تجاوز الإختلافات الآيوديولوجية و الخلافات الحزبية و وضع المصلحة الوطنية فوق الإختلافات و الإجتهادات الى أن تتحرر كوردستان، حينئذٍ يمكن للأحزاب و الحركات السياسية التنافس على إستلام السلطة و الحكم و ذلك بالرجوع الى رأي و إرادة الشعب الكوردستاني من خلال الإحتكام الى الإنتخابات التي عن طريقها يختار الشعب ممثليه في البرلمان و في مجالس البلديات و يختار كذلك رئيس الدولة. إن الواجب الوطني يفرض على كافة الأحزاب و المنظمات و الحركات و الشخصيات الوطنية في إقليم غرب كوردستان أن تعي بأنها أمام مسئولية تأريخية و أخلاقية تجاه الشعب الكوردستاني في هذه الظروف التأريخية التي يمر بها شعب كوردستان، و يجب عليها إنتهاز هذه الفرصة التأريخية التي قد لا تُتاح للكوردستانيين مرة أخرى. ستدخل أسماء الذين يخدمون شعبهم في هذه الظروف الحاسمة، في صفحات التأريخ المضيئة و سيلعن التأريخ كل مَن يساهم في التسبب في إستمرارية معاناة و عبودية شعب كوردستان و مَن يقوم بإفشال نضال هذا الشعب في سبيل توحيد بلاده و تحريرها من براثن الإستيطان و الإحتلال. إن مصير و مستقبل الشعب الكوردستاني مرتبطان بهذه التطورات الداخلية و الإقليمية و الواجب الوطني يُحتم على الجميع الإبتعاد عن الأنانية الفردية و الحزبية و أن يناضلوا معاً موحّدين ليتمكنوا من خلق حياة جديدة للشعب الكوردستاني و كتابة تأريخ جديد لهذا الشعب العريق المجزأ و المسحوق.
إن تسارع التطورات في المنطقة و في سوريا و غرب كوردستان، يتطلب العمل السريع و المنظّم لمواكبة الأحداث القائمة و التأثير في مساراتها و رسم معالمها. عدم وحدة كلمة الكوردستانيين و إهمال ترتيب البيت الكوردستاني سيُسبب كارثة كبرى للشعب الكوردستاني. إن تشتت و تشرذم القوى الكوردستانية في تجمعات المعارضة السورية مثل المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، لا يخدم النضال الكوردستاني. المصالح الشخصية و الفئوية و الحزبية الضيقة و التنافس على النفوذ و قُصر نظر قيادات الأحزاب، تجعلها تتحالف مع القوى العربية السورية، التي يمكن القول بأن جميعها لا يعترف بحق شعب كوردستان في تقرير مصيره، بينما تعجز أو لا ترغب الأحزاب و الحركات و المنظمات و الشخصيات الكوردستانية في التحالف مع البعض و إختيار مرجعية سياسية لمواطني إقليم غرب كوردستان لقيادة النضال الكوردستاني في هذه الأوقات الدقيقة في تأريخ شعب كوردستان و تمثيل المواطنين في الإقليم بصوت واحد في المفاوضات و التحالفات مع القوى السورية و الإقليمية و الدولية و التي تمنح هوية و شخصية مستقلة للقضية الكوردستانية. إن تشتت و تشرذم القوى الكوردستانية و تحالف كل تنظيم سياسي منها على إنفراد مع تكتلات المعارضة العربية السورية، يؤدي الى الفشل في تحقيق أهداف شعب كوردستان في الإقليم و العجز في مواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها مواطني الإقليم في ظل الظروف التي يمر بها الإقليم و سوريا و المنطقة، حيث أن المعادلات و التوازنات السياسية السورية الحالية ستتغير، سواء ينجح النظام السوري الحالي في الإحتفاظ بالحكم أو ينهار و يختفي على الساحة السياسية. المرحلة الحالية تتطلب وحدة الكلمة الكوردستانية في الإقليم و وجود قيادة سياسية موحدة ليكون الصوت الكوردستاني مسموعاً كوردستانياً و سورياً و إقليمياً و دولياً و لفرض إرادة المواطنين الكوردستانيين في الإقليم على القوى السياسية و الحكومات المؤثرة في المنطقة و العالم بالإعتراف بحقوق شعب كوردستان في تقرير المصير و التعامل مع القضية الكوردستانية كقضية شعب يناضل من أجل تحرره، بدلاً من رؤية القضية كمسألة سورية، تتعلق بمظالم الحكم السوري، كما هو الحال بالنسبة للعرب السوريين. يجب العمل على تخليص القضية الكوردستانية من التبعية لقضايا الدول المحتلة لكوردستان و جعلها قضية مستقلة، قضية شعب، بلاده محتلة و هويته و لغته و شخصيته مهددة بالإلغاء.
لِنبتعد هنا عن العموميات و نُسمّي الأشياء بأسمائها، خدمةً للنضال الكوردستاني. أعتقد بأن حزب الإتحاد الديمقراطي الذي هو حليف حزب العمال الكوردستاني، لا يرغب التحالف مع المجلس الوطني السوري، لوقوع الأخير تحت النفوذ التركي، بل تم تشكيله من خلال اللقاءات و الإجتماعات التي جرت في (تركيا)، حيث يخشى الحزب من طغيان النفوذ التركي في إقليم غرب كوردستان و سوريا بعد إنهيار النظام السوري الحالي، و ذلك بشكل مباشر، حيث ل(تركيا) حدود طويلة مع سوريا، أو عن طريق حلفائه الإخوان المسلمين و غيرهم من القوى و الأحزاب السورية. سبب آخر يُبعد حزب الإتحاد الديمقراطي عن المجلس الوطني السوري و بالتالي عن القوى الكوردستانية المتحالفة مع هذا المجلس، هو دعم و تأييد الحكومات الغربية للمجلس، حيث أن حزب العمال الكوردستاني، آيديولوجياً و تأريخياً، يقف ضد الدول الغربية و يناضل منذ عقود ضد النظام التركي المدعوم غربياً، بالإضافة الى أن (تركيا) هي عضوة في حلف الناتو الغربي الرأسمالي.
الآن لنحلّل الأمور بموضوعية و واقعية لنصل الى نتائج و إستنتاجات تخدم القضية الكوردستانية. حكومات و قوى منطقة الشرق الأوسط يمكن تصنيفها الى مجموعَتين، المجموعة الأولى عبارة عن حكومات و منظمات و أحزاب متحالفة أو تلتقي مصالحها مع الدول الغربية، مثل (تركيا) و السعودية و الأردن و إسرائيل و حكومة إقليم جنوب كوردستان وغيرها، بينما المجموعة الثانية هي عبارة عن حكومات و حركات سياسية متحالفة أو تلتقي مصالحها مع كل من روسيا و الصين، مثل إيران و النظام السوري و حزب الله و حماس و غيرها. كما نرى أن هاتين المجموعتَين من الدول تصطف دولها طائفياً مع البعض (بإستثاء حركة حماس)، حيث أن المجموعة الأولى تنتمي للطائفة السُنيّة، بينما المجموعة الثانية تعتنق المذهب الشيعي. من خلال هذه المعادلة السياسية، يفرض الواقع على الكوردستانيين الذين هم جزء من سكان المنطقة أن يختاروا الإنضمام الى أحد المجموعتَين (الحلفَين) المذكورتَين. الآن لندرس هذا الواقع المفروض على الكوردستانيين ليختاروا الحلف الذي هو أفضل لمصالح شعب كوردستان و تحقيق أهدافه، حيث أن الظروف الذاتية الكوردستانية الحالية لا تسمح للكوردستانيين أن يكونوا غير منحازين لطرف من الطرفَين المذكورَين.
بالنسبة الى الحلف الغربي، هناك (تركيا) تعمل من أجل تهميش الدور الكوردستاني و حرمان شعب كوردستان من حقوقه، لتمنع مواطني إقليم شمال كوردستان من التأثر بالإنجازات الكوردستانية في الأقاليم الأخرى من كوردستان، إلا أن (تركيا) ليست دولة عظمى و طموحها و أحلامها أكبر بكثير من إمكانياتها و قدراتها، حيث أنها تدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، فتُنفذ الخطط المرسومة لها في المنطقة من قِبل الأمريكيين بشكل خاص و الإتحاد الأوروبي بشكل عام، لذلك فأن (تركيا) عاجزة عن تحقيق كل رغباتها و أهدافها التي تطمح إليها و البُعبع التركي مُبالغ فيه بشكل كبير، حيث أن إمكانياته محدودة. كما أن الفوضى السائدة في المنطقة و التي قد تتفاقم بشكل أكثر، تجعل تحقيق الخطط المرسومة من قِبل (تركيا)، و من ضمنها تلك المعنية بالشعب الكوردستاني، صعباً جداً، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي ستواجه تحديات كبيرة في الوصول الى أهدافها في المنطقة في ظل الفلتان الأمني و الحروب الأهلية و الصراعات القومية و الطائفية، و ربما في ظل إندلاع حروب إقليمية مدمرة في المنطقة. كما أن الأزمة الإقتصادية التي يمر بها العالم اليوم، تُحدد الى درجة كبيرة من قدرة (تركيا)، بل الدول الغربية أيضاً في تحقيق أهدافها و خوض حروب باهضة الثمن التي سوف لا يتحملها الإقتصاد المتدهور لهذه الدول، حيث إن الإقتصاد العالمي الحالي لا يتحمل الحروب و النفقات العسكرية الباهضة، في الوقت الذي هناك دول غربية على حافة الإفلاس من دون خوض حروب. نقطة مهمة أخرى يمكن الإشارة اليها وهي أن النظام التركي، الذي يحتل جزء من كوردستان يكاد يكون الطرف الوحيد في هذا الحلف الذي يحاول عرقلة تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني، بينما الدول الأخرى المحتلة لإقليم شرق و غرب كوردستان (إيران و سوريا)، تنتمي الى الحلف المضاد و أي تغيير سياسي شعبي فيها، سيكون لمصلحة شعب كوردستان. إن ضعف أو إنهيار الحكومات المركزية للدول المحتلة لكوردستان، هو لصالح الكوردستانيين، لذلك فأن قيام الثورات الشعبية و نجاحها يُتيح فرص تأريخية للكوردستانيين لتحررهم و تحقيق أهدافهم. من العناصر الإيجابية الأخرى لهذا الحلف لشعب كوردستان هي الديمقراطية السائدة في الغرب و العدالة الإجتماعية النسبية فيه، بالإضافة الى نفوذ منظمات المجتمع المدني في هذه الدول، تتيح الفرصة لحشد الرأي العام الغربي و الدولي ضد المظالم التي يعيش في ظلها شعب كوردستان و التظاهر و تنظيم الإحتجاجات في هذه الدول من قِبل الجاليات الكوردستانية و الصديقة و منظمات المجتمع المدني و المنظمات الإنسانية.
الآن لنأتي الى الحلف الآخر، الحلف الروسي-الصيني-الإيراني، لنرى مدى إلتقاء مصالح هذه الدول مع مصلحة شعب كوردستان. الروس و الصينيون لا يعترفون بحقوق الشعوب الأخرى، مثل الشعب الكوردستاني، حيث أن لهاتين الدولتَين أنظمة حكم شمولية (إنتخابات مزوّرة تُجرى عادةً في روسيا)، كما أن هاتين الدولتين تقمع كفاح الشعوب و الطوائف التي تعيش ضمن هذين الكيانَين السياسيين و المتطلعة نحو الحرية و الإستقلال، مثل الشعب الشيشاني و شعب التيبت و المسلمين. روسيا و الصين لهما مصالح مشتركة مع كل من إيران و سوريا، اللتين تحتلان أجزاء من كوردستان و اللتين لهما نظام حكم شمولي و دكتاتوري و لا تعترفان بحقوق شعب كوردستان. كما أنه في حالة إنتصار هذا الحلف، فأن الحكومة (الشيعية) في بغداد ستصبح شريكة لهذا الحلف. إن الصين و روسيا من الدول العظمى، حيث تتبعان سياسة تساعدهما في تنافسهما مع الدول الغربية على المصالح و النفوذ و تبذلان جهودهما لتحقيق مصالحهما في العالم. لذلك فأن هاتين الدولتين تبنيان سياستهما وفقاً لمصالحهما و التي تلتقي مع مصالح النظامَين الإيراني و السوري و تتقاطع مع مصالح شعب كوردستان. من هنا يتوصل المرء الى أن النتائج تكون كارثية لشعب كوردستان فيما لو إلتزم جانب الحلف الروسي-الصيني-الإيراني و قام بمعاداة الحلف الغربي، و خاصة في العصر الحاضر، فأن الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية، مثل النظامَين الإيراني و السوري، أخذت تعيش خارج الزمن و أن هذين النظامَين في طريقهما نحو الزوال. عليه فأن من مصلحة الشعب الكوردستاني أن يجد نفسه، على الأقل في الوقت الحاضر، في المعسكر الغربي في نضاله من أجل حريته و إستقلال بلاده.
قد يقول المرء بأن الغرب و إسرائيل وقفوا ضد حزب العمال الكوردستاني و لا يزالون يقفون ضد هذا الحزب و يدعمون النظام التركي و أن الغرب و إسرائيل ساهموا عملياً في تسليم الزعيم الكوردستاني عبدالله أوجلان الى السلطات التركية، فكيف يتعاون و يتحالف هذا الحزب أو الأحزاب الحليفة معه مع الغرب و إسرائيل؟ السياسة لا مبادئ و لا قيم و لا صداقات فيها، و إنما مبنية على المصالح فقط، لذلك فأنه لا يتم التعامل مع السياسة كما يتم التعامل مع العلاقات الشخصية و القبلية، حيث المبادئ و ثقافة الثأر و العداء، دون مراعاة المصالح الشخصية و القبلية في كثير من الحالات. التحالفات و العداءات السياسية تتأتى من المصالح و سلبيات و إيجابيات العلاقات الماضية لا تؤثر على العلاقات الآتية التي تتطلبها مصلحة شعب أو حزب أو فئة ما. من هنا ينبغي أن تكون إستراتيجية و علاقات التنظيمات السياسية الكوردستانية، مبنية على المصالح العليا لشعب كوردستان و مرتكزة على الظروف الذاتية و الموضوعية التي يمر بها الشعب الكوردستاني.
حقيقة أخرى أحب هنا أن أشير إليها وهي أن القدرة على تغيير المعادلات و التوازنات و الإتفاقيات و العلاقات السياسية لصالح النضال الكوردستاني و تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني، تعتمد على القوة الذاتية لشعب كوردستان. كلما كان الشعب قوياً في المجالات السياسية و الفكرية و التنظيمية و الإقتصادية و العسكرية و الإعلامية، كلما تتوفر له فرصة أكبر في نيل حريته و إستقلال بلاده. لذلك يحتاج المواطنون في الإقليم الى تنظيم أنفسهم في مختلف الجوانب لتكون لهم برنامج عمل متكامل، يقودهم نحو أهدافهم في حياة حرة كريمة.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]