محاولة تركيا خلق واقع جديد لِفرضه على الخارطة الجديدة للشرق الأوسط الكبير المُزمع رسمها
د. مهدي كاكه يي
تستغل تركيا حالة الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، حيث الحرب الأهلية المندلعة في كل من العراق وسوريا وإنشغال الإدارة الأمريكية بالإنتخابات الرئاسية التي سيتم إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، لإحتلال إقليم جنوب كوردستان، بما فيه الموصل وكركوك وكذلك إقليم غرب كوردستان.
منذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بإقامة المنطقة الآمنة لِسكان إقليم جنوب كوردستان، تحركت تركيا لإيجاد وجود عسكري وإستخباري في الإقليم والهيمنة على إقتصاده وغزو المنتوجات التركية لِأسواقه ونجحت في مسعاه، حيث أقامت قواعد عسكرية عديدة في الإقليم وتُهيمن شركاتها ومنتوجاتها فيه. هذه الخطوات التركية المدروسة تهدف الى ربط الإقليم بِتركيا إقتصادياً وخلق إقتصاد ريعي للإقليم لِمنع حصوله على مقومات بناء دولة مستقلة و في حالة أية محاولة لإستقلال الإقليم، تحتفظ تركيا بِقوات عسكرية في الإقليم التي تعمل لإجهاض المحاولة وإفشالها. بعد ظهور المنظمة الإرهابية، داعش، أمرتْ تركيا قوات هذه المنظمة الإرهابية القيام بإحتلال إقليم جنوب كوردستان وتقويض الحُكم الكوردستاني فيه ولولا التدخل العسكري الأمريكي، لَنجح إرهابيي داعش في إحتلال أربيل وإنهاء السلطة الكوردستانية هناك.
بعد تحرير أجزاء من إقليم غرب كوردستان وبناء سلطة كوردستانية فيه، قامت تركيا بإستخدام القوى الإسلامية الإرهابية، مثل جبهة النصرة وداعش وكذلك القوى العروبية السورية، في محاولة منها للقضاء على الإدارة الكوردستانية في الإقليم، حيث فتحت تركيا حدودها لإرهابيي داعش الآتين من مختلف بقاع العالم وقامت بتدريبهم وتسليحهم ومساعدتهم لوجستياً وإرسالهم الى إقليم غرب كوردستان لمحاربة القوات الكوردستانية. بعد فشل القوى الإرهابية في إسقاط الحُكم الكوردستاني، قامت تركيا بالتدخل العسكري المباشر في الإقليم، حيث قامت بإحتلال جرابلس وفي الأيام الأخيرة قامت طائراتها ومدفعيتها بِقصف مناطق في عفرين والشهباء وجبل الأكراد بعد أن بدأت طائرات قوات التحالف الدولي بتركيز عملياتها الحربية ضد داعش في الموصل.
كان الرئيس التركي يريد أن تشترك قوات بلاده مع قوات التحالف الدولي لتحرير الموصل وذلك تمهيداً لإحتلالها وضم جميع المناطق التي كانت تُشكّل ولاية الموصل خلال الحُكم العثماني والتي تضم إقليم جنوب كوردستان أيضاً، لاحقاً الى الدولة التركية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تسمح لِتركيا بالإشتراك في تحرير الموصل وبذلك أفشلت خطط الأتراك للإستحواذ على الموصل ومن ثم التمدد الى كركوك والمدن الأخرى في إقليم جنوب كوردستان. بعد فشل خطة أردوغان هذه، صرّح علناً بأنه سيلجأ الى الخطة (ب) لتحقيق مطامع بلاده التوسعية لإحتلال ولاية الموصل العثمانية.
بعد منع مساهمة القوات التركية في تحرير الموصل، بدأ أردوغان بالفعل بتنفيذ خطته (ب)، حيث قام بِقصف القوات الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان بالطائرات والمدفعية وأنها لو تسمح الظروف لِتركيا. فأنها ستقوم بإحتلال كامل أراضي هذا الإقليم سواء بصورة مباشرة من خلال الإحتلال العسكري المباشر أو بصورة غير مباشرة وذلك عن طريق القوى الإرهابية الإسلامية والقوى العروبية السورية.
كما أن هجوم داعش الأخير على كركوك هو جزء من تنفيذ خطة (ب) التركية، حيث أن إعتراف إرهابيي داعش المشتركين في هذا الهجوم والذين تمّ إلقاء القبض عليهم من قِبل القوات الكوردستانية، يشير الى نقل هؤلاء الإرهابيين بِطائرات تركية الى أطراف مدينة كركوك، حيث أنّ في كركوك حاضنة كبيرة لإرهابيي داعش والتي تشمل الجبهة التركمانية التي قامت المخابرات التركية (ميت) بتأسيسها، وكذلك البعثيين والقوى المتضررة من تحرر العراق من حُكم صدام حسين وأيضاً الجهات المعادية للشعب الكوردي والحاقدة عليه. هكذا تخطط تركيا لإغتصاب إقليم جنوب وغرب كوردستان من خلال ضمهما لِتركيا، حيث تدّعي تركيا بأنّ أراضي ولاية الموصل العثمانية (إقليم جنوب كوردستان الحالي) وإقليم غرب كوردستان هي جزء من الأراضي التركية. من الجدير بالذكر أنّ تركيا لا تزال تخصص سنوياً ليرة تركية واحدة لِولاية الموصل من الميزانية التركية كمبلغ رمزي لهذا الغرض.
يبدو أن التاريخ قد يُعيد نفسه، حيث أنّه خلال إنهيار الدولة العثمانية، قام كمال أتاتورك بِتنظيم حركة مسلحة لِتأسيس دولة تركية على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الإمبراطورية العثمانية وذلك من خلال السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من هذه الأراضي لِفرض الواقع الجديد على الأرض بعد إنتهاء الحرب العالمية، ونجح أتاتورك في مسعاه وإنخدع الكورد بوعوده والذين كانوا يشكّلون العمود الفقري لِقواته ومن ثمّ نكث بِعهوده وأسس دولة تركية عنصرية، التي حاولت إذابة الكورد من خلال تتريكهم وتهجيرهم. اليوم يحاول أردوغان أن يلعب دور كمال أتاتورك وذلك من خلال محاولته إحتلال إقليم غرب وجنوب كوردستان وضمّهما الى تركيا قبل أن يتم رسم الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط الكبير لِفرض الواقع الذي تخلقه تركيا على المرجعيات التي تقوم بِإعادة رسم خارطة المنطقة و خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية.
من جانب آخر، منذ سقوط نظام صدام حسين وخاصة بعد جلاء القوات الأمريكية من العراق، تعمل إيران عن طريق الميليشيات والأحزاب الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيراني، على تأسيس هلال شيعي يمتد من إيران، ماراً بِكركوك والموصل، الى سوريا ولبنان ليتم التواصل بين شيعة المنطقة وإستحواذ إيران على النفوذ فيها. هذه الإستراتيجية الإيرانية تتم معارضتها بِقوة من قِبل الحكومات السُنيّة في المنطقة بقيادة تركيا والسعودية. لذلك يحدث صراع طائفي بين المحوَرَين الشيعي والسُنّي في المنطقة واللذَين بِدورهما ينتميان الى كلٍ من المحور الروسي والغربي على التوالي. التنافس بين هذين المحورَين قد يقود الى حربٍ إقليمية مدمرة ومع ذلك مهما تختلف الدول المُغتصِبة لِكوردستان فيما بينها لأسباب طائفية وإقتصادية وتاريخية وسياسية، إلا أنها تتفق مع بعضها على تكريس إغتصاب كوردستان ومنع تحررها ولهذا الغرض تقوم هذه الدول بالتنسيق فيما بينها.
سيتم الحديث في مقالٍ قادمٍ عن الظروف الراهنة لِكوردستان والإمكانيات التي تتمتع بها للتصدّي للتهديدات الخطيرة التي يتعرض لها شعب كوردستان من قِبل الدول المغتصِبة لِكوردستان و في مقدمتها خطة باء التركية.
[1]