الملكيّة الفرديّة تنتج الاحتكار والهجرة
صلاح الدين مسلم
بات الكلام في ظاهرة الهجرة حديث الساعة، وبات التخطيط لسيناريو الهجرة من قبل دول الغرب تخطيطاً متقناً بكلّ براعة حيث جاء في الوقت المناسب، فالهجرة إحدى الكوارث التي غدت تنهال على سوريا عموماً والكرد خصوصاً، وإنّ هذه الظاهرة ليست محصورة في #كوباني# فحسب، بل في سوريا والشرق الأوسط عامّة، لكنّ الحصار الخانق والحرب المنظّمة من قبل المجموعات الإرهابية التكفيريّة أدّى إلى تعاظم هذه الظاهرة في كوباني، إذ يكمن السبب الرئيسيّ لهذه الهجرة الداخلية أو الخارجية برأيي في التفرقة التي زرعتها الدولة القومية والليبراليّة الفرديّة في ذوات السوريّ عامة والكرديّ خاصّة، وتطبيق سياسة فرّق تسد، والبحث دائما وأبداً عن الخلاص الفرديّ، إذ بات المجتمع مفكّكاً تسهل قيادته من قبل المنظومات المتراصّة القويّة التي باتت تقود الفرد وتجعله يبحث دائماً عن الأمان الفردي، ويضع الحلول الفرديّة فحسب، ممّا أدّى إلى هذه الحالة المتدهورة في سوريا عامّة، وفي كوباني بالنتيجة، ومن بين التدهورات هي حالة الهجرة المتفشّيّة في هذه الآونة.
إنّ الحرب الشعواء المنظّمة على كوباني من قبل المجموعات الإرهابيّة كأداة، وصمت المعارضة والنظام، أدّى بالمجتمع إلى اتّخاذ قرار المقاومة والدفاع والتمسك بالجماعة، لكن ابتعاد بقية المجتمع أي (المجتمع المفكّك المنقاد من قبل المنظومة الليبرالية الفرديّة والذي لم يع هويته بعد والمتأثر بالحرب الخاصّة والحرب النفسيّة) أدّت به إلى اللجوء إلى الهروب، وتهويل الأمور من خلال التصوّر بأنّ المجاعة قد حلّت والإبادة آتية وبأنّ هذه الحرب لا ناقة له فيها ولا جمل، فالمشكلة ليست اقتصاديّة، إذ لم يمت أحد من الجوع في الحصار المماثل له في #عفرين# والذي دام أكثر من سنتين.
والمشكلة ليست أمنيّة بتاتاً، فنسبة الجرائم لم ترتفع بل هي في انخفاض ملحوظ، وكل شخص يستطيع ممارسة نشاطه وعمله ضمن منظومة ديمقراطيّة إلى حدّ كبير، ويستطيع أن يمارس ديمقراطيته ضمن إطار المجتمع، لكن الحصار الخانق والحرب النفسيّة والشائعات المنتشرة التي لا مصدر لها هي التي تقلق المواطن، وتجعله يتوهم أنّ المشكلة أمنية.
أرى بأنّ المشكلة سياسيّة اجتماعيّة بالدرجة الأولى، فصراع النخب السياسيّة على السلطة، وابتعادهم عن الساحة فعلياً، أدّى بهم إلى ردّود فعل كثيرة، من خلال تهويل أخطاء المنافس، وعدم ذكر الإيجابيّات، وكأنّه يريد أن يوصل رسالة مفادها: (إمّا أن تشاركني في تقاسم الكعكة أو سأفسد عليك كلّ شيء).
وبات الشعب منقسماً إلى قسمين: (قسم يعمل ويكدّ ويضحّي ويستشهد إيماناً بالجماعة، وقسم مبتعد مفكّك يضع العراقيل يتأثر بالإشاعات متشائم يتصوّر أنّ القيامة آتية، يعرض المشاكل دون أن يضع حلولاً لها، ولا يرى نفسه جزءاً من الحلّ، يبحث عن الخلاص في الهروب والهجرة، أي أنّه متأثّر وليس مؤثِّراً.
للهجرة دائما عواقب خطيرة سواءً الهجرة الداخليّة أم الخارجية على حدّ سواء، وتعدّ الهجرة الخارجية أخطر على كوباني وعلى سوريا عموماً، وهي غاية العدوّ الذي يريد أن يعيد هيمنته الفكريّة والسلطويّة على الشعب، ويعيد تفكيك الأمّة التي تبحث عن خلاصها من خلال تراصّها ووقوفها جنباً إلى جنب.
إنّ المنطقة أحوج الآن إلى هذه العقول والطاقات والإرادات، فكل شخص يهاجر هو إرادة تنقص من إرادات هذه الأمّة، والشعب بحاجة كلّ إرادة وطاقةٍ، اقتصاديّة كانت أو علميّة أو فكريّة أو بنائيّة، لكن المجتمع سيستطيع إعادة بناء نفسه من جديد ولن تقف تلك العقول التي تمنّن المجتمع أنّها تمتلك المعلومة، فالملكيّة آفة وهي السبب الرئيس لكلّ مشاكلنا، فلطالما هناك ملكيّات فرديّة تفوق ما يمتلكه المجتمع، وهذه الملكيّة ليست ملكيّة فائض الإنتاج فحسب بل ملكيّة المعلومة والاستفراد بها، وعدم مشاركة المجتمع ما يشعره أنّه المالك صاحب هذه المزرعة الفكريّة التي يستفرد بها، فمن كان يمتلك المعلومة والمال فقد جمّد رصيده في هذه الحرب، فالداء في الملكيّة الفرديّة التي ستفرز الاحتكار بالضرورة، وبالتالي يتولّد شعور (اللهم نفسي) (أنا وما بعدي الطوفان).
يكمن الحلّ في النقد الحقيقيّ البنّاء، والبحث في العقد الاجتماعي الذي يربط بين أواصر الأمّة لا البحث عن الأمور التي تفرّق والتي لن تخدم أحداً سوى أعداء هذه الأمّة، والبحث عن الديمقراطيّة التي تصعد من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس،
فالديمقراطية التي تأتي من الطبقة العليا (التي اصطنعها المحتكرون عبر آلاف السنين) لا تفيد الشعب ولا تخدمه، والاتفاق السلطويّ سيكون بالضرورة في خدمة السلطة التي تريد أن تهيمن على المجتمع من طبقة التجار وطبقة المثقّفين وطبقة أصحاب القرار.
إنّ غرفة ذاكرتي مليئة بصور الشهداء، فكيف سأتخلى عن ذاكرتي وأهاجر، وأتركهم؟!
أن تعيش مع نور الحرية وروح التفاؤل، خير لك أن تعيش مع القيد المذل والتشاؤم المقيت.
أن تصنع الحياة خير لك من تسلم نفسك للموت.
فما يربطني بوطني هم أولئك العظماء المضحّون الذين روّوا بدمائهم تراب الوطن، ولن يحيدني عن حبهم أولئك المتسلقون الوصوليون الفانون، الذين يشوّهون صورة الدم الذي أوصلهم إلى ما وصلوهم.[1]