الكورد.. معادلة صعبة في نزاع المصالح حول سوريا
حسين عمرحسين عمر
اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دون أية مبررات، بأن تركيا أغرقت أوربا باللاجئين، وقال سنفعل ذلك كلما احتجنا لفعله، معتبرا أن العالم قد خذلهم ولم يتحمل عنهم عبء أكثر من مليونين من المهاجرين السوريين. وشدد من لهجته بخصوص الوضع الإقليمي، مركزا على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري ووحدات حماية الشعب، واعتبرهما تنظيماً إرهابياً لا يختلف عن داعش.
لكن يبدو أن زمن الإملاءات التركية على الإدارة الأمريكية بخصوص المنطقة قد ولّى، والتقييم التركي لم يعد يلقى التوافق من الجانب الأمريكي لأسباب عديدة أهمها أن تركيا نفسها هي أحد أهم أسباب تطور وصعود التنظيمات الأصولية الجهادية في سوريا. لا بل تؤكد الوثائق وكان آخرها تقرير متلفز على القناة الألمانية ZDF عرض كيفية دعم حكومة العدالة والتنمية، برئاسة أردوغان الجهاديين بالأسلحة والمعدات.
تقرير متلفز على القناة الألمانية ZDF عرض كيفية دعم حكومة العدالة والتنمية، برئاسة أردوغان الجهاديين بالأسلحة والمعدات.
لعل الجانب التركي ومن خلال تصعيد لهجته بخصوص حزب الاتحاد الديمقراطي ومحاولة فرض رأيه على الولايات المتحدة الامريكية، وبالتالي المجتمع الدولي لوضع الحزب على لائحة الإرهاب، هي محاولة لضرب عصفورين بحجر واحد كما يقال في المثل الشائع، فهي محاولة لتخفيف دعم التحالف الدولي لوحدات حماية الشعب من جهة، والتهرب من مشاركة التحالف الدولي بفعالية في مقاتلة التنظيمات الإرهابية وخاصة داعش، لأن تركيا حتى الآن، وحسب الأمريكيين، لم تشارك فعليا، فيما عدا فتحها لقاعدة انجرلك الجوية.
ومع التصعيد التركي ضد الكورد، ظهرت الرغبة السعودية بالتدخل البري في سوريا. السعودية التي دمرت اليمن وحولت وجوده الى عدم، تريد تشكيل جيش إسلامي عرمرم لاجتياح الأراضي السورية ومقاتلة (الإرهاب)، لكن الهدف كما هو معلوم ومن خلال القوى التي تدعمها السعودية مع تركيا على الأرض السورية واضحة، فهي جميعها قوى إرهابية كأحرار الشام وجبهة النصرة وجيش الإسلام بالإضافة إلى داعش رأس الحربة التي تنفذ الأجندة السعودية والتركية في نشر وتطبيق معتقدها ومذهبها الوهابي في سوريا، ولتقضي على أية بادرة يمكن للشعب الكردي استرداد حقوقه المغتصبة فيها.
لم يعد خافياً على أحد الدعم العلني والمستمر للحكومة التركية بقيادة أردوغان للتنظيمات المتشددة المقاتلة على الأرض السورية، وخاصة في اليومين الماضين، حينما ضاق الخناق على تلك التنظيمات بدأت المدفعية التركية بقصف وحدات حماية الشعب الكردية وجيش الثوار المنضويين في قوات سوريا الديمقراطية، ذو التوجه العلماني الديمقراطي في محاولة منها منع تقدم تلك القوات، وهذه السابقة الخطيرة أفضت إلى دعوات أمريكية وفرنسية لوقف هجماتها ضد الكورد. وأكد الناتو بأنه لن يدعم أي تحرك تركي ضد القوات الكردية في سوريا.
أصبح واضحا للعالم حقيقة الدور التركي المساند والداعم للتنظيمات المتشددة التي استطاعت وحدات حماية الشعب، مع شركائها من الكتائب المنضوية في قوات سوريا الديمقراطية، تحقيق انتصارات كبيرة ومهمة عليها. ولهذا تحاول تركيا بكل الوسائل مساندتها وعدم تركها تنهزم وتجرجر ذيولها نحو الحدود التركية بعد حلاقة ذقون عناصرها، وتغيير سحناتهم المتشددة، ورمي الأسلحة والتسلل خفية او علنا للعودة الى المعسكرات التدريبية الموجودة داخل الأراضي التركية.
ما يجري الآن في الشمال السوري سباق بين ثلاثة قوى وهي التنظيمات الإرهابية التي تحاول البقاء متمسكة بما تبقى من مناطق تحت سيطرتها. وقوة جيش الثوار وقوة الجيش النظامي السوري وكل من جانبه يهدف لتحقيق تقدم وتحرير البلدات والقرى من أيدي المتشددين.
وفي هذا الإطار لا بد من التذكير بالتحالف التركي السعودي المستجد بعد استلام الملك سلمان للسلطة في السعودية، وإخراج هذا التحالف من إطاره الكلاسيكي الجامد الى التحالف العسكري، والتفكير بتشكيل قوة إسلامية ضاربة.
هذه القوة التي بدأت باليمن المنسي الذي لم يأخذ من الاهتمام الدولي ولا الإقليمي أي نصيب -بالرغم من أن الحرب الدائرة فيه لا تقل مآسيها عما يجري على الأراضي السورية – قد أعطىت للسعودية الضوء الأخضر لتهدد باجتياح الأراضي السورية بقوة -حسب تصريحات مسؤوليها – بما لا يقل عن عشرات آلاف الجنود وإرسالها طائرات مقاتلة إلى قاعدة انجرلك الحربية.
هذا السلوك السعودي التركي أفرز ما يمكن اعتباره موقفاً جديداً أو مختلفاً بين الدول المؤثرة. فرغبة السعودية أن تعود قيادة هذه القوات إلى القيادة الأمريكية، خطوة تعكس تراجعاً للنبرة الهجومية السابقة.
أما تركيا التي تحاول بكل الوسائل تصدير أزمتها الداخلية، وحربها القديمة الحديثة ضد الكورد، فهي تريد الإبقاء على مفاتيح الأزمة السورية في يدها، وفرض أجندتها وجنودها في الداخل السوري والخارج على طاولة المفاوضات.
في المحصلة ليس للكرد نية في التراجع عما حققوه من مكتسبات وما بنوه على الأرض من شكل إداري للسلطة تحت مسمى الإدارة الذاتية، وسيقاومون حسب تصريحات قادتهم الهيمنة التركية، ولهذا ليس هناك أي احتمال في أن تحقق تركيا أو السعودية أية مكاسب تذكر إلا إطالة عمر الصراع.[1]