إعداد/ لورين داوود
تحل اليوم الذكرى الحادية والثمانين لجريمة سلخ لواء إسكندرون عن الوطن الأم سوريا لتعيد إلى الأذهان التاريخ الأسود لتركيا التي تحتل اللواء؛ باتفاق ثلاثي مع فرنسا وبريطانيا “كرشوة” آنذاك.
يعتبر لواء اسكندرون المحافظة الخامسة عشر في سوريا بالرغم من كونه محتلاً من قبل تركيا منذ عام 1939م ويسميه بعض المؤرخين أمثال ستيفن لونغريج (الألزاس واللورين) الذي كان مثار خلاف بين فرنسا وألمانيا وضم للأخيرة بشروط وادارة خاصة.
كان لواء إسكندرون تابعاً لولاية حلب، وكانت تعتبر الأخيرة دولة مستقلة في أعقاب صدور مراسيم التقسيم وتمت إعادة ربطها بالدولة السورية عام 1926 وفي عام 1938 قامت فرنسا بخطوة مستفزة ومستبقة؛ إذ أعادت منح اللواء حكماً ذاتياٌ مع بقائه مرتبطاً من ناحية شكلية بالجمهورية السورية ثم أعادت إلغاء هذا الرباط الشكلي؛ وفي العام التالي 1939 انسحبت من لواء إسكندرون بشكل نهائي ودخلت القوات التركية إلى اللواء وقامت بضمه وإعلانه جزءاً من الجمهورية التركية تحت اسم (هتاي) وهو ما يعتبر مخالفة لصك الانتداب الذي يلزم الدلولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها.
مراحل سلخ لواء إسكندرون
كان لواء إسكندرون في اتفاقية سايكس بيكو داخل المنطقة الزرقاء التابعة للانتداب الفرنسي، بمعنى أن المعاهدة اعتبرته سورياً وهذا يدل على أن هذه المنطقة هي جزء من سوريا؛ أما في معاهدة سيفر عام 1920 اعترفت الدولة العثمانية المنهارة بعروبة منطقتي إسكندرون وكيليكية (أضنة ومرسين) وارتباطهما بالبلاد العربية. وكان اللواء جزءاً من المملكة السورية التي قامت عقب نهاية الحرب العالمية الأولى وسقطت بيد الاحتلال الفرنسي في معركة ميسلون.
بعد توحيد الدويلات السورية التي شكلها الانتداب الفرنسي، ضُم لواء إسكندرون إلى السلطة السورية المركزية. وفي 29 أيار 1937 أصدرت عصبة الأمم قراراً بفصل اللواء عن سورية وعُين للواء حاكم فرنسي. في 15 تموز 1938 دخلت القوات التركية بشكل مفاجئ إلى مدن اللواء واحتلتها، وتراجع الجيش الفرنسي إلى أنطاكية وكانت مؤامرة حيكت بين فرنسا وتركيا، ضمنت بموجبها فرنسا ضمان دخول تركيا إلى صف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
في عام 1939، أشرفت الإدارة الفرنسية على استفتاء حول انضمام اللواء إلى تركيا فاز فيه الأتراك وشكك العرب بنتائجه خصوصاً أن الأتراك تلاعبوا بالأصوات لصالحهم، ثم ابتدأت سياسة تتريك اللواء وتهجير سكانه الأصليين إلى بقية الوطن السوري، حيث سُرقت كل أراضي السوريين الزراعية في تلك المنطقة دون أن تدفع تركيا أموالاً للمتضررين ثم قامت تركيا بتغيير كافة الأسماء من العربية وهي اللغة الأصلية إلى التركية وهي لغة الدولة المحتلة، وظل هذا الأمر مصدراً للتوتر الشديد في العلاقات بين تركيا وسوريا طيلة ثمانية عقود وإلى يومنا هذا. واليوم يشكل العرب الأغلبية في أغلب مناطق إسكندرون التي قسمتها تركيا إلى 12 منطقة إدارية.
كان الإجراء الفرنسي بإعطاء اللواء إلى تركيا مخالفاً لصك الانتداب نفسه، حيث نصت المادة الرابعة من صك الانتداب على إلزام الدولة المنتدبة احترام وحدة البلاد الموكلة إليها والحفاظ على سلامة أراضيها، وهو ما لم يتقيد به الفرنسيون.
التاريخ يعيد نفسه
هذه الذكرى الأليمة تعيد إلى الأذهان التاريخ الأسود لتركيا وهو ما تحاول اليوم تكراره من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية وعدوانها على الأراضي السورية.
يسكن الإقليم حالياً حوالي مليون نسمة، ولا يوجد أي تعداد للنسبة العربية من سكانه بسبب السياسة التركية القمعية للقوميات غير التركية، ويشكوا سكان الإقليم العرب من القمع الثقافي واللغوي والعرقي الذي تمارسه تركيا عليهم والتمييز ضد العرب لصالح الأتراك في كل المجالات وهو استمرار نحو التتريك الكامل للواء. وهناك تواصل مستمر في مناسبات خاصة كالأعياد بين سكان اللواء وبين أقربائهم في الأراضي السورية المجاورة، وما زالت سوريا تعتبر لواء إسكندرون جزءاً من ترابها الوطني، وما زالت الخرائط السورية تظهر لواء إسكندرون على أنه منطقة سورية محتلة.
عقود تحت نير الاحتلال
ثمانية عقود مرت على جريمة سلخ لواء إسكندرون كان يعول الضالعون في هذه الجريمة على سقوطها بالتقادم وهو التقادم ذاته الذي عمل المجرمون خلاله على ترسيخ سياستهم الاحتلالية، عبر ممارسات من شأنها تعزيز عملية تتريك اللواء وقراه الممتدة على مساحة تتجاوز ال 4500 كيلو متر مربع.
بعيداً عن كذب السياسية الدولية ونفاقها في خداع الشعوب وبعيداً عن الخلفيات التاريخية لسلخ لواء إسكندرون السليب من الأرض السورية إلا أن هذه الخلفيات باتت راسخة في أذهان الأجيال السورية التي تعاقبت منذ جريمة سلخ هذ البقعة من الجغرافية السورية.
وبعد واحد وثمانين عاماً على جريمة سلخ لواء إسكندرون لا تزال قضيتها جزءاً لا يتجزأ من الوجدان السوري بحتمية عودته, بعد ثمانية عقود على جريمة سلخه عن وطنه الأم.[1]