تقرير/ شيار كرزيلي
ولد الفنان زكريا شكري عثمان أبو دليل عام 1960م في قرية كرزيلة بعفرين من عائلة كادحة، فوالده كان مزارعاً ثم عمل موظفاً في مؤسسة سد الفرات لاستصلاح الأراضي، فكان عمله سبباً لانتقال عائلته إلى مدينة الطبقة، اهتم والده بتربية أولاده وتدريسهم.
بدأ الفنان زكريا عثمان مشواره الدراسي في قرية كرزيلة ثم في مدارس مدينة الطبقة، لكنه ترك الدراسة باكراً، ولأنه الولد البكر في العائلة انصرف إلى العمل الحر.
وتحدثنا والدته «عزيمة حنان أحمد» عن صباه فتقول: «كان زكريا مشاكساً وعنيداً كان له عدة رفاق من مكونات غير كردية، كانوا يذهبون إلى السد ويصطادون السمك، ويذهبون للتنزه برفقة بعضهم يضحكون ويتشاجرون، وفي إحدى المرات ذهبوا ليقطعوا نهر الفرات إلى الضفة الأخرى، من وراء السد – من جهة البحيرة – وعند الوصول في منتصف المسافة طلب من رفاقه العودة فعاد البعض وغرق من رفضوا دعوته ونجا معهم، والمسافة كانت حوالي 3كم».
تأثر الفنان زكريا بأخواله الذين كانوا يهتمون بالغناء الكلاسيكيّ والوطنيّ الثوريّ منه على وجه الخصوص، الذي كان فأخواله لأمه عُرِفوا بأصواتهم الجميلة «خالاه حسن مامد وحسن حنان عمر، وجدُّه حنان أحمد شاهين «، وكانت تحيطه بيئة فنية وثقافية، حتى أخوه محمد الذي يصغره سناً كان رساماً وله عدة مشاركات في معارض للرسم كما كان يكتب الشعر.
ظل زكريا متابعا للقراءة وثقف نفسه عبر المطالعة المستمرة، لم يُؤثِّر ترك المدرسة عليه كثيراً، لأنه اهتم بالقراءة والمطالعة فدرس العديد من الكتب العلميّة والسياسيّة والفلسفيّة والفنيّة، كما سلك مسلك والده في الانخراط في السياسة، إذ كان والده متأثراً بالثورة البلشفية وأصبح عضواً في الحزب الشيوعيّ السوريّ وبعد دخول حركة التحرر الوطنيّة الكردستانيّة إلى غرب كردستان وبعد التعرف على كوادر الحزب القياديّة، وقراءة أدبيات ومنشورات الحزب، انضم للحركة عام 1985م.
الفن عشقي الأول
يقول زكريا عثمان: «أحببت الفن منذ صغري فكنت أغني الأغاني الفلكلوريّة والثوريّة وتعلَّمت العزف على آلة الطنبور، كما انضممت إلى الفرقة الموسيقيّة وكنا نغني في المناسبات الثوريّة ومنها احتفالات نوروز، وذهبت فرقتنا الفنيّة عام 1988م إلى معسكر الشهيد معصوم قورقماز وأقمنا حفل نوروز هناك، أما عملي في النحت بدأ متأخراً في نحت الخشب وصنع أعمالاً فنية من الخشب، مثل التماثيل والتحف الفنية والميداليات وأنتج الكثير من الأعمال الفنية يقول: كان في ذهني مشاريع فنيّة ضخمة إلا أنّ الأقدار والوضع الماديّ والاجتماعيّ أخّرت ذلك.
تركت الكثير من أعمالي خلفي عندما اضطررت لمغادرة بيتي ولمرتين، وقد نشرت بعض أعمالي من قبل عبر مواقع منها تيريج سوفت وكان موجود على مواقع غوغل، لكنني سأعود من جديد لتقديم نماذج من تلك الأعمال، رغم الظروف الصعبة، وقلة الوسائل والمواد التي احتاجها»
وعن نِظرته للمرحلة القادمة في الفن وما تتطلبه المرحلة يقول زكريا: «أحبُّ العمل، ولا شك أنّ المرحلة الحالية وما شهدته من تغيرات وبخاصة بعد احتلال عفرين، قد خلقت أرضية جديدة لعمل بطابع مميز وجديد، الفقر التهجير الظلم والحرب والمقاومة كل هذا مواضيع تستحق العمل عليها وإبرازها وهي تترك في النفس دافعاً للاستمرار لطرحها ومناقشتها ومن كلِّ الجوانب والوجهات. ولا بدَّ من إيصال الصورة ب أبعادها كافة».
المثقفون والفنانون رواد الثورات
وعن دور الفنانين والمثقفين يقول زكريا: «الفنانون والمثقفون كانوا يلعبون دور الطليعيّ في العديد من الثورات، لأنّهم الأكثر قدرة على تفسير الاحداث والحقائق ورؤية الحلول للمشاكل، ففي الثورة السوفيتيّة كانت هنالك ثورة ثقافيّة وثورة اجتماعيّة وعلميّة، ونحن نريد اليوم أن تكون ثورتنا أكثر شموليّة للإنسان ونكون قادرين على أن نرى الحلول للأخطاء التي حدثت في الثورة البلشفيّة وهذا يرجع إلى الدور الذي يلعبه المثقف والفنان في هذه الثورة، هنالك مشكلة تصادف المهتمين بالفن والثقافة؛ فكل من يعمل في هذا المجال يعاني من الناحية الماديّة ويتوجب من الجهات الراعية الاهتمام بهذا الجانب لأجل لتمكين الفنان والمثقف على الاستمرار في العطاء وهذا ما كنت أعاني منه».
أما عن أعماله التي تم رصدها من قبل الإعلام ومكان عمله ومشاركاته في المعارض فقال الفنان زكريا: «كنت أعمل في منزلي أيّ منزلي كان مقر عملي الفنيّ وسبب قلة الإمكانات ولكن كان بيتي مليء بالروح الفنية فأعمالي كانت تحيط بي رغم أني كنت أسكن في بيت بالأجرة، وأعمالي مبنية على فكرة انتقادية أو حدث أو أمر هام، احاول ايصاله إلى المشاهد بأسلوب فني جميل، وقد عرضت أعمالي في عدة معارض أقيمت في حلب من قبل مثقفين كرد، فشاركت بتماثيل وأعمال فن الميدالية، وكما عرضت أعمالي في عدة مواقع إلكترونيّة منها «تيريج سوفت» التي عرضت سفينتي «سفينة ماجيلان «وكانت موجودة على محرك البحث غوغل، والسبب الذي جعلني بعيداً عن الأضواء هو ما عانيته من وضع ماديّ، فكنت أعمل ما يقارب 14 ساعة كسائق، لأعيل أسرتي».
سنجعل من كل حجرة شاهداً على التاريخ
وأضاف زكريا بحرقة وتوجع: «لقد رئينا كيف قام الاحتلال التركيّ بقصف المواقع التاريخيّة التي تعود للكرد، ليمحو الآثار الثقافيّة والفنيّة التي تتعلق بالكرد، نحن قادرين أن نجعل من جبالنا صور ومنحوتات تتحدث عن تاريخ الكرد المقاوم، وتوثق قوة الشعب المناضل ومقاتليه ومقاتلاته الذين أثبتوا أنّهم أبطال لا مثيل لهم، فكلُّ الأحداث يمكننا أن نجعلها منحوتاتً وصور موجوداً على الجبال والتلال والأنفاق لتحدث الأجيال عن وقائع تاريخيّة موثقة بطريقة فنيّة.
«بعدنا عن عفرين يحدث الماً كبيراً فينا، لكننا نرى الاهتمام والمبادرة العظيمة من قبل الادارة الذاتيّة فيما يخصّ مهجري عفرين، ولكن يبقى القلب ينبض لعفرين وتكون عيوننا على الوطن، نريد الرجوع مرفوعي الرأس، وليس الرجوع خانعين، وسنعود»
وختم الفنان زكريا حديثه المؤثر والصادق بالقول: «الحرية في كلّ مكان هي حرية تصنع بالنضال، عفرين اليوم تحتلها دولة يحكمها ديكتاتور، لكنها لم تكن ترضخ يوما للطغاة ولن ترضخ، وستعود لأهلها و سنعود حيث كنا وسأعود لعملي وفني ولن أعدم الوسيلة ولا بد لي من إتمام رسالتي وإبلاغها رغم كل شيء».[1]