تعبر العادات والتقاليد الشعبية في منطقة ما عن تجارب طويلة لحياة السكان خلال تاريخهم الحافل بالأحداث والتطورات الإنسانية، ويترك سلوك السكان وأنماط عملهم ومعتقداتهم أثراً واضحاً في المجتمع ويميزه بعادات وتقاليد خاصة.
ومنطقة الجزيرة تتمتع بخصوصية في هذا المجال، تتمثل بانفراد ها عن باقي محافظات سوريا وبغناها (بالفلكلور) الموروث عبر آلالف السنين، ولعدد من الفئات التي قد لا نجدها في مكان آخر، والتي تتميز بعادات وتقاليد فريدة من نوعها في آن معاً، وتميزت هذه العادات بالكثير ومنها:
أولاً: اللباس والزي الشعبي
تراجع اللباس الشعبي التقليدي في المدينة، وبدرجة أخف في القرية. فساد اللباس الحديث المكون من الفستان والتنورة مثلاً عند المرأة، والجاكيت والبنطال عند الرجل. أما اللباس التقليدي فمازال ينتشر في الريف وفي بعض أحياء المدن، ويختلف اللباس التقليدي من شعب لآخر ومن منطقة لأخرى، فالزي الكردي يختلف عن الزي العربي وكذلك عن الزي الآشوري والارمني التقليدي.
1- الزي البدوي التقليدي: لباس الرجل: يتألف لباس الرجل البدوي من كوفية وعقال أسود للرأس، ويتكون لباس الجسد من ثوب داخلي فضفاض أبيض اللون مفتوح من الأعلى وله أكمام طويلة جداً، يرتدي فوقه رداء يشبه الثوب وقد يكون ملونا ويدعى (الزبون) ويتزنر البدوي بزنار عريض من الصوف قد يبطن ليصبح القسم الأمامي منه كمحفظة النقود، وقد يتزنر بعضهم بزنار إضافي على الصدر يستخدم لحمل السلاح. ويستخدم بعض الرجال سترة صغيرة من الجوخ بأكمام طويلة تدعى (الدامر) أم العباءة فيستخدمها البدوي خفيفة في الصيف وثقيلة مبطنة بجلد الغنم في الشتاء وتدعى (الفروة).
لباس المرأة: يتألف لباس المرأة البدوية من (الملفع) الذي يكون مقصباً باللونين الأسود والأبيض. أما فوق الملفع فترتدي (الهبرية) التي تعصب الرأس وهي من الحرير الملون، وذلك كلباس للرأس. أما لباس الجسد فيتكون من ثوب طويل أسود اللون يدعى (ملس) أو (أبو رويشة)، ترتدي فوقه ثوبا آخر مزركشاً وملونا يدعى (صاية) وهو مطرز بخيوط (فتل) لونها أزرق وتطرز باليد عادة أما (الجوخة) فترتديها المرأة فوق الصاية وتسمى أيضاً (المقطنة) وتصنع باليد.
ومن أزياء المرأة المميزة حزام فوق يدعى (الشويحي) وهو منسوج من الحرير المزركش تتدلى منه شراشيب تصل الركبة وقد اختفى هذا الحزام تقريباً وتتكون حلي البدوية من الذهب والفضة متمثلة (بالتراكي)على الرأس، والحلق، (والوردينة) التي توضع في أحد جانبي الأنف من الأسفل، (والعران) الذي يعلق في وسط الأنف من الداخل متدلياً حتى يغطي منتصف الشفة العليا والسفلى من الفم (والكردان) في العنق وأخيراً (الحجول) وهي الخلاخيل في الأرجل وقد اختفى تقريباً (العران) و(الحجول).
2- الزي الكردي التقليدي: لباس الرجل: اللباس التقليدي عند الرجل الكردي يتألف من العمامة الملونة بالأحمر أو الأسود كلباس للرأس، ويتكون لباس الجسد من سروال أبيض فضفاض مغلق من الأسفل وقميص أبيض بأكمام طويلة ويتزنر بحزام قماشي ملون وسترة أكمامها طويلة ومطرزة.
لباس المرأة: يتألف من لباس الرأس عند المرأة الكردية من (الهبريتين) ملونتين واحدة تغطي الرأس والأخرى تتدلى على الصدر أما لباس الجسد فيتكون من القفطان (الخفطان) والكلابية الفضفاضة الطويلة وكذلك من الصدرية (بيشمالك) التي تحزم على الخصر باتجاه الأسفل وتتزنر المرأة بزنار من نوع قماش القفطان أو من الصوف.
3- الزي الماردلي التقليدي: لباس الرجل: يتألف اللباس التقليدي الماردلي (سكان ماردين وريفها من مسلمين ومسيحيين) من الطربوش الأحمر للرأس بالنسبة لابن المدينة ومن الطاقية المصنوعة من الشعر بالنسبة لابن الريف أما لباس الجسد فيتكون من القمباز وأحياناً يرتدي أبن المدينة فوقه سترة أما ابن الريف فيرتدي سروالا من الشعر ويتزنر بقطعة قماشية كما يرتدي سترة على شكل فروة.
وبالنسبة للزي القلعة مراوي التقليدي فهو الكوفية والعقال للرأس (الزبون والبشت) وهي الصدرية والسترة للجسد.
لباس المرأة: يتكون من قطعة قماشية سوداء تسمى (باجية) تغطي وجهها وتكون رقيقة نسبياً كي تتمكن من الرؤية من خلالها وترتدي المرأة المسنة طربوشاً نسائياً تضع فوقه (الباجية) السوداء وذلك عند المرأة المسلمة أما المرأة المسيحية فلا تضع الباجية والمسنة هنا تضع على رأسها عصبة من القماش. ويتكون لباس الجسد من فستان طويل تضع فوقه شرشف اسود اللون، وتغلب الألوان الزاهية على لباس الصبايا في حين نجدها قاتمة عند المسنات وبالنسبة للزي القلعة مراوي فهو (القنطة) المكونة من القماش الحريري الملون والفستان الطويل الملون للجسد.
4- الزي الآشوري التقليدي: لباس الرجل: يرتدي الرجل قبعة على شكل نصف كرة مصنوعة من الصوف يضع عليها عدة ريش من ريش النعام كلباس للرأس أما لباس الجسد فيتكون من قميص أبيض بدون فوقه كنزة مصنوعة من الصوف وبنطال ملون ومزركش وعريض من الأسفل مصنوع من الصوف أيضاً.
لباس المرأة: ترتدي المرأة على رأسها منديلاً حريرياً لونه أسود بحيث يغطي الرأس ويبقي الوجه مكشوفا ويغطي جسمها فستان طويل ملون أما الحلي التي تتزين بها فهي مكونة من سلسلة ذهبية أو فضية تضعها على رأسها (جبينها) وسلسلة أخرى على صدرها وثالثة على الخصر أما الحجول (الخلاخيل) فلا وجود لها عند المرأة الآشورية.
5- الزي الارمني التقليدي: لباس الرجل: يتألف من قبعة بقطعة قماشية مزركشة من الحرير الملون بالأحمر والأسود والأصفر كلباس للرأس، وعلى الجسد يرتدي قميصاً طويلاً أبيض اللون وفوقه قميص أخر ملون وفوق هذا يرتدي صدرية كما يرتدي سروالاً طويلاً واسعاً ويتزنر بحزام قماشي أصفر اللون.
لباس المرأة: ترتدي المرأة على رأسها قلنسوة حمراء فيها شراشيب سوداء وتلف هذه القلنسوة بمنديل أبيض يغطي القلنسوة والشعر ويبقى الوجه مكشوفا ويمر المنديل من تحت الرقبة أما لباس الجسد فيتكون من فستان طويل أحمر اللون وتحته سروال طويل كما تتزنر بحزام قماشي وتضع صدرية مزركشة ملونة.
ثانياً: العادات الاجتماعية
وأهمها الأعراس والولادة والختان والتنصير (التعميد).
الأعراس: تعتبر الأعراس من أهم المناسبات، وتتشابه طقوس الزواج في المدن الآن كثيراً ويغلب عليها الطابع الحديث، أما الطابع التقليدي فيسود في الريف وفي بعض أحياء المدن وهذا الطابع يختلف من فئة لأخرى باستثناء المراحل الأولى التي تمر بها هذه الطقوس، مثل اتفاق أهل العروسين ثم الخطبة أما عقد الزواج والزفاف فتعقد فيه الرقصات والدبكات والأغاني والأهازيج ابتهاجاً واحتفالاً بالعروسين، وبالنسبة للأعراس التي تقام على الطريقة التقليدية نجدها في عدة أشكال أهمها.
العرس البدوي
تبدأ الخطبة عند البدو من قبل أهل العريس دون علمه أو معرفته بالفتاة أحياناً حيث يذهب أهل العريس من الرجال إلى أهل العروس من الرجال ومعهم وجاهة من العشيرة دون أن يشاهدوا العروس، ويتم الاتفاق فيما بينهم، وفي يوم الزفاف يذهب الرجال والنساء ليجلبوا العروس التي تتخضب وتتزين بأجمل ما عندها من ثياب وحلي، وتُذبح الذبائح وتقدم المناسف في بيت العريس للمدعوين، وهي مكونة من صدور كبيرة فيها الأرز والخبز الرقيق (صاج) المغطى بقطع اللحم وقد يكون في الصدور خراف محشوة. ويبنون في المساء بيتاً صغيراً من الشعر خارج المساكن، ثم يزفون العروسين إلى هذا البيت الذي يسمى (الحوفة) وهناك يدورون به وهو ما يزال على الأكتاف حول (الحوفة) ثلاث مرات ثم يضعونه أمام بابها، ويفرحون ويرقصون ويدبكون أما الدبكة عندهم فهي رقص بسيط يمسك فيه الشباب أيدي الصبايا على شكل دائرة مفتوحة يتوسطها قارع الطبل ونافخ الزمر وعلى إيقاع الموسيقى والأهازيج يتمايل الراقصون يميناً ويساراً.
العرس الكردي
بعد إجراءات الخطبة ومع اقتراب موعد العرس تخصص الليلة قبل ليلة الزفاف (للحنة)، حيث تقوم الفتيات من أهل العريس وبعض المدعوات بالتوجه الى بيت العروس سيراً على الأقدام وهن يرددن الأغاني ومنها أغاني خاصة (بالحنة)، وبعد نصف ساعة من وجودهن في بيت العروس تقوم إحداهن بوضع قليل من الحنة على إصبع العروس ثم تربطه بقطعة من القماش ويرجعن إلى بيت العريس ليتابعن الاحتفال بليلة الحنة لغاية منتصف الليل، وفي اليوم الثاني يبدأ الاستعداد بتحضير الغداء للمدعوين، وبعد تناول الطعام يأتي الحلاق ليقص شعر العريس بوجود أصدقائه الذين يغنون له الأغاني الخاصة بحلاقة العريس ثم يأخذونه إلى الحمام فيغنون له الأغاني الخاصة بالحمام أيضاً، ويعودون مساء ليستعدوا للعرس ولكي يجلبوا العروس من بيت أهلها ومن العادات أثناء إحضار العروس أن يقف أحد أقربائها على الباب فيمنعها من الخروج حتى يرضونه بما يطلبه من مال أو هدايا، وعند اقتراب موكب العروس إلى بيت العريس يستعدون لاستقبالها وأثناء دخولها البيت يقوم العريس بكسر جرة مليئة بالسكاكر أو النقود عند قدميها، ثم يمسك بيديها فيدخلها البيت ويجلس بجانبها لمدة عشرة دقائق تقريباً يخرج بعد ذلك ليجلس مع أصدقائه من الرجال ومع المدعوين في مكان خاص بهم ويستمر الاحتفال والغناء والرقص حتى منتصف الليل، في اليوم التالي تكون الصباحية حيث يقوم الناس بزيارة العروسين ويقدمون لهم مبلغاً من المال كمساعدة ويتم ذلك عادة بعد تناول طعام الغداء.
العرس الماردلي
إجراءات الخطبة عند الماردلية من مسيحية ومسلمين هي واحدة وتبدأ بعادة (التقليب) وهي مشاهدة الفتاة قبل خطبتها ومراقبة مشيتها وقوامها ومظهرها العام، أما الخطبة تسمى (المليك) وبعدها يحدد موعد الزفاف ويتم التباحث عن المهر ويسمى (التلمليم) أي لملمة وتأمين حاجات العروس من حلي وألبسة وفرش بيت، وتوجد عادة عند المسيحية منهم وهي أن أهل العريس يجلبون معهم (الكليجة) وهي نوع من المعجنات على شكل “كعك”، ثم يجلس اشبين (عرَّاب) العريس واشبين العروس مع الكاهن الذي يعقد الخطبة فيمسك هؤلاء الثلاثة كل منهم بطرف من الرغيف والذي تكون قطعته أكبر يعتز بنفسه وكذلك الجهة التي يمثلها.
يبدأ العرس عند المسيحية اعتباراً من يوم الخميس حيث تنصب خيمة في الحي وتبدأ الأفراح بقرع الطبول ونفخ الزمور (قديماً)، أما الآن فتستخدم الآلات الموسيقية الحديثة الشرقية منها والغربية وتغنى الأغاني الشعبية العربية باللهجة المحلية مثل أغنية (يادلهو) و(ماليا) و(تحبون الله لاتقولون)، وغيرها ويخصص يوم الجمعة لنقل جهاز العروس وأمتعتها إلى بيت العريس وفي يوم السبت تحنى أصابع يدي ورجلي العروس وكذلك الصبايا الموجودات وتوضع الحنة في وعاء كبير تغرس فيها الشموع المضاءة، وتتبادلها الفتيات بالرقص والهرج مع ترديد أغنية (الليلة الحنة) ويعقد القران في يوم الأحد بالكنيسة.
بالنسبة لمسلمي الماردلية فالعادات السابقة هي ذاتها تقريباً باستثناء يوم العرس الذي يكون عندهم يوم الخميس وكذلك يعقد القران في بيت العروس وبحضور الشيخ.
العرس الآشوري
يتميز الزواج عند الآشوريين بحرية الاختيار للشاب والفتاة معاً والاتفاق على أمورهما، أما الأهل فيقتصر دورهم بالنصح والمساعدة وعندما يكون أحد الطرفين من مكان آخر يقوم الأهل بتوضيح الأمور الغامضة له، ولا وجود للمهر عندهم وإن وجد فهو رمزي جداً يكاد لا يذكر، والخطبة بسيطة تتم من قبل أهل العريس دون تعقيد، وقبل الزفاف بأسبوع تقام حفلة في بيت العروس تتم فيها بعض الطقوس الدينية وفي يوم الزفاف تشكل فرقة من الشباب والشابات الذين يرتدون اللباس الفلكلوري ومعهم طبل وزمر وتتجه هذه الفرقة إلى بيت العروس ليحضروها إلى الكنيسة، وهناك يكلل العروسان وبرفقتهما اشبين (عراب) للعريس آخر للعروس وأثناء الإكليل في الكنيسة تقف امرأة خلف العريس وفي يدها مقص تفتحه وتغلقه، والاعتقاد السائد أنها بهذه العملية تقطع السحر في حال وجودة لتستمر حياة العروسين بتفاهم وهناء ويقدم للعروسين كأس من الخمر يشرب كل منهما نصفه تعبيراً عن الشراكة والاستمرار مدى الحياة.
العرس الأرمني
يتميز العرس الأرمني التقليدي بطريقة الخطبة حيث تذهب أم العريس إلى بيت العروس مرتدية أجمل ما عندها من ثياب وتضع على كتفيها شالاً ملوناً جديدًا وفي يدها منديلاً مليئاً بالسكاكر، وهناك تقوم أم العريس بلف شالها على رأسها وتضع وردة حمراء في شعرها من جهة اليمين، وهذه علامة يفهمها أهل العروس مباشرة لأنها تعني أنني جئت أطلب يد أبنتكم لابني فيتشاور، أهل العروس مباشرة ويجيبون عليها بالموافقة أو الرفض وفي حال الرفض تغادرهم أم العريس دون أي إزعاج أو إحراج، وفي حال القبول تفتح منديلها وتقدم السكاكر للجميع وهذا دليل أن الفتاة أصبحت خطيبة لابنها بعدها، يتفق الجانبان ولا وجود للمهر عند الأرمن إطلاقاً ثم يذهبون لشراء الجهاز للعروس كالثياب والحاجيات الخاصة أما الحلي فهي مكونة من الفضة وفي مقدمتها الحزام الفضي والحلق والطوق وغيرها في يوم العرس تنصب خيمة أمام بيت العريس ويبدأ الجميع بالاحتفال فيدبكون ويغنون ويلقون الأشعار العاطفية أما الإكليل فيتم في بيت العريس حيث يحضر الكاهن ليعقد قرانهما وليباركهما ويذبح أهل العريس الذبائح ويطهون الطعام للمدعوين وعند إحضار العروس يرشها أهل العريس بالأرز تعبيراً عن الفرحة بها واستقبالاً لها، وترتدي العروس ثياباً مزركشة وتضع على وجهها منديلاً شفافاً، ومن عادات الأرمن في العرس أن يصعد العريس إلى سطح البيت فيجلس على كرسي وينتظر قدوم العروس ويكون الى جانبه أصحابه الذين يضعون بقربه ديكا معلقا بقدميه في غصن شجرة يقوم هؤلاء الشبان بإلقاء الغصن والديك على القادمين مع العروس، كما تحمل أم العريس معلقة كبيرة (مغرفة) بيد ورغيف من خبز التنور السميك باليد الأخرى وترقص وتتفتل بهما أما العروس فتكسر جرة مليئة بالزبيب والسكاكر والحمص في مدخل البيت قبل دخولها بيت العريس.[1]