عبر التاريخ الطويل لمنطقة الشرق الأوسط ، عانت الأقليات العرقيةُ والدينيةُ من الإضطهاد القومي والديني وتعرضت لحملات ابادة كثيرة ومتعاقبة نتيجة ظهور ايديولوجيات قومية ظ دينية شمولية متطرفة ادعت احتكار الحقيقة ومارست العنف والمحو بأبشع صوره ...
والشعب الكردي الذي ابتلاهُ الله بجيران قسموا أرضه بينهم ومارسوا ويمارسون أبشع سياسات القتل والتشريد والانكار والتذويب اللانسانية بحقه والتي طالت تاريخهُ وخصوصيته القومية ، في محاولة من محتلي أرضه للاجهاز على وجوده والحاقه بقومياتهم ، ولم يدخروا في سبيل ذلك كل الطرق بدءاً بالكيمياويات وانتهاءا بمنع الكرديِّ من التحدث بلغته....
ومن المعروف عن الشعب الكردي غناه الحضاري Dewlemendiya şarestanî
ووجود أديان وطوائف متعددة بين صفوفه تختلطُ جذورُ بعضها ببداياته السحيقة التي تمتدُّ عبر آلاف السنين والتي حافظت على جزء كبير من تراثها الكردي شفاهيّاً رغم الأهوال والإبادات وقسوة المحتلين ....
ومن الديانات الكردية القديمة والتي ترتبطُ بشكل مباشر بالتاريخ الكردي القديم والعريق الديانة الايزيدية ، هذه الديانة الكردية القديمة التي تختلطُ جذورها ببدايات تبلور القومية الكردية ، بل كانت هذه الجذور- وتفرعاتها لاحقاً- أحد أهم السباب التي حالت دون اندثار الإرث الكردي الذي ظل محفوظاً في صدور الكرد الايزيديين المنفيين في جبال كردستان المنيعة ، للحفاظ على الدين/ الإرث الكردي المتمثل في الايزيدية من الاندثار والضياع...
وما نحاول التعرض له هنا ، هو الكرد الايزيديون وصورتهم في الاعلام العربي والذي بجب - بداية- الاعتراف انه اعلامُُ مؤدلجُُ ومؤطّرُُ يعكسُ وبشكل كامل وجهة نظر النظام الذي يديرهُ ، ولايحيدُ عن ذلك قيد انملة ، حتى لو اقتضى ذلك تشويهاً سافراً للواقع والحقيقة.
ولعل من نافلة القول ان الانظمة العربية عامةً ، كانت تتعاملُ مع القضية الكردية بسياسة تعتيمية وتجهيلية أو تشويهية بعيدة كل البعد عن الواقع الموجود ، وخصوصاً منذ بدايات ثورة البارازاني في كردستان الجنوبية ، فالأكراد غالباً -حسب الاعلام العربي- انفصاليون ، محبون للقتال و القتل .... لا يوثقُ بعهودهم .. ومتآمرون مع الأعداء ... والى ماشابه من تهم وتعريفات و تصنيفات لا تخلو من شوفينية مبطنة بعداءٍ واضح ، وطبعاً- وكما أسلفنا- عن الكرد الايزيديين ، ولأنهم يحملون الجزء الأكبر من العادات والتقاليد الكردية الأصلية ، فانهم لم ينجوا من الاعلام العربي ونظرته الخاطئة.
هذه الديانة اكتشفها الاعلام العربي المؤدلج الرسمي في صورة اكتشاف قوم كردي منعزل يعبدُ الشيطان أو االشمس ويمارسُ طقوساً غريبة وعادات بدائية ، وهو قوم منعزلُُ متوحشُُ جعلته الجبال يأنفُ الانسانية ويميلُ الى الفتك والبطش.
لكن ورغم هذه الصورة المشوهة التي حملتها وسائلُ الاعلام العربية ، فان الفرد العربي ظلَّ دائماً - وهو غالباً لايثقُ بوسائل اعلامه الرسمية يتساءلُ عن حقيقة هذه الادعاءات و يتشوّقُ الى معرفة هؤلاء الناس والتأكد من حقيقة ما يُقالُ عنهم من غرائب ...
أما في سورية والعراق الدولتان اللتان تحتلان جزءاً من الأراضي الكردستانية ، فكانت سياستهما تجهيليّةً انكارّية مستمدّةً من نظريات البعث العنصريّة المؤلهة للعنصر العربي والظالمة لكل كردي وما يمتُّ له بصلةٍ ، فأهملت الديانة الايزيدية - كالقومية الكردية تماماً- ولم يُتعرض لتاريخها بالبحث من أي جهة ، سواء أجامعة أم مركز علمي أم برامج الاذاعة والتلفزيون ، وكأن هؤلاء الناس ليسوا بمواطنين أو كأنهم من كوكب آخر ، لاشأن لهم بالمجتمع الذي من المفروض انهم جزءُُ منه !!!!!!!!
وكذلك لم تسمح الدولةُ بافتتاح المدارس الدينية التي تعلم أصول الدين الايزيدي أو حتى بإقامة المعابد في القرى الكردية الايزيدية ، والسببُ الذي لا يَخفى للمتابع هو كردية الديانة الايزيدية بمعنى أن الارث الديني الايزيدي من نصوص وأدعية وصلوات ... الخ مكتوبُُ بالكردية وهو الخطُّ الأحمرُ الذي تقفُ عندهُ سقفُ المطالب في الفكر الايديولوجي البعثي...
ولعل من النماذج الصارخة في الاعلام السوري على اهانة الطائفة الايزيدية تصريح وزير الدفاع السوري العماد مصطفى طلاس المعادي والمستفز للكرد الايزيديين وديانتهم حين نعتهم بعبدة الشيطان ، أصحاب الدائرة المغلقة ، هذا رغم أنهم مواطنون قدموا لوطنهم الغالي والنفيس ، وضحوا بأرواح شبابهم في الدفاع عن وطنهم سورية في الحروب العربية - الاسرائيلية، لكن كل هذا لم يشفع لهم لكونهم أكراداً وليسوا عرباً كما هو مكتوبُُ في الأساطير البعثية البائدة والتي صاغها المندثر ميشيل عفلق..
مصطفى طلاس: برنامج الملف الذي قدمهُ نبيل ملحم وبثَّ يوم الاثنين 11-5-1998 .
وهذا ان دلَّ على شيءٍ فانما يدلُّ على حالة الافلاس الديمقراطي التي تعاني منها هذه الايديولوجيات الشمولية الفاشلة والتي بدأت بزعيق التحرير وانتهت بالفساد وتكريس الطائفية.
أما حديثاً ونتيجة لظهور بعض وسائل الاعلام العربية المنفتحة على الرأي الآخر وأغلبها ينطلقُ من أوربا فان المجال قد أعطي قليلا للكتاب الكرد لكي يوضحوا حقيقة هذه الديانة ويزيلوا غشاوة التضليل التي مارستها أنظمةُ العراق وسوريا ، ووسائل اعلامها بحق الكرد الايزيديين كتلفزيون الجزيرة في قطر ، وصحيفتا القدس العربي ز الزمان في لندن ,ايضا كنتيجة واضحة لتأسيس مراكز الدراسات الكردية في اوربا المعنية بالتراث والديانات الكردية والتي يعملُ فيها مجموعةُُ من خيرة المثقفين الايزيديين المتحررين من سيطرة رجال الدين المتزمتين والمنتفعين من الخطاب الديني التقليدي والذين يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية الاخلاقية والتاريخية في التأخر الحضاري للطائفة.
هذه المراكز ساهمت كثيراً في اعطاء صورةٍ واضحةٍ وحقيقيةٍ عن الكرد بشكلٍ عامٍ والكرد الايزيديين بشكلٍ خاصٍ للمتلقي العربي وتعريفه بهذه الديانة الكردية العريقة في الواقع الحقيقي وليس العكس مثلما فعلته وسائل الاعلام المؤدلجة ذات النظرة الاحادية المسبقة وأيضا اعلامه أن الارث الكردي قد أغنى الحضارتين العربية والاسلامية وان الجزلء لايكونُ هكذا ، بل بالتحاور والتعارف من منطلق النظرة الانسانية المتسامحة ، وبعيداً عن النظريات العنصرية البائدة التي تقولُ بتفوّق عنصرٍ على آخر.[1]
هوشير قادو