=KTML_Bold=ميزوبوتاميا: منشأ أول إعلان لحقوق الإنسان=KTML_End=
=KTML_Underline=سيفي إيزولي=KTML_End=
=KTML_Bold=1-لمحة تاريخية:=KTML_End=
من الصعب تحديد تاريخ معين لنشأة حقوق الإنسان فهي عبارة عن مفاهيم وقيم أخلاقية، عقائدية، دينية وفلسفية تراكمت عبر تاريخ الحضارات الإنسانية. ولكن العديد كان يعتقد أن أول إعلان لحقوق الإنسان صدر عقب الثورة الفرنسية عام 1789 تحت تأثير فلاسفة عصر التنوير بين القرنين 18- 19 (1715 –178)) مثل روسو (العقد الاجتماعي) مونتسكيو (فصل السلطات)لافاييت(الذي صاغ إعلان الثورة الفرنسية) فولتير…الخ والذي تدعو إلى النهضة الإنسانية التي نادت بسيادة العقل والأدلة على الحواس وبالمثل العليا وهي الحرية،الرقي، التسامح, الأخوة تحريم العبودية, الحكومة الدستورية, فصل السلطات …
يرى آخرون أن أول إعلان حقيقي لحقوق الإنسان هو إعلان الاستقلال الأمريكي 1776الذي عقب الحرب الأهلية الأمريكية وتبنته فرجينيا كدستور لها ثم اعتمد كدستور للولايات المتحدة.
من يتعمق أكثر يعيده إلى الثورة الإنكليزية لعام 1689 التي حددت سلطات الملك المطلقة واعترفت بسيادة الشعب “وثيقة الحقوق” التي اعتمدت أساسا لدستور المملكة المتحدة البريطانية.
صحيح أن الثورة البريطانية أثرت على إعلان الاستقلال الأميركي الذي عقبها بعد 100 عام, وهو بدوره اثر على إعلان حقوق الإنسان والمواطن في الثورة الفرنسية. طبعا على الصعيد العالمي وليس الوطني فان أول إعلان دولي لحقوق الإنسان هو الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948بعد الحرب العالمية الثانية.
على الصعيد التاريخي تبين أن أول إعلان لحقوق الإنسان يعود إلى ما قبل الميلاد بمئات السنوات.
=KTML_Bold=2- اكتشاف أسطوانة كوروش:=KTML_End=
في عام 1879 تم اكتشاف أسطوانة كوروش من قبل المؤرخ الإنكليزي (عراقي لأصل) هوروزد راسم في قرية غومغوما بالقرب من تل عمران وهذه الأسطوانة محفوظة حتى الآن في المتحف البريطاني في لندن. يعود تاريخ الأسطوانة المصنوعة من التراب المطبوخ إلى عام 539 قبل الميلاد أي إلى حوالي ألفين وستة مئة عام.
وهي تعرف بأسطوانة كوروش, ودون الدخول في التفاصيل التاريخية والاقتصار على الناحية الحقوقية , فانه لا بد من الإشارة إلى أن كورش امبراطور فارسي وهو ملك الامبراطورية الآخمينية.دام حكمه من 560 إلى 529ق م .
الأسطوانة مؤلفة من 40 سطر كتبت بالخط المسماري بالغة الاكادية البابلية.( الكتابة المسمارية ظهرت في بلاد ما بين الرافدين 3000 عام قبل الميلاد) بناء على طلب الملك كورش الفارسي بعد أن استعمر عام 553 مملكة ميديا بمساعدة بعض الأمراء الكورد الذين تعاملوا معه ضد شعبهم وأطاح بالملك استياجس والامبراطورية البابلية التي كان يتزعمها الامبراطور نبوخنصر.
بعد أن نجح مختصو اللغات القديمة بتفكيك الأسطوانة،كانت دهشتهم كبيرة بما احتوته وبالحقوق التي أعلنت عنها. حتى أن الأمم المتحدة قامت بترجمتها إلى كل اللغات الرسمية المعتمدة من قبلها, بالإضافة لذلك تم تعليق النص على مدخل مجلس الأمن.
=KTML_Bold=3-أول اعلان لحقوق الانسان:=KTML_End=
اعتبرت الأسطوانة من قبل العديد من المختصين بأنها أول وثيقة إعلان لحقوق الإنسان في تاريخ البشرية. جريدة لوموند الفرنسية 7 شباط 2010 وصفتها بأقدم إعلان لحقوق الإنسان. كذلك بربارا فيرجسون : ” أسطوانة كورش التشريع الأول لحقوق الإنسان” واشنطن رابورتميديل است أيار 2013. كذلك جون كورتيس رئيس المتحف البريطاني أسطوانة كورش أول عهدة لحقوق الإنسان.
ما هو مضمون هذه الوثيقة الذي أثار كل هذا الاعجاب والدهشة؟
=KTML_Bold=4- مضمون الأسطوانة:=KTML_End=
تبدأ الوثيقة بقول الإمبراطور كورش: “أنا كوروش ملك العالم، الملك العظيم، الملك القدير, ملك بابل وسومر وأكاد, ملك الأطراف الأربعة للأرض ابن قمبيز. جئت إليكم بدعوة من الإله مردوخ لأخلصكم من الطاغية بنو خنصر، جئت إليكم محررا لا مستعبدا، لن أحكم شعبا لا يقبلني وبالرغم عنه” (ترجمة للمبدأ الحقوقي السياسي المعاصر سيادة الشعب). ثم تعدد الأسطوانة الحقوق المعترف بها وأولها إلغاء الرق والعبودية وتحرير اليهود الذي سباهم واستعبدهم الإمبراطور نبوخنصر عبر ثلاث غزوات لأورشليم ومنعهم من العودة إلى أورشليم (تحريم العبودية في أمريكا 1780 وفي فرنسا 27-04-1848). النص يقر أيضا على المساواة بين كل الأعراق والألسنة والأديان، تحريم العمل الإجباري، حرية كل فرد بانتقاء مهنته وحفظ الكرامة الإنسانية وتأمين الرخاء للشعب.
كما أقام إدارة لامركزية ومنح استقلالية للوحدات الفرعية الإدارية المدعوة آنذاك “الساطرفيات”ودعا لواجب التسامح الديني وحق تقرير المصير الذي كُرس بمقولة الملك كوروش”كل شعب سيقرر بنفسه إذا كان يقبل بقيادتي أم لا. لن أحكم شعبا إن لم يرغب بذلك”.
وتعتبر الحقوق المذكورة في الأسطوانة وشكل الحكم من أولى أشكال الحكم الديموقراطي لبلد متعدد الأديان والأعراق.
يقول مدير المتحف البريطاني نيل ماك غريغور بهذا الصدد: ” كوروش اخترع نموذجا لكيفية إدارة مجتمع متعدد اللغات، متعدد الأديان، متعدد الثقافات”.
وفق ماورد في كتاب الفيلسوف اليوناني زينوفون( 480 – 355 قبل الميلاد) الذي كان أحد تلامذة سقراط فان كورش تبنى فلسفة “ناضل في سبيل الحرية متى استطعت فالحرية والكرامة والثراء ثلاثة عناصر إذا ما اجتمعت حظيت البشرية بالسعادة القصوى، وإذا منحتها لشعبك فستكسب حبه إلى الأبد”
الفرس الإيرانيون يفتخرون في كل مناسبة بانتمائهم لكورش وبأنهم مصدر حقوق الإنسان. مثلا شيرين عبادي عند استلامها لجائزة نوبل للسلام في 10.12.2003 صرحت:”أنا إيرانية، أنا سليلة كورش الأكبر الإمبراطور الذي أعلن في أوج سلطته قبل 2500 عام انه لن يتولى الحكم إذا كان ذلك مخالفا لإرادة الشعب وتعهد بعدم إرغام أي شخص على تغيير ديانته وصان حرية الجميع, وثيقة كورش أهم الوثائق في تاريخ حقوق الإنسان”
صحيح أن كورش فارسي ولكن هل هو فعلا من وضع هذه الحقوق والمبادئ؟
=KTML_Bold=5- كورش ليس من ابتدع حقوق الإنسان:=KTML_End=
نظرا للرؤية التقدمية والعصرية والإنسانية للحقوق الواردة في أسطوانة كورش فقد دأب العديد من علماء التاريخ والحضارات القديمة على دراستها. يؤكد العديد من الأخصائيون البارزون على أن كورش ليس هو من ابتكر حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية وسيادة الشعب. وإنما استلهمها من أجدادنا الكورد ومما كان معمول به و مطبقا في ميزوبوتاميا من قبل إمبراطورية ميديا بل أكثر من ذلك فهو قد اكتفى بتجميع المخطوطات القديمة التي تعدد هذه الحقوق والمبادئ ليجمعها ويدونها في وثيقة واحدة.
حسب المؤرخ الهولندي جون لندريج، الملك كوروش ليس هو من ابتدع هذه الحقوق، أنما اكتفى بترميم وجمع المخطوطات والمنشورات التي كانت موجودة باللغات المتداولة في ميزوبوتاميا والتي تعدد الحقوق والحريات المعترف بها في هذه المنطقة قبل غزوه لها، لشملها جميعا وتدوينها على أسطوانة واحدة.
على الأرجح كورش استلهم مبادئه من العادات المحلية الميدية المستلهمة من الزردشتية والتي كانت تؤمن بالمساواة بين المرأة والرجل وكل اللغات والاثنيات وتحرم العبودية وتؤمن بالقانون الطبيعي”
ريتشارد فراي تحدث عن الأسباب التي دفعت كورش لتبني هذه المبادئ: ” إن احتلال بابل هو ما دفع كوروش لإصدار أول ميثاق لحقوق الإنسان، وتأتي وثيقته في إطار تقليد كان بالأصل قائما في بلاد مابين النهرين” .
حسان بيهزاد : في كتابه” حقوق الإنسان وتعاظم الإمبراطورية الاخمنية”الصادر عن دائرة الدراسات الإيرانية في حزيران 2007 يذكر:” الاعتبارات السياسية لعبت دورا مهما في رسم كوروش لسياسته. حيث حكم بشكل يضمن استقرار حكمه ويحول دون نشوب ثورات ويضمن استقراره مما حتم عليه إتباع إستراتيجية مكنته من التعاون مع النخب المحلية واتبع سياسة سمحت بالمحافظة على الأعراف المحلية وعدم المساس بها بأي شكل من الأشكال”
=KTML_Bold=6- تأثير كورش على حركات النهضة الإنسانية:=KTML_End=
المبادئ التي دونها كورش في اسطوانته كانت ملهما أساسيا لمؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية ولفلاسفة عصر التنوير في أوربا. عدة مؤرخون اتفقوا على أن كورش كان الملهم الأساسي لتوماس جيفرسون الذي وضع إعلان الاستقلال الأمريكي وكان ثالث رئيس للولايات المتحدة الأمريكية. حيث تم العثور في مكتبته على نسختين من كتاب سايروبيديا للفيلسوف اليوناني زينوفون بعنوان ” فن القيادة وفن الحرب” عن حياة كورش. كما عثر على رسائل كتبها لحفيده يحثه من خلالها على قراءة الكتاب والعمل بفلسفة كوروش.
جون كوريتس رئيس المتحف البريطاني قال ” وثيقة كورش وخاصة حرية المعتقد جذب مؤسسي الولايات المتحدة التي كانت محتلة جزئيا من الاوربيون الهاربون من الاضطهاد الديني”
كما أشار براينت بيير في كتابه “من كورش إلى الإسكندر” الصادر في عام 2002 إلى تأثر فلاسفة التنوير بمبادئ كوروش من خلال مؤلف زينوفون الذي كان متداولا على نطاق واسع بينهم
من جانبه تحدث تهيري بوتيت في أطروحة قدمها إلى جامعة لييج قسم الفلسفة والآداب عام 1990 بعنوان ” الإمبراطورية الاخمينية من سيروس إلى داريوس” عن مدى تأثر علماء التنوير في أوروبا حيث شاعت الحروب الدينية بنموذج الحكم التعددي الديمقراطي والمبني على التسامح الديني والاثني وحقوق الفرد وكرامته. هذا النموذج شكل بدون شك مصدر الهام لصانعي الثورة الفرنسية.
بعيدا عن التعصب القومي، يتبين لنا من خلال هذا البحث وبصورة موضوعية مع أدلة مادية وثقت من قبل باحثون ومختصون كفؤ وغير منحازون أن أجدادنا الميديين وديانتنا الأولى هي منبع ومنشأ حقوق الإنسان. ما تنادي به الآن الأحزاب الكردية المختلفة والحركات السياسية الكردية من المساواة بين المرأة والرجل،والمساواة بين اللغات والقوميات والعلمانية الخ … ينبع إذا من تراث وثقافة متأصلة في الشعب الكردي. ولكن لا بد من المضي قدما لترجمة النظري إلى واقع عملي ولتطويره وفق مقتضيات المرحلة.
المصدر: اتحاد مثقفي روجآفايي كردستان[1]