الثورات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط
د. مهدي كاكه يي
تأثير العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات، خاصة الإنترنت و الفضائيات و الموبايل، على الإنسان كان سريعاً، حيث بدأ الشباب بإعلان ثوراتهم و إنتفاضاتهم في كل من تونس و مصر و اليمن و ليبيا و البحرين و الأردن وسوريا و العراق و الجزائر و المغرب و عُمان و السعودية و كوردستان. ستصل شرارة الثورة الى بقية دول المنطقة و العالم بأسره لتغيير الأنظمة الشمولية المتخلفة و الجائرة و الفاسدة في هذه الدول، حيث تعاني شعوب المنطقة من القمع و الفقر و المرض والبطالة و تدمير البيئة و سرعة النمو السكاني، و خاصة بين الشباب و كذلك التخلف الإقتصادي و الثقافي و العلمي و التكنولوجي. إن هذه الإنتفاضات و الثورات هي نتاج تراكمات القهر و الإرهاب التي تعرضت له شعوب المنطقة خلال حكم الطغاة الذي إستمر لحقبة زمنية طويلة و نتيجة لنهب ثروات دول المنطقة من قِبل حكامها الشموليين، بالإضافة الى تغيير النظام العالمي الذي يتناقض مع وجود أنظمة شمولية تعيش خارج العصر.
إن ثورات التغيير ستنتشر في كل أنحاء العالم و ستنجح بكل تأكيد في إزالة كل الأنظمة الدكتاتورية التي فرضتها ظروف دولية و ذاتية خلال العقود الماضية. العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات خلقت جيلاً ثورياً سيجرف كافة الأنظمة القمعية و يزيلها من الوجود لبناء أنظمة ديمقرطية تصون كرامة الإنسان و تحترم حقوقه و حريته. من هنا ندرك بأن رياح التغيير ستستمر بدون توقف و ليست هناك قوة في الأرض تستطيع الوقوف بوجه إرادة الشعوب و إيقاف مسيرتها نحو الحرية و الديمقراطية و العدالة الإجتماعية. كما أود أن أذكر هنا أيضاً بأن الإنتفاضات و الثورات ستصل لاحقاً الى الدول الغربية أيضاً، حيث سيطالب الجيل الجديد بتحقيق العدالة الإجتماعية في هذه الدول، التي تفتقر إليها و تحتاج الى إصلاحات جذرية لأنظمتها لتستطيع مواكبة العصر و التغييرات الكبرى التى جرت على وعي الإنسان و نمط حياته و بيئته. هذه الثورات ستقوم بتغيير خارطة المنطقة بأكملها و تبدأ عملية التغيير بهدم البُنى التحتية المتهرئة و النظم السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و التربوية و الفلسفية المتخلفة و التي ستصبح جزءً من الماضي، حيث أنها عاجزة على مواكبة العالم الجديد و التفاعل معه.
إن جميع الحكام المستبدين ستتم إزاحتهم عن الحكم بالقوة لأن هؤلاء الحكام سيُقاتلون حتى النفس الأخير في محاولة يائسة للإحتفاظ بكراسي الحكم و الإستمرار في إستعباد شعوبهم و نهب ثروات بلدانهم. لذلك فأنّهم لا يتركون الحكم إلا عن طريق إزاحتهم بالقوة. هؤلاء الحكام الطغاة يعيشون خارج العصر، لا يستوعبون و لا يريدون إستيعاب التطورات الهائلة التي حدثت في السنين الأخيرة للفكر الإنساني و وسائل إتصالات الإنسان و الكَم الهائل من المعلومات التي يتلقاها بسرعة و بسهولة و التي بدورها أكسبته الوعي لفهم نفسه و محيطه و ظروفه و تحديد أهدافه و إختيار وسائل ناجحة لتحقيق تلك الأهداف.
إن الحكام الدكتاتوريين هم نتاج الحرب الباردة التي سادت في العالم و إنتهت بزوال أنظمة حكم المعسكر السوفيتي. هؤلاء لا يزالون يعيشون في تلك الحقبة التأريخية و بذلك يعيشون خارج عصر العولمة و الإنترنت و الفضائيات و الموبايل. يعقد البعض الآمال على قيام هؤلاء الحكام المتخلفين بإصلاحات تتماشى مع روح العصر. إن هؤلاء البعض يجهلون بأن الحكام الطغاة يؤمنون بالقوة و إرهاب الشعوب لأنهم يحملون عقلية مستبدة لا تؤمن بكرامة الإنسان و حريته و أنهم ينتمون الى جيل يفتقد الى الوعي الذي يؤهلهم ليتفاعلوا مع تطور البشرية ليصبحوا أعضاء نافعين و مؤهلين للإندماج بالمجتمعات المتحضرة. عليه فأن الحكام المتخلفين غير راغبين و غير قادرين على مواكبة التطور الإنساني و أنهم عبارة عن أورام سرطانية لابد من بترهم و إزاحتهم عن السلطة و أن يقوم الشباب المتنوّرون بقيادة شعوب المنطقة و إحداث ثورة فكرية و ثقافية و سياسية و إجتماعية و إقتصادية في مجتمعاتهم و بلدانهم. كما أحب أن أنوّه هنا أيضاً بأن هذا الأمر يشمل الحكام الجدد الفاسدين و الجشعين في العراق الذين إستلموا الحكم بعملية ولادة قيصرية نتيجة تحرير العراق من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية و أنهم ليسوا نتاجاً طبيعياً لإرادة الشعب، بل عقليتهم المتخلفة هي نفس عقلية الحكام المستبدين، إلا أن في حالة العراق فأن السياسيين و الشعب على حد سواء منقسمون طائفياً و قومياً و قبلياً و مناطقياٌ و التي تجعل إستحالة إنفراد مجموعة إثنية أو مذهبية معينة أو شخص ما بالسيطرة على الحكم. كما أن الظروف الإقليمية و الدولية لا تسمح بإنفراد مكوّن واحد أو شخص واحد بالحكم. لو أن مجموعة عراقية كانت قادرة على الإنفراد بالحكم في العراق، لَكانت تُقيم حكماً مركزياً دكتاتورياُ مماثلة لتلك السائدة في المنطقة. من هنا نستدل بأن عدم ظهور دكتاتورية في العراق الجديد لا يعود الى إيمان السياسيين العراقيين الحاليين بالمبادئ الديمقراطية و التعددية، و إنما الظروف الذاتية العراقية و الظروف الإقليمية و الدولية لا تسمح لهم ببناء نظام شمولي مستبد في العراق.
أود هنا أن أشير أيضاً الى أن الثورات و الإنتفاضات التي يقودها الشباب في بلدان المنطقة و إختفاء الحكام الشموليين عن المسرح السياسي، لا تعني أنها نهاية المطاف و أن الأوضاع ستستقر في هذه البلدان و أن الديمقراطية ستسود فيها خلال فترة قصيرة، بل أن هذه التغييرات ستستمر و تتم من خلال تفاعلات و عمليات معقدة تستغرق أجيالاً عديدة الى أن تتحقق أنظمة ديمقراطية متحضرة في البلدان المتخلفة ذات الأنظمة الشمولية. من أهم أسباب طول المراحل الإنتقالية للنظام الديمقراطي في هذه البلدان هو أن الشباب الثائرين أنفسهم هم جزء من المجتمعات المتخلفة في تلك البلدان و أنهم يعانون من التربية الشمولية و العنصرية و الطائفية و الدينية و القبلية. لذلك فأن التغيير الفكري و الثقافي و الإجتماعي لهذه المجتمعات سيستغرق عدة أجيال الى أن تستطيع هذه المجتمعات في هذه البلدان التخلص من الموروثات السلبية للأفكار الشمولية و العنصرية و الطائفية و القبلية المتوارثة عبر التأريخ و من ثم ولادة أجيال تؤمن بالديمقراطية و بالتالي البدء ببناء أنظمة ديمقراطية، تكفل الحريات الشخصية و العدالة الإجتماعية. مجتمعات متخلفة، مثل مجتمعاتنا التي تسود فيها القبلية و الفكر الشمولي و العنصري و الطائفي تحتاج الى أجيال عديدة لتتمكن التخلص من الأفكار و الثقافات السلبية التى ورثتها من البيئة التي ترعرعت و عاشت فيها. يفتقد الشباب الثائرون كذلك الى الخبرة السياسية و الحياتية التي تجعلهم غير قادرين على قيادة شعوبهم، حيث أن إستلام مقاليد الحكم و إدارة البلدان بنجاح تتطلب خبرات إقتصادية و إجتماعية و ثقافية و تربوية و سياسية و نضج فكري و ثقافي، التي يفتقر الشباب إليها. كما أن ثورات الشباب هي ثورات عفوية يلتقون معاً في موضوع إزالة الأنظمة الشمولية و يفتقدون الى برامج محددة للحكم بعد زوال الأنظمة و إستلام الحكم، حيث ينتمي القائمون بهذه الثورات الى مدارس فكرية عديدة و لا يجمعهم جامع غير تغيير الحكم. لهذا السبب قد تتم سرقة ثوراتهم و الإلتفاف عليها من قِبل الأحزاب السياسية أو السياسيين المحترفين أو القادة العسكريين. صحيح أن التحولات الديمقراطية في العالم هي لصالح الشعوب المتقدمة، حيث يزول أو يقل خطر الأفكار الإسلاموية المتزمتة القائمة على القتل و الإرهاب و التدمير و يقل خطر طموحات الأنظمة الشمولية الساعية الى إمتلاك أسلحة نووية و بايولوجية و كيمياوية التي تُشكّل خطراً على الأمن العالمي، إلا أنه في نفس الوقت فأن مصالح الدول الكبرى المؤثرة على السياسة الدولية تصبح في خطر في حالة إستمرار الفوضى في بلدان الشعوب الثائرة، بحيث تصعب السيطرة عليها أو في حالة سيطرة القوى المتطرفة على الحكم في هذه البلدان. لذلك فأن الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي ستحاول جاهداً العمل على تحديد مسارات التغيير الناتجة عن الثورات و الإنتفاضات القائمة في هذه البلدان للعمل على تثبيت توازن في المعادلات السياسية في هذه البلدان لولادة أنظمة سياسية فيها و التي لا تُشكّل خطراً على مصالحها.
تؤدي التغييرات السياسية الجذرية في المنطقة الى إختفاء الحكم المركزي الشمولي و ظهور أنظمة حُكم لا مركزية. نوعية الحُكم في هذه الدول يُحددها توازن القوى للأطراف السياسية و مراكز القوى فيها، كما حصل في العراق بعد تحرره من حكم البعثيين. أي بكلام آخر ستختفي سيطرة حزب واحد أو قومية واحدة أو أصحاب ديانة واحدة أو المنتمين لأحد المذاهب على الحكم و الإنفراد به. هذا يعني زوال الحكومات المركزية القوية في هذه البلدان. من جانب آخر فأن العالم قد تغيّر اليوم و أن الحكومات غير قادرة على إضطهاد مواطني بلدانها و التنكيل بهم و قتلهم كما كانت تقوم بها هذه الحكومات في السابق. كل هذه المتغيّرات تكون لصالح الشعوب و القوميات و الديانات و المذاهب المضطهَدة في هذه البلدن، مثل الكورد و البلوش و الآذريين و التركمان و الأمازيغ و النوبيين و شعب جنوب السودان و الأقباط و الشيعة و الإيزيديين و الكلدان و السريان و الآثوريين و الصابئة و الشبك و العلويين و الكاكائيين و الدروز و الصابئة و غيرهم من المُضطهَدين الذين يعيشون كمواطنين هامشيين، لا حرية و لا حقوق لهم في أوطانهم. لذلك فأن عصرنا الحاضر هو عصر نهضة المجتمعات المُستعبَدة و تحررها.
نتيجة هذه الإنتفاضات و الثورات القائمة في المنطقة و التي تؤدي الى إختفاء الحكومات المركزية القوية و المستبدة و خلق فوضى كبيرة في بلدان الشعوب الثائرة، خاصة في المراحل الأولى من التغيير السياسي، فأن كافة الشعوب و القوميات و أصحاب الأديان و المذاهب ستكسر قيود عبوديتها و تُحرر نفسها من أغلال العبودية و الذل، حيث ستقوم الشعوب التي أوطانها محتلة، مثل شعب كوردستان و شعب جنوب السودان (شعب جنوب السودان صوّت لإستقلال بلاده عن الإحتلال السوداني و سيصبح جنوب السودان دولة مستقلة خلال هذا العام) و الشعب البلوشي و الآذري و غيره من الشعوب المحتلة أوطانها، بتأسيس كياناتها السياسية. كما أن الشعب الشيعي سيلعب دوراً محورياً في المنطقة، حيث تزول الحدود الوهمية التي منعتهم من التواصل و الوحدة و سيتحدون و يلتحمون معاً، الشيعي السعودي و البحريني و الإيراني و اللبناني و الأفغاني و العراقي و اليمني و غيرهم يحتضنون بعضهم البعض، يجمعهم مذهب واحد و ثقافة واحدة و تأريخ و تراث مشترك و مصالح مشتركة. أما بالنسبة للأقليات القومية و الدينية و المذهبية، فأنها ستتمتع بحقوقها و حريتها السياسية و الثقافية و الدينية و ستُثري الثقافات و التراث العالمي، بما لها من تراث و ثقافات أصيلة مُنعت من التواصل و التقدم من قِبل الأنظمة الشمولية العنصرية و الطائفية المتخلفة خلال الحقب الزمنية الماضية. لذلك فأن الدول المصطنعة التي تشكّلت في ظروف إستثنائية و بقرارات إعتباطية إتخذتها الدول الكبرى آنذاك، حيث فرضت العيش المشترك على شعوب المنطقة للإنتماء الى كيانات سياسية مصطنعة، رغم أن هذه الشعوب و المجتمعات هي متنافرة و متخلفة، تختلف في الثقافة و اللغة و التأريخ و التراث و المصالح و الكثير منها لها عداء تأريخي مع البعض يمتد لآلاف السنين و أقامت الدول الإستعمارية حكومات دكتاتورية في تلك الدول المصطنعة، تحكم شعوبها بالحديد و النار لإجبارهذه الشعوب على العيش المشترك في كيانات سياسية مهلهلة و منع إنهيار هذه الكيانات السياسية التي تفتقر الى مقومات الوجود و البقاء. اليوم، بعد دخول البشرية الى حيث العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات و إنتشار الأفكار الديمقراطية في كافة أرجاء العالم، فأن هذه الدول المصطنعة غير مؤهلة للبقاء و الإستمرارية و ستتهاوى و تزول و بذلك ستظهر خريطة سياسية جديدة للمنطقة، مبنية على أسس صحيحة و واقعية، تتماشى مع إحترام إرادة شعوب المنطقة و قومياتها و أديانها و طوائفها المختلفة و حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة.
كثير من المثقفين و الكُتّاب و السياسيين يقومون بدراسات سطحية بائسة للظروف التي تمر بها المنطقة و العالم و لم يتمكنوا من التخلص من رواسب التخلف و العنصرية و الطائفية و العاطفية. كما هو معروف بأن التطورات الإجتماعية تكون بطيئة و تستغرق أجيالاً عديدة لتتغير الحياة الإجتماعية لمجتمع ما. لذلك فأن التغييرات السياسية في مجتمع ما، غير قادرة على تغيير ذلك المجتمع خلال فترة قصيرة. لا نذهب بعيداً، لنأخذ العراق مثالاً لحديثنا. التغييرات السياسية الجارية في العراق عاجزة عن إزالة الخلاف الشيعي-السُنّي الذي عمره حوالي 2400 سنة أو الخلاف الكوردي-العربي الذي بدأ منذ إحتلال كوردستان من قِبل العرب القادمين من الجزيرة العربية. الشيعة و الكورد مضطهدون منذ تأسيس الدولة العراقية، بالإضافة الى تقاطع في التأريخ و الثقافة و المصالح بين كل من العرب و الكورد و الشيعة. الثقافة التي كوّنت الإنسان الشيعي و السُنّي و الكوردي خلال آلاف السنين المتأتية من العيش تحت ظروف تفتقد الى المساواة و العدالة و يسودها العمل من قِبل المجموعة العربية السٌنّية على إلغاء كل من الشيعة و الكورد، لا يمكن أن يتغير خلال فترة قصيرة و يصبح إنساناً آخراً. كل منهم يستمر في طريقه الذي لا يلتقي بالآخر. أما الحديث عن الأخوة الكوردية-العربية أو عدم وجود الفكر الطائفي عند السُنّة و الشيعة فأنه مجرد هُراء، إن هؤلاء يخفون رؤوسهم في الرمال، تهرباً من رؤية الواقع و لإنكار الحقيقة. إنهم بدلاً من التصدي لهذا الواقع و دراسته و وضع الحلول له، يتهربون منه و يكذبون مع أنفسهم و مع الآخرين.
نتيجة قهر إرادة العديد من الشعوب و إحتلال أوطانها و محاولات إلغاء وجود تلك الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف المضطهدَة، فأن إختفاء الحكومات المركزية الشمولية في المنطقة يكون إيذاناً لتلك الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف المضطهدَة بالنضال من أجل التمتع بحقوقها، بعد حياة العبودية و الذل و التعرض للإلغاء. كما ذكرتُ، فأن التغييرات الإجتماعية و الثقافية تستغرق أجيالاً عديدة و أن الشعوب المستعمَرة ستعمل لتحرير نفسها و أن الأقليات القومية ستناضل من أجل التمتع بحقوقها و أن أصحاب الأديان و المذاهب المضطهَدين سيعملون على تحقيق التمتع بحقوقهم. من خلال رؤية صورة لوضع المنطقة و علاقات مجتمعاتها، نقول بأن خارطة منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، بل خارطة العالم ستتغير و المستقبل المنظور سيشهد ولادة دولاً جديدة، مثل كوردستان و جنوب السودان و غيرهما. بعد التطور الإجتماعي و الإقتصادي و الثقافي لشعوب المنطقة التي قد تستغرق عدة أجيال، تستطيع هذه الشعوب خلق تكامل إقتصادي فيما بينها و خلق إتحاد يجمعها على غرار الإتحاد الأوروبي. مما تقدم فأن شعوب المنطقة ستمر بمرحلتَين من العلاقات. خلال المرحلة الأولى التي يمكن تسميتها بمرحلة إنهيار الأنظمة الشمولية، و التي تبدأ الشعوب ببناء دولها و التمتع بالحرية و العمل على تأسيس أنظمة ديمقراطية و التقدم في مختلف مجالات الحياة. خلال هذه المرحلة تتم ولادة هويات جميع هذه الشعوب، متمثلة ببناء كياناتها السياسية و تتحرر الأقليات القومية و الدينية و الطائفية من قيودها و تتمتع بنفس حقوق القوميات و الأديان و المذاهب الكبيرة التي إنفردت بالحكم في السابق و قامت بإضطهادها و تقوم هذه الشعوب و المجتمعات بتحقيق التقدم الإجتماعي و الثقافي و الإقتصادي و السياسي لها. يمكن تسمية المرحلة الثانية بمرحلة الديمقراطية، حيث تقوم هذه الشعوب بتأسيس أنظمة ديمقراطية تحترم إرادة هذه الشعوب و حقها في الحياة الحرة الكريمة. بعد زوال التراكمات التأريخية العنصرية و الطائفية و بعد أن تتطور المجتمعات البشرية في المنطقة، فأن مصالح شعوب هذه المنطقة قد تتطلب منها التعاون فيما بينها لخلق تكامل إقتصادي و سياسي و تفاعل ثقافي و ذلك بتأسيس إتحاد لدولها على غرار الإتحاد الأوروبي.
في خضم هذه التطورات الكبرى في المنطقة و العالم، ينبغي على الشعوب الخاضعة للإحتلال و كافة القوميات و الديانات و المذاهب المُضطهَدة أن تُنظم نفسها و تعمل من أجل تحقيق حريتها و التمتع بحقوقها. المُهمة الأولى لهذه الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب أن يقوم كل منها بتنظيم نفسه و إيجاد مرجعية سياسية له و تحديد أهدافه و إيجاد الوسائل الناجحة لتحقيق تلك الأهداف. المُهمة الثانية هي تأسيس هيئة تنسيقية تضم كافة الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب المقهورة في المنطقة للتعاون و التنسيق فيما بينها و خلق محور قوة مؤثر في المنطقة، ينجح في تحقيق حريتها و كرامتها و مساواتها بالآخرين. إن مثل هذا المحور لا يُعادي الشعوب و الأديان و المذاهب الأخرى، بل سيكون هدفه هو مساواة مكوناته مع الآخرين و سيكون نضاله من أجل الحرية و الديمقراطية و التعددية و المساواة و العدالة الإجتماعية و التقدم و بذلك سيلتقي كل هذه الأهداف مع مصالح الشعوب و الأديان و المذاهب الأخرى للتخلص من الأنظمة الشمولية و العنصرية و الطائفية و إنهاء الحروب و النزاعات و التفرغ للبناء و التطور و تحقيق رفاهية الإنسان و تقدمه.
من هنا أدعو كافة منظمات المجتمع المدني و المثقفين و السياسيين و أفراد الشعوب و القوميات و الأديان و المذاهب المُضطهَدة في المنطقة الى تنظيم أنفسهم و إيجاد مرجعياتهم عن طريق قيام كل شعب أو قومية أو دين أو مذهب مُضطهَد بعقد مؤتمر عام له لإختيار قيادة له بآليات ديمقراطية و من ثم عقد مؤتمر عام تشترك فيه لكافة هذه الأطياف المُضطهَدة في المنطقة لإنبثاق هيئة قيادية لها تقودها الى حيث حريتها و كرامتها.
المنطقة و العالم يمران بمرحلة تغييرات تأريخية كبرى و التي هي لصالح كل الأطراف المسحوقة في العالم و عليه يجب أن نكون في مستوى المسئولية لتحقيق الذات و كسر قيود العبودية التي فُرضت علينا منذ آلاف السنين. إنه يوم العمل و النضال، فلنُثبت للعالم أجمع بأننا نرفض العبودية بعد اليوم، بعد أن كانت مفروضة علينا عن طريق القتل و الإرهاب.
mahdi_kakei.hotmail.com
[1]