مزاودتي على كرد الداخل (الجزء الأول)
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 4420 - #10-04-2014# - 00:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
زاودت في مقالتي السابقة لغاية، محاولا عرض طروحات بالطريقة المعهودة لدى العديد من المثقفين والسياسيين (لا تشذ مقالات المعاداة أو المواجهة فيما بيننا من هذا النمط). طرحت الأمور في كثيرها، ودون مواربة، كمزايدة عامة بين الخارج والداخل. وحاولت، بقدر الإمكان، إبراز المهام التي تصعب على الداخل القيام بها، مع تفضيل الخارج عليهم، في الواقع ليس هذا مفضل على ذاك وبالعكس. أردت من هذا تبيان أحد تداعي خلافاتنا. فالمنطق النضالي يرفض موازين التفضيل بين طرفي معادلة عليها حل القضية بأي ثمن كان. كما وكنت على دراية بما أقدمه من خدمة لبعض النبهاء من الكتاب في التعرف على نقاط الضعف التي تقصدت إبقاءها بين سطوري، وغايتي أبعد من خلق الصراع بين الداخل والخارج، كما يحلو للبعض أو يطرحونه دون الإحاطة بخلفيات هذا الصراع وما سيؤدي إليه من نتائج غير حميدة. وتقصدت أيضا عدم تبيان الواقع الذي يجب أن يكون عليه الحراكان، الثقافي والسياسي، في داخل وخارج الوطن. ولم أبحث في العديد من الأبعاد التي يجب طرحها على ساحات النقاش للتداول بين الأطراف التي تواجه السلطة الشمولية في سوريا، والتي شرورها لا تقف عند حد، ولم تعر يوماً أي اعتبار للقيم والأخلاق، ولم تهتم بالمثقف أو السياسي إلا بقدر ما يخدم مصالحها. تقرّبها أو محاربتها لهؤلاء هما بقدر وقوفهما إلى جانبها مع كل بشائعها. تحارب منذ سيطرتها على الساحة السورية كل الشرائح التي عارضتها أو شككت في ولائها، لم تفرق منذ بداياتها بين معارضة الداخل والخارج إلا بقدر تثبيت كيانها.
كنت قد نوهت في نهاية مقالي السابق على أنني سأعود إلى البحث في هذا الموضوع والمواضيع المرافقة له، والتي تقف عليها السلطة مطولا وباستمرار لتفتيت المجتمع السوري عامة، والكردي بشكل خاص. سأستمر في البحث عن نقاط التلاقي التي تجمع بين الداخل والخارج، لخلق القوة اللازمة والقادرة على مواجهة الثقافة التي يبثها النظام السوري. وبدون خلق حوارات واتفاقات بين الأطراف، سيكون من السهل لمثل تلك الثقافة التشعب بين الجماهير، والتأثير على مفاهيم المجتمع لإبقائه على ثقافته المشوهة. بل وسيحاول وضع بديل أشد فسادا من سابقه، ولا يخفى على الملمِّ بطبيعة النظام الشمولي استبداله المستهلك بجديد للمضي في تضليله.
لن أعير اهتماماً للأقلام التي، ربما، لا تدرك بما تقوم به، من تعميق الهوة بين شرائح المجتمع، قد يكون بقصد إبراز الذات أو دون إدراك منها لما ستفرز عنه من مضار وخيمة على القضية الكردية. وسأحاول، قدر المستطاع، ردم هوة الخلافات بين الداخل والخارج، بما فيها تلك الأقلام، وجلبهم إلى طاولة الحوار أو الاستماع لتتنور الدروب وتظهر الحقائق كما هي، علما أن البعض برزوا كمحاربين ينتظرون أمراً بإطلاق الرصاص، مترصدين هذه اللحظة لدخول المعركة، تجمدت مداركهم فلم يتجاوزا جغرافية الصراعات الكردية -الكردية، ولم ينتبهوا إلى ما تبان (عادة) من النتائج بعد كل معركة من أمثال هذه المعارك، حيث لا رابح فيها، والطرفان يتراجعان أمام الذات والشعب والعدو. كما والبعض وجدها وليمة سخية ملائمة للشجار الذي يجب أن يغوص فيه الحراكان، متناسيان أو ناسيان أن هذه الصراعات لا تؤدي، فقط، إلى تقزيم الكرد عامة، وتمسيخ القضية في المحافل الدولية وأمام الأعداء والأصدقاء فحسب، بل ومما لا شك فيه أن الأغلبية من الحراكين لا يدركان مهامهما المتنوعة، مهام الشريحة المعارضة في الداخل والمعارضة في الخارج، والروابط التي يجب أن تجمعهم لمواجهة عدو شرس وذكي، يلغي الوجود الكردي جملة وتفصيلا.
للداخل مهام مثلما هي للخارج، في ظل سلطة شمولية كسلطة الأسد، يكملان بعضهم. وجود طرف بدون الآخر نقصان شبه مطلق، وضعف بكل أبعاده. بدون تنسيق رصين بين الطرفين مآله خسارتهما المعركة الوطنية والقومية أمام السلطة والمعارضة، وتقزيم للوجود الكردي في المحافل الدولية وعلى طاولة المفاوضات مع الدول والقوى الإقليمية.
للداخل الحق بالتريث في طروحاته المباشرة، بل يتطلب منه مواجهة السلطة بدراية وحذر. عليه الحفاظ على وجوده حياً وحراً، خارج أسوار زنزانات الطاغية، فأمثال الإخوة حسين عيسو كقلم ودورسن كسياسي في زنزانات السلطة خسارة لقوة الداخل وللقضية برمتها. الشارع الكردي بحاجة إلى كل مناضل، حراكه يجب أن يكون بقدر الظروف المتاحة. له الحق بل من المفروض عليه البحث عن السبل التي تمكنه من تأمين العيش الآمن والهادئ له ولعائلته. ونحن نتحدث عن نضال في ظل سلطة شمولية وليس نظام شبه ديمقراطي، وعليه يتطلب من الداخل، الإبقاء على مسافة الأمان بينه وبين السلطة الأمنية، هذه السلطة التي تبحث دائما عن حجج لترهيب الشعب، كسجن المناضلين أو اغتيالهم أو اختطافات متقصدة. من العسير على الداخل إقامة علاقات دولية، كي لا يتهم من قبل حكومة مجرمة بالخيانة والعمالة لقوى خارجية، بل هي من مهام الخارج، مثلما هي مهمته البحث عن مصادر المساعدة المتنوعة ابتداءً من المعيشية إلى الدعم الدبلوماسي والسياسي.
يتبع....
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamkurda@gmail.com
[1]