قدسية صوم خدر الياس لدى الشعب الايزيدي (الكوردي)
#قاسم مرزا الجندي#
(Qasim Algindy)
الحوار المتمدن-العدد: 6817 - #18-02-2021# - 09:29
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عيد خدر الياس عند الإيزيدية الذي يقع في أول يوم خميس من شهر فبراير/ شباط (سباط) من التقويم الشمسي (الشرقي) ويسبقه ثلاثة صيام تتخله عدة طقوس مختلفة.
يعد شهر شباط الشهر الحادي عشر من التقويم الايزيدي الشمسي ويجب أن يكون على الأقل صوماً واحدا مع يوم العيد من شهر شباط/ سباط في التقويم الشمسي الايزيدي, ونجد في بعض السنين صومان او الصيام الثلاثة مع العيد من شهر شباط، وقد نجد في سنين أخرى يوم العيد وحده من شهر شباط في التقويم الشمسي الايزيدي، بسبب الاختلاف بين التقويمين الميلادي والشمسي الايزيدي.
يكون تاريخ صوم (خدر الياس) في شهر شباط الميلادي، ويتناوب ما بين فترة أسبوع أو أكثر و بالتحديد ما بين تاريخي(14 22) من شهر شباط الميلادي.
يستعد الإنسان الايزيدي لهذا الصوم استعدادا روحيا ونفسيا قبل استعداده لفعاليات ومستلزمات هذه الصيام، ويختلف عن كل الأعياد والصيام في الديانة والشعب الايزيدي(الكوردي) ولا يجوز أكل اللحم في هذا الصوم(خدر الياس) ويحرم الذبح وتقديم القرابين في هذه الأيام ويمنع الصيد ويحرم قتل أي كائن كان في هذا الصوم، على عكس كل الأعياد الايزيدية التي يقدم فيها القرابين.
يصوم الإنسان الايزيدي ثلاثة أيام في صوم نبي(خدر لياس)عليهما السلام, دون أكل اللحم وإلا فلن يقبل ذلك الصوم حسب المعتقد الايزيدي، ولكن في هذه الايام نجد القلة من الناس ممن يصومون هذه الصيام بدون أكل اللحم.
إن الاعتقاد والنظرة الايزيدية في عدم أكل اللحم في هذه الصيام، هناك فكرة واعتقاد قديم إن سلوك وشعور او فكر ونفس الانسان يصبح أكثر حرية وتحررا من مغريات الدنيا، وروحه أكثر تفتحا نحو أفاقها وأكثر احساساً وشعورا تجاه نفسه وتجاه الاخرين وما يعانون، عكس الذين يملئون بطونهم ولا يشعرون بمعاناة أخيه الانسان وهو يعاني الجوع كل يوم. ولهذا السبب نجد أغلب الأنبياء والأولياء وأصحاب الكرامات(الكواجك) قد امتنعوا في فترات زمنية مختلفة من حياتهم وامتنعوا عن أكل اللحم و قسما منهم امتنعوا عنه طول حياتهم
كان صوم(خدر لياس) فريضة على كل شخص أيزيدي و واجب ديني مقدس, ولكن في الزمن الذي نعيشه الآن، نجد القلة من الناس يصومون هذا الصيام، فنرى أن قسما من الناس يصوم يوما واحداً بدلا من ثلاثة أيام، والقسم الآخر لا يصوم هذه الصيام أطلاقا. ولكن في الماضي كان الشعب الايزيدي(الكوردي) يصوم هذه الصيام الثلاثة من صوم (خدر الياس)وكان يؤدي واجبه الديني المقدس.
هناك طريقة خاصة في صوم (خدر لياس)وهي طريقة طوي الصوم، لمن يرغب ويحب أن يصوم بها هذه الصيام ويرى في نفسه تلك القدرة والتحمل والصبر, وأن الكثير من الناس من الرجال والنساء قد صاموا في ثلاثة أيام متتالية بطريقة (طوي الصوم) من دون أكل وشراب خلال فترة الصوم المتكونة من ثلاثة أيام متتالية، من اليوم الأول من الصوم و يبدأ في سحور يوم الاثنين وهي بداية أول يوم في صوم(خدر لياس) والى فجر يوم العيد (الخميس)ويسمون هذه الطريقة ب (طوي الصوم.
أي يأكل الشخص القائم للصوم بهذه الطريقة في اليوم الأول من الصوم ويمتنع عن الأكل والشراب في ثلاثة أيام متتالية وهي (الاثنين الثلاثاء الأربعاء) ولا يأكل ولا يشرب خلال هذه الأيام الثلاثة ليلا ونهارا مدتها (72) ساعة متتالية، إلى أن يفطر في نهاية الصوم في اليوم الأخير(الأربعاء) وانقضاء الليل وفي فجر يوم الخميس وهو يوم عيد (خدر والياس) .
أن طريقة طوي الصوم يرتبط بهذه الصيام فقط في الديانة ولدى الشعب الايزيدي (الكوردي) فقط، والكثيرين من أبناء هذه الديانة صاموا هذه الصيام بطريقة طوي الصوم, هذه كانت إرادة وعبادة الانسان الايزيدي وتقدسيه لروح النبي (خدر لياس) نحو قدسية وعبادة الخالق.
تقوم العائلة الايزيدية في هذه الصيام بقلي بذور الحنطة والشعير والحمص والباقلاء مع بذور أخرى بنسب مختلفة ولا يدخل فيها ارقاما محددة كأن تكون سبعة اوأكثر او أقل من البذور كما يذكرها البعض, وإنما حسب حاجتها وتسمى هذه الحبوب بعد قليها ب (قه لاتك) وهي كلمة ومصطلح كوردي تعني حرق تلك الحبوب أو قليها الى درجة معينة ثم يطحن هذه الحبوب معا ليتكون الطحين(دقيق) يعرف ب (بيخون) وربما تعني هنا الكلمة اعتماد الانسان على النبات فقط في هذه الأيام، وبإضافة الدبس أو العسل الى ذلك المسحوق(الدقيق) ليصبح حلاوة عيد(خدر لياس) ويعمل على شكل كرات او مكعبات صغيرة او كبيرة حسب الحاجة والرغبة ويقدم للعائلة والزوار.
وهناك أكلة خاصة يقدم العائلة الايزيدية في غداء يوم العيد وتسمى (جه رخوس) وهي عبارة عن برغل مقلي الى درجة خفيفة ويقدم كطعام بعد طبخها في يوم العيد.
والسؤال الذي يفرض نفسه أو يتبادر الى الأذهان لماذا تقوم العائلة الايزيدية بقلي أو حرق طعامها الى درجة معينة في يوم عيد (خدر لياس)؟ أنه تقليد قديم تعود الى زمن النبي(خدر لياس) وربما الى أبعد من ذلك بكثير وهي بمثابة قتل النفس في روح الانسان وأحياء الروح كما جرى في سيرة حياة الأنبياء والكواجك في معاقبة النفس بطرق شتى.
أنه التقليد الذي يؤكد بقيمة ما خلقه الخالق للإنسان من نعم وفضائل متنوعة في كوكب الأرض.
في صباح يوم العيد يزور الناس المقامات والمزارات في القرية ويزورن البيوت ويتبادلون التهاني بمناسبة العيد وعودته كل عام بالخير والبركة على جميع الايزيدين وجميع الشعوب والامم في الأرض. والقسم الأغلب من الرجال(الفلاحين)كانوا يذهبون الى حقولهم بكل ثقة وأيمان بما يقومون به في هذا العيد ويأخذون معهم (بيخون وجرخوس)العيد الى مزروعاتهم طلبا في الخير والبركة والرزق والدعاء الى الخالق.
أصدق الرؤيا والأحلام لدى المجتمع الايزيدي تكون في صوم وعيد (خدر لياس) والكثير من الناس قد أصدموا في تحقيق رؤياهم، والكثير منهم قد فرحوا كثيرا ولم يصدقوا في تحقيق ما رأوا من أحلام في هذه الأيام، وأصدق الرؤيا هي رؤيا الأسحار وقد تتغير الرؤيا عن أصلها باختلاف هيئات الناس وصناعاتهم وحرفهم وأقدارهم وأديانهم فتكون لأحدهم رحمة وعلى الآخر نقمة.
هناك اعتقاد بأن في صيام خدر الياس هو يوم تحقيق الأماني وخاصة للشباب فحسب الاعتقاد أن الشخص سواء كان فتى أم فتاة أن رأى في منامه في هذه الصيام وفي ليلة العيد قد شرب ماءً م لبناَ ... في بيت ما فيؤكد بأن نصيبه في الزواج سيكون من ذلك المنزل أو قريب منه
إن تأويل الرؤيا تختلف من دين الى آخر ومن مجتمع الى أخر، ونجد عند المجتمع الايزيدي أن الماء أو اللبن في الرؤيا هي الزواج أو الاستقرار والتستر وكذلك تعني أن ذلك الشخص ذو أيمان صادق في قوله وفي عمله وقد تأتيه الهداية والاستقرار. وأيضا إن شرب الماء في الحلم عند المجتمع الايزيدي هي شرب الحياة وبداية حياة جديدة لذلك الانسان وارتباط روحي يستمر بذلك الارتباط وينتج منها الحياة الأبدية.
والتفسيرات في تأويل الأشياء في الحلم كثيرة في المجتمع الايزيدي وفي كل المجتمعات وكل يفسر حسب معتقداتهم ووفق ما يرون لها من تفسيرات يطابق لها وما يؤمنون بها في الواقع الحياتي والطبيعي.
عيد(خدر ليس) له علاقة وترابط وعلاقة متينة في موسم الزراعة والإنبات في المجتمع الايزيدي حيث بحلول(خدر لياس)، أن موسم زراعة الحبوب كالحنطة والشعير قد أوشك على الانتهاء وأن حلول صيام (خدر لياس) يستدل على نهاية السنة وبداية سنة جديدة وفي هذا الصدد هناك مقولة وحكمة ايزيدية تقول (خدر لياس وسال خلاس) وتعني بقدوم صيام(خدر لياس) فأن حساب السنة قد أوشك على الانتهاء ولم تبقى من حساب هذه السنة إلا شيئا بسيطا، وتشير أن الانسان تحمل الكثير من العناء في فترة الشتاء والبرد القارص ونفاذ قوته فيها وأنه ينتظر التغير بقدوم عيد صوم(خدر لياس) أنها دلالة الى حياة جديدة وعمر جديد ورزق وفير في فترة الانقلاب الربيعي وانفتاح نفس الانسان نحو الحياة الجديدة
أنها جوهر الفلسفة الدينية الايزيدية عبر عشرات القرون في حساب السنة ودوران الفلك في أفلاكها في الكون العظيم
يتبين هنا أن أغلبية الكتاب الذين كتبوا عن عيد صوم(خدر الياس) في الديانة الايزيدية لم يكتبوا بصورة صحيحة وصادقة عن عيد النبي (خدر الياس) ولم يكتبوا كيف دخل أو وجد هذا العيد في الديانة الايزيدية والتي تعود إلى فترة وعهود ما قبل ظهور الأديان السماوية
وقيل أن الأيزيديين ربما اقتبسوا هذا العيد من المسيحيين؟ والعكس صحيحا
لقد ظهر النبي موسى وعيسى بعد ظهور النبي(خدر الياس) وأن ظهور هذا العيد في بدايتها كانت في الديانة الايزيدية وهي الصورة الصحيحة والدقيقة للإحداث التاريخية
ويبدو هنا أن الامم والشعوب الذين كانوا يمارسون هذا العيد كانوا في الأصل من الديانة (الايزيدية) وقد أعتقوا الديانات الاخرى التي ظهرت من بعدها (اليهودية المسيحية والاسلام …) وهكذا بقي هذا العيد لديهم الى يومنا هذا وهم يمارسون طقوسها ومراسيمها مع بعض الاختلاف عن ممارسة طقوسها لدى الديانة الايزيدية.
المصادر:
(1) الأعياد والطقوس والعادات الدينية الايزيدية
(2) النصوص الدينية الايزيدية ------------ منشورات مجلات لالش
(3) اليزيدية بقايا دين قديم ---------------- جورج حبيب
[1]