التآخي – ناهي العامري
يزخر بلدنا العراق بالصروح التاريخية, التي يمكن استثمارها لتنشيط الحركة السياحية, التي هي نفط دائم, كما يقول أهل الاقتصاد, وهذه الصروح متوزعة في مدن اقليم كوردستان وباقي المحافظات.
التآخي زارت (دير مار متي) الرابض تحت قمة جبل مقلوب في بعشيقة, المكان ساحر ومبهر, حيث الدير يشبه قلعة جبارة أو كأنه نسخة مكررة لفاتيكان روما, متى تم بناءه؟ وكيف؟ ولماذا في قمة الجبل؟ أسئلة كثيرة ولدت في أذهاننا, واهتدينا الى راهب الدير, أبونا توما متي ليجيبنا عنها, الذي رحب بنا, واخذ يسرد لنا حكاية بناء الدير قائلا:
-يعود بناء الدير الى القرن الرابع الميلادي, أيام الدولة الآشورية, في عهد الملك سنحاريب, قبل الدعوة الاسلامية بمئتي وعشرين عام, أي أن عمر الدير يقارب 17 قرن, وحكاية نشوءه تبدأ بانتقال الراهب مار متي من ديار بكر الى جبل مقلوب في كوردستان العراق, بعد تعرض المسيحيين الى الاضطهاد من قبل جوليات الجاحد الذي كان وثنيا, وعاش هو ورفاقه يتعبدون في كهوف الجبل, وتروي الاسطورة, ان الأمير بهنان خرج الى الصيد مع رفاقه الاربعين حارس, خيموا تحت جبل مقلوب, فيأتي الأمير ملاك وهو نائم ويخبره أنه يوجد شيخ في هذا الجبل, قادر على شفاء أخته المصابة بمرض البرص, التي لم يستطع الأطباء معالجتها, فيصعد الأمير الجبل ليرى الراهب مار متي جالسا في صومعته يتعبد, فيطلب منه شفاء أخته من مرض البرص, لبى النداء, وقادهم الأمير الى منطقة ما بين منطقة قرقوش الحمدانية ومملكة نمرود, هناك التقى متي بالأميرة سارة, فضرب الأرض بعصاه, فانبثقت عين ماء, عمد المريضة بها , فشفيت من مرضها, وعمد ايضا الأمير بهنان والأربعين حارس, وصاروا مسيحيين, بعد أن كانوا وثنيين, واستشهدوا جميعهم على يد أبيهم, لأنهم لم ينكروا المسيح, بعد ذلك يصاب سنحاريب بمرض الجنون بعد استشهاد الأمير والأميرة, فطلبت منه الملكة أن يأتي بمار متي ليشفيه, لبى النداء وشفاه من مرضه, مما حدى بالملك أن يعطي أوامره ببناء الدير ليسكنه الرهبان.
أضاف أبونا توما: ان الدير كان صغيرا في بداية نشوءه, يستخدم للصلاة والعبادة, يأتيه الرهبان من كهوفهم لتأدية الصلاة, ثم يعودوا كل الى صومعته في الجبل, وصل عددهم الى 1700 راهب, ويذكر ياقوت الحموي حين زار الدير في القرن الثالث عشر, أنه رأى من بعيد الجبل متوشح بالسواد ولما أقترب وجد في استقباله 1700 راهب.
أما البناء الحالي فقد أنجز في عهد مار اغناطيوس افرام الأول برصوم البطريرك الانطاكي, وعلى نفقة المؤمنين وبهمة المهندس الحاذق عبودي طنبورجي سنة 1934م., ويحوي الدير الحالي على كنيستين, واحدة باسم القديس مار متي التي هي أول كنيسة بنيت في الدير, والتي تحتوي على رفاة مار متي, والكنيسة الثانية باسم العذراء, وايضا يحتوي الدير على اجنحة, كل جناح يحتوي على غرف نوم, ويستقبل الدير زوار من كل أطياف العالم, ويعد أقدم دير في العراق.[1]