الوجه النقدي للشاعر أحمدي خاني
هيبت بافي حلبجة
عندما تتماثل الكلمة والفكر ، بل تتحدان إلى درجة التضاهي والتماهي ، عندما يرتقي المنظور نحو تعالية منقطعة النظير ، عندما تجنح القشعريرة نحو ذروة الرهافة ، وينحدر التألق نحو برج السماوات ، يصاخ السمع إلى ومضات الوجدان ، يتحد الذات و الموضوع إلى درجة التفاعل الأجتماعي المزمن ، ويكون الواقع هو كوردستان غارقة في لجج ذهنية الشقاق و التفرق ، وإمارات مترهلة لا يرضى عنها الشاعر المفكر أحمدي خاني ..
عندما يستحوذ المرء على ثقافة نوعية و متميزة ومتقدمة في كل المستويات ، ويسبر بحدسه ووعيه أغوار المجتمع المتداخلة ، عندما يرتكس الواقع إلى مستوى لايلبي آمال وطموحات شعب / أمة / حالة التي هي آمال وطموحات الشاعر نفسه ، عندما تهترئ الحالة و تتقيأ ( كما هو الحال الآن ) ما بين عثمانيين وصفويين ( ما ينيف عن ثلاثمائة عام ) يتنازعان على أرض كوردستان ، يبقران حرمة الديار ، ومابين معتقدات دينية و آراء فلسفية تلك التي يقر الشاعر بعضها صرامة وينبذ القسم الآخر صراحة ...
عندما نكون إزاء الشاعر أحمدي خاني وأثره الذائع الصيت ~ مم و زين ~ المتعاظم في السرمد ، القاهر في التقدم ، يتحتم علينا أن نتراجع عدة خطوات في سبيل خطوة واعية شاملة تحيط بكل الجوانب الممكنة التحليلية / النقدية / النزعو- استبطانية للفكرة البؤرة الكامنة والقابعة في غياهب البنى البنيوية للآن الآنئذية ...
لذا ، ارتأيت وتفادياً للمعالجة السطحية الكلاسيكية التي أرتطم بها كثير من الزملاء في كوردستان ~ سوريا و كوردستان ~ عراق . وتهافت النص لديهم دون الأرتقاء إلى مستوى النقد التحليلي وبالتالي إلى مستوى التألق الخاني ، أن اؤطر نفسي في هذه المعالجة ضمن عدة أسئلة تبرز بوضوح عقلانية / لاعقلانية أحمدي خاني وذهنيته التي تتألق هنا وتتقد هناك وتخبو هنا وتخمد وتهمد هناك ..ولكي يبرز الوجه الحقيقي السلبي / الأيجابي له تقتضي المعالجة الكاملة مرتكزات وأسس وأس ديالكتيكية أكثر متطورة ، أبرز كشفاً ، أدق تمييزاً . فخاني جازف في مجالات عدة ، مبدياً آراء متعددة متنقلاً كالومضة ، يقرر رأيه كالأسفين .. لذا استوقفتني هذه الأسئلة :
أولاً – لماذا أختار الشاعر أسطورة ( ممي آلان ) ليبني صرحه الشاهق ؟؟
ثانياً – هل يمكن أن نركز على معيار واضح يكشف لنا أصل هذا الأسم ( ممي آلان ) ؟؟
ثالثاً – هل عانى أحمدي خاني حقيقة من مشكلة الأغتراب مثلما خمن د . نور الدين ظاظا ؟؟
رابعاً – هل يمكن أن نعد أحمدي خاني عنصراً إيجابياً / سلبياً في الأبستمولوجيا الكوردية ؟؟
أولاً – فإذا كان الشاعر أحمدي خاني يعد بحق من أكابر ثلاثة شعراء في الشرق هم الفردوسي الأيراني وروستافللي الجيورجي وأحمدي خاني نفسه ، فإنه في نفس الوقت ضليع في الفلسفة والفكر ، فهو يطرح آراء مشاهير الفلسفة ولا يتوانى عن إبداء رأيه في الوجود ومسألة الرب والسنة والخلفاء الراشدين ومقولات المعتزلة . ثم له رأي خاص بشأن الواقع الكوردي آنئذ وفي العلاقات الأجتماعية المتشابكة ، ولكن رغم ذلك يعتمد على اسطورة ( ممي آلان ) التي تسبقه بآلاف السنين ، ومن ناحية أخرى فإنه في الظاهرية إحتفظ بالأسماء ، أما من زاوية المدلولات الشخصية والدالات الأجتماعيةالمتغيرة فيها فإنه أرضخها لذاته واستنطقها على طريقته الخاصة ، لذلك نجد إن اللقاء التاريخي ما بين مم وزين يتم في عيد نيوروز المجيد عند الكورد ، كما إن شخصية مم هي ذاتها شخصية أحمدي خاني ، كما إن معشوقته هي نفسها زين . هذا واضح في مدى تعلقه الخاص بعشقه التام ، فالعشق درجات أتعسها الحب وأبجلها وأقدسها العشق السرمدي ، لذلك يقول على لسان مم بعد أن يزجه الأمير في السجن :
إن سجنتني مائة عام فأنني في الوصل لن أيأس
وفي هذا الشأن له قول آخر : سأشرح هموم القلب وأظهرها وأجعل ل(مم وزين) انبعاثاً جديداً
هذا الأنبعاث الجديد هو أحمدي خاني نفسه، وذلك من خلال عيد نوروز المقدس ، والآفاق الأجتماعية المتغيرة في علاقات الأشخاص ونوعيتها ، والعشق السرمدي المجرد الذي يغرف من مناهل ومشارب شخصية زين ، المقابل الآخر الخارق الجمال المتمم للعشق المكمل لذاتيته ، وهذه النتوءات الشخصية المترادفة / المتعارضة لشخصية أحمدي خاني التاريخية السوسيولوجية . لكن من الجانب التابلوي فإن الأستبطان القصصي يجنح نحو الضحالة الموضوعية بعد أن يتجاوز الواقعية المفرطة ، زد على ذلك إن عدم تكثيف الأحداث القصصية مردها افتقار الحياكة القصصية إلى الأدوات الموضوعية الملائمة وروحانية وغيبانية شخصانية أحمدي خاني نفسه ، لذلك أهتم بالسرد الكلامي والطرح النظري والأسلوب التقريري والنتائج الجاهزة .
ومن هذا نستشف إن المفكر ~ هنا ~ وجد ضالته المنشودة بدون منازع في أسطورة – ممي آلان – وذلك لأنها تلج كل الأبواب الموصودة دون رقيب وبأنسيابية مطلقة . فهو يتسرب بشخصه وفكره ووجدانه وعشقه وكل آماله من خلال تلك الأسطورة إلى حس ووجدان وآفاق ورؤيا وتطلعات المجتمع الكوردي برمته .
وإذا كان الشاعر يمنح إنبعاثاً جديداً ل – مم وزين – ويمتح منها ومن ذاته فإنه يبغي إنبعاث المجتمع الكوردي طبقاً لأسس و إينية يرومها بنفسه . فالمعادلة تكمن إذاً في الآتي – مم وزين – واحمدي خاني كطرفين مكملين متممين أحدهما للآخر . لكن ضاع ما بين الأثنين كثير من المعطيات والفرضيات المستقبلية لذاتية وخصوصية المجتمع الكوردي ، أي سيطرة الآنية على الموضوعية ولاسيما الموضوعية المستقبلية ...
ثانياً : حول مفهوم ودلالة أسم – ممي آلان –
يدعي الدكتور نورالدين ظاظا إن ~ مم ~ هو اختصار لأسم محمد ، معتمداً على مقولة متناقضة فحسبه إن هذه القصة أتت من الشرق ، ورويداً رويداً أخذت الطابع الأسلامي ضمن مفهوم إن كل ما يؤوب إلى العقيدة الأسلامية يعد مقدساً لدى الأكراد ، حتى إن نسبة – مم – أناطوها بالقريشيين . وثمة من الرفاق من حاول أن يجد عند الأشتقاق اللغوي ضالته المنشودة معتمداً على فرضيات متناقضة : ( مامي ) وتجنح نحو الحكمة والصوفية . ( آ م ه) لنا وخاصتنا . ( آ مي ) الأنثى . ( آمو ، مامو ) العم . ( ممي آلان ) زعيم العشيرة ..
نحن من جانبنا نرفض هذه التصورات الهزيلة الآيلة للسقوط ، فأسم (مم ) ليس مختصراً من أسم محمد ، إذ علاوة على إن مقولة الدكتور نور الدين ظاظا متناقضة موضوعياً فلو كان الأمر على تلك الشاكلة لأكتظ المجتمع الكوردي بأسم ( مم ) دون القب ( آلان ) وذلك لأستكفاء الأسم نفسه بنفسه من جميع الجوانب وذلك لعظمته و إجلاله . ثم ماذا كان تكوين الأسم الأصلي حتى تحور بهذا الشكل ؟؟ زد على ذلك إن تحوير الأسم لكي يأخذ الطابع الأسلامي أمر يدعو إلى الأستغراب و الذهول ، فالأسم ، ولاسيما ضمن هذه الأسطورة ، لابد له إلا ينتقل من جيل إلى جيل بكل ديمومة وتأصيل واصالة وتأكيد للفظ ، تماماً كما هو الحال مع ( فرهاد و شيرين ) وذلك لصدق المشاعر وخلوص الأحاسيس وللمكانة المبجلة لشخصية بطل الأسطورة ، فيستحيل ومهما كانت البواعث والدواعي تغيير الأسم ..
علاوة على ذلك ، حتى يخضع الأسم للتحوير يتحتم استعماله ومن ثم تأصيله ، وهذا مايتنافر مع سيكولوجية الطابع الأثني للكورد .
أما حول الفرضية الثانية المتعلقة بالأشتقاق اللغوي فإنها أبعد من أن تتأصل بتلك الكلمات ، فرغم التناقض الخجل والقاتل فيما بينها ، ف (مم ) يستحيل أن يكون زعيم العشيرة أو بمفهوم العم ، فزعيم العشيرة والعم ينبغي أن يكون مسناً نوعاً ما ، أي أن يناهز عمره الخامسة والأربعين في أقل تقدير ، في حين إن (مم ) يتقد شباباً فهو في مقتبل العمر . وثمة تناقض موضوعي آخر بين مفهوم زعيم العشيرة وشخصية – مم – فمن الجانب العشقي / الجنسي نجده شاب للعشق البسيط الساذج المعطى دفعة واحدة وليس بحاجة إلى باعث أو تأويل وكأننا إزاء مسلمة بديهية لاتحتاج إلى مسلمة أخرى ، وهذا ما يتناقض مع شخصية العم أو رئيس العشيرة . ثم لو كان ( مم ) رئيس العشيرة فكان حرياً به أن يلعب دوراً رجولياً فحولياً في غزوة أو بصدد رد العدوان ، وبالتناقض نجد أن (مم ) شخصية هزيلة من هذه الناحية . كما يستحيل أن يتعلق أسم ( مم ) بالحكمة وذلك من زاويتين : الأولى . إن مفهوم الحكمة لايتناسب مع شاب بهي الطلعة في بدايات ربيعه . الثانية . إن الموضوع الأساسي للأسطورة ليس الحكمة إطلاقاً إنما هو حرمة العشق السرمدي .
ولكن هل لنا أن نعثر على مرتكز لغوي نستمد منه ومضة تألق نجد في ثناياها ما يتطابق مع أسم ( مم ) لغة ومضموناً ؟؟ ممي آلان : بلا منازع فتى في البدايات من العمر يتقد حيوية وجمالاً وفتوة ، وهو بهي الطلعة وله من الوسامة الحظ الأوفر . ومن ناحية أخرى : يقال لصدر المرأة المتزوجة في اللغة الكوردية ( بيسير ) في حين يقال لنهد فتاة في مقتبل العمر وغير المتزوجة ( مميك ) . ومن الناحية القواعدية فإن ( يك ) التي تلحق نهايات الكلمات تتضمن مفهوم التصغير ، أمثلة ( دار ، دارك ) ، ( مال ، مالك ) ، ( جود ، جودك ) ، ( قحف ، قحفك ) ، ( دارجيت ، دارجيتك ) . ومن الناحية الزمنية فإن الكلمة الأصلية قبل أن يلحقها ( يك) يجب أن تكون أولى بالوجود من الكلمة الفرعية المشتقة ، أي ( دار ) قبل ( دارك ) و ( مال ) قبل (مالك ) وطالما إن كلمة (ممك ) موجودة بالتأكيد دون شبهة أو شك فما هو الداعي إلى رفض كلمة ( مم ) التي هي الأصل من الزاوية القواعدية والزمن الموضوعي وطالما إن المعنى لايتنافى مع شخصية ودور – مم – بل يندمج ويتطابق معه إلى حد الذوي و الكمال .
وفيما يخص أسم آلان فأبغي أن أدحض مزعومة ليسكو القائلة بثمة شعب في شمال قفقاس بأسم ( آلينز ) وان المؤرخين قد حوروا هذا الأسم من ( آلينز ) إلى ( آلان ) .
في اللغة الكوردية الأسماء المشابهة والمتماثلة لأسم ~ ممي آلان ~ تخضع للقاعدة التالية : فإما ان يكون أسم مفرد صريح ، أو ان يكون أسم جمع ، أو ان يكون أسم مهنة . أما أن يكون أسم عشيرة فذلك النقيض تماماً لقواعد اللغة الكوردية ، إذ لو صح ذلك لكان أسمه ~ ممي آلانان ~ أو أن يكون (آل ) أسم عشيرة فأنه يتنافر مع أسم العشيرة ( آلينز ) . إذن الأرجح وأعتماداً على مضمون الأسطورة وتناغياً مع شخصية – مم – فإن أسم ( آلان ) يجنح نحو مفهوم الشاب النحيف النحيل في بعض اللغات الأوربية ، تلك النحافة التي تتضمن كثير من الوسامة والرشاقة والأبتعاد عن الملذات الحسية الغبية . وهذه المواصفات هي التي يبحث عنها الشاعر تطابقاً مع كل ما يحبذ أن يطرحه على الصعيد المجتمعي ، الفكري ، الشخصي . إذ سيكون من الغباء المطبق أن يبحث شخصاً بمقام أحمدي خاني عن شخصية رئيس العشيرة !!! ثم أليس ميثاقه هذا نقضاً ضد مركز السلطة حينذاك ( رئيس العشيرة ) وذلك بسبب حالة الشقاق والفراق لدى الكورد ؟؟؟!!
ثالثاً : فيما يخص حالة الأغتراب التي أعتقد الدكتور نور الدين ظاظا إن أحمدي خاني قد عاشها اعتماداً على قوله :
إذا كان في البداية قد جفا فإنه في النهاية قد وفى
إذا في الظاهر قد خالف ففي الباطن قد وافق
ويستطرد ظاظا ذلك أيضاً لدى كل من كارل ماركس ، وهيجل احتساباً على المبدأ الديالكتيكي – الأطروحة ، الطباق ، التركيب – في تطابقه مع مادية ماركس ومثالية هيجل على حد سواء . هنا يركز ظاظا على الفلسفة التصوفية لدى ( خاني ) من خلال مفهوم مضطرب حيث إن ~ بكو ، الأبليس ~ لايمثل النقيض للرب إنما في وئام معه ، فهو في النهاية ( رجل جنة ) ثم إن الرب من خلاله يبلي الأنسان في البداية ليرتقي به في النهاية . فهو إذن لايمثل حالة ( ساقطة ) إنما حالة ( متعالية ) ..
هذا الأسقاط النظري مردود من عدة مناحي . 1) .أحمدي خاني لا يقصد هذه الحالة على الإطلاق ، فهو من الأنصار الصريحيين لنظرية الفيض الإلهي :
إن خالق الكون من فيض قدرته
خلق هيئات الفلك من وجه فطرته
دون قالب ومحيط ومقياس
دون آلة ومشير ومقراص
وكذلك هو من أنصار تكامل الدور الوظائفي ( إذا في الظاهر قد خالف ، ففي الباطن قد وافق ) وذلك أنسجاماً مع إيمانه المطلق بالعشق السرمدي ( إن سجنتني مائة عام ، فأنني من الوصال لن أيأس ) . كل هذا يقربه من مفهوم وحدة الوجود الذي يتسم بهرمية الوجود كما أشار إلى ذلك الدكتور مهدي الحائري اليزدي في كتابه ( هرم الوجود )
ً2) . إن مفهوم الأغتراب يختلف كحالة عن المبدأ الديالكتيكي المتكامل والمتضامن بالتضاد – الأطروحة ، الطباق ، التركيب – فالأغتراب هو تحول نتائج النشاط البشري ( نتاج العمل ، والعلاقات الأجتماعية والسياسية ، وقواعد الأخلاق والنظريات العلمية ، وأشكال الوعي الأجتماعي ومعها الصفات والقدرات البشرية )، إلى أشياء مستقلة عن الأرومة ، غريبة عنها ، ومهيمنة عليها . كما يجدر القول إن الأنسان المغترب والمستلب هو مسلوب الإرادة والوظيفة بالضاد تماماً من المبدأ الديالكتيكي – الأطروحة ، الطباق ، التركيب – الذي ينم عن ميكانيزم صيرورة تطور التاريخ نفسه ( الفكرة ، الروح ، المطلق ، لدى هيجل . والتشكيلات الأقتصادية التاريخية ، لدى ماركس ) .
3) : والأنكى من كل ذلك فإن السيد ظاظا – مع شديد الأسف – لا يدرك ما المفصود الحقيقي بمفهوم الأغتراب . فالأغتراب هو حالة فعلية ينتفي فيها القصد والتعمد . ولايوجد بالأساس إغتراب مزاجي أو أحترازي أو أتفاقي أوأعتسافي أو إرادوي أو عقابوي . فالفكرة لدى هيجل تعيش حالة أغتراب صريحة وواضحة وصامدة أمام معترك الحياة وتمثل حالة ( ساقطة ) في الحوهر وفي العوارض ، لكنها في النهاية تؤوب إلى وضعيتها الأولى ، وهذا الإياب هو أيضاً حقيقي موضوعي ( مجادي ) لايتدخل فيها لا الإرادة الإلهية ولا الرغبة الربانية ولا أي شئ سوى التطور الطبيعي في ميكانيزمه التاريخي ..
رابعاً : كيف نصنف أحمدي خاني في علاقته ورؤيته للأبستمولوجيا الكوردية ؟؟ أي بعبارات أخرى هل استطاع الشاعر المفكر أن يؤسس مسلمات أولية في الفكر والمعرفة بالنسبة إلى شعبه ؟؟ وهل استطاع وفكر في أن يؤصل للغته في المفردات والقواعد والنحو والصرف ؟؟ أو أن يشيد أسس يرتكز عليها المجتمع الكوردي بصورة أولية من زاوية صيرورة المعرفة لديه ؟؟ أخشى أن يكون الجواب بشئ من النفي .
وهاهو يقول :( كيلا يقول الناس إن الكورد بدون معرفة ولاأصل ولاوجود ) لماذا هذا التصور بشأن الكورد من قبل أحمدي خاني نفسه !! ومن كان لديه القابلية لينطق مثل هذا الكلام !! وإذا كان الأمر من باب الحرص الشديد على الأمة الكوردية فإنه لم يستنطق تاريخها بل إنه نزع عنها كل ما هو تاريخي قديم وألبسها ثوباً خاصاً به هو نفسه ..
فإذا كان أحمدي خاني قد أبدع في – مم وزين – قبل أكثر من ثلاثمائة سنة ، فإن زرادشت الأول الذي قد يكون هو نفسه ( سيدنا أبراهيم الخليل ) يحتسب المرجع الأول للأديان السماوية الثلاثة ، وهو الأب الروحي للأنبياء الثلاثة (محمد ، عيسى ، موسى ) عليهم الصلاة والسلام . ثم إن زرادشت الثالث أثر بتعاليمه حتى على الفلسفة الألمانية ، على هذا ما يوضحه نيتشه في مؤلفه ( هكذا تكلم زرادشت ) .
والأنكى من ذلك إنه يقول ( إنه من أنصار مذهب السنة ) هل هذا ما يحتاجه المجتمع ، ثم أليس كل العالم بدون أستثناء من أنصار أحد الطوائف من إسلامية ، مسيحية ، بوذية ، زرادشتية .
ثم يردف ويستطرد ( إن الأشياء بحسب الدليل والبرهان إما ممكن الوجود أو واجب الوجود ) إن الكلام في الفلسفة الأسلامية عن واجب الوجود ومكن الوجود هو من نافل القول من الزاوية الإيضاحية ، فهي من كبرى البراهين على وجود رب العالمين ( الله ) : إذ لايعقل ان يكون الوجود برمته ممكن الوجود ، فالممكن فان بطبعه ، فيتحتم واجب الوجود الذي هو سرمدي بطبعه ، وهذا الكلام يعيه كل من يلم بالفلسفة الأسلامية .
زد على ذلك ، وفيما يخص مجال اللغة فثمت أحياناً ستة أبيات لاتوجد فيها كلمة كوردية ، بل نحن بحاجة إلى قاموس عربي – فارسي لاستيعاب المغزى من تلك الأبيات ، في الوقت الذي كانت اللغة بأمس الحاجة إلى مفرداتها لذا يقول د . نور الدين ظاظا بحق : للأسف إنه استخدم موسوعة كلمات عربية فارسية ..
ضف إلى ذلك نشاهد إن بشير الشيخ حسن الهاشمي يغالي كثيراً في لغة ومعنى هذه العبارة على لسان أحمدي خاني ( إنني نظمت ونسقت اللغة الكوردية ) .. فبأقتضاب وجيز كان المجتمع الكوردي بأمس الحاجة إلى أمرين في غاية الأهمية وفي غاية الدقة والخطورة ..1 ) رؤيا فكرية شاملة أكثر حداثة تستمد أصولها من التراث الكوردي القديم . 2 ) بعث وأنبعاث جديد للكلمة الكوردية والجملة الكوردية . لذا وبكل أسف فإنه أخفق معرفياً وعلى المستوى الإدراكي في وعي أبعاد هاتين المشكلتين ومن ثم علاقتهما بالبنى التحتية المسؤولة عن تطور وتطوير المجتمع بأسره . وإذا كانت آرائه لاتوافق ذلك الواقع المرير ، فهي لاتلغيه بل إنها ، في النهاية ، تدعمه وتقويه . فالعبرة بالمحصلة وعموم وجدية النتائج وليس بالتمرد الهزيل الآني النتائج ، سيما إذا افتقد فيه عنصر الديمومة في تطوير ذاته في المستقبل ، وخاصة إذا كان متعلقاً بمجالات معظمها تقريرية لاتخضع للعمق التحليلي / النقدي الأصيل .
ملاحظة لابد منها وهي تخص ( مم وزين ) التي نقلها إلى العربية الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، إذ حاولت جاهداً وأرغمت نفسي مراراً على أن استشف منها المعطيات الأساسية للقصة الأنسانية التي يحس بها المرء الكوردي عفوياً في ( مم وزين ) فوجدتها مفقودة وأحياناً مبتورة وأحياناً يناطها أغتيال عجيب ، إضافة إلى نقطة أخرى ، فعلى غلاف الكتاب ( وكذلك في الداخل ) مم وزين مكتوب ( مموزين ) فهو يحسب الواو عائدة إلى مم : ممو : فأين واو العطف في عنتر و عبلة ، قيس و ليلى !!!!
[1]