شيرزاد فاتح المعروف في الوسط الثقافي في كركوك ب(ماموستا شيرزاد)، اي الاستاذ شيرزاد، شخصية تجمع بين مسلكين مهمين، النضال السياسي والعمل في السلك التربوي. فهو من بين الشخصيات الكوردستانية التي قدمت الكثير في المضمارين. الكثيرون يصرحون بانهم مدينون لشخصية هذا التربوي والمناضل في آن واحد...
حاوره: طارق كاريزي
سبق لي وان التقيت به في ندوات او اماسي اديبة وثقافية ماضية. رجل تجاوز العقد السابع من عمره، الا انه يمتلك حيوية الشباب واصرار المناضلين القدامى. هدؤه ورزانته ربما لا تقدم الصورة الحقيقة لرجل خاض صفحات النضال السياسي بمزيد من الثقة والاصرار في ظل ظروف محفوفة بمنتهى المخاطر التي ان انكشفت مساعيه النضاليه، لادت به الى المثول امام مقصلة نظام البعث الذي ضيّق الخنادق حد قطع النفس على المعارضين له.
شيرزاد فاتح المعروف في الوسط الثقافي في كركوك ب(ماموستا شيرزاد)، اي الاستاذ شيرزاد، شخصية تجمع بين مسلكين مهمين، النضال السياسي والعمل في السلك التربوي. فهو من بين الشخصيات الكوردستانية التي قدمت الكثير في المضمارين. الكثيرون يصرحون بانهم مدينون لشخصية هذا التربوي والمناضل في آن واحد. آخر امسية ادبية عقدت في مكتبة كاريز التي انحصر عدد المشاركين فيها بعشرة اشخاص فقط علاوة على مدير المكتبة، وذلك من باب مراعاة وتطبيق اجراءات الوقاية من وباء الكورونا وتنفيذ التعليمات الصحية، وقد كان الاستاذ شيرزاد فاتح احد المشاركين في الامسية.
تقرر ان يكون برنامج الامسية التي عقدت يوم 25/حزيران في مكتبة كاريز، حوار مفتوح يتفق المشاركون على اختيار مفردة ومن ثم التداول والتناقش حولها، الا ان مذكرة بعثتها احدى الاحزاب الكوردستانية عام 1980 الى الرئيس الفرنسي آنذاك، فاليري جيسكار ديستان جذبت اتنباه الحضور. هذه المذكرة حررت من قبل الحزب الاشتراكي الكوردي المعروف ب(باسوك)، وهو احد الاحزاب التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي وخاضت النضال التحرري الكوردستاني المسلح.
بعد ان شددت الحكومة العراقية التي كان يقودها حزب البعث قبضته الحديدية على الشعب الكوردي وحركة نضاله التحرري، ظهر النضال المسلح كخيار اضطراري وحيد امام القوى الكوردستانية لادامة النضال بعد اتفاقية الجزائر بين العراق وايران الشاهنشاهية عام 1975، تلك الاتفاقية التي تم بموجبها اغتيال الثورة الكوردستانية وهي في اوج انتصاراتها. فالحكومة العراقية التي تلقت التسليح البري والجوي والبحري ايضا من قبل الكثير من دول العالم، حيث ان القوات المسلحة العراقية كانت تخوض حربا ضروسا مع القوات الايرانية في حرب الثمان سنوات، وكان تزايد وتيرة التسليح بالنسبة للقوات العراقية سببه الرئيس هو مواجهة التحدي الايراني حيث خاض البلدان حربا شرسة على جبهة حامية بطول حوالي 1200 كم بدءا من المثلث العراقي الايراني التركي وصولا الى الخليج. وكتحصيل حاصل، فان التجربة القتالية التي نالتها القوات العراقية والتسليح الواسع والحديث لهذه القوات كانت بمثابة رأس الرمح الذي وجه لضرب حركة التحرر الكوردستانية وبقسوة مفرطة وقمع لا مثيل له، حيث بلغت اوجها في حملات الابادة الجماعية المعروفة باسم الانفال واستخدام السلاح الكيمياوي ضد الكورد.
في خضم هذه الاجواء الساخنة او الاصح الخطرة، كان المنخرطون في النضال التحرري الكوردستاني والمنتمون للاحزاب والتنظيمات الكوردستانية، يخوضون نضالا مريرا يمكن تلخيصه بالصراع مع المستحيل. وبعد ان قرأ الاستاذ شيرزاد فاتح المذكرة، والتي خاطبت ضمير رئيس احدى الدول دائمة العضوية في مجلس الامن، مذكرة اياه بالمآثر الفرنسية وعلى راسها الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر والتي اثرت على العالم اجمع بما بشرت به من مثل واهداف سامية، داعية اياه السعي لايقاف الدعم العسكري والتسليح للنظام العراقي الذي يستخدم ما يورّده من اسلحة متطورة لضرب الكورد.
احد الحضور (المترجم محترم محمد) قال ان الرئيس الفرنسي الاسبق فاليري جيسكار ديستان هو سليل احدى الاسر الارستقراطية المعروفة في فرنسا، وهو مع انه رجل سياسي، الا انه رجل حضارة وانسان رقيق، ومن المؤكد في حال بلوغه المذكرة، انه ابدى تعاطفه مع فحواها والشعب الكوردي.
وتابع المترجم محترم محمد لكن من المؤكد ان المصالح الاقتصادية وعقود الشركات الكبيرة هي التي تتحكم بآليات العلاقات الاقتصادية وعلى هديها بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدان، ومن غير المنتظر ان يستطيع الرئيس الفرنسي تغيير المعادلة الاقتصادية السارية المفعول بين العراق وفرنسا والتي يتجسد شطره الاعظم بالتسليح وبيع عدة الحرب والقتال المنتجة فرنسا الى النظام العراقي.
سألت ماموستا شيرزاد فاتح: طيب كيف كانت ظروف النضال وانتم تخوضونه كتنظيمات سرّية داخل المدن الكوردستانية؟
اجاب موضحا: ليس بخاف بان النضال السياسي المعارض ابان حقبة البعث كان محفوفا بمنتهى المخاطر، وفي حال انكشافه فان الضريبة كانت باهضة الثمن، اهونه التعذيب والحكم بالسجن المؤبد، وليس قليلون هؤلاء الذين اعدمتهم سلطات البعث على خلفية نضالهم السياسي. مع هذا فان الايغال في محاربة التطلعات الكوردية العادلة والتضيّق المفرط على حريات ابناء شعب كوردستان، كانت تجعلنا نحن النخب الثقافة ننخرط في لجة النضال السياسي بحذر وحيطة شديدتين، ومن دون مبالاة بالمخاطر والضريبة الباهضة التي سندفعها في حال انكشاف نضالنا السياسي.
*هل يمكن ان تتطرق ولو لمثال واحد من طبيعة خوضكم حيثيات النضال السياسي؟
-ان السرّية هو عماد العمل السياسي في التنظيمات السرّية الناشطة في المدن، خصوصا ابان العهد الدكتاتورية حيث يستخدم هكذا نظام الكثير من الاجهزة القمعية للتضيّق على المواطنين وقمع الحرّيات وفرض الخوف والرعب وسط المواطنين. من هنا فانني، وبالتأكيد جميع المنخرطين في العمل السياسي السرّي المعارض، كنا نتخذ منتهى الحيطة والحذر في تحركاتنا، فالعمل السياسي السرّي في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي كان بمثابة العمل وسط حقل من الالغام. لذلك كانت تحركاتي ولقاءتي من رفاق في التنظيم وتنقلي بين المدن مقرونا بمنتهى السرّية، بحيت كنت اخفي اي تحرك لي عن اقرب المقربين منيّ، وذلك من باب الحيطة والحذر. مثلا عندما كنت اذهب من كركوك الى الموصل مثلا، كنت اقول بانني ذاهب الى السليمانية، وبعكسه، وكل ذلك من اجل التمويه وابعاد الشبهات من اعين الاجهزة القمعية للبعث التي كانت تترصد كل حركة للمواطنين.
*المفكر الكوردي الراحل د. جمال نبز هو احد المؤسسين، هل تيسر لكم اللقاء به حيث كان يقيم في المانيا؟
-نعم سافرت مع احد رفاق نضالي الى المانيا والتقينا بالاستاذ الراحل د. نبز. نحن تبنينا الفكر القومي والفكر اليساري في آن واحد كطريق لخلاص شعبنا من الاضطهاد، لذلك اقترحنا ان يكون اسم التنظيم او الحزب هو (الحزب القومي الاشتراكي الكوردي). من جهته قال د. نبز عندما عرضنا عليه الاسم، بان كلمة القومي باللغة الالمانية مرادفة لمصطلح النازية، وهذا المصطلح منبوذ سياسيا على مستوى الوسط السياسي العالمي، عليه اقترح رفع كلمة القومي والاكتفاء بتسمية الحزب الاشتراكي الكوردي ومختصره (باسوك).
*يروي البعض من كوادر (باسوك) بان عددا من الاحزاب الكوردستانية قد عادتكم بل وحاربتكم، هل من ايضاحات؟
-لعل من غرائب القدر ونحن كتنظيم قومي ان تكون افضل علاقاتنا مع حزب اممي كالحزب الشيوعي العراقي الذي اضطر بعد تعرضه لخناق قاتل من قبل حزب البعث الى اللجوء الى جبال كوردستان وانخراط الكثيرين من كوادره في النضال السياسي المسلح ضد تفرد البعث بالسلطة ومصير البلد. ومن المعلوم ان الشيوعي العراقي هو حزب وطني ساحة نضاله العراق كبلد بدءا من كوردستان وانتهاء بالبصرة، مع هذه فان علاقاتنا نحن كحزب قومي كوردي كانت حسنة جدا مع الحزب الشيوعي بالذات. اما الاحزاب الكوردستانية الوطنية بشقيها القومي واليساري فقد كانت تعادينا وتحاربنا بشدة. ومن طريف الامور ان اسرد لك الواقعة التالية. انطلقت قوة عسكرية جوالة لاحدى الاحزاب الكوردستانية لتضرب احدى مقراتنا في الجبل. وعند بلوغ افراد القوة منطقة قريبة من المقرّ، قال آمر القوّة متسائلا ما هذا العلم الذي يرفرف على مقر باسوك؟ اجابوه بانه علم كوردستان، لان هذا الحزب يطالب باستقلال كوردستان. عندها قال آمر القوّة انا لن اهاجم تنظيم يدعو الى استقلال وطني حتى وان كان رأسي الثمن.[1]