مطبعة آ.ج. لوار
26 شارع دلتا, باريس
1919
ترجمها عن الفرنسية: إبراهيم خليل
بعد أن تعرفتم اليوم وبشكل رسمي على المطالب الأرمنية ذات النزعة الإمبريالية المفرطة, أعتقد أن بإمكاني أن أعرض أمام مؤتمر السلام, وبشكل أكثر دقة, المطالب الشرعية للأمة الكردية.
إن حدود كردستان تركيا من وجهة النظر الإثنوغرافية تبدأ من الشمال ب “زيفن” الواقعة على تخوم القوقاز وتمتد باتجاه الغرب نحو أرضروم, أرزنجان, كماخ و عرب كير , بيهيسمي, ديفيك. ومن الجنوب حران ومرتفعات سنجار, تل أصفر, أربيل, كركوك, سليمانية, آخلمان وسنه. ومن الشرق: رواندوز, باش قلعة و ووزير قلعة , يعني على امتداد خط حدود بلاد فارس حتى جبل آرارات.
يشغل الكرد, منذ فجر التاريخ, هذه المناطق تحت مسميات مختلفة, وتحت مسمى “الكرد” بالذات منذ ثلاثة عشر قرناً. وكانت كردستان, حتى خضوعها الطوعي للسلطان سليم الأول, مؤلفة من ست وأربعين إمارة مستقلة هي: دياربكر, دينور, شاري الشول , لر, أردلان , هكاري, عمادية, كُركيل, فنك, حصن كيف, جمشكيزك مرداسي, أكيل, صاصون, هيزان, كلس, شيروان, درزيني, كرديكان, هاك, تركيل, سويدي, سليمانية, سهران, تركور, كالاي داوود, بلنكان, بدليس, غرزان, بوهتان … إلخ, وجميعها تحت حكم إمارات كردية مستقلة.
يحدد “مومسين” (Mommsen), في تاريخه الروماني, موقع أرمينيا وسط منابع الفرات ودجلة وكور.
أما الموسوعة الإنكليزية (نيتال) فكانت أكثر وضوحاً ودقة, ولذلك نقتبس منها الكلمات التالية:
“أرمينيا بلد في غرب آسيا, يقع غرب بحر الخزر, شمال جبال كردستان, مقسمة بين تركيا وروسيا وبلاد فارس, إنها تشغل هضبة تشقها أودية خصبة تبلغ ذروة ارتفاعها على جبل آرارات”.
يوضّح هذا بشكل جلي لمن يجب أن ينظر ويتوجه الأرمن كغزاة لأرضهم لا أن تتوجه مطامعهم غير المبررة إلى بلاد الكرد.
فيما يتعلق بكردستان, التابعة لولاية أرضروم يمكن استحضار رأي الجغرافي الكبير ايليزه ريكلوس (Elisée Reclus) الذي وضع في مصنفه الضخم الحدود العامة للأصقاع الآسيوية التي تشكل برأيه كردستاناً شرعية بحدودها وغلبة العنصر الكردي على سكانها. ولا يمكننا بالطبع تجاهل ذكر هذا الجغرافي العظيم والإشارة إلى دوره في إضاءة الطريق أمام كثير ممن جاؤوا بعده ونذروا أنفسهم لهذه المهمة الإنسانية أعني تطبيق مبدأ الجنسيات في إعادة صياغة خريطة العالم:
“إنهم متجمعون في الأودية كعشائر مندمجة ولا سيما في حوض الزاب الكبير, يشكلون أمة قوية بما فيه الكفاية لمواجهة الترك والفرس ويطمحون إلى تشكيل دولة خاصة بهم”.
هذا ما كتبه سنة 1884 واحد من أعظم الجغرافيين على الإطلاق. ومن الطبيعي إمكانية أن تنبثق أدلة أخرى من خلال أعمال المؤتمر. اسمحوا لنا أن نلفت الانتباه إلى أن أرمينيا في حال تأسيسها ستقتطع مراكز ذات غالبية سكانية كردية, وبما أن الكرد شعب محارب وغيور بشدة على استقلاله الوطني فما من شك أن دولة أرمينيا المزمع تأسيسها ستعوم على بحر من الاضطرابات ما لم يحتفظ الحلفاء هناك بجيش قوي سيكون هو ذاته عرضةً لمختلف أشكال الهجوم وحرب العصابات.
يحتج الأرمن بحقهم في أرمينيا العظمى لأنه في عهد تيغران (50 ق.م) كانت هناك “مملكة أرمينيا” غير أنهم يتناسون عمداً حقيقة أن أراضيهم, التي كانت تنتمي بشكل أساسي إلى الإمبراطورية الرومانية, قد غزاها “بومبي” خلال حياة تيغران نفسه. ولا تسمح لهم هذه المعلومة بالطبع اعتبار “أرمينيا الكبرى” مهداً عرقياً لجنسهم.
يحاول الأرمن, كما يحاول حُماتهم, إثبات عدالة مطالبهم بتأكيدهم على حقيقة أن ثمة بضعة آلاف من الأرمن يسكنون كردستان. ورداً على هذه الإدعاءات, سنلجأ مرة أخرى إلى شهادة نيتال (Nuttals) الذي يقول:
“هاجر الأرمن قبل عصور سحيقة إلى البلدان المجاورة. وكانوا كاليهود في حصر اهتمامهم بالأعمال التجارية إذ كانوا في معظمهم صيارفة. لا يجهل الكرد أن الأقلية الأرمنية الموجودة حالياً في كردستان وجدت بغريزتها التجارية ميداناً رحباً للكسب عبر استغلال الكرد وهذا ما دفعهم إلى هجرة طوعية نحو كردستان.”
ولا شك إنهم بغريزتهم التجارية تلك كانوا أميل إلى سكنى المدن وعدم الالتفات إلى الزراعة بشكل شبه كامل.
كإثبات متعلق بهذه الأقلية, يمكننا أن نذكر شهادات رسمية أحدث صادرة من تركيا والقوى الأوربية. عقب معاهدة برلين, تم تشكيل لجنة ضمت الجنرال الإنكليزي المتوفى بيكر باشا (Baker) والمتوفى سعيد باشا رئيس مجلس الدولة العثمانية ومعهما الوجيه الأرمني ميناس أفندي وإيفادهم إلى كردستان بهدف إجراء إحصاء سكاني.
سنكتفي هنا بالإحصاء المنفذ في ولاية دياربكر والذي كانت نتيجته وجود ثمانمائة وأربعين ألف نسمة منهم ستمائة ألف مسلم ومئتان وأربعين ألف بين مسيحي ويهودي.
في سنة 1895, أكد الأمير لوبانوف (Lobanoff) وزير خارجية روسيا الذي لا يمكن اعتباره محباً للكرد, رسمياً ضآلة عدد الأرمن على أراضي الإمبراطورية العثمانية.
خلال مناقشات جرت في مجلس النواب الفرنسي في الثالث من نوفمبر 1896 (الصحيفة الرسمية, العدد الصادر في 4 نوفمبر 1896, الصفحات 1357- 1358), والتي ناقشت في الوقت عينه القضية الأرمنية, صرح وزير الخارجية المذكور:
(في الولايات التركية التي هي محل مناقشاتنا في الوقت الحاضر وتبعاً للإحصائيات المتوفرة بين يدينا فإن نسبة السكان الأرمن لا تتجاوز على وجه التحقيق 13 % من مجمل عدد السكان. ومن جهة أخرى فإن توزعهم في الولايات الآسيوية ليس متساوياً فتارة يكون كثيفاً متركزاً وتارةً مبعثراً منتشراً وفي المجمل لا يمكن تحديد نقطة واحدة في تلك الأقاليم تكون فيها هذه الكتلة السكانية التعسة أغلبيةً مؤكدة بشكل يمكنها معه تشكيل مركز ينعقد عليه وحوله شكل ما من أشكال الحكم الذاتي).
أخيراً, ولإثبات طبيعة النزاع الكردي دعونا نقتطف مقطعاً من منشور صادر عن هيئة الأركان العامة الروسية تم توزيعه بشكل سري على عدد محدود من الشخصيات التي لا شك في ولائها وقدرتها على الكتمان, والمنشور مكتوب فقط لصالح الجيش الروسي والسياسة الروسية وبذلك يمكن اعتبار المنشور حيادياً بالمطلق فيما يتعلق بالنزاع الكردي- الأرمني. كان الهدف من إصدار ذلك المنشور هو التزويد بمعلومات في غاية السرية. وعند حديثه عن ولايتي “وان” و “بدليس” المنطقتين “الأرمنيتين تماماً”, حسب ادّعاء الأرمن, يقول المنشور حرفياً:
(في هاتين الولايتين الآسيويتين العثمانيتين, تعداد الكرد أعلى من تعداد الأرمن ففي “وان” ثمة 46 % من الكرد مقابل 26% من الأرمن, وفي “بدليس” 55% من الكرد مقابل 39% من الأرمن. في هاتين الولايتين لم يتم إحصاء عدد الترك وهم يشتركون مع الكرد في الديانة. فقط في مقاطعات “وان” و”موش” يتساوى تقريباً عدد الكرد والأرمن. في مقاطعة بدليس هناك 50% كرد و 40% أرمن. أما فيما يتعلق بالمقاطعات الأخرى فإن تعداد الكرد أكبر بكثير من تعداد الأرمن. باختصار, ليس هناك مقاطعة واحدة يمكن أن نقول عنها أن الأرمن يشكلون فيها نصف عدد السكان. يشكل الكرد في هكاري 56%, في سيرت 60%, في كينج 79%, من إجمالي عدد السكان وفي هذه المقاطعات الثلاث المذكورة الأغلبية السكانية الكردية واضحة للعيان حتى أن الأرمن أنفسهم المقيمين فيها لا يتفاهمون فيما بينهم إلا باللغة الكردية. بل إن ثمة مناطق في ولايتي “وان” و”بدليس” لا تجد فيها من يعرف التحدث باللغة الأرمنية باستثناء بعض رجال الدين. بالنسبة إلى توزع الديانات في هاتين الولايتين, استنتجنا التالي: في مقاطعة “وان” هناك 54% مسلمين و 43% مسيحيين بالإضافة إلى 3% يتبعون ديانات اخرى. وفي مقاطعة هكاري, هناك 56% مسلمين و43% مسيحيين بالإضافة إلى 1% من أتباع الديانات الأخرى. في ولاية بدليس, بل حتى في مقاطعة بدليس, هناك 60% مسلمين و 40% مسيحيين. في “موش” هناك 51% مسلمين و 48% مسيحيين و 1% ديانات أخرى. في سيرت 65% مسلمين, 34% مسيحيين, 1% ديانات أخرى. في كينج, 69% مسلمين, 20% مسيحيين, 1% ديانات أخرى. وفي المجمل, من بين 32 قضاءً التي تشكل ولايتي “وان” و”بدليس” ليس هناك سوى ثمانية يشكل المسيحيون فيها أغلبية سكانية أما في البقية فإن الغالبية المسلمة هي الطاغية)[1].
كل هذه التصريحات الرسمية, التي صدرت في وقت كانت فيه الأحداث المأساوية التي وقعت للأرمن تلقى عناية وتعاطف أوربا بأسرها, توضح بجلاء أن هؤلاء لم تكن لهم أدنى غالبية سكانية على أي نقطة من أراضي الإمبراطورية العثمانية. وللسبب ذاته فمن الواضح أنهم لم يشكلوا أغلبية في كردستان نفسها التي كانت في ذلك التاريخ جزءً لا يتجزأ من الإمبراطورية.
من جهة أخرى, وكدليل أخير على الأغلبية السكانية الواضحة للكرد في هذه المناطق لا بد من القول أن في هاتين الولايتين فقط ما تزال هناك أفواج من الخيّالة باسم “الحميدية” مكونة من قبائل حيدرانلي (بزعامة محمد صادق بك), جافلي (بزعامة جعفر بك), آدامانلي (بزعامة علي بك), مُكري (بزعامة إبراهيم بك), ملان (بزعامة محمد بك), شمسيغي (بزعامة صادق بك), شيكياه (بزعامة شرف بك), آدومانلي (بزعامة سليمان بك), حسنانلي (بزعامة فتح الله بك), جبرانلي (بزعامة إبراهيم بك), تاكوري (بزعامة حسين بك), أرطوشي (بزعامة حسن بك), آدامانلي (بزعامة أوشان بك), بنيان (بزعامة لطف الله بك), شيدانلي (بزعامة عمر بك), اللاشي وحيدرانلي (بزعامة حاجي دَمِر باشا).
تستقر عشيرة حيدرانلي التي تشكل ستة أفواج من الخيالة بين شرق بحيرة “وان” وشرق سلسلة جبال “آلادار”.
ثمة عشيرة “حيدرانلي” أخرى باسم “آهازا حيدرانلي” تسكن في “دوداك” و “ملاذكرد” و “هيردجيش”, وهي في المقام الثاني, تعد عشيرة “حسنانلي” هي الأكثر, وهذه تستوطن بالقرب من “ملاذكرد” و”بولانيخ” و “هينس”, وتشكل خمسة أفواج ثلاثة منها في ولاية بدليس. أما في المقام الثالث, فنرى “هيدمانليلار” التي تقيم حول مجاري نهر “زيلان”. عشيرة جبرانلي لديها فوجان وهي تستوطن قضاء “فارتو”. أما سائر العشائر الأخرى فهي أقل نسبياً وليس لدى كل منها سوى فوج واحد. عشيرة “شانلي” على الضفة الشرقية لبحيرة “وان”. عشيرة “تاكوري” تستوطن مدينة “سراي” وفي قضاء “المحمودية” على حدود بلاد فارس. عشيرة “ميلانلي” على الحدود ذاتها ولكن إلى الغرب قليلاً. عشيرة “مُكري” كذلك في المنطقة نفسها. عشيرة “شمزيغي” تستوطن قضائي “المحمودية” و”الحميدية”. عشيرة “شيكيا” في قضاء “آلباك” الواقع في الجزء العلوي من نهر “الزاب”. عشيرة “شيدانلي” موجودة في قضائي “الحميدية” و”نورشين” أما عشيرة “آلاجي” ففي قضائي “ملاذكرد” و”أرجيش”.
بالإضافة إلى هذه القبائل الرئيسية, ثمة قبائل أخرى أقل أهمية لها أفواج في هذه المناطق. ورغم النظام الاستثنائي المتسامح المطبق تجاه القبائل الكردية إلا إن ذلك لم يكن كافياً لإقناع زعمائها بتقديم أي تنازلات بشأن استقلالهم في مواجهة الحكومة, مدفوعين إلى ذلك بطبيعتهم الفطرية نوعاً ما وبغيرتهم اللامحدودة فيما يختص بتقاليدهم القومية واستقلالهم. ولذلك فإن من العبث, رغم تواطؤ الأوربيين, أن تتمكن الأقلية الأرمنية من فرض هيمنتها على هذا العنصر المحارب ذي الأغلبية السكانية.
مع دخول البعثات المدفوعة بحميّة دينية إلى كردستان للمرة الأولى, بدأت المحاولات التبشيرية الموجهة إلى الكرد ولكن بعد أن تيقنت تلك البعثات من استحالة إنجاز مهمتها حوّلت جهودها نحو الطوائف المسيحية المقيمة في كردستان. ومن تلك الطوائف كان الأرمن الأورثوذوكس أسرعها في تقبل ديانة المبشرين ولذلك سرعان ما عجّت مدارس البعثات بالتلاميذ الأرمن. ولكي يؤججوا المشاعر القومية في نفوس الأرمن, عمدت تلك البعثات إلى تلقينهم تاريخ تيغران وتصوير غزواته ومملكته البائدة. وكنتيجة لهذا التعليم الطافح بالمشاعر الوطنية, نشأت أولى أفكار الاستقلال في نفوس الأرمن ولكن دون أن يحسبوا حساباً لخطورة ذلك أو النتائج التي قد تترتب عليه.
بخصوص تلك البعثات, أعود ثانية إلى منشور هيئة الأركان الروسية وأقتبس الجمل التالية:
(في ولايات وان, استقرت بعثات كاثوليكية وبروتستانتية, منذ ثلاثين عاماً, في أهم مراكز مدينتي وان وبدليس, وأولوا عناية خاصة للأرمن بشأن الدعاية الدينية, وكانوا يعمدون إلى إعانة الفقراء دون النظر إلى أعراقهم أو دياناتهم, وكانت مدارسهم هي الأفضل تنظيماً ففي مدارس تلك البعثات في وان وبدليس توجد أقسام خاصة لتعليم مختلف ضروب الصناعة. ومما يبعث على العجب أنه رغم وجود تلك المدارس الأمريكية التي كان يرتادها التلاميذ الأرمن ويتخرّج منها اشد الثوريين شراسة وأبرع كوادر الدعاية في العالم ورغم كرم الأمريكان الشديد مع الأرمن إلا إن الأرمن كانوا ينفرون منهم.
بدافعٍ من الجشع التجاري الذي يدفع المرء دائماً إلى المطالبة بأكثر مما يستحق, يطالب الأرمن اليوم بأكثر بكثير من حقوقهم ويرون أن مساحة مملكتهم التاريخية البائدة صغيرة عليهم ولذلك يطمحون إلى الاستيلاء على أجزاء واسعة من كردستان المُلحَقة بآسيا الصغرى مستلهمين ذكريات الغزوة الطارئة التي قام بها “تيغران”هم الشهير ذات يوم في تاريخهم القومي.
وبسبب الضغط الناتج عن تدخلات أوربا المستمرة في نظام السلطان عبد الحميد, لم تجد حكومة الدولة العثمانية مفراً من السماح للأرمن بمغادرة البلاد والتخلي عن الجنسية العثمانية. وهكذا هاجر آلاف الأرمن نحو أراضي مملكتهم القديمة التي أقر “مؤتمر برلين” بعائديتها إلى حكومة القيصر. واتضح أن معظم أولئك المهاجرين قد باعوا أملاكهم للكرد وأن البعض منهم قد هجر أملاكه وحسب. ووفق القانون العثماني فإن الأرض التي لا يتولى مالكها العناية بها لمدة تنوف على الثلاث سنوات تصبح بحكم المستولى عليها ويمكن للحكومة التصرف فيها وبيعها وهكذا بيعت أملاك الأرمن المهاجرين إلى الكرد.
عقب إعلان الدستور, وجد الأرمن اللاجئون إلى روسيا أن نظام القياصرة أقسى وأدهى من الحكومة التركية بمراحل فاستغلوا العفو العام الصادر ليعودوا مسرعين إلى وطنهم الأم ويطالبوا باسترجاع أراضيهم بقوة القانون من الكرد الذين كانوا قد أصبحوا ملّاكها الجدد.
وكالعادة وتحت الضغوط والمطالبات المفرطة للدبلوماسية الأوربية, وجدت الحكومة نفسها مضطرة إلى الاستجابة غير أن الكرد الساخطين على هذا الانتهاك الصارخ اعترضوا بكل ما لديهم من قوة على تلك التصرفات والإجراءات فتم انتداب عدد من المفوضين الأوربيين الخصوصيين إلى آسيا الصغرى بهدف تسوية هذا النزاع لكن الحرب العالمية كانت قد اندلعت.
كل ذلك يوضح بما لا شك فيه أن معظم الأرمن القاطنين في كردستان قد تركوا بلادهم بملء إرادتهم ولم يعد لديهم أي حق قانوني في المطالبة بالأرض.
وإذا كانت أغلبية ساحقة عاجزة عن حكم أقلية ما بطريقة ترضيها, فهل يمكننا أن نتوقع أن تتمكن الأقلية الأرمنية من الوصاية الإدارية على عرقٍ يفوقها عدداً, عرقٍ غيورٍ على استقلاله كالعرق الكردي؟
ومن جهة أخرى, فسيكون على اللجنة الأوربية المشتركة أن تفحص مسألة بيوع الثروات العقارية, المثبتة أصولاً, من أملاك الأرمن المقيمين على الأراضي الكردية إن رغب هؤلاء في الهجرة إلى أرمينيا بشرط أن تيسّر اللجنة منح الامتياز ذاته إلى الكرد ويكون مقبولاً لديهم.
بموجب “مبادئ ويلسون”, من حق الكرد إنشاء دولة كردية حرة تماماً ومستقلة. وبما أن الحكومة العثمانية قد وافقت على نقاط السيد ويلسون الأربعة عشر جميعها فإن الكرد يعتقدون أن هذا يمنحهم كامل الحق في المطالبة باستقلالهم دون الانتقاص مطلقاً من ولائهم للإمبراطورية وسيادتها التي عاشوا في ظلها قروناً عديدة محافظين على عاداتهم وتقاليدهم الخاصة.
أخيراً ومن أجل تلخيص مطالب الكرد النابعة من الاعتبارات السابقة, نختم بالقول:
إننا نحتج بشدة على ادعاءات الأرمن في كردستان في أطراف الحدود التي سنشير إليها في الخريطة المرفقة والتي هي من حق الكرد.
تنحصر الثروات القومية لدى الكرد تقريباً في تربية المواشي والتي تتطلب, بسبب طبيعة المناخ, مراعي صيفية وشتوية لوقاية هذا الشعب من العوز الاقتصادي ولذلك فإننا نطالب بإلحاح بعدم اعتبار هذه المراعي خارج خط حدود كردستان.
ونطالب أخيراً باستقلالٍ هو من حقنا وهو وحده ما سيسمح لنا بالكفاح على طريق التقدم والحضارة وباستثمار ثروات بلادنا والعيش في سلام مع جيراننا.
ولذلك فإننا نناشد مؤتمر السلام تعيين لجنة دولية مكلفة بمتابعة ترسيم الحدود وفق مبدأ الجنسية لتشمل كردستان جميعَ تلك المناطق ذات الأغلبية الكردية. ولا شك أنه في حال وجود تجمعات كافية من أعراقٍ أخرى ضمن المناطق الكردستانية سيكون لها وضع خاص يراعي تقاليد سكانها القومية.
إننا نعهد إلى هذا المؤتمر, ونحن مفعمون بالأمل في عدالته, بحياة شعب عريق جداً وبمستقبله, شعب مصمم على الانبعاث فقط لو توفرت له الفرصة السانحة.
باريس, في 22 آذار 1919
الجنرال شريف باشا
رئيس الوفد الكردي
إلى مؤتمر السلام
[1] . إحصاء “وان”و “بدليس”, مترجم عن الروسية من قبل “محمد صادق بك” قائد الخيالة, مسجل في مكتب الاستخبارات في هيئة الأركان العامة. المطبعة العسكرية. القسطنطينية, 1330(1914).[1]