ماجدة داري
بداية، هل ثمة تعريف واضح ودقيق لما اصطلح عليه “#أدب المرأة#” أم هو مفهوم له ماهيته وصفاته وخصائصه ومميزاته..
الأدب والمرأة عنوان عام وكبير ولعل الجزيئات التي يمكننا تقسيمها أو تناسلها من العنوان العام يضعنا إزاء عناوين أكثر عمومية، بحيث لا يمكننا تجزئة الخاص وتعريفه.
ولتعريف المصطلح لابد من العودة للأسباب أو للمناخ التاريخي وللوضعية التاريخية التي أطلقت أو ولدت هذا المصطلح والذي تبلور إلى مفهوم متجاوزاً الاصطلاح كتعريف وكصفة استدلالية للموضوع العام.
لا شك أن هذا المصطلح ثم تداوله في صالونات الأدب والفن في سبعينيات القرن التاسع عشر كبداية، ومن ثم تجدد المصطلح في سبعينيات القرن الماضي وذلك في الغرب الأوروبي تحديداً، حيث برزت نسبة كبيرة ومميزة من كتابات للمرأة، وأطلق عليها النصوص الأنثوية، ومن ثم أصبح تعبير الأدب النسائي بلغته العالمية Faminist Literature”” والذي ترجم الي العربية إلى عدة ترجمات منها الأدب النسائي وأدب المرأة والأدب النسوي وأدب الأنثى، هذه الترجمات رغم قربها أو تشبهها مع بعض، إلا انها فرضت نقاشاً وجدالاً جديدين وفرضت اشكاليات وجدليات متنوعة وصلت للتضاد والتناقض.
بدأ المصطلح كتعريف لكل أنواع الكتابات التي تتوجه في طرح قضايا المرأة والدفاع عنها وضرورة مساواتها أو تلك الكتابات التي وقفت ضد ذلك. فهو الأدب المرتبط بحركات تحرير المرأة والكتابة عن مسيرة كفاحها وتاريخ صراعها الشاق والطويل من أجل مساواتها بالرجل.. وذلك الأدب أو النوع من الكتابة لم يكن جنسانياً حيث شارك الرجل أيضاً بالكتابة عن المرأة أيضاً، فهو كل أدب أو كتابة محتواه العام أو الخاص عن المرأة، ولم يطلق عليه مصطلح أدب المرأة لكونه خاص بما تنجزه أو تكتبه المرأة وإنما كان مجمل الكتابات التي كان محورها المرأة. كما الحال إزاء تعاملنا أو تعامل #تاريخ الأدب# ونقاده مع مصطلح أدب الطفل، فليس أدب الطفل هو ذلك الأدب الذي يبدعه الطفل أو الذي يساهم في كتابته، وإنما هو الأدب الموجه للكتابة عن الطفل والكتابة للطفل، وبين هذا وذاك اختلاف من حيث المنشأ والتوجه، فمصطلح أدب المرأة يواجه بعاصفة من النقد والانتقاد، بينما يكاد يمر مصطلح أدب الطفل بكل هدوء ويستخدم في الأدب والنقد والصحافة بكل هدوء دون إثارة أي إشكاليات عامة أو خاصة، فإذا افترضنا وجود ما يمكن تسميته بأدب المرأة فأنه علينا القبول على وجود أدب الرجل أيضاً.. فلماذا غياب مصطلح أدب الرجل إزاء بلورة وطرح مفهوم مصطلح أدب المرأة، ثم إنه لو حاولنا إغفال اسم أو صفة الذكورة أو الأنوثة عن نص إبداعي أو رواية ما، فما هي الحدود والصفات والخصائص والمميزات التي تدل على أن هذا النص أو النتاج الأدبي ذكورياً أو أنثوياً، لذلك أجد أن المصطلح مرفوض رفضاً قاطعاً لأن الأدب الإنساني كتبه الإنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه، فهل يمكننا مثلا اصطلاح ما ينتجه المسلمون من أدب بالأدب الإسلامي أو الأدب المسيحي أو هل يمكننا طرح الأدب الزنجي أو أدب الزنوج.. لا أعتقد ذلك فتلك الحدود عنصرية وشوفينية ولا تمت للحرية فضاءات الأدب بشيء إنما هي تقييد وتكبيل لقدرة الأدب الإنساني.
هناك ما يسمى الأدب العربي أو #الأدب الكردي# أو الروسي أو الإسباني أو أدب أمريكا اللاتينية أو الأدب الأفريقي، فإن هذه التسميات ليست اصطلاحية، وإنما هي تعريفية على المستوى اللغوي أو الجغرافي، وإن كانت تحمل في ماهيتها وعمقها التعريفي إشكالية فيما إذا كان الأدب الكردي مثلاً هو كل ما تم كتابته ب#اللغة الكردية# أم هو الأدب الذي كتب بلغات أخرى غير الكردية، وإنما كانت مواضيعه كردية، أي تلك المواضيع التي تتعلق بقضية ومكانية وتاريخية وجغرافية الكردي أو الكردستاني، وهذا موضوع آخر يمكننا مناقشته لاحقاً وهو أحد المواضيع الهامة التي يجب ايلاء الاهتمام بها وبالأخص أنها قضية عامة وتوجد في أكثر من جغرافية حول العالم، فمجمل الأفارقة كتبوا إبداعاتهم باللغة الفرنسية، فهل هو أدب فرنسي ام جزائري أو غيني أو نيجيري، وكذلك الحال مع الأدب الكردي الذي كتب بلغات كالتركية أو العربية أو الفارسية أو لغات عالمية أخرى.. بمعنى آخر هل جنسية الكتاب تمنح الأدب اسمه أو لغة الكتابة؟
أما بالنسبة لخصوصية الأدب الذي كتبته وأبدعته المرأة، فالأمر مختلف، فالمرأة كبيولوجيا وفيزولوجيا وإن كان ثمة اختلافات مظهرية كالجنسانية مثلاً أو أنوثتها والتي تعتبر ذات المرأة أو جزءاً من ذاتيتها، إلا أن ذلك لا يوشمها بالأنثى ككاتبة ومبدعة، فالأدب إنساني، وتوجهه إنساني، وبذلك لا يمكننا أبداً التحدث عن فروقات على صعيد الكتابة الأنثوية أو الذكورية، فالأدب لم يمكن رسم حدود أو بيان تخوم وعتبات الكتابة، فلا فاصل ما بين ما يبدعه الرجل أو المرأة، ولا يمكن للنقد أن يتوصل لخصائص أو مميزات محددة لأدب ما يسمى الأدب النسائي.
لا أعرف سبب اهتمامي بهذا الموضوع، وربما الطرف الآخر الرجل هو من أثار لدي هذه القضية، فخلال اللقاءات الصحفية والحوارات والندوات كثيراً ما كان يوجه إلي وإلى غيري من الكاتبات أسئلة تدور حول خصوصيتي الكتابية عبر أسئلتهم التي كانت تحمل مصطلح أو مفهوم أدب المرأة، فأنني لا أتصور وجود أدب خاص للمرأة، لأنه في العموم أدب إنساني عام شامل، فهو ليس زياً أو ثوباً أو عطراً، ربما له بعض التميز أو الهوية الخاصة به، وإن كانت إبداعات المرأة وكتاباتها تحمل بعض من الجرأة أو الصراحة في تناول مواضيع تتعلق بالأسرة أو الأب أو الزوج، وأعتقد إن بعض الكتاب استطاع التعبير عن أعماق ومشاكل المرأة بشكل أعمق وأوضح من المرأة.
يمكننا القول إن مفهوم أدب المرأة لا يخلو من النظرة العنصرية، بحيث يلغي كل جوانب إبداع المرأة ويحصرها في خانة الأنوثة، رغم أن الأنوثة كما أسلفنا بأنها جزء أصيل من شخصية المرأة.
فالمرأة المبدعة هي كالأرض تنتج وتنبت وتزهر فيه جميع أنواع الزهور والأشجار والأشواك، فالأدب أرض لا يتصف بذكورة أو أنوثة، فليس من المنطق أن يتم تحجير العقل والفكر في استخدام مصطلح مضى على ظهوره أكثر من قرن، وربما كان لظهوره آنذاك ما يبرره، كونه لم يكن كمفهوم يدل على الجنسية في التحديد، وإنما كان غايته الفرز نقدياً، رغم ما كان يكتنفه من إهمال وجحود في رؤية كتابات المرأة أقل إبداعياً ونضجاً، حيث لم يكن الناقد (الذكوري) ينتقد كتاباتها على محمل الجد، وليس بذاك العمق والتشريح الذي كان يتناول كتابات الرجل، لهذا كله نجد أن المصطلح مشكوك ومزعزع وباهت، لأنه يقلل من شأن المرأة الكاتبة كروح بشرية.. ولأنه يجعل من الكتابة التي تنتجها المرأة المبدعة مجرد هامشية تدور حول مركزية الكاتب الرجل وتتحاكم بمقص الرقيب وبأحكام الناقد الذكر.
إن زمن الانترنت وعبر الفضاء الكتابي المفتوح قد منح المرأة فرصة للتعبير وللكتابة وبعيداً عن خوف ما أو أمر يدعوها لإخفاء شخصيتها أو اسمها، وباتت تكتب بحرية، بحيث جرفت كل الحدود ما بين المسموح المرغوب وما بين الممنوع أو المسكوت عنه، حيث باتت كتاباتها تتوجه للعقل وللفكر وللمجتمع وللإنسان وللقلب وللجسد أيضاً مثلها مثل الشريك الحقيقي في عملية إنتاج الإبداع الأدبي الإنساني، ولا يمكن لأي مصطلح أن يحد من حريتها أو إمكانياتها الإبداعية، فهي تملك ومنذ البدء المستوى الإبداعي والثقافي والمعرفي والفكري والبلاغ أيضاً، وأيضا قدرتهن على التأثير في المحيط، وواجهت الجمهور (القارئ) بحرية كاملة ودون قيد أو شرط، حيث ممارستها الحرة لفعل الكتابة وبروح حرة جعلت من نتاجها الأدبي مادة هامة لا تقل شأنا أو فرقاً عن ما يبدعه الرجل، فالبيولوجيا ليست فكراً، وبالتالي فليس على الكاتبات أن يقدمن أنفسهن على إنهن كاتبات نسويات، فلا فرق في السوية الإبداعية أو المعرفية أو البلاغية في الشكل والمضمون بينها وبين الرجل الكاتب.
ثم إنه لماذا تم التركيز حول هذا المصطلح؟ ولماذا لم يتم مثلاً إطلاق مصطلح آخر حول ما تبدعه المرأة من رسم ونحت وفن وتمثيل؟ إزاء ذلك هل يمكننا التحدث عن النحت النسائي أو نحت المرأة أو فن المرأة أو الفن النسائي أو التمثيل النسائي أو برلمان نساء أو رجال؟
أعتقد إن مجتمع باب الحارة لم يعد موجوداً، ولم يكن حياً إلا في وعي وفكر ذكورية جاهلة منغلقة، فالعواطف من فرح وحزن وألم ووجع ولذة ورغبة هي عواطف مشتركة، وكل الكتابات تناولها بمعزل عن الجنسانية، وحينما بدأت المرأة بالكتابة استطاعت وبمشاركة الكثير من الكتاب تجاوز تلك النظرة الأحادية والدونية المشوهة والتقليدية لكيان وعواطف المرأة، فقد عبرت تجربتها الخاصة كإنسان كامل، فعكست حقيقة المرأة دون التقيد بالمفاهيم المجتمعية التقليدية والمعايير الذكورية.
بقى أن نذكر بأن ثمة فرق بين المصطلح والمفهوم، وهنا أيضاً الكثير من الإشكاليات والتعقيد في تناول القضية، ولكن يمكنني الكتابة بأن المصطلح كثيراً ما يتجاوز حدوده وتعريفه ليشمل المفهوم الخاص، وكذلك يتسع المفهوم ليحتوي المصطلح، وما جرى اصطلاحه ليشمل بالنتيجة قصوراً في الوعي لدى المرأة وعلى الصعيد الفكري والمعرفي وحتى على صعيد النحو والصرف والبلاغة وأسلوب التعبير والكتابة.
كانت هذه بعض النقاط التي حاولت أن أثيرها وأوضحها من جانبي كامرأة وكأنثى وككاتبة وشاعرة، وأعلن رفضي لأي مصطلح أو تعبير من شأنه تقزيم أو محاولة رسم حدود إقليمية (جنسية) ما بين كتابات المرأة وكتابات الرجل.[1]