أدب المرأة .. حاجة موضوعية – ليلى إبراهيم
عمل الدارسون بأمر الكتابة النسوية منذ ما يقارب الخمسين عاماً، وقد شهدت السجالات الدائرة حول قضايا أدب المرأة خلافاً حاداً في وجهات النظر ولا سيما فيما يتصل بخلق أدب خاص بالمرأة.
ودار السجال حول مصطلح الأدب النسوي معتمداً على مزاعم اختلاف خصائص أدب المرأة من جهة الموضوعات والتناول الفني والفكري، وعلى الرغم من هذا كله يبقى السؤال الإشكالي يطرح نفسه. هل هناك حاجة لأدب المرأة؟
باعتقادي أن الجذر اللغوي للفظتي الرجل والمرأة يمكن أن يقدم بعض منطلقات الزعم بوجود الاختلاف بين الأدبين لجهة أن لفظة الرجل تدل على القوة والتفوق، أما لفظة المرأة فتدل على اللين والرقة؛ فهي حتى في جمعها تجمع على (نساء) بعكس الرجل الذي يجمع من جنسه على لفظة (رجال) فإذا قيل ترجلت المرأة يعني صارت كالرجل وتشبهت به، وعليه فإن الموروث قد جعل من المرأة ملحقة لغيرها وهو الرجل، وعليه يمكن القول: إن عوامل الزمان والبيئة الاجتماعية والفكرية قد انعكست منذ عقود طويلة على أدب المرأة فألحقت بها العسف والجور.
وتوارث الكرد تاريخهم وأمجادهم وبطولاتهم وكل ما حدث من خلال الأغاني التي كانت ترددها الأمهات والتي بدورها كانت تسمعها وتتلقاها من الجدّات، ولا يذكر في القديم ظهور أية امرأة برزت من الناحية الثقافية وقتها، ولا نستطيع الجزم بذلك؛ لأنه لم يرد ذكر لهذا الموضوع، وقد يعود السبب الرئيس إلى ذلك الطابع الديني الإسلامي على الخصوص الذي جعل من المرأة جليسة منزلها وتربية أولادها وخدمة زوجها.
أما في المجتمعات العربية في شبه الجزيرة وبالأخص في العصر الجاهلي ظهر عدد من الشاعرات، ولكننا نلاحظ أن جهود هؤلاء لم يتم إبرازهنّ؛ وإنما كنّ في زحام النتاج الإبداعي الشعري الذكوري، ولم يحفل الدارسون بنتاج المرأة الشعري، ولم يبرزوا قيمة له حتى بلوغ القرن العشرين أيضاً وإلى الآن.
فلو سألنا أي طالب مثلا في البلدان العربية. اذكر لنا أسماء عشر من الشاعرات العربيات لاحتار في الجواب؛ إذ أن عدد الشاعرات وقتها تجاوز المائة، والأكثر منهن عاشوا في صدر الإسلام والعهد الأموي، ولم يتم إغفال وتذويب ذكر اسم الأديبة؛ إذ كانت آراؤها تصنف هامشياً، ولدينا شواهد في التأريخ منها معارضة الخنساء للنابغة الذبياني (شيخ العارفين بالإبداع الشعري) حيث فضّلها على حسان بن ثابت أثناء تحكيم جرى في سوق عكاظ.
إن الأدب في جوهره إنساني لا تدخل فيه الذكورة أو الأنوثة وإنما تتحدد قيمته الإبداعية والتعبيرية بانعكاس عقلية المجتمع الذكوري الذي يقصي المرأة من جميع المحافل الاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية، ويضعها في موقع الدونية ليمنع عنها حق التفوق والتميز، ومشاركة الرجل في صنع الحضارة وخلق الأفكار المبتكرة، غير أن ما تقدم لا ينفي وجود بعض الخصوصية التي تتعلق في صدق التعبير عن عالم المرأة بالذات؛ فالرجل يستطيع أن يكتب عن عالم المرأة، ولكنه لا يستطيع بلوغ ما تكتبه هي نفسها في أدوات فنية أقدر على طرح صورة الأنثى في الواقع ذلك لأن الرجل حين يتحدث عن المرأة فإنه يتناولها من خارج عالمها الداخلي في حين أن حديث المرأة عن نفسها هو حديث انعكاس لحقيقة مشاعرها وأحاسيسها من الداخل.
ومن المهم أن ندرس على المستوى الثقافي والطرائق التي تفعل قدرات المرأة ثقافياً؛ ذلك أن الدور الاجتماعي والحياتي الشامل لها يستدعي قفزة متميزة، لذا يحتاج المجتمع إلى امرأة مثقفة لكي يلحق بالركب الإنساني المتقدم وشرحه الثقافة المسبق يجعل مهام المرأة أكثر وضوحا وأكثر قرباً من النجاح.
وخلاصة ما يمكن قوله: إن الأدب في عمقه الوجداني والإنساني أياً كان مصدره (الرجل أو المرأة)، ولكن ما يمكن أن يسمى بأدب المرأة هو ما يركز على المرأة في موضوع الكتابة؛ سواء أكتبته المرأة أم الرجل، وذلك في إطار الدفاع عن حق المرأة لتأخذ مكانتها، وتخرج من إطار التهميش والنظرة الدونية التي فرضها المجتمع ردحاً طويلاً من الزمن، وإن المرأة في حالة كفاح لإخراج المجتمع من حالة التخلف والجهل، وهي لا تأخذ خصوصيتها الأدبية من محاربة الرجل لنيل حريتها؛ لأن الرجل ذاته ليس حراً؛ كونه يعيش في ظروف القهر ذاتها التي تعيشها المرأة، وفي ظروف التخلف التي لا تسمح له بالتنازل عن رجولته بالمعنى الشعبي، فالقضية ليست قضية رجل و امرأة إنما هي قضية نضال مشترك في مجتمع تقع فيه القهر على الجنسين معاً.[1]