تعرّف كيف صار الأكراد جزءاً من جسد الدولة العثمانية؟
بعد معركة جالديران عام 1514م التي خاضها العثمانيون بقيادة السلطان سليم الأول ضد الصفويين بقيادة الشاه إسماعيل، أدركت العشائر الكردية، التي شاركت في المعركة مع العثمانيين، ضرورة التحالف مع الدولة العثمانية لحماية نفسها من خطر الدولة الصفوية.
ظهرت أمارات التحالف العثماني الكردي عام 1514م، عندما اندلعت معركة جالديران بين العثمانيين بقيادة سليم الأول، والصفويين بقيادة الشاه إسماعيل، حيث انضم إلى الجيش العثماني في المعركة بعض العشائر الكردية والتركمانية، وكان النصر فيها حليف العثمانيين.
وفي أعقاب المعركة أدرك أمراء العشائر ضرورة الانضواء تحت راية الدولة العثمانية، وهذا ما كان يدعو إليه العالم إدريس البدليسي، الذي كان يحضّ السلطان سليم على ضمّ هذه المناطق إلى الدولة، إلا أن السلطان آثر أن يوكل إليه مهمة إقناع الأمراء بذلك.
وأرسل هؤلاء الأمراء عريضة إلى السلطان سليم يطلبون فيها الدّعم ضد الصفويين الذين حاصروا ديار بكر، فحُشد 10 آلاف متطوع، حتى كُسر هذا الحصار وردّ الصفويون.
بعد ذلك استمر إدريس البدليسي في إقناع أمراء العشائر بالانضمام إلى الدولة العثمانية، وفي وقت قصير تمكّن من تأمين التحاق أمراء الأكراد والتركمان في شرقي الأناضول وجنوبها الشرقي بالدولة العثمانية.
على إثر هذه الأنباء أرسل السلطان سليم رسالة شكر إلى البدليسي الذي فتح تلك البقاع بالإقناع، وطلب منه كذلك المعلومات اللازمة حول الأمراء الذين انضموا إلى الدولة بمحض إرادتهم وعدد السناجق التابعة لهم.
وأرسل السلطان سليم الأول إلى بقلي محمد باشا أمير أمراء ماردين بأوراق عليها الخاتم السلطاني، يدفعها إلى أي أمير يريد الدخول تحت الحكم العثماني بمحض إرادته لكي يكتب الطلب بنفسه، كما اتخذ الإجراءات اللازمة لمنع وقوع الخلافات بين الأمراء.
ومن أمراء القبائل والعشائر الكردية التي دخلت بمحض إرادتها تحت حكم الدولة العثمانية: حاكم بتليس، وملك حيزان، وأمير حصن كيفا، وحاكم عمادية، وحاكم جزرة، وحاكم جميش كزك، وحاكم برتك، والتحقت تباعاً عشائر: سوران، وأورميا، وآتاك، وكرزان، وبالو، وسعرت، وسنجار، وماردين وغيرها.
ولم يدخل فقط تحت راية الدولة العشائر الكردية والتركمان، بل سارعت إلى ذلك أيضاً قبائل عربية كثيرة، مثل قبائل خرقوش، وابن سعيد، وبني إبراهيم، وبني عطا، وشيوخ صفد وغزة وأشراف حلب الذين أرسلوا إلى السلطان سليم رسالة محفوظة إلى الآن في متحف طوبي قابي.
وتقول الرسالة: من أجل حفظ وصيانة أرواحنا وأموالنا وعيالنا، ومن أجل حماية وأمن ديننا، نقدم لكم طاعتنا، ونرى ضرورة حكمكم من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية وتأسيس العدالة.
وممَّا ساعد على دخول هذه العشائر الكردية تحت الحكم العثماني وجود العديد من القواسم المشتركة بينهما في الجوانب الدينية والثقافية والأخلاقية، كما أن طبيعة الفتوحات العثمانية كانت تشجع على ذلك، إذ كانت تشرف فقط على الولايات التابعة لها، بينما تترك إدارتها لأهلها، ممَّا يعني الحفاظ على الصبغة السياسية والثقافية لتلك الولايات.
والعامل الأهم الذي سهّل الدخول السلمي للأكراد، هو نظرتهم إلى الدولة العثمانية باعتبارها دولة مسلمة وراعية للمسلمين، ولم تكن النزعات القومية لها وجود في ذلك الوقت، إضافة إلى أنّ كلاً من العثمانيين والأكراد ينتمون إلى المذهب السُّني.[1]