أجرى اللقاء :#شه مال عادل سليم#
لمعرفة بعض الاشكالات الدستورية التقينا الدكتور منذر الفضل , الخبير القانوني وعضو لجنة كتابة الدستور العراقي في الجمعية الوطنية العراقية لعام 2005 , وللاطلاع على أرائه السديدة ولقانونية حول عدد من الامور الآنية، كان لنا مع الدكتور الفضل هذا اللقاء السريع :
الدكتور منذر الفضل , كما تعلمون إن مواد الدستور العراقي قاطبة تثير إشكاليات ومعضلات وتناقضات كبيرة , وكبيرة جدا , لذلك سأطرح عليكم بعض الاسئلة في مختلف المجالات . نظراً لسعة الموضوع وقلة الوقت
ما هي اركان الدولة حسب رأيكم ؟ وهل للكورد مقومات الدولة ؟
- ان اركان أي دولة هي الشعب والاقليم والنظام السياسي او الحكومة الشرعية، وان لكل شعب حق في تقرير مصيره وفقا لقواعد القانون الدولي واستنادا الى المادة 7 / 1 من العهد الدولي للحقوق الثقافية والسياسية الملحق بالاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 .
اما بخصوص الاساس القانوني لتكوين الدولة الكوردية فيمكن حصرها ب نقطتين وهما :
اولا- اركان الدولة الكوردية
1. الشعب : وجد الشعب الكوردي في وطنه كوردستان منذ الاف السنين وقد جاء اسم الكورد في الوصايا القديمة او العهد القديم (التوراة) تحت تسمية الميديون فالكورد هم الميديون الذين توزعوا بين دول متعددة (تركيا , العراق , ايران , سوريا , لبنان , الاردن وغيرها) . والكورد أمه كبيرة مشتته ومجزأة بين هذه الدول وكان سبب التجزأة يعود الى اتفاقية سايكس بيكو 1916 وقد ظل مقسما الى الان دون رضاه وخلافا لرغبته, والشعب الكوردي في العراق ظل (شعب بلا دوله و بقي ضمن الدولة العراقية) رغم ان معاهدة سيفر لعام 1920 نصت على حق الشعب الكوردي في دولته المستقلة التي عطلتها معاهدة لوزان لعام 1923 دون وجه حق و تعرض الكورد الى جرائم دولية خطيرة من انظمة الحكم المختلقة وبخاصة من حكم البعث / صدام بلغت حدا من البشاعة لاتقل عن بشاعة الاساليب التي استعملت من النازية وكان منها ضرب مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي ودفن مئات الالاف وهم احياء في قبور جماعية ومنها هدم القرى وزرع ملايين الالغام واعتماد سياسة التطهير العرقي لغرض ابادة الجنس البشري وهي جريمة دولية عمدية خطيرة تحرمها كل الاتفاقيات الدولية وقواعد القانون الدولي كما جرت اكبر هجرة للشعب الكوردي عام 1991 خوفا من بطش النظام السابق فاصدر مجلس الامن الدولي قراره المرقم 688 في01-04- 1991 لحماية الكورد واحترام حقوق الانسان . وقد ناضل الشعب الكوردي في العراق نضالا سلميا ثم نضالا مسلحا دفاعا عن حقه في الحياة والوجود وطبقا لقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة التي اعترفت صراحة بشرعية النضال المسلح للشعوب المستعمرة والاجنبية بقرارها رقم 2955 في 12-12- 1972 وفي 17-12- 1976 .
والشعب الكوردي في كوردستان العراق تتوافر فيه مقومات وعناصر الشعب وهي ضرورية لغرض انطباق مبدأ حق تقرير المصير وهي ( اللغة الكوردية والثقافة الكوردية والاحساس بالتاريخ المشترك والهوية المتميزه وارتباطه باقليم محدد المعالم له حدوده الجغرافية والتاريخية والقانونية ) وقد تم الحاق هذا الشعب بالدولة العراقية بعد الحرب العالمية الاولى دون رغبته ومن غير رضاه حيث لم يستفت الشعب الكوردي على هذا الاجراء .
2. الاقليم : للكورد اقليم يسمى كوردستان وهي ارض الاكراد منذ الالاف من السنين رغم التقسيم والتجزأة للامة الكوردية بين دول متعددة طبقا للاتفاقية سايكس بيكو 1916 وقد استقر الشعب الكوردي على ارضه واقعيا وفعليا ولهذا الاقليم حدوده الجغرافية والتاريخية والقانونية وهو ما تاكد ايضا في قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية في العراق وفي الدستور العراقي لعام 2005 .
3. النظام السياسي : للكورد في العراق حكومة شرعية منتخبة سواء في قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية كما جاء في المادة 53 ام في الدستور العراقي لعام 2005 وهذا يعني ان هناك نظاما سياسيا يدير الاقليم وفقا للقانون وفي اقليم كوردستان برلمان منتخب ومؤسسات دستورية ويدير الشعب الكوردي شؤونه باستقلالية نسبية منذ عام 1992 وحتى الان حيث قرر البرلمان المذكور عام 1992 تاسيس هذه المؤسسات واختيار الحل الفيدرالي ضمن اتحادية اختيارية .
ثانيا – الاساس القانوني المستمد من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها
ان هذا المبدأ القانوني يصلح اساسا لوضع الحلول القانونية لمشكلات الشعوب المضطهدة وهذا المبدأ له القوة الملزمة بسبب تحويلة الى قاعدة قانونية دولية ملزمة وهو ما يتضح من الوثائق التالية :
1. ميثاق الامم المتحدة حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 1 منه على ما يلي ( انماء العلاقات الودية بين الامم على اساس احترام المبدأ الذي قضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبان يكون لكل منها تقرير مصيرها ...).
2. المادة الاولى / 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والتي تنص على ان لحميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تفرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق انمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
3. الفقرة الثانية من اعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة طبقا لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة 1514 / د 155 في 14 كانون الاول 1960 والتي تنص على ان لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها ولها بمقتضى هذا الحق ان تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية الى لتحقيق انمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .
4. وتم التاكيد على ذلك في اعلان مبادىء القانون الدولي لعام 1970 الصادر بموجب قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 2625 قي دورتها 25 في تشرين الاول 1970 وكذلك المادة 8 من وثيقة هلسنكي لعام 1975 وكذلك اعلان الجزائر لعام 1976 وغيرها .
إعطاء الرأي مسبقا من قبل المحكمة الاتحادية بدستورية أو عدم دستورية الاستفتاء دون سماع الطرف الآخر كما حصل , الا يتعارض مع أحكام المادة (91/5) من قانون المرافعات المدنية، ومع السياقات القضائية المستقرة على لزوم عدم إعطاء رأي مسبق مع وجود دعاوى بنفس الموضوع ؟
- تعرض القضاء العراقي الى هزات او تأثيرات كثيرة وخطيرة منذ حكم صدام وحتى الان , وللأسف صدرت قرارات من المحكمة الاتحادية فيها شبهات وكانت القرارات اقرب للسياسة منها الى القانون والأدلة كثيرة بينما كنا نتمنى ان يكون للقضاء العراقي دور أقوى من التأثيرات السياسية وان تكون له قوة وهيبة وشجاعة ونزاهة وكفاءة عالية وخاصة المحكمة الاتحادية العليا .
كخبير قانوني و وباحث عراقي عربي معروف بارائه الجرئية , كيف تفسرون رد حكومة كوردستان وإخضاعها لقرار المحكمة الاتحادية العليا الذي حظر انفصال الإقليم عن العراق ؟
- من الناحية القانونية النظرية فان قرارات المحكمة الاتحادية تخضع لها كل مؤسسات الدولة وكوردستان جزء من العراق وان قراراتها قطعية ولا يجوز الاعتراض عليها طبقا للدستور والقانون الخاص بالمحكمة الاتحادية , ولعل التقصير واضح من قيادة كوردستان والحكومة الاتحادية التي اغفلت اختيار قضاة للمحكمة الاتحادية على قدر من الكفاءة والخبرة العلمية وتبتعد عن المحاصصة الحزبية ولحد الان لم يصدر قانون المحكمة الاتحادية من مجلس النواب وهذا خطأ كبير .
اخيرا اسأل : عدم تخصيص اموال في موازنة عام 2018 من قبل الحكومة العراقية لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي والتي تعتبر مفتاح لحل قضية كركوك , اليس هو تكريس لمقولة (طارق عزيزالذي قال في احدى جلسات المفاوضات بين نظام صدام ووفد من الاتحاد الوطني الكوردستاني في سنة 1983 1984 : كلما نمر بالاندلس نبكي على اطلالها , ويحق لكم البكاء ايضا كلما مررتم بمدينة كركوك) , وهي خطة للتنصل عن تطبيق المادة 140 والانقلاب عليها من جديد ؟
- في الحقيقة كانت هناك أخطاء كثيرة ارتكبت من الحكومة الاتحادية ومن كوردستان أيضا حول هذه المادة , و هناك مشكلات عديدة يحتاج الى جسور الثقة أولا بين كل الأطراف ومن ثم تعديل الدستور وإصلاح القوانين بحيث تنسجم مع الدستور بعد تعديله وتساير التطورات في الحياة .
انا كنت عضواً في لجنة كتابة الدستور، وأقول بكل صراحة ان المادة 140 هي مفتاح لحل قضية كركوك، لانها رسمت خريطة الطريق لنزع فتيل كل الازمات، كما ان كركوك تعرضت خلال حكم صدام لعملية الصهر القومي والتعريب والتفكيك والتهجير ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة، وعلى كل منصف صاحب ضمير ان يعلن رفضه لكل هذه الاجراءات غير القانونية وغير الدستورية التي ارتكبها النظام السابق ضد كركوك، حين فصلت حتى الاقضية ذات الاغلبية الكوردية عن كركوك وابقي قضاء واحد ذو اغلبية عربية وهو الحويجة، وان كركوك قضية عراقية لاتحل الا وفقاً للدستور، باحترام نصوص الدستور، وتحل هذه القضية بعقل عراقي، بنوايا حسنة على الارض العراقية، ولا يجوز لاي طرف اقليمي او دولي ان يتدخل في الشأن العراقي، فليتركوا كركوك لأهلها وهم العراقيون يحلون هذه المشكلة بحسن نية وموضوعية طبقاً لخريطة الطريق الموجودة في الدستور، والتي حددتها المادة 140 ( التطبيع والاحصاء والاستفتاء )..
في نهاية اللقاء اشكركم جزيل الشكر, واترك لكم الكلمة الاخيرة :
أتمنى لجميع الأطراف في الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم ترسيخ أسس الشراكة وفقا للدستور واللجوء للحوار لحل المشكلات ونأمل من العقلاء وأصحاب الحكمة حل المشاكل بدون وسائل العنف وترسيخ أسس السلام والمحبة واحترام الدستور والقانون مع تمنياتي بالتوفيق للجميع .
الدكتور منذر الفضل في سطور : دكتوراه في القانون المدني ومدرس في كلية القانون بجامعة بغداد 1979
, أستاذ مشارك في القانون المدني – كلية القانون بجامعة بغداد 5-11- 1987 , محاضر على طلبة الماجستير والدكتوراه جامعة بغداد - كلية القانون 1987- 1991 , محاضر في المعهد القضائي – بغداد 1989-1991
استاذ مشارك في كلية الحقوق بجامعه مؤته – الاردن 1991-1992 , مساعد عميد كلية الحقوق – جامعة عمان الاهلية – الاردن 1992 -1993 , رئيس قسمي القانون العام والخاص -جامعة الزيتونة الأردنية 1993-1997 , محاضر في كلية القانون والفقه المقارن – لندن 2001 , محاضر في معهد سيلي التابع لنقابة المحامين الامريكية – براغ 2004 , مستشار قانوني في سلطة التحالف – بغداد - عام 2003
مستشار لرئيس مجلس الوزراء في أقليم كوردستان 2004 , محاضر على طلبة الدكتوراه في القانون - جامعة صلاح الدين – كوردستان 2005 , عضو الجمعية الوطنية العراقية 2005
عضو لجنة كتابة الدستور العراقي الدائم 2005 , مستشار قانوني وباحث أكاديمي – السويد , استاذ مشارك في كلية القانون بجامعة عمان العربية للدراسات العليا –الاردن - 2010 -2011 .
ألف الدكتور الفضل عشرات الكتب والبحوث القانونية والعلمية، منها : الوسيط في شرح القانون المدني , مصادر الالتزامات وأحكامها دراسة مقارنة بين القوانين الوضعية والفقة الإسلامي , النظرية العامة للإلتزامات - أحكام الالتزام , المدخل الى علم القانون , المسؤولية الطبية في الجراحة التجميلية , الوسيط في الشرح القانون المدني ( مصادر الالتزامات واحكامها ) , تاريخ القانون لتصرف القانوني في الاعضاء البشرية , المسؤولية الطبية دراسة مقارنة , شرح القانون المدني الاردني , إضافة إلى كتب ودراسات ومقالات وبحوث كثيرة اخرى .[1]