=KTML_Bold=دراسة تاريخية برمجة الاضطهاد ضد الأكراد في سورية الجزء الاول=KTML_End=
كورداونلاين
د. خالد عيسى تجربة الاتحاد العسكري البعثي في كردستان
يلاحظ أغلب الباحثين في دور الأكراد السياسي في الدولة السورية, بأن التخطيط المنهجي لإقصاء الكوادر الكردية عن مراكز القرار السياسي, ومنع تشكل أية قوة سياسي أو ثقافية أو اقتصادية كردية, ومحاولة مسخ الوجود الكردي في الدولة السورية, قد بدأ منذ أواسط الخمسينات من القرن العشرين. ولكن على الصعيد الرسمي, بدأت برمجة الاضطهاد مع صدور مرسوم الإحصاء في 23 آب 1962 الذي وقع عليه كلاً من رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس الوزراء بشير العظمة, والذي بموجبه أقدمت السلطات السورية علناً, ولأول مرة, باضطهاد الأكراد بشكل مبرمج رسمي. لذا, سنعود في القسم الأول من بحثنا إلى عهد اتحاد سورية ومصر في الجمهورية العربية المتحدة, لنمهد لدراسة بداية برمجة اضطهاد الأكراد في سورية
نتيجة لمحاولة تطبيق ما سمي بقوانين الإصلاح الزراعي, ومصادرة بعض الملكيات الصناعية بحجة التأميم, ونتيجة للإجراءات القمعية التي تعرضت لها أكثر من شريحة اجتماعية في سورية ومنع الحريات العامة, وسياسة تفضيل المصريين على السوريين في الوظائف, ونقل بعض الكوادر السورية الهامة إلى مصر لتجميدها, كل هذا ساهم في خلق جو عام ضد الوحدة المصرية السورية.
بالنسبة للأكراد, فتحت تأثير الأفكار العروبية التي سادت بين الأوساط النخبوية العربية, جرت حملة كبيرة لفصل وتجميد الكوادر الكردية في الإدارة والجيش.ومنعت السلطات الناصرية أية تظاهرة ثقافية أو سياسية كردية.
وبعد أن فشلت المباحث في استخدام (( البارتي )) كأداة لها, أقدمت في آب 1960 , على اعتقال أغلب العناصر القيادية في هذا الحزب الكردي الناشئ ومحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة العسكري, وتم زجهم في سجن المزة العسكري قبل أن يتم تحويلهم إلى سجن القلعة. و تبين للسلطات العربية بأن (( البارتي )) يجسد فعلاً طموحات الأكراد, ويستطيع الارتقاء السياسي بالجماهير الكردية و تحريكها, وهو مؤهل للعب دور هام في تهيئة الشروط المناسبة لتسهيل مشاركة الكوادر الكردية في تقرير المصير السياسي في سورية.
وكان لا يزال يوجد بعض الكوادر الكردية العالية في أجهزة الدولة, ومنهم رئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين, وأخويه زكي و عبد الباقي, و العقيد وجيه البرازي الذي استقبل المعتقلين الأكراد في سجن القلعة الذي كان يديره. وكغيره من الكوادر القيادية الكردية, تم إحالة وجيه البرازي إلى التقاعد وهو في الأربعينيات من عمره.
لكن لم تكن هذه الكوادر الكردية قادرة على أخذ المبادرة في القرارات الحاسمة, وذلك لعدم إمكانية تشكيل كتلة موحدة قادرة على الدخول في المساومات والصراعات على السلطة, وبالتالي كان كل كادر كردي يتصرف بنفسه, ويدخل أحياناً التكتلات التي يعتبرها في مصلحته الشخصية ومصلحة المنصب الذي يشغله.
وكنموذج للنجاح و التفوق المسلكي للكوادر الكردية على الصعيد الفردي, يمكن أن نذكر اللواء توفيق نظام الدين وأخويه, وكنموذج لضعف الكوادر الكردية في مراكز القرار, يمكننا أن نذكر مرة أخرى اللواء توفيق نظام الدين وأخويه. فرغم وصول توفيق إلى رئاسة الأركان وزكي أصبح نائباً ووزيراً وعبد الباقي نائبا ووزيراًً, وكل ذلك بجهودهم الفردية والعائلية, لكن لم يكن أحداً منهم يمارس صلاحيات منصبه بحرية تامة, وذلك لعدم وجود كتلة مستقرة يستندون إليها في تحالفاتهم وصراعاتهم المسلكية والسلطوية. وللحفاظ على مراكزهم كانوا مضطرين للدخول كأفراد ضمن إحدى الكتل,ويعرضوا فيها مقابل المنصب الولاء والمناصرة.
فعندما خلف توفيق نظام الدين رئاسة الأركان العامة, توجب عليه مراعاة التكتلات العسكرية الموجودة داخل الجيش, ولاسيما لم يكن يوجد أي ارتباط منظم بين الضباط الأكراد المنتشرين في مختلف القطعات العسكرية, ولم يكن باستطاعة اللواء الكردي و هو رئيس للأركان العامة أن يحرك أية وحدة عسكرية بدون أمر قادتها الميدانيين.
ولذلك, عندما أصدر قراراً بتعيين عبد الحميد السراج ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية في باريس, فلم يرضي أولئك الضباط الموالين لعبد الحميد السّراج, وطالبوا اللواء توفيق نظام الدين بإلغاء قراره. بل تحرك طعمة العودة الله فوج الدبابات, وحاصر مبنى الأركان العامة, وهدد بدكه على رأس توفيق نظام الدين وضباط أركانه إن لم يتراجع من قراره. فأصدر رئيس الأركان قراراً آخر ثبّت عبد الحميد السّراج في رئاسة المكتب الثاني(المخابرات).
وعندما كان عبد الباقي نظام الدين وزيراً للأشغال العامة والمواصلات في حكومة صبري العسلي, لم يكن باستطاعته منح رخصة التنقيب عن النفط في كراتشوك للمغترب السوري نجيب منهل, بدون أمر من رئيس المكتب الثاني عبد الحميد السرّاج. لكنه استطاع استغلال منصبه بقصد الاستلاء على قسم من أملاك أخيه زكي نظام الدين, الذي كان نائباً في البرلمان.
وزكي نظام الدين كان عضواً ناشطاً في الحزب القومي الاجتماعي السوري, وظهر اسمه في الساحة السياسية منذ نهاية الأربعينات, وكان مقرباً من أديب الشيشكلي الذي كان ينتسب إلى نفس الحزب في البداية. أودعه عبد الحميد السرّاج في سجن المزة بتهمة التآمر لصالح نوري السعيد, وأخلي سبيله بعد أن أسبوع من التعذيب, وبفضل تدخل أخيه توفيق الذي هدد باستقالته من رئاسة الأركان. بعد الإفراج عنه, توسل عبثاً زكي نظام الدين لدى مقربي عبد الحميد السرّاج لحمله على التدخل لردع شقيقه الوزير عبد الباقي نظام الدين الذي كان قد استولى على بعض من أراضيه الزراعية.
وهذا نموذج مبسط لواقع وموقع النخبة البيروقراطية الكردية في سورية, في نهاية عهد تواجد الكوادر الكردية( الغير مستعربة) في المراكز العليا في الدولة السورية.
والتنافس بين مراكز القوى السورية من جهة والمصرية من جهة أخرى , أدى إلى زعزعة الروابط الوحدوية بين أوساط النخبة العربية. والتنافس بين مراكز القوى بين العسكريين السوريين أدى إلى إعادة توزيع الأوراق, و خلق تكتلات عسكرية مبنية بالدرجة الأولى على أساس الانتماء المحلي (شلة ابن البلد- المحافظة).
وبسبب إضعاف الأكراد وإبعادهم تدريجياً من مراكز القرار, وبسبب توزع الأكراد إقليمياً في عدة محافظات,
لم تولد تكتلات كردية داخل الجيش و الإدارة, وأصبح ما تبقى منهم مجبرين على الانقياد السهل خلف التكتلات العربية وأداة تنفيذية طيعة بيديها.
وازداد التطوع في قطاع الجيش في المناطق الفقيرة بثرواتها, والتي لم تكن تلقى الاهتمام المناسب من قبل الدولة, مثل المناطق العلوية والدرزية, في حين بدأت الأبواب تقفل تدريجياً في وجه الأكراد الراغبين أو المضطرين إلى التطوع في الجيش.
وكان من أهم التكتلات العسكرية في نهاية عهد الوحدة:
تكتل حيدر الكزبري
كان حيدر الكزبري يسيطر على وحدات البادية المحمولة وبعض العسكريين المبعثرين في مختلف الوحدات السورية. وكان الكزبري على صلة بالمخابرات الأردنية التي لم تكن تبطن الود للسلطات الناصرية. كان عبد الكريم النحلاوي, كاتم أسرار الجيش, على علم بذلك ويشجعه لأنه كان مسيطراً عليه, ويريد أن يستخدمه عند الضرورة،
وعبد الحميد السراج كان على علم بنشاطات الكزبري وعلاقاته مع النحلاوي, لكنه كان يظن أن بإمكانه الاستفادة منه أو احتواءه عند الضرورة.
تكتل أكرم الديري :
بعد تعينه في الوزارة, بقي على صلة مع الجيش, وخاصة مع مجموعة من الضباط الشوام مثل محمد منصور وعدنان شيخ فضلي ومأمون قضماني, وكان الديري مرتاحاً للموقف الإيجابي لعبد الكريم النحلاوي من الضباط الشوام , كما كان لا يخشى من قائد الجيش جمال فيصل, لأن هذا الأخير كان بطبيعته يتجنب المشاكل.
وكان أكرم الديري ذي علاقة جيدة بحيدر الكزبري. كما كان الديري قد أطلع عبد الحميد السراج على تكتله العسكري, لأن الاثنان كانا ضد نظام الحكومة الواحدة و الوزارات المركزية( الموحدة).
تكتل المقدم عبد الله الشيخ عطية
كان أحمد جنيدي مثل عبد الله الشيخ عطية من دير الزور, وكان أحمد جنيدي صديقاً لعبد الكريم نحلاوي, وبذلك لعب دور الوسيط بين الشيخ عطية والنحلاوي. لكن النحلاوي لم يطمئن للشيخ عطية فشتت مجموعتة بعد أن نقله من سورية الى الكويت كملحق عسكري. وكان عبد الحميد سراج على علم بهذا التكتل عن طريق أكرم الديري.
تكتل عبد الكريم النحلاوي
إن منصب كاتم أسرار الجيش كان يسمح لعبد الكريم النحلاوي بالإطلاع على كل التحركات بين صفوف الضباط, ثم أنه استطاع أن يقوم بإجراء التنقلات والتعيينات التي تناسبه في صفوف الجيش.
وتكتل النحلاوي كان التكتل الأقوى بين كل التكتلات الأخرى. وكان يضم أكثر التشكيلات العسكرية قوة, وكانت تشمل الوحدات المتمركزة في المنطقة المحيطة بدمشق.و كان يعتمد بالدرجة الأولى على (الضباط الشوام), ومن أبرزهم: فايز الرفاعي, مهيب هندي وهو صهر عبد الكريم النحلاوي, سعيد عاقل, فخري عمر, هشام عبد ربه, شرف الدين زعبلاوي, برهان الدين بولص, تيسير طباع, عبد الغني دهمان, موفق عضاضة.
وكان عبد الحميد السراج يقدم الحد الأدنى من المعلومات عن هذه التكتلات العسكرية إلى عبد الناصر, ولا يريد أن تضعف, على أمل استخدامها هو ضد خصومه في صراعاته على السلطة.
واشدت الأزمة بين النخبة السورية من طرف والقيادة المصرية من طرف آخر,وخاصة بعد تشكيل الوزارات الموحدة في آب 1961 , لأن أغلب الشخصيات السورية كانت تشعر بالغبن وتشكو من التهميش.
يروي بشير العظمة, في كتابه جيل الهزيمة, بأنه عندما شغل منصب وزير الصحة المركزي , كان لا يعرف كيف يملئ أوقاته في القاهرة, فكان كبعض زملائه يلهي نفسه بالكلمات المتقاطعة وبعض الهوايات الأخرى.
وبمباركة من الأردن والعراق وتركية والسعودية, في28 أيلول 1961 قام الضباط الشوام بقيادة عبد الكريم النحلاوي بالانقلاب على عبد الناصر ونائبه مشير عبد الحكيم عامر الذي كان مقيماً في دمشق , وكان على خلاف شديد مع الضباط السوريين بما فيهم عبد الحميد السرّاج.
ومن المفارقات في التاريخ, هو أن عبد الحميد السرّاج الذي قاد أول حملة اعتقالات جماعية لقادة الحزب الديموقراطي الكردستاني وأنصاره, كان متزوجاً من ملك بنت علي آغا زلفو المعروف بإخلاصه لقومه, والأغرب هو أن عبد الحميد السرّاج, يوم اعتقاله بعد الانفصال, كان متخفياً في دار روشن خانم بدرخان , زوجة المثقف والسياسي الكردي الأمير جلادت بدرخان . وذلك لأن روشن خانم قبل أن تتزوج من جلادت كانت قد تزوجت من عمر مالك, وكان قد طلقها قبل أن تلد منه ابنتها أسيمة. وتربت أسيمة مع أمها بعد زواجها من جلادت, وكانت فتاة مشبّعة بالروح القومية والأفكار اليسارية. تزوجت أسيمة من زهير زلفو ابن علي آغا زلفو, وشقيق ملك من أبيها. بعد وفاة جلادت بدرخان, كانت روشن خانم تسكن الطابق الأرضي من بيت شامي, في حيّ قريب من تمثال عدنان المالكي, وكانت ابنتها أسيمة تسكن مع زوجها زهير زلفو في الطابق العلوي. ووقع اختيار عبد الحميد السرّاج على دار أم اسيمة, روشن خانم, كي يتخفى فيها. ولكن بعد المراقبة والترصد, داهم العسكر دار روشن خانم في ليلة التاسع من تشرين الأول 1961 , فاستسلم السرّاج للنقيب هشام عبد ربه, الذي كان في السابق مساعداً للسرّاج قبل أن يترك الشعبة الثانية ويلتحق بحرس الحدود ويصبح مساعداً لحيدر الكزبري في قوات البادية.
وشكّل الإنقلابيون وزارة برئاسة مأمون الكزبري ضمت ممثلين عن البرجوازية الصناعية والتجارية وبعض محترفي السياسة.
أيد الشيوعيون في البداية الانقلاب الانفصالي, و بالمقابل أفرجت السلطات الجديدة عن بعض المعتقلين السياسيين. و أقر أغلب قادة البعث, بدورهم هذا الانقلاب, في حين بقي بعض العروبيين موالياً لعبد الناصر و للوحدة, و شكلوا بذلك فيما بعد قاعدة خصبة لتأسيس تنظيمات ناصرية و قومية عربية.
إن انفصال سورية عن مصر, هو بداية لطور جديد من العلاقات بين النخب السورية. ويتسم هذا الطور بسمات المجتمع السوري بكل مكوناته التاريخية, القومية منها والطائفية منها والعشائرية. وهذا الطور هو انعكاس للوضع الاجتماعي والموقع السياسي لمختلف الفئات السكانية في سورية. وتبلورت النخب العسكرية والسياسية العربية حول انتماءاتها المذهبية والإقليمية والعشائرية أكثر من أي وقت مضى.
فبعد ترحيل المشير عبد الحكيم عامر عن دمشق, أحسّ الانفصاليون بقيادة النحلاوي, بأنهم تمكنوا من السيطرة على الأمور في دمشق, و بدؤوا اتصالاتهم الفورية مع الضباط المتنفذين في القطعات العسكرية البعيدة عن العاصمة. واستطاعوا السيطرة على الوضع العسكري عن طريق تفعيل العلاقات التكتلية التي سبقت الانقلاب. وهكذا استطاع جورج محصل الاستيلاء على قيادة المنطقة الشمالية(في حلب), واعتقال قائدها العميد حكمت داية الذي رفض الانفصال.
واتصل الانفصاليون مع القوى والشخصيات السياسية لتشكيل حكومة تدير البلاد. فوافقت أغلب رموز وقادة القوى السياسية العربية السورية على الانفصال عن مصر, بما فيهم البعثيون والإخوان المسلمون, وشكري القوتلي وفارس الخوري وسلطان الأطرش, ووو … وكل لغاية نيل حصة في الحكم الجديد. بالفعل تم تشكيل هذه الحكومة برئاسة مأمون الكزبري في الساعة الحادية عشر من مساء يوم 28 من سبتمبر (أيلول) 1961. وهذه الحكومة لم تكن إلاّ الواجهة المدنية والسياسية للضباط الشوام وحلفائهم المقربين.
و تشكلت الوزارة على النحو التالي:
- مأمون الكزبري- للرئاسة و الخارجية و الدفاع- محام من دمشق.
- أمين أحمد ناظيف- للزراعة و الإصلاح الزراعي- مزارع من دمشق.
- أحمد محمد سلطان- للأوقاف و العدل- محام من حماه.
- فؤاد العادل- للشؤون الاجتماعية- مدير إدارة في وزارة الشؤون الاجتماعية.
- فرحان الجندلي- للصحة- طبيب من حمص و عمل وزيرا في عهد الشيشكلي.
- ليون زمرية- للمالية و للتموين- محام من حلب.
- عدنان القوتلي- للداخلية- محام من دمشق.
- عوض بركات- للاقتصاد و الصناعة- نائب حاكم المصرف المركزي.
- عزت النص- للتربية و الإرشاد القومي- مدرس جامعي و صديق للشيشكلي.
- نعمان أزهري- للتخطيط و الشؤون البلدية.
- عبد الرحمن حورية- للأشغال و المواصلات.
و ما أن تشكلت هذه الحكومة حتى بادرت الأردن و السعودية و العراق و تركية بالاعتراف بها, و كان ذلك لقطع الطريق أمام عبد الناصر لمعالجة الوضع في سورية.
و خلال الفترة الأولى من ما يسمى بالانفصال يلاحظ وصول الضباط السنيون الدمشقيون العرب بقيادة المُقدَّم عبد الكريم النحلاوي إلى أوج قوتهم.
لقد انعكس مركز الضباط الدمشقيين البارز في تركيبة قيادة الجيش السوري التي تكونت بعد انقلاب 28 سبتمبر (أيلول) 1961 مباشرة. فمن بين أعضائها العشرة كان هناك خمسة أعضاء سنيين دمشقيين, و من بين الخمسة الآخرين كان هناك أربعة سنيين (أحدهم شركسي) و الخامس درزي. (عبد الكريم زهر الدين- مذكراتي, ص 66). فالغلبة العددية هامة ومتانة العلاقات التكتلية (التنظيمية) بين العناصر المكوّنة للمجموعة تعطيها أهمية أكبر.
يلاحظ أغلب الباحثين في الشؤون السورية بأن ذلك لم يكن من قبيل المصادفة, إذ أن خلال فترة الوحدة, كانت قد أسندت قيادة القطعات العسكرية السورية الهامة أساسا للضباط الدمشقيين السنيين الذين استطاعوا أن يحسموا الأمر لصالح تكتل النحلاوي الذي جمعهم في انقلاب 28 أيلول 1961.
و يكتب عبد الكريم زهر الدين في مذكراته أنه في زمن الوحدة بين مصر و سوريا اعترضت القيادة العسكرية التي كانت تحت سيطرة المصريين على تعيين ضباط سوريين مسلمين غير سنيين في منصب قائد الجيش الأول (أي السوري) للجمهورية العربية المتحدة. لذلك, فعندما تم اقتراح تعيين المًقدَّم الناصري جادو عز الدين في هذا المنصب رُفض الاقتراح أساساَ لكونه درزياَ ( عبد الكريم زهر الدين, مذكراتي, ص43). وكان قد لعب الضباط الدمشقيون أيضاَ دوراَ سياسيا هاما في السنوات التي سبقت الوحدة بين مصر و سوريا.(خالد العظم, مذكرات خالد العظم, المجلد الثاني - بيروت 1973- ص 501-503).
بالتالي, فالانقلاب الذي حدث, والنظام الذي أشيد على أساسه, كان عملية دمشقية لجهة انتماء القادة المحلي, وسنية لجهة انتماء القادة المذهبي, وعربية لخلو الطاقم القيادي من أي ضابط ينتمي إلى القوميات الأخرى المتواجدة ضمن حدود الدولة السورية.
إن المعارضة القوية داخل صفوف الضباط السوريين لمجموعة النحلاوي الدمشقية دفعت قادة انقلاب 28 سبتمبر (أيلول) 1961 على تعيين شخص غير دمشقي قائداَ أعلى للقوات المسلحة. فقد وجدوا أن اللواء عبد الكريم زهر الدين الدرزي, و كان ترتيبه الرابع في ذلك الحين, على استعداد لتقلد هذا المنصب العسكري الهام, و تم استبعاد الثلاثة الآخرين لأن اثنين منهم كانا مسيحيين و الثالث علوياَ . ( عبد الكريم زهر الدين, مذكراتي, ص 60-61). واللواء عبد الكريم لم يكن يشكل أي خطر أو تهديد مباشر لمراكز القرار السياسي, وذلك لعدم تمتعه بسند أيّ تكتل عسكري فعّال و متماسك.
ثالثاً: التطورات السياسية في بداية الانفصال
منذ أن تمكن عسكر الشوام من أخذ مراكز القرار في سورية, باشروا بجملة من الإجراءات التي فرضتها انتماءاتهم المحلية و الاجتماعية والمذهبية. سنتطرق وباختصار إلى أهم الظواهر السياسية التي ولدت أو شهدت تطوراً ملحوظاً في ظل النظام الجديد. فمن أهم ما يلاحظه المؤرخون السياسيون هو:
1- إعادة صياغة معادلات القوة بين الريف و المدينة, و عودة نخبة المركز (العاصمة) إلى الواجهة العسكرية و السياسية و الاقتصادية.
فأغلبية المراكز القيادية الفعلية أصبحت في عهدة أبناء دمشق و حلفائهم المباشرين من السنة.
2- إعادة صياغة علاقات الإنتاج و الملكية الزراعية و الصناعية إلى ما قبل الوحدة, و ذلك بإلغاء بعض قوانين التأميم و رفع سقف الملكية الزراعية. و كان ذلك انعكاساَ للانتماء الطبقي للنخبة التي قادت و شاركت بداية عهد الانفصال.
3- محاولة حصر السلطة في يد الكوادر المسلمة من السنة. إذ يلاحظ في المراكز القيادية إقصاء واضح للنخبة غير العربية و النخبة العربية من بقية المذاهب و الأديان.
4- إقصاء تام للكوادر القيادية الكردية وتجريد الارستقراطية الكردية (مثل برازية حماه) من جميع امتيازاتها المتبقية, و ذلك بضرب مرتكزاتها الاقتصادية, و طرد ما تبقى من رموزها في الإدارة.
5- بداية ظهور جيل من الكوادر العسكرية و السياسية من أبناء الأقليات الدينية العربية مثل العلويين والدروز والسمعوليين. و ذلك لازدياد عدد خريجي الكيلة العسكرية في حمص من الطلاب الوافدين من الأرياف الفقيرة. إذ شجعت حالة الحرمان من جهة, و انتشار التعليم من جهة ثانية كثيراّ من أبناء الأرياف العربية السورية للتطوع في سلك الجيش. و لاسيما لا يتطلب التطوع في الكلية العسكرية سوى الحصول على الشهادة الثانوية. أما أبناء المدن من التجار و الصناعيين و أبناء الملاكين العقاريين الكبار, فلم تكن لديهم الحاجة و لا الرغبة بنفس القدر في التطوع في سلك الجيش.
أما الأكراد, فباستثناء الرعيل الأول من الضباط و الساسة الذين نشأوا فيما بين الحربين و استمروا في مراكز قيادية حتى نهاية الخمسينات, فباستثناء الرعيل الأول, لم يكن لدى الأكراد الاندفاع نحو سلك الجيش لعدة عوامل, منها البعد الكردستاني الذي كان يحد من طموحاتهم في السيطرة على مقاليد الأمور في سورية, فالكردي كان يريد أن تتحسن الإدارة و المرافق العامة في المناطق الكردية, و بالدرجة الأولى أن يتمتع الكرد بحقوقهم الثقافية. و ازداد تحفظ الجيل الكردي الجديد تجاه سلك العسكر, بسبب عدم فعالية الجيل الكردي القديم من النخبة في تحقيق أي مكسب جماعي للأكراد. و بذلك لم يستطع الكرد أن يعيدوا إنتاج نخبة عسكرية و سياسية ذات طموحات سياسية على مستوى عموم سورية. و من عوامل ابتعاد الكرد عن سلك الجيش هو السمعة غير الحسنة للجيش السوري عند الأكراد. فالجيش عندهم هو ملجأ للفاشلين دراسياً, ومؤسسة تأوي المرتزقة بالدرجة الأولى. وأصبح الجيش رمزاً للقمع, وأداة للانقلابات. كما أن إبعاد الضباط الأكراد بشكل جماعي بعد انقلاب الشيشكلي, وخاصة في عهد الوحدة مع مصر,كان له أثر كبير في عدم اندفاع الأكراد لتقديم طلبات التطوع في الجيش.
6- بدأ الشرخ واضحاَ بين فئة النخبة العربية العسكرية صاحبة القرار السياسي وواجهاتها المدنية التي كانت تلعب دور المسوّق السياسي لحكم العسكر الشامي ذو الانتماء السني العربي.
7- دخلت الفئات القيادية العربية و خاصة العسكرية منها في صراع تناحري واضح على أرضية الانتماء الإقليمي و الطائفي, و حتى العشائري, و ذلك بسبب محاولة الضباط الشوام السنة العرب الاستفراد بالحكم دون غيرهم من أبناء الطوائف و الأقوام الأخرى.
و هذا لا يعني عدم وجود صراع سابق من هذا النوع, و لكن مستوى الصراع و حدّة توتره أخذا منحا واضحاَ, ترسخت بهما بلورة التكتلات العسكرية و السياسية على الأرضية الإقليمية, و تمحورت حركة هذه التكتلاتبشكل أساسي حول المعايير الطائفية و العشائرية.
و هذا لا يعني أيضا بأن كل العناصر الفاعلة في هذه الصراعات كانت تخطط لإنشاء نظام طائفي أو عشائري, أو أنها مؤمنة بالطائفية و العشائرية و الإقليمية كثوابت لترسيخ مؤسسات الدولة على أساسها. و لكن بحكم الانتماءات المتمايزة, و بحكم التطور اللامتوازي و اللامتساوي لمختلف الفئات السكانية السورية, وجدت النخب السورية نفسها في مواقع مختلفة و متمايزة في القوة و الموقع. بل و يمكن القول بأن أكثر الكوادر السورية تنوراَ و بعداَ عن الروح الطائفية و العشائرية و الإقليمية, تحتاج إلى هذه الركائز الواقعية لتتمكن من الوجود و المساهمة الفعالة في مصير الدولة السورية. فهذه الانتماءات هي انتماءات مفروضة بالواقع, و تجاهلها لا ليلغيها, و من أجل تغيير الواقع لابد من الاعتماد على معطياته, هذه المعطيات التي تستند في وجودها إلى التاريخ البعيد و القريب, ولها من يدافع عنها عندما تخدم مصالحهم. و من أجل إعادة صياغة هذه المعطيات أو تغييرها, أو تغيير أدوارها, لابد من أخذها في الحسبان أولاً و أخيراً.
رابعاً:الديموقراطية العسكرية العروبية في الديار الكردية
بغية كسب الحد الأدنى من السند الشعبي, ولإعطاء الصبغة الشرعية لحكمهم, وعد العسكر بتنظيم انتخابات تشريعية حرة لانتخاب برلمان يمارس السلطة التشريعية في البلاد. وفي 15 تشرين الثاني 1961, نشروا مشروع دستور, و حددوا اليوم الأول من كانون الأول عام 1961 موعداَ لهذه الانتخابات التشريعية وللتصديق على مشروع الدستور. فرحبت بذلك أغلب الفئات الشعبية في عموم سورية, آملة أن ترى عهداَ جديداَ في الحكم والإدارة.
على الصعيد الكردي, كان أغلب أعضاء قيادة البارتي قد خرجت من السجن بعد أن انتهت من تنفيذ الأحكام التي كانت قد صدرت بحقها من قبل محكمة أمن الدولة, و ذلك قبيل الانقلاب العسكري الذي فصل سورية عن مصر. و كان هذا التوقيت بين إخلاء سبيل المعتقلين و الانقلاب قد حدث بمحض الصدفة, لكن كان البعض يعتقد بأن الإفراج عن معتقلي الأكراد قد تم بفضل الانقلابيين.
رحبت قيادة البارتي بمبادرة إجراء الانتخابات التشريعية في سورية, مقتنعة بأنها قادرة على إيصال ممثلين عن الشعب الكردي إلى الهيئة التشريعية التي من المفترض أن تسن القوانين, فضلاً عن أنها تقرر مصير البلاد.
بعد مداولات طويلة ضمن قيادة البارتي, و بعد مفاوضات صعبة, رشحت اللجنة المركزية للبارتي قائمة مؤلفة من قياديين حزبيين, هما الشيخ محمد عيسى ملا محمود و الدكتور نور الدين ظاظا, و شخصية عشائرية معروفة و هي فؤاد قدري جميل باشا.
حسب ما يذكر الأستاذ محمد ملا أحمد في كتابه (صفحات من تاريخ الحركة التحرر الوطني الكردية في سوريا, صفحة 104-108), كانت اللجنة المركزية للبارتي مؤلفة من الشيخ محمد عيسى و حميد حاج درويش و حمزة نويران, و سعد الله إيبو و عبد الفريد عبد الله, كانت قد اختارت مرشحين اثنين للانتخابات هما الشيخ محمد عيسى ملا محمود و حميد حاج درويش, و لكن تبين صغر سن حميد عن السن القانوني للمرشحين , فلم يقدم ترشيحه, فاختارت اللجنة المركزية حينها بدلا عنه الدكتور نور الدين ظاظا كمرشح ثان للبارتي. و تعرضت قيادة البارتي لضغوطات كثيرة من قبل بعض قادة العشائر الكردية لاستبدال مرشحها الشيخ محمد عيسى ببعض الزعمات الكردية. استطاعت قيادة البارتي الاحتفاظ بقائمتها الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار تلك الضغوطات.
رغم الإمكانيات المالية الضعيفة للبارتي, استطاع مرشحو هذا الحزب أن يعبئوا الجماهير الكردية لعدة أسباب أهمها انتعاش الفكر القومي الكردي منذ نهاية الأربعينات و سياسة الاضطهاد التي طبقها الحكام العرب في المناطق الكردية, و الشعبية الكبيرة التي تمتعت بها قيادة البارتي بعد تعرضها للاعتقال و الملاحقات.
لجأت السلطات الأمنية المحلية بتشكيل قائمة بعناصر موالية للحكومة لمنافسة مرشحي البارتي. و كانت قائمة مرشحي الحكومة تتمتع بكل الدعم اللازم للتأثير على نتائج الانتخابات بما يخدم مصلحة السلطة المركزية. و مع ذلك, كان مرشحو البارتي يتهيئون لدخول المعركة الانتخابية معتمدين على إمكانيات الأكراد الذين كانوا يثقون بهم و بقدرتهم على تمثيل مصالح الشعب الكردي.
جرت في كل مراكز المدن الكردية ندوات توجيهية انتخابية, أظهر الأكراد التفافهم حول مرشحيهم اللذين كانوا يباركون الحكم الجديد الذي أنقذ البلاد و العباد من حكم فرعون مصر و أجهزة مخابراته و ممثليه في مختلف البقاع السورية, والذي يقدم على انتخابات تشريعية.
,يقول الأستاذ محمد ملا أحمد بأن الدكتور نور الدين كان قد التقى بوزير الداخلية ورئيس الأركان, اللذين طمأناه على ديموقراطية الانتخابات وحرية التصويت, ولم يذكر الدكتور نور الدين ظاظا هذه التفصيلات في مذكراته, لكن على ما يبدوا كان يتوقع أن تكون الانتخابات حرة.
وقبيل الانتخابات لاحظت السلطات المحلية بتعاظم شعبية مرشحي البارتي, فتم فرض الإقامة الجبرية على حميد حاج درويش في قريته(القرمانية), وذلك للحد من تحركاته الدعائية.
و في مذكراته يقول الدكتور نور الدين ظاظا بأنه تم اعتقاله من قبل مدير منطقة قامشلو المعربة إلى (القامشلي). لحضوره حشداً جماهيريا في كل من بلدتي آمودي المعربة إلى ( عامودا ). ودربيسي و (الدرباسية). وذلك في يوم 29 تشرين الثاني 1961 بحجة أنه تجاوز المدة المسموح بها للدعاية الانتخابية.
و للتاريخ, يقول الدكتور نور الدين ظاظا, بأن مدير منطقة قامشلو (القامشلي) حاول إخلاء سبيله, لكن القيادة العسكرية في دمشق منعته من ذلك.
في اليوم التالي, (أي قبل الانتخابات بيوم واحد), الواقع في 30 تشرين الثاني 1961, تم اعتقال الشيخ محمد عيسى أيضا. كان القصد من اعتقال مرشحي البارتي هو منع إيصال أية شخصية قومية كردية مسيّسة الى البرلمان.
جرت الانتخابات في أجواء متوترة و حماسية لم تشهد لها المنطقة مثيلاً من قبل. إذ تحمس الفلاحون الأكراد للتصويت لمرشحيهم المعتقلين. و في كل المدن الكردية لجأت السلطات الأمنية إلى منع ممثلي البارتي من حضور مراكز الاقتراع.
رغم القمع الذي تعرض لها الكرد, حسب رأي أغلب المعايشين للحدث, لو تم إحصاء الأصوات بشكل دقيق لكان الفوز في جانب مرشحي البارتي المعتقلين. لكن شاءت إرادة العسكر الشامي أن لا يصل الصوت الكردي إلى البرلمان السوري. وأثناء المحاكمة أمام قاضي التحقيق في قامشلو ( القامشلي ), تبين بأن الأداء كان يستند أساساً على محضر منظم من قبل مدير ناحية عامودا الذي كان قد اختلق على لسان الدكتور نور الدين ظاظا أقوالاً تفيد تحريضه الأكراد على العرب. كان مرشحو الكرد في المحكمة على قدر كبير من الكفاءة و الشجاعة في الدفاع عن قضية شعبهم, فأخلي سبيلهم لكن بعد أن حرموا من حقهم في قيادة الانتخابات والإشراف عليها. وبالنتيجة اقتضت الديموقراطية العروبية فشل الأكراد في الانتخابات الجارية في ديارهم, لسبب بسيط هو أن السائد هو قانون القوة وليس قوة القانون.
انتهت الانتخابات, و فاز فيها بأغلبية المقاعد حزب الشعب (القوي في حلب ودير الزور, والموالي للعراق فيما مضى). وتم التصديق على مشروع الدستور الذي كان قد طرح للاستفتاء, وخرج الكرد من اللعبة خائبين.
كانت تجربة الانتخابات البرلمانية هذه درساً تاريخياً استفادت منه النخبة العروبية السورية أكثر من أي طرف أخر, إذ أدركت هذه النخبة بأن الشعب الكردي في سورية ملتحم بحركته السياسية المنظمة, وأن هذه الحركة قادرة
على تعبئة الجماهير الكردية و الدخول بنجاح في المعارك الانتخابية فيما إذا سمحت لها الظروف, و أصبحت النخبة العروبية تفكر جدياً في سبل إفشال أية محاولة كردية للوصوف إلى المراكز القيادية أو المحافل الرسمية في الدولة السورية, و منع النخبة الكردية في المشاركة في تقرير مصير البلاد. ولا سيما وأن ثورة أيلول الكردية في العراق كانت قد انطلقت, وكانت تدخل الرعشة في قلوب العنصريين من العروبيين.
ومنذ بداية تشرين الثاني 1961 كان القادة العسكريون قد طلبوا من رئيس الوزراء تقديم استقالته, وهذا ما فعله مأمون الكزبري قبيل الانتخابات التشريعية.
اتفق الضباط فيما بينهم على توزيع المناصب الرئيسة, فبناءً على ترشيحهم, أسندت إلى ناظم القدسي رئاسة الجمهورية, والى مأمون الكزبري رئاسة المجلس التشريعي ( التأسيسي). وأسندت رئاسة الوزراء إلى معروف الدواليبي الذي كان قد شغل منصب وزير الدفاع في الخمسينات . ويقال بأن العسكر لم يكونوا راضين بتعيين الدواليبي في هذا المنصب. وساءت العلاقات بين واجهة الحكم, النخبة المدنية من جهة و القيادة العسكرية من جهة ثانية.
فاستقال الدواليبي في 25 آذار 1962 . وبعد ثلاثة أيام اعتقل الضباط رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعدداً من النواب, وتحرك قائد المنطقة الشمالية, جاسم علوان وهو سني من دير الزور, وبدعم من القيادة المصرية, وأعلن أن سورية هي الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة, وجرت بعض الاشتباكات داخل الجيش السوري.
بيد أنه انهارت سريعاً جماعة النحلاوي المُكونة من ضباط دمشقيين. و يرجع ذلك جزئياً إلى أن النحلاوي لم يتلق الدعم العسكري من غير الدمشقيين. و قد حاول دون جدوى في 28 مارس (آذار) 1962 أن يقوى سلطته المتزعزعة على جهاز الجيش و الحكومة عن طريق انقلاب عسكري فاشل. و بعد هذه المحاولة الفاشلة لإعادة السيطرة, تم طرده من سوريا مع خمسة من أبرز حلفائه العسكريين الشوام. و قد أظهرت أحداث 28 مارس (آذار) 1962 كيف أن الضباط السوريين قد تمحوروا بشكل أساسي على الأرضية الإقليمية, أي كان يجري الفرز أساساً حسب الانتماء أو عدمه إلى العاصمة, بين الدمشقيين و غير الدمشقيين, وباللهجة الدارجة بين الشوام وغير الشوام.
في جلسة22 أب 1962 للحكومة السورية الائتلافية, حضر وزيران بعثييان, ووزيران من الإخوان المسلمين, ووزيران من الحزب الوطني, ووزيران من حزب الشعب, وأربعة وزراء من المتسيبين, وبحضور ناظم القدسي رئيس الجمهورية, وبشير العظمة رئيس الوزراء. وهذان الأخيران وقعا باسم الحكومة المرسوم رقم 93 الصادر في 23/8/1962 بغية تنظيم الإجراءات التي تهدف إلى تجريد قسم من أكراد الجزيرة من مواطنتهم, وحرمانهم بالمشاركة في مصير البلاد, وذلك عن طريق تنظيم إحصاء استثنائي لسكان محافظة الحسكة, تمّ بموجبه تجريد أكثر من 120 ألف كردي من مواطنتهم السورية, وتم وقف العمل بالسجلات القديمة واستحداث سجلات أخرى.
وفي الحقيقة كانت الحكومة السورية الائتلافية قد تشكلت بناءً على الاتفاق الذي تم في مؤتمر حمص بين النخب العربية السورية وممثلي مختلف القطعات العسكرية المتنفذة.
وكان هذا المؤتمر قد انعقد عندما وصلت التدابير العسكرية للنحلاوي ( الذي سمي بالانقلاب) والذي بدء في 28 مارس (آذار) 1962 إلى مأزق, وأصبح الوضع يهدد بالتدهور والمواجهة العنيفة بين مختلف وحدات الجيش. فبعد مناورات ومباحثات بين الكوادر القيادية في الجيش والسياسيين المحترفين, تقرر عقد مؤتمر عسكري بحمص في الأول من أبريل (نيسان) من أجل التفاهم على حلول توفيقية. و حضر المؤتمر ضباط متنفذين من جميع المناطق العسكرية و الوحدات الرئيسية (41 ضابطاً), مما جعله يعكس الهوية و المصالح المشتركة لسلك الضباط السوريين كما كانت في ذلك الحين. في حين كان رئيس الجمهورية وعدداً من النواب والوزراء قيد الاعتقال.
و مما هو جدير بالذكر أن من بين ال 41 ضابطاً كان يوجد36 ضابطاً سنياًً, ومن حيث الانتماء الإقليمي (المناطقي) نجد أن الضباط الشوام (13 ضابطاً و كلهم من المسلمين السنة) كانوا يشكلون أكبر تكتل, كما كان هناك أيضا أربعة ضباط مسيحيين (ثلاثة منهم من اللاذقية والآخر من حماة) و ضابط علوي واحد من الاسكندرون.
يؤكد اللواء عبد الكريم زهر الدين في مذكراته(ص 215, 216), بأن الانتماءات الطائفية والمناطقية أو الإقليمية (أو المحلية إن شئت) كانت بارزة وواضحة في المؤتمر العسكري بحمص. وكانت التكتلات تتكون أو تتفكك بالاعتماد على هذه الانتماءات قبل كل شئ آخر.
فمثلاً طالب العميد الشامي مطيع السمَّان الأمين العام لوزارة الدفاع و ممثل القيادة العسكرية بدمشق بطرد ستة ضباط من غير الشوام من سوريا, بغض النظر عن تورطهم أو عدم تورطهم في أحداث (انقلاب) 28 آذار 1962, و ذلك تعويضا عن طرد عبد الكريم النحلاوي و حلفائه الخمسة من الضباط الشوام.
وفي مؤتمر التفاهم في حمص, وللخروج من حالة التوتر و الفوضى اتفق العسكريون والمدنيون بأن يتم الإفراج عن رئيس الجمهورية و الوزراء والنواب المعتقلين, وتأليف وزارة مهادنة للناصرية.
لكن ضعف مركز الشوام عن ما قبل, وذلك لفقدانهم الرجحان في القيادة العسكرية المشكلة بعد الثاني من نيسان 1962. إذ كان هناك عضو شامي واحد من بين الثمانية أعضاء.
كان من ضمن مقررات حمص هو تكليف بشير العظمة برئاسة الوزارة. وعندما عرض الرئيس ناظم القدسي هذا المنصب على بشير العظمة في 14 نيسان 1962 كان من بين الحاضرين رشاد كيخيا(النائب الكردي المستعرب بفتح الراء), وأمين عام القصر الجمهوري رياض الميداني.
وفي 16 تيسان 1962, تم تشكيل حكومة مشكلة من 13 وزيراً برئاسة بشير العظمة, وساهم في الوزارة ممثلين اثنين لكل كتلة سياسية معروفة ( الحزب الوطني, الشعب, البعث, الإخوان المسلمون). وأعطيت للوزارة, ورئيس الجمهورية,الصلاحيات التشريعية والتنفيذية.
وتعرض قادة الحزب الديمقراطي الكردي من جديد للاعتقالات, و خلال نفس الفترة كانت قد اندلعت ثورة البرزاني في كردستان العراق, الأمر الذي زاد أكثر في قلق سلطات دمشق, فجهزت اثر ذلك الحكومة مخططاً يقضي بتعريب الجزيرة العليا, و سُمي هذا المخطط رسميا باسم الحزام العربي, من أجل فصل أكراد جنوب الحدود عن أكراد شمال الحدود, (أي الحدود التركية السوربة).
كانت بداية تنفيذ هذا المشروع,بشكله الرسمي, هو نشر المرسوم التشريعي رقم 93, الصادر في 23 آب 1962, وتم بموجبه إحصاء استثنائي في محافظة الحسكة في 5 شهر تشرين الأول, و بنتيجته تم تجريد أكثر من 120 ألف كردي من الهوية السورية, و أصبح هؤلاء الأكراد منذئذ و حتى الآن بدون انتماء رسمي و قانوني إلى أية دولة أو جنسية. و كان الهدف من هذا المخطط المعادي للأكراد حسب ما قالته الصحافة العربية, إرادة إنقاذ العروبة في الجزيرة, و يمكن القول بشكل آخر للقضاء على السكان الأكراد في هذه المنطقة الأكثر خصوبة في البلاد, و التي تعتبر المصدر الوحيد للبلاد في إنتاج البترول.
بشير العظمة, المكلف برئاسة الحكومة الائتلافية, ولد في عائلة شامية ريفية (1910), ابن صوفي من الطريقة النقشبندية. تعلم الطب في دمشق, واتبع دورات تدريبية في فرنسة. لا ينكر بأنه عانى القمع في المجتمع والمدرسة, وكان لم يتمتع بأية بهجة قبل ممارسة مهنة الطب. وحتى في الشارع كان هاجسه التهرب من ( .... ) اللذين كانوا يلاحقون الأطفال على أبواب المدارس. لم يتردد في نبش القبور لبيع الجثث أثناء دراسته, لم يكن موفقاً في علاقاته مع الجنس الآخر رغم محاولة التظاهر بعكس ذلك.
كان بشير العظمة مؤمناً بانتصار النازية في الحرب العالمية الثانية, لذلك دأب على دراسة اللغة الألمانية. وانتقل إلى تعلم اللغة الإنكليزية عندما خابت آماله بعد انتصار الإنكليز واحتلالهم لسورية. وبشير العظمة يكذب اللذين يرون بأن العصبية الدينية والطائفية ظاهرة دخيلة مدسوسة علينا.
إن من مفارقات التاريخ الكردي والسوري, هو أن بشير العظمة الذي وقّع باسم الحكومة الائتلافية الصك الرسمي لإقصاء شريحة كردية ووطنية واسعة من إطار المواطنة السورية, هو ذاته بشير العظمة الذي, بعد أن طلّق زوجته الفنانة الهنغارية, تزوج في الرابع من تموز 1940 من فتاة كردية هي ريمة بنت أحمد كرد علي المعروف في الأوساط الكردية والسورية.
قدم بشير العظمة استقالة وزارته إلى رئيس الجمهورية في 13 أيلول 1962 . وفي اليوم نفسه تشكلت وزارة برئاسة خالد العظم وتم تعيين بشير العظمة نائباً لرئيس الوزراء, وتم تعيين رشاد برمدا وزيراً للتربية.
و ضعت فكرة الحزام العربي, و نُفذ الإحصاء الاستثنائي في عهد الحكومة الائتلافية العروبية. فمن من السياسيين الذين ساهموا أو ساهمت تياراتهم السياسية الحكم في سورية لم يشارك في شقّ الصف الوطني, و في العمل أو الدعوة لإقصاء الكرد عن الحياة العامة وعن المساهمة في تقرير مصير البلاد.
تجربة الاتحاد العسكري البعثي في كردستان
خالد عيسى
لقد سطّر الرئيس السوري أمين الحافظ وقيادته البعثية صفحة سوداء في العلاقات العربية-الكردية, عندما أرسلوا قوات عسكرية للقضاء على ثورة الكرد في العراق عام 1963.
على درب تحقيق الوحدة العربية المنشودة, كان يبدو للعروبيين الغلاة من الضرورة بمكان القضاء على كل صوت معارض, وخاصة فيما إذا كان هذا الصوت من ما هو غير عربي في ما بين المحيط والخليج. وكل معارضة للاستبداد, أو مطالبة بحق, كانت تفسر على أنها عقبة أمام الزحف العربي المقدس. وضمن هذه الرؤية وبهذا الهدف قام قادة البعث في سورية والعراق باختبار إمكاناتهم العسكرية القومية ضد الأكراد في العراق عام 1963.
فنتيجة لانقلاب عسكري قاده مجموعة من الضباط ذي أغلبية بعثية, و بمساندة القيادة المصرية تم القضاء على حكم عبد الكريم قاسم في العراق. هذا الحكم الذي كان قد ساهم في بدايته بخلق نوع من الانفراج في العلاقات الكردية-العربية في العراق, إلا أن توازنات القوى داخل مراكز الحكم من جهة و توازنات القوى الإقليمية و الدولية من جهة ثانية, كانت قد أدت بالحكم العراقي إلى عدم إنصاف الأكراد و الرجوع إلى السياسات القمعية المعتادة. وانطلقت ثورة 11 أيلول عام 1961 بقيادة ملا مصطفى البرزاني.
عقب هذا الانقلاب, نُصب عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية, إلا أنه كانت للبعث اليد الأطول في حكم العراق بعد 8 شباط 1963. و بناءاً على رغبة الانقلابيين وافق الأكراد على هدنة, تهيئ للطرفين, العراقي و الكردي إجراء مباحثات لإنهاء المشكلة الكردية.
و ما أن نجح البعث في استلام الحكم في سورية في 8 آذار من العام نفسه, حتى أصبحت الحكومة العراقية تتشدد في شروطها و تعاملها مع الأكراد.
ففي حين كان الأكراد, بزعامة الملا مصطفى البرزاني, يطالبون بالحكم الذاتي الذي يمكن مقارنته بالأسس التي تنظم سير العلاقات السياسية و الدستورية على غرار البلدان التي تضم قوميات متعددة. مثل يوغوسلافيا و تشيكوسوفاكيا. اقترح البعث في 5 حزيران 1963, عن طريق وفدها المفاوض مع الأكراد مشروعاً مضاداً أسمته نظام الإدارة اللامركزية في العراق, وتم بموجبه تقسيم العراق إلى ستة محافظات, و تكون محافظة السليمانية محافظة تدار كبقية محافظات العراق عدا التدريس باللغة الكردية إلى جانب العربية حتى المرحلة المتوسطة.
و في 9/6/1963, أصدرت الحكومة بياناً طلبت فيه من البرزاني بإلقاء السلاح و الاستسلام, و حسب قول سفير مصر في بغداد, الذي قابل في 9/6/1963 طالب شبيب كان وزير الخارجية متفائلا في توقعاته, إذ كان يؤكد بأنهم سينهون القتال خلال شهرين و قبل حلول موسم الشتاء(1). و لقد ألقت الحكومة بكل ثقلها في المعركة, لكن القوات الكردية كانت قد أظهرت مقاومة شديدة .
و في أغسطس-آب عام 1963, كان واضحاً أن السلطة بالغت في تفاؤلها, إذ أصبح إنهاء القتال قبل نهاية الخريف أمراً بعيد الاحتمال ما لم يزج بقوات أخرى في المعركة. و كانت حكومة البعث في ورطة حقيقية, إذ أكدت في دعايتها على أنها أوشكت على إنهاء العصيان (2).
و لكي تستطيع الحكومة الخروج من المأزق في 1 سبتمبر-أيلول 1963, عقد مؤتمر بوزارة الدفاع برئاسة رئيس الوزراء أحمد حسن البكر و حضره كل من صالح مهدي عماش وزير الدفاع و طاهر يحيى رئيس أركان الجيش و معاوناه و صبحي عبد الحميد مدير التحركات العسكرية وقتئذ, لبحث إمكانية تدبير قوات إضافية لمواجهة الموقف بعد أن استنفذ الجيش العراقي كافة احتياطيه في المعركة (000), و هنا تقدم صالح عماش باقتراح طلب معونة عسكرية من سوريا ذاكراً أن السوريين أخبروه بأنهم على استعداد لتلبية ذلك, إذا طلب العراق منهم مثل هذه المساعدة ووافق أغلب الحاضرين (3).
و في 2 أيلول, أرسلت القيادة العراقية وفداً مؤلفا من وزير الدفاع صبحي عبد الحميد و حردان التكريتي قائد القوات الجوية لطلب هذه القوة.
و في دمشق تم إعلان الوحدة العسكرية بين سورية و العراق, تمهيدا للوحدة الدستورية, وذلك لتبرير دخول القوات السورية إلى العراق, و بالفعل دخلت القوات السورية إلى العراق, و بالفعل شاركت هذه القوات السورية في العمليات العسكرية في كردستان (العراق), و كانت بقيادة العقيد فهد الشاعر, عضو مجلس قيادة الثورة في سورية, و كانت تتكون القوة من لواء اتخذ من الموصل و زاخو مقرا له, و كتيبة مصفحة كانت قيادتها في معسكر الحبانية.
و سافر وفد عراقي برئاسة محمود شيت خطاب وزير الشؤون البلدية و عضوية حردان التكريتي و صبحي عبد الحميد, إلى القاهرة في 2 تشرين الأول 1963, و قابل الوفد الرئيس جمال عبد الناصر في نفس اليوم, و طلب منه تزويد العراق بقوات عسكرية لحسم الموقف قبل مجيئ الشتاء, لكن يقول السيد أمين الهويدي الذي كان حاضرا في اللقاء واعتذر الرئيس عبد الناصر عن إرسال أي قوات من القاهرة (4).
و في يوم 8 تشرين الثاني, تم إعلان الوحدة العسكرية بين دمشق و بغداد لتبرير التدخل العسكري السوري في العراق. و نصب الفريق الركن صالح مهدي عماش قائداً عاماً للقوات المسلحة, و اتخذ من دمشق مقراً للقيادة العامة. دون أن ينال هذا الإجراء موافقة جمال عبد الناصر, الذي اعتبر هذا الاتحاد خرقا و تراجعا عن اتفاق 17 نيسان 1963, الموقع في القاهرة بين سورية و العراق و مصر.
لم يستطع التدخل العسكري السوري تحقيق ما كان مخططاً له من قبل السلطات العراقية و السورية. ففي ساحة العمليات مُنيت القوات السورية بخسائر فادحة و تلقت ضربات قوية من الأنصار الأكراد (البشمركة), و خاصة لجهل هذه القوات بأساليب حرب العصابات, و عدم معرفتها لجغرافية ساحة المعارك.
و كان من أهم أثار هذا التدخل تصعيد روح المقاومة عند الأكراد الذين وجدوا أنفسهم وحيدين أمام عدو متضامن, فكانوا يسعون بكل جهودهم الاستمرار في الدفاع عن وجودهم المستهدف بالسلاح.
في 9 تموز 1963, قدم وزير الخارجية السوفيتي أندرية كروميكو مذكرة إلى كل من سفراء العراق و إيران و تركيا و سوريا, استنكاراً للقمع الدموي ضد الأكراد شمال العراق و ضد تدخل دول أخرى في شمال العراق (5).
كتب في 12 تشرين الثاني 1963, رئيس الشعبة السياسية في الجزيرة اليوم ليس كالأمس, فاليوم الجيش العربي في القطرين السوري و العراقي قد حقق وحدته, و هذه المسألة الأسطورية المغذاة من الإمبريالية و الشعوبية قد بدأت تضمحل (6).
لكن على ما يبدو, لم يكن هذا الكاتب مطلعاً على مجريات الأمور داخل حزب البعث في العراق, و ما جرى في مساء 11 تشرين الثاني, أثناء انتخابات القيادة القطرية, حيث كان الصراع قد تأزم بين تياري حازم جواد و علي صالح السعدي, الأمر الذي أدى إلى إبعاد هذا الأخير و شلته إلى مدريد, في نفس ليلة اليوم المذكور, و في اليوم الثاني لم تستطع القيادة القطرية الجديدة السيطرة على الموقف العسكري و الحزبي و الحكومي. كما باءت محاولة القيادة القومية من تدارك الأمر و إعادة السيطرة البعثية, رغم أن ميشيل عفلق و أمين الحافظ و صلاح جديد ونسيم مجدلاني و غيرهم من قادة البعث السوري كانوا قد وصلوا إلى بغداد منذ 13 تشرين الثاني.
اتفق عبد السلام عارف رئيس الجمهورية مع بعض العناصر الناصرية في الجيش, و بعد أن أقنع عارف كلاً من زعيم الجو الركن حردان التكريتي (بعثي) قائد القوى الجوية, و سعيد صليبي آمر الانضباط العسكري, قام عارف بإبعاد سلطة البعث الراجحة عن الحكم في 18 تشرين الثاني 1963.
و توجب عليه,فيما بعد, الأمر بعودة القوات السورية المتمركزة في كردستان, وبذلك انتهى (الزحف المقدس) للجيش السوري في كردستان العراق, بعد أن ساهم في تدمير القرى الكردية و ساهم في شحذ الشعور القومي عند الأكراد.
قمعت السلطات السورية, في نفس الفترة تمرداً ناصرياً في حلب في 8 أيار 1963, و فشلت (مؤامرة) ناصرية في بغداد في 25 أيار, و لاقت نفس المصير محاولة أخرى (ناصرية) في دمشق في 8 تموز, و كان عبد الناصر يعتبر بأن السلطات في سورية و العراق تتقصد إبعاد العناصر الناصرية من قيادة الجيش و الدولة, و كان يعتبر ذلك خرقاً لميثاق 17 نيسان 1963 الذي تضمن مشروعاً وحدوياً, فتعمقت الهوة بين البعث و عبد الناصر. و لذلك فكان صوت العرب من القاهرة يشن حملاته الإعلامية ضد البعث, مناديا و محرضا الشعب المسلم في سوريا و العراق للانتفاض ضد المُسمى ب ميشيل, الكافر و حزبه اللذان يريدان إقامة الالحاد و العلمانية في أرض مسلمة (7).
و في يوم 22 تموز 1963 ألقى عبد الناصر خطابا جاء مما جاء فيه:
يعز علي أن يكون العيد هنا و الحزن في دمشق, يعز علي الاحتفال هنا و في سورية يسود الظلام (000), الجمهورية العربية المتحدة ليست مستعدة للوحدة مع حكومة ساحات الإعدام الفاشية (000), كانت اتفاقية الوحدة مع الشعب السوري و لم تكن أبداً مع حزب البعث الفاشي(8).
و كان البعث يعتبر بدوره حكام القاهرة اللذين يعتقدون بحل سلمي بين العرب و الأكراد (9) أعداء للمصلحة القومية, و شعوبيين ذي مواقف سطحية و عملاء للامبرياليتين الشرقية و الغربية (10).
31.10.2004
المراجع والهوامش
1 -أمين هويدي –كنت سفيرا في العراق- 1963-1965. دار المستقبل العربي, القاهرة, ص 113.
2 -نفسه, ص 134.
3 -نفسه, ص 134-135.
4 -نفسه, ص 137.
5 -كريس كوتشيرا, الحركةالقومية الكردية, مطبعة فلاماريون, باريس 1979 , بالفرنسية, ص 241.
6 -محمد طب هلال, -محمد طلب هلال (الملازم أول) –دراسة عن محافظة الجزيرة- 1963, ص 22.
7 -كوتشيرا, المرجع المذكور, ص 239.
8 -أمين هويدي, المرجع المذكور, ص 128-129.
9 و 10- محمد طلب هلال, المرجع المذكور, الفقرة السابعة
[1]