كافان زارزان- گاڤانێ زەرزان (Gavanê Zerzan) و “زرباب” وشؤون أخرى ح 2
د. خليل جندي
جذورهم التاريخية وآثارهم الحالية..
كافان زارزان- گاڤانێ زەرزان (Gavanê Zerzan):
الحلقة الثانية
يعد إله (خودان-أرباب) الأبقار، (إله عصر تربية وتدجين الحيوانات) في الموروث الديني الايزيدي(1).
زرزا Zerze- Zerza:
هي قبيلة كردية قديمة ومعروفة ليومنا هذا، يرى (كولياموف) أنه من الممكن أن تكون لهذه القبيلة صلة القرابة مع قبيلة الداردانيين بناءً على تناوب حرف (z) مع (d) في اللغة الكردية، فتصبح (دارد- zerz)، وكان مكان سكنى تلك القبيلة، كما ذكرها المؤرخ اليوناني هيرودوت، في (ماتيين) على ضفاف نهر غيند Gînd (الاسم القديم لنهر ديالى الحالي) وكانت لهم مدينة (أوبيد Opîd) من الكلمة الكردية-الهندية apas-ap- بمعنى الماء. وفوق ذلك يقارن اللفظة الكردية (zerz) مع اللغة اللاتينية المقرون بوجود مماثله الهندو إيرانية مع اللفظة الإليرية القديمة لقبائل (dardî) القاطنة قديماً في البلقان.
ويضيف كولياموف بأنه من الممكن، ليس فقط السيكغين (قبيلة شَكاكا) بل والدارديين (Zerzî) قبائل من أصول ميدية-كردية في البلقان لتتطابق لفظة zerz مع اسم الشعب الهندو أوروبي (drdry) ضمن التحالف الحثي للملك موفاتاليس، الذين خاضوا حملة مشتركة على مصر في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. هذه الحقيقة تثبت بدقة تقطين القبائل اللوبية (drdry- zerz) الكردية الهندو أوربية في آسيا الصغرى منذ القرن الرابع عشر قيل الميلاد لا بل وقبله. (ص 375-376)
يوجد نص ديني ايزيدي باسم (قەولێ بابەكرێ ئۆمەرێ زەرزايى) يتحدث عن فضائل الأخلاق:
ژ قەولێ بابەكرێ ئۆمەرایێ زەرزایی/ من رواية أبو بكر اومر الزرزايي
هەكە دوو مێرا كرە تەبایی /إذا اتفق (اتحد) شخصان
بفروارا شیخادی و مەلك شێخ سن /بأمر من الشيخ آدي والملك الشيخ سن
دێ چیایی دانێنە سەر چیایی! /يضعان جبلاً فوق جبل!(2)
ان الموروث الثقافي والديني الايزيدي ما زال يحتفظ باسم (زرزا) من عمقه التاريخي العتيق، في مرحلة اكتشاف الانسان للزراعة وتدجين الحيوانات كالماعز البري والبقر والحصان، ويضع للغنم والماعز إلاها باسم (مَم شفان Mem Şivan) وللأبقار إلاهاً باسم (گاڤانێ زەرزا Gavanê Zerza). ما يخص موضوعنا هنا هي معرفة وتفكيك ثلاث مسائل؛
الأولى: ان الدوملي والزرزايي قبيلة واحدة، وان أحفاد (زرزا) القبيلة الهندو آريه القديمة من شعوب زاغروس من الكوتيين واللولوبيين والحوريين-الميتانيين، مازالت باقية باسم (زازا- دوملي) في موطنها كردستان، تدين الزازا في كردستان الشمالية بالمذهب العلوي (العلي الهي) ولهجتهم تسمى بالزازاكية أو الدوملكية. كما ان عوائل الزازايين (ظاظا) في كردستان (روزآفا) تحولوا إلى الدين الاسلامي. أما الدومليين والهكاريين في كردستان الجنوبي مازالوا على ديانتهم القديمة الايزيدية، ويحتفظون ببعض عقائدهم القديمة مثل (كافانى زرزا) إله الأبقار والحيوانات، كما تنحصر أحد الوظائف الدينية، ألا وهي وظيفة (القوالين) ومرافقة (الطاووس-السنجق)، بيد رجالات هاتين العشيرتين. وهنالك بعض من أهل التاريخ يقول أن (الزرزائية) هي كلمة أعجمية معناها ولد الذئب، وأنهم ممن تكرّد من العجم المنسوبين إلى ملوكهم(3).
النقطة الثانية: ماهي العلاقة بين عقيدة عبادة/أو تقديس بعض الحيوانات التي قام بتدجينها الانسان القديم كالثور والبقر والماعز والحصان، ووضع لها إلاهاً (كافانى زرزان) الباقية لحد الآن في الموروث الثقافي والديني الايزيدي، وبين عبادة العجل (العجل الذهبي) عند اليهود كما تمت الإشارة اليه في أعلاه؟ السؤال: هل أخذ اليهود عبادة الثور (العجل الذهبي) من الايزيديين، أحفاد الشعب الكوتي الزاغروسي كما يقول كولياموف، أم أن الايزيدية أخذوها من اليهود؟
ان البحث في هذه النقطة يدفعنا إلى معرفة تاريخ مسقط رأس أسباط اليهود الاثنا عشر إلى جانب مراجعة كتاب التوراة نفسها، فضلاً عن معرفة آراء بعض الباحثين المختصين في هذا الجانب.
يؤكد الباحث والمفكر القدير دكتور سيد القمني، في حلقة كاملة مسجلة له بتاريخ 19/10/2018 تحت عنوان: “موقع التجلي الأعظم” أن اللاويين-الليفيين أصبحوا كهنة يهوه والمسؤولين عن خدمة تابوت العهد وتقديم القرابين ومراسيم الصلاة، ويؤيد السيد القمني قول فرويد سيغموند كون (الليفيين- اللاويين) لم يكونوا إسرائيليين وإنما هم مصريين خرجوا مع أسباط بني إسرائيل من مصر إلى أرض سيناء وكنعان والحجاز، مستنداً في تحليله على ما جاء في التوراة: “لا تكره مصرياً لأنك كنت في أرضهم، والأولاد الذين يولدون من أم في جماعة الرب الجيل الثالث، يدخلون في دين إسرائيل. (التثنية:7/23)، وكذلك قول التوراة “أما لاوي فلا تحسبه ولا تعده من بني إسرائيل” (سفر العدد 1/49)، و “لا يكون لسبط لاوي قسم ولا نصيب مع اخوه بني إسرائيل، ولا يدخل في الأرض، الرب هو نصيبه” (سفر التكوين 18/1). ويقول السيد القمني أن الإله (يهوه) مصري، الكهنة (اللاويين) الذين خرجوا مع الإسرائيليين مصريين، لكن الإسرائيليين استبعدوا سبط لاوي من الميراث لأنهم مصريين ويحذر: “احترز من أن تترك اللاوي كل أيامك على أرضك، واللاوي الذي في أبوابكم ليس له قسم ولا نصيب معكم” (تثنية 12/12)
أما المؤرخ (كولياموف) له رأي آخر حول الموضوع نفسه، حيث يذهب أبعد من ذلك استناداً إلى الوثائق التاريخية وعلم الاشتقاق اللغوي واعتماداً على كتاب العهد القديم نفسه، يقول: هنا يمكن العودة إلى موطن سكنى أسباط اليهود الاثنا عشر. يقول كتاب العهد القديم: “فلما اقترب موسى من المحلة رأى “العجل” والرقص، فاشتد غضبه ورمى باللوحتين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل” (سفر الخروج 32:18) وهذا يدلّ ان عبادة (الثور/العجل) كانت موجودة بين اليهود، وجاء موسى ليحاربها. السؤال: إذن من أين جاءت عبادة العجل؟ هذا ما سنوضحه لاحقاً.
“ثم أخذ العجل الذي صفوه، فأحرقه بالنار.” (سفر الخروج 32:20) وكلّم الرب موسى فقال: “قدم سبط لاوي ليقفوا بين يدي هارون الكاهن ويخدموه” و “يتولوا عنه وعن الجماعة حراسة خيمة الاجتماع ويقوموا بخدمة المسكن” و “يحافظوا على جميع أمتعة خيمة الاجتماع، وينوبوا عن بني إسرائيل فيما مطلوب منهم في خدمة المسكن”. (سفر العدد: 5،6،7،8)
يتبين من نص العهد القديم هذا، أن سبط لاوي شكّلوا طبقة القديسين على اليهود، علماً أن اليهود لا يعتبرون سبط (لاوي-اللاويين-الليفيين) من بين أسباطهم الأصلية. إذن مَنْ هم اللاويين، ومن أين قدموا؟
يقول السيد (صلوات كولياموف) أن يعقوب، زعيم شعب إسرائيل بعد أن نشب خلاف بينه وبين أخيه عيسو على الزعامة التي باركها له والده إسحق، وبطلب من أمه (رفقة) هرب إلى كوردستان حيث بيت خاله (لابانLapan) ووصية والده قائلاً “لا تأخذ امرأة من بنات كنعان. قُم اذهب شمالاً إلى ميزوبوتاميا إلى بيت بتوئيل أبي أمك، وتزوج بامرأة من هناك، من بنات لابان أخي أمك” (ص 415) يشكل هذا المكان (أي ميزوبوتاميا) في العهد القديم لغزاً كبيراً ويطرح أسئلة تحتاج إلى أجوبة، بنظر (كولياموف)، كون ان ميزوبوتاميا ليست موطناً للساميين، بينما التوراة ينظر على الدوام إلى هذه المنطقة كالموطن القديم لليهود، ويفصل اليهودية عن بقية الساميين- العرب تماماً كعنصر مختلف. ويذكر أنه في (بادانPadan) في جبال زاغروس، ولد لإسحق وزوجته ليئة وراحيل وجواريه الأبناء الذين تولوا فيما بعد زعامة وأصبحوا بطارقة لاثنتا عشر قبيلة إسرائيلية. بهذا يتراءى اثنياً بأن الأجداد القدامى لبنوا إسرائيل هم الكرد القدامى. وبعد أن اغتنى إسحق عاد مع اسرته من موطن أمه من مملكة (بادان) الكاشية على سفوح زاغروس الشرقية إلى كنعان في الشرق الأوسط. (ص 418) وعاد من سبي بابل من كوردستان (ورد في الكتاب المقدس ذكر خافر-نهر خابور) إلى يهوذا مع زربابل فقط 360 شخصاً. (عزرا: 2، 40-42) وبهذا نرى بأن أجداد اليهود كانوا يعبدون الإله نفسه الذي كان عند الكاشيين-الهندوآريين.
من المرجح جداً أن تكون قصة تاريخ (سبط لاوي) بالذات، هو مفتاح فكّ لغز (همسات) بعض رجالات الدين الايزيدي المتداولة (عائلة شيوخ فخرالدين) على وجه الخصوص، في صلة القرابة التي تجمعهم مع اليهود، وكون أصلهم من مصر! لنستشهد ب (سَبَقَة) من نص ديني ايزيدي جاء على لسان (الشيخ فخرالدين الآدياني)، تقول:
10- ژ قەولێ شێخ فەخرێ ئادییە / من حديث الشيخ فخرالدين الآدياني
ئەزی ئەسلیمە، ژ ناڤودكارێ ئەسلییە/ أصيل أنا مِنْ نسل المشاهير
ئەزی مسری بووم، ژ مسرێیە! /مصرياً كنت، من مصر
11- ژ ئەسلێ خۆدا ئەزی مسری بووم/بالأصل كنت مصرياً
ژ نوورا ئیلاهی بووم / كنت من النور الإلهي
جیێ حەسەن بەسری بووم!(4) / كنت في مقام الحسن البصري!
كما ان هنالك نص ديني طويل بعنوان (قەولێ شێخ و ئاقوبێ موسا= قول الشیخ و یعقوب موسی)(5) يتكون من (82 سبقة) عبارة عن حوار ديني بين (الشيخ و يعقوب موسى)، فمن هو (الشيخ) ومن هو (يعقوب موسى)؟
قدمت القبائل اليهودية من ميزوبوتاميا إلى كنعان في الشرق الأوسط، وسعت إلى عدم الاختلاط مع السكان المحليين الساميين والهندو أوروبيين (الحيثيين)، وعدم التزاوج منهم إلا في حالات قليلة. واختفت عادة الزواج والتزاوج من فئته وطبقته عند اليهود، لكن بقيت عن الايزيديين في ميزوبوتاميا، حيث الزواج ملزم بين الطبقات. (ص 415)
جدير بالذكر ان جميع زعماء القبائل الاثني عشر اليهودية، من ضمنها قبيلة اللاويين، قد ولدوا على أراضي كوردستان في عائلة يعقوب. وأن (الكرد اللاويين خوشافي) كما يسميهم كولياموف، وكما جاء ذكرهم في الكتاب المقدس، امتزجوا مع السكان الكرد المحليين، لأن جدهم لاوي الابن الثالث ليعقوب وليئة قد ولد في كوردستان في مملكة بادان الكاشية- البختيارية في أعالي ديالى في زاغروس (ص 420)، كما تمت الإشارة اليها. ويؤكد كولياموف على الأصل الكردي لطبقة اللاويين من خلال حمل العديد من اللاويين للاسم الكردي (خوشفيXoşevî) الوارد ذكرها في العهد القديم. (ص 421). ويعتقد بأن أولئك اللاويين ال 360 شخصاً من أصل 38000 شخصاً الذين عادوا إلى إسرائيل هم من قبيلة خوشناو الكردية التي تقطن في شمال شرق العراق بكردستان جنوب -شرقي مدينة راوندوز وحتى هولير. (ص 422).
وهنا من الممكن كان أجداد اليهود يتحدثون باللغة الكوتية (أسلاف الكرد).
تطرق كتاب العهد القديم التوراة إلى مملكة (بادان Padan) الكوتية على سفوح جبال زاغروس، وكان ملك الكاشيين آكوم كاك رم في الألف الثاني (1595-1571 ق.م.) ملكاً على آلمان وبادان الجبليتان في أعالي نهر ديالى وفروعه. (ص 417) كما يؤكد كتاب التوراة نزوح العنصر الهندو آري من الشرق إلى الجنوب والغرب من خلال وصف انتقال ابرام (إبراهيم الخليل) مع اسرته من أور الخلديين إلى حرّان ومن ثم إلى كنعان في الشرق الأوسط، حيث التقوا مجدداً بقبائل الحيثيين الهندو أوروبية.
تتبع الحلقة الثالثة (شخصية إبراهيم الخليل وموطنه الأصلي؟)
المصادر والهوامش
(1) خليل جندي، نحو معرفة حقيقة الديانة الايزيدية، مطبعة رابوون/السويد 1998، ص26. وكذلك كتابي: الدين الايزيدي: المعتقدات، الميثولوجيا، الطبقات الدينية، مسارات- الرافدين 2018، ص 27.
(2)خليل جندي، صفحات من الأدب الديني الايزيدي، مصدر سابق، ص443.
(3)ابن فضل الله العمري/ شهاب الدين أحمد بن يحيى، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق: كامل سلمان الجبوري، الجزء الثالث، دار الكتب العلمية- بيروت، ص 202.
(4) د. خليل جندي، صفحات من الأدب الديني الايزيدي (باللغة الكردية)، من (قەولێ شێخ فەخرێ زەرگون، سەبەقە 10-11)، مصدر سابق، ص 534.
(5) نفس المصدر السابق، من ص 536 الى 551.
[1]