نورجان بايسال
في 18 أكتوبر، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مقاطعة شڕناخ الجنوبية الشرقية ذات الأغلبية الكردية تتمتع بنفس المزايا التي تتمتع بها المقاطعات الثمانين الأخرى في البلاد.
وأضاف خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم في المحافظة: “ما يوجد في 80 محافظة أخرى في تركيا باسم الديمقراطية والحقوق والحريات موجود هنا. نحن نخدم على أساس الديمقراطية والتنمية للجميع. نفعل في شرناق ما كنا نفعله من أجل تنمية تركيا منذ أن وصلنا إلى السلطة”.
وقال “إذا تعرضتم لأدنى تمييز فيما يتعلق بالديمقراطية والتنمية، فمن واجبي أن أحاسب المسؤولين”.
اسمحوا لي أن أحدّثكم عن شرناق التي أعرفها، ويمكنك أن تقرر ما إذا كان لها ما تمتلكه المقاطعات الثمانون الأخرى في البلاد.
استمر حظر التجول الذي أُعلن عنه في شرناق في 14 مارس 2016 حوالي 8 أشهر ولم يُرفع إلا في نوفمبر جزئيا. وإثر عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني في 2015، أرسلت البلاد قوات مسلحة لمحاربة المتمردين الأكراد في المراكز الحضرية، وفرضت حظر تجول صارم ودمرت أجزاء كبيرة من المدن.
وفقا لتقرير صادر عن مؤسسة حقوق الإنسان في تركيا، فُرض حظر التجول 299 مرّة في 11 مقاطعة وما لا يقل عن 49 بلدة بين 16 أغسطس 2015 و 1 مارس 2018. وكان إجمالي 169 من حالات حظر التجول في ديار بكر، 48 مرّة في ماردين ، و23 في هكاري ، وست في باتمان، واثنتان في إيلازيغ، وأربع في سيرت، وجميع هذه المحافظات ذات أغلبية كردية.
لم أتمكن من دخول شرناق بينما كان حظر التجول ساريا في 2016. لكنني لاحظت لافتة عند مدخل المدينة: “شرناق هي واحدة من 81 مقاطعة في تركيا”. فاتجهت نحو القرى المجاورة بدلا من ذلك. ورأيت خياما في كل مكان، على التلال وعلى الطرقات وحول القرى. فقد تشَتّت أهالي شرناق، الذين أجبروا على الفرار من الصراع، في كل مكان. ونظرا لعدم تمكن المسؤولين المحليين من دخول المدينة، كانوا يحاولون مساعدة المتضررين في البلدات والقرى المجاورة.
بعد رفع حظر التجول جزئيا، ذهبت إلى شرناق مرة أخرى في يناير 2017. وكانت السيارات كثيرة وتتحرك ببطء شديد. بعد الانتظار لفترة، قررت أن أترك سيارتي في مكان ما وأدخل شرناق سيرا على الأقدام. كان الأمر كما لو كنا ندخل دولة أخرى، أو نعبر الحدود، بأسوار الأسلاك عند مدخل المدينة.
كما تغيّرت اللافتة عند مدخل المدينة. وكُتب عليها: “شرناق مقاطعة تركية”. فور دخولي، لاحظت أشياء مأخوذة من منازل مهدمة ملقاة على الأرض بين نقطة أمنية للشرطة وجامعة شرناق. وفُصلت الثلاجات عن المكيفات وما إلى ذلك… كانت الشركة التي فازت بمناقصة هدم المدينة تبيع ممتلكات أهل شرناق كبضائع مستعملة.
استقبلني فراغ ضخم. مشينا خلاله لفترة طويلة. ثم سألت مضيفي: أين مركز المدينة وأين البازار؟ لقد كان ذلك الفراغ الكبير والواسع على ما يبدو مركز المدينة. لم يبق شيء تقريبا. لقد اختفت شرناق كما نعرفها. أتذكر الجلوس على إحدى الأحجار والبكاء.
زرت شرناق بين 2017 و2018. في تلك السنوات، تحولت المدينة إلى منطقة بناء. كانت إدارة التنمية العمرانية في تركيا (توكي) تبني مجمعات سكنية ضخمة. كانت الجرافات في جميع أنحاء شرناق. لما استيقظت في الصباح اختلط صوت الحفّارين بالديوك. ومع نهاية 2018، كانت هناك شرناق أخرى. كانت مباني توكي المكونة من اثني عشر طابقا ترتفع في كل مكان. وكان يحكم المدينة مسؤول عيّنته الحكومة بدلا من رئيس البلدية المنتخب ديمقراطيا.
كان هذا الوصي مهتما بمظهر المدينة. زُرعت الزهور في المراكز، وانتشرت الإضاءة الأنيقة في الشوارع، وزُرع العشب، وكُتب على بعض الجدران العريضة في الشوارع: “مكرس للأعمال الفنية”.
ولكن مع ارتفاع مساكن توكي، كانت شرناق تفقد ألوانها وتنوعها بسرعة. كان الضغط السياسي عاليا، وكان سكان شرناق يخشون التحدث إليّ. همس أحد القرويين في أذني: “لقد تعرضت شرناق للطوفان الثاني بعد طوفان نوح”.
اليوم، هناك شرناق أخرى بأتم معنى الكلمة. عندما يموت أولئك الذين يعرفون شرناق القديمة، لن تبقى المدينة التي فقدناها حتّى في الذاكرة. يؤلمني أن أدرك زوال الشارع الرئيسي القديم ، وحديقة الشاي على التل المقابل لجبل الجودي، والمنازل القديمة المكونة من طابقين مع حدائقها.
كانت شرناق مدينة كردية. ودمر نحو 70 في المائة من المدينة بعد الاشتباكات التي استمرت ثمانية أشهر وحظر التجول. دُمّرت سبعة أحياء رئيسية بالكامل. وشهدت المحافظة تهجير 64 ألف ساكن. وعلى الرغم من مرور خمس سنوات، لا يزال عشرات الآلاف من سكان شرناق بلا مأوى ولم يتمكنوا من العودة إلى موطنهم. وحتى اليوم، لا يُعرف عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم أثناء حظر التجول بالضبط. بعد خمس سنوات، لا تزال بعض الجثث مفقودة.[1]