أين هن نساء الأنفال المفقودات منذ 33 عاماً؟ (6)
الموجة الأخيرة من مجازر الأنفال جرت بتاريخ 23-02-1988، من قبل النظام البعثي العراقي، ضد مناطق جنوب كردستان، وذلك في منطقة دولا جاف في السليمانية
تابان كرمياني: لا زلنا نبحث في المقابر الجماعية عن رفاة الضحايا
السليمانية - ، وهناك بدأت المجازر واستمرت حتى أيلول/سبتمبر من نفس العام حيث وصلت إلى مدينة زاخو. شملت المجازر المناطق الممتدة من زاخو إلى جبال همرين، حيث لم تسلم أي منطقة كردية من الغازات الكيماوية. دمروا مناطق قله دز وصولاً إلى شفان وأخجلار والعديد من المناطق الأخرى. الأهالي الذين نجوا من المجزرة توجهوا نحو الحدود ووصلوا إلى إيران، العديد منهم تم اعتقالهم بالقرب من الحدود أثناء محاولتهم الفرار، وجرى نقلهم إلى معسكرات الإبادة. وفي تلك المعسكرات لقي العديد منهم مصرعهم، ولم يعلم أحد عنهم شيئاً أبداً. وبحسب البيانات الصادرة في تلك الفترة، لقي 182 ألف كردي مصرعه، وحتى الآن يتم العثور على رفاة العديد منهم في المقابر الجماعية. جميع الذكور القادرين على حمل السلاح تم دفنهم وهم أحياء، فيما تم بيع النساء والفتيات إلى مصر وتركيا من أجل العمل في الدعارة. وبعد سقوط النظام البعثي في العراق تم العثور على العديد من المقابر الجماعية في مختلف أنحاء العراق، والتي تضم رفاة ضحايا الأنفال.
مما لا شك فيه أن أكثر المتضررين من مجازر الأنفال هم النساء. حيث فقدت العديد من النساء أبنائهم أو والديهم وأزواجهم في تلك المجازر، واضطررن للهجرة والنزوح إلى أماكن أخرى من أجل رعاية ما تبقى من الأبناء. في كل منزل من منازل جنوب كردستان يمكن رؤية صور لضحايا الأنفال، فيما ترتدي النساء لباس الحزن الأسود. وحول تأثير الأنفال على النساء، تقول القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني تابان كرمياني لن ننسى مأساة الأنفال أبداً، وسوف تتجدد آلامنا على الدوام.
النظام البعثي نفذ الأنفال بهدف إبادة الشعب الكردي
تقول تابان كرمياني التي كانت تبلغ من العمر 17 عاماً أثناء حدوث مجازر الأنفال، حول تلك الفترة بدأت مجازر الأنفال في بداية عام 1988. أما في ناحية كرميان ومحيطها فقد بدأت في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل. الحكومة العراقية استنفرت كل قواتها خلال الحرب العراقية الإيرانية. وكانت المنطقة الحدودية في تلك الفترة تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني. نفذ النظام البعثي مجزرة الأنفال بهدف القضاء على الشعب الكردي.
بدأت الأنفال بقصف حلبجة بالأسلحة الكيماوية
حول وضع عائلتها في تلك الفترة تقول تابان كرمياني كانت عائلتي تتألف من 14 شخصاً، كنا 7 شقيقات وشقيقين، نظراً لأن والدي كان ضمن صفوف البيشمركة فإننا كنا نذهب إلى الجبال. لقد عانينا كثيراً، كانت عائلتنا تتعرض للضغوط المتواصلة. بدأت الأنفال بقصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية. في تلك الفترة لم تكن هناك قنوات تلفزيونية ولا وسائل إعلام، كان هناك جهاز لاسلكي واحد، وكان البيشمركة يستخدمونه عندما كانوا يذهبون إلى منطقة ما.
عندما تم قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية، وصل تأثير الغازات الكيمياوية إلى كرميان أيضاً. وقتها اتخذنا التدابير بحسب الإمكانيات المتاحة لدينا، كنا نغطي وجهنا وفمنا بالأقمشة المبللة، وإذا توفرت لدينا بطانيات، كنا نبللها ونغطي جسمنا بها. لقد كان أهالي المنطقة خائفون جداً، خاصة أن الحكومة العراقية كانت قد وضعت حصاراً مشدداً على كرميان ومحيطها. كانوا يسعون إلى النيل من الحالة النفسية للأهالي.
نقلوا 5 من شقيقاتي واثنين من أشقائي إلى معسكرات الموت ولم نسمع عنهم شيئاً مرة أخرى
وقالت تابان كرمياني أن 7 أفراد من عائلتها فقدو وأنهم لن ينسوا هذا الألم أبداً بعد أن أطلقت قوات البيشمركة الثورة بأسلحتهم الخفيفة، كانت عائلتنا من بين العوائل التي قررت أن تنقسم إلى قسمين. على أن يتجه القسم الأكبر من العائلة إلى المدينة وأن يبقى القسم الآخر. القسم الذي توجه إلى المدينة كان يضم 5 من شقيقاتي واثنين من أشقائي، بالإضافة إلى شقيقتي المتزوجة وطفليها. وأثناء سيرهم باتجاه المدينة اعتقلوا من قبل النظام البعثي، وتم نقلهم إلى كلارا، حيث تم وضعهم في المخيمات التي كانت تعرف باسم مخيمات الموت. جميع المؤنفلين كان يتم احتجازهم لعدة أيام في تلك المخيمات. ومنذ ذلك الحين لم نسمع عنهم أية معلومات. ومع الأسف فقد كان الأمر بمثابة كارثة كبيرة بالنسبة لنا. رغم مرور كل هذه السنوات على الأنفال، ولكن الألم لا ينفك يتجدد.
لا زلنا نبحث في المقابر الجماعية عن رفاة الضحايا
نوهت تابان كرمياني إلى أن الحكومة العراقية وكذلك حكومة إقليم كردستان لم تفصحا عن مصير كل أولئك الأشخاص حتى الآن لا نعرف ما هو مصير ال 182 ألف من المواطنين المؤنفلين، وهذا الأمر محل تساؤل. كيف تم قتلهم، هل تم بيع الشباب، هل تم تجربة الأسلحة الكيمياوية عليهم، كل هذه أسئلة يجب الإجابة عليها. تم العثور على مقبرة جماعية في العراق، وقالوا إنها تضم رفاة عدد من المؤنفلين. ولكن هذا العدد يعتبر بمثابة قطرة واحدة من مجموع ال 182 ألفاً من المؤنفلين، ولا يتجاوز نسبة 2 بالمائة. وحتى الآن لم تقدم حكومة إقليم كردستان على فحص الحمض النووي لأي منا، للتعرف على أقربائنا. وحتى الآن لا يعرف عدد الذين نجوا من الأنفال، يقال فقط أن عدد المؤنفلين يبلغ 182 ألفا، ولكن لا يعرف كم هو عدد الأطفال منهم، وعدد الشباب والنساء. الحكومة لم تدرس التداعيات الحياتية والنفسية للأنفال. ومع الأسف فإننا ورغم مضي كل هذه السنوات إلا أننا لم نتلقى إجابة على اسئلتنا.
لا يتم تعويض المتضررين بشكل عادل
وقالت تابان كرميان أنها أعدت ملفاً موسعاً حول النساء اللواتي فقدن أقاربهن في الأنفال، ولكن لم تولي أية جهة الاهتمام بالملف بالنسبة لتعويض العوائل المتضررة، أنا لا أسمي ذلك بالتعويض، لأنه لا يتم بشكل متساو. الحكومة تميز بين عوائل المفقودين، فعندما يتم منح المساعدات المادية لتلك العوائل لا يتم ذلك بشكل عادل. أنا بصفتي صحفية أعدت ملفاً حول النساء اللواتي فقدن أفراداً من عائلتهن في الأنفال، ودعوت عبر وسائل الإعلام إلى النظر في أوضاع تلك العوائل وإيجاد حل لها. وهنا أطرح هذا السؤال، كم من الأبحاث تم إجرائها في الجامعات حتى الآن حول هذا الموضوع؟ هل عملت حكومة الإقليم على هذا الأمر؟ هناك أمرين مهمين يجب التوقف عندهما، الأول هو ماذا يمكننا أن نفعل من أجل الذين رحلوا، والثاني ما الخدمة التي يمكن أن نقدمها لمن بقي منهم.
النساء الأكثر تضرراً من الأنفال
وفي سياق حديثها نوهت تابان كرميان إلى أن النساء هن الأكثر تضرراً من الأنفال الأنفال ألقت بظلالها على جميع المواطنين. ولكن النساء اللواتي نجون من الأنفال، وفقدن أقاربهن، تعشن أوضاعاً سيئة جداً. حرية أولئك النسوة كانت مقيدة في المنزل إلى حدود الوصول إلى النبع أو الخروج إلى أمام المنزل. ولكنهن بعد الأنفال اضطررن إلى تحمل مسؤولية المنزل ورعاية الأطفال. هذا الوضع كان صعباً جداً بالنسبة للنساء. كن يتحملن لوحدهن رعاية أولئك الأطفال وتربيتهم. ولأجل تأمين لقمة عيش أطفالهن كان لا بد لهن من العمل، منذ عام 1988 وحتى عام 2000 تعيش النساء المؤنفلات أوضاعاً معيشية صعبة جداً، من النواحي الاجتماعية والنفسية. هناك العديد من الأمثلة على ذلك، لقد ترسخت تلك الأمثلة في مخيلتي ولا يمكنني نسيانها أبداً. أتذكر مثلاً عندما فرضت الأمم المتحدة الحصار على العراق، والعراق بدوره فرض علينا الحصار. كانت أوضاعنا صعبة جداً بصفتنا من ضحايا الأنفال. كانت النساء يصلن إلى كفري لأجل الحصول على البنزين، حيث كان يباع هناك بسعر أرخص، وكن يقمن ببيعه. كن يضطررن للذهاب يومياً إلى تلك الأسواق، لأجل إحضار البضائع وبيعها هنا، كن يعانين الويلات حتى يتمكن من إحضار شيء لأجل بيعه.
كان على كل واحدة العمل حتى الليل من أجل الحصول على ثمن كيلو من الطحين
وفي ختام حديثها تحدثت القيادية في الاتحاد الوطني الكردستاني تابان كرمياني عن معاناة النساء، وما هو المطلوب من أجل إظهار حقيقة الأنفال كان عمل النساء محدود جداً، فإما كان يجب عليهن إحضار البضائع وبيعها، أو كان عليهن العمل في تنظيف المنازل. ولم يكن هناك أية فرصة عمل أخرى في أيديهن. أتذكر أنه في تلك الفترة كان يبلغ سعر كيلو من الطحين 12 ديناراً، وكان على النساء أن يعملن حتى المساء من أجل الحصول على ثمن كيلو من الطحين. ولم يكن بإمكانهن شراء المستلزمات الأخرى.
كان يجب أن نقوم بإعداد المسلسلات التلفزيونية أو الأفلام الوثائقية حول الأنفال من أجل تعريف الأجيال القادمة بحقيقة ما حصل فيها. حتى الآن عملنا على التعريف بالأنفال من الناحية السياسية فقط.
النهاية...
[1]