أوصمان علي - باحث في مركز الفرات للدراسات
يُقال في سيكولوجيات التأثير الدعائي: من لم يمت برصاصة، فقد يُسمم بكلمة، أو يُصدم بصورة (صادقة أو زائفة)، فلا توجد في علم اللغة والصورة كلمة بريئة وأخرى أقل براءة، وصورة محايدة وأخرى منحازة، بل توجد عمليات عصرية ممنهجة قائمة على أسس ونظريات علمية تستثمر علوم النفس، والاجتماع، والسياسة، والاقتصاد..، بغية زرع عقيدة مهجنة، أو نشر أفكار نمطية في كيان الأفراد والجماعات، وهو ما يُطلق عليه الكاتب الأمريكي شيللر ب” بوتقة الصهر”.
في فترات السلم، وأشدّها قبيل الحروب، وضمن مناطق النزاع والتنافس، تزداد الحرب النفسية ضراوة، وتتحول إلى أكثر الأسلحة الناعمة فتكاً لإخضاع العدو، والخصم، وكسب الرهان دون إطلاق سهم أو رصاصة، لذا أشاد نابليون بونابرت بالحرب النفسية حينما قال: “حرب العقول أقوى من حرب الأسلحة، والعقل دائما ينتصر على السيف”. (1)
فقديماً، وفي ظل الأساليب التقليدية للغزو وشن الحروب، تم توظيف التكتيكات النفسية المستترة في الخفاء، من نشر الأساطير المخيفة، وبناء أبراج من جماجم الضحايا، والاعتماد على صافرات الموت، ونشر الجواسيس في صفوف العدو، وديدنهم في ذلك ضرب البناء النفسي، والقيمي، والاجتماعي، والعسكري للخصم، وإجباره على الخضوع والاستسلام.
في المقابل، ومع ما يشهده عالم الإعلام من تحوّل متسارع في تكنولوجيا المعلومات، والإبهار البصري، وبروز الرافد الرقمي الجديد، وتقدم الأبحاث العلمية (الشخصية، والنفسية على وجه الخصوص)، أصبحت الحرب الحديثة سيكولوجية بالدرجة الأولى، وعمادها محاكاة الجانبين النفسي والعصبي للضحية، أما ميدانها فهو العقل، كما وأمسى الفرد أسيراً للتدفق الهرمي للمادة النصية والصورية التي يطلقها “حارس البوابة الإعلامية”، وفقاً لمآربه، وأجنداته، سيما مع تنوع، وتقدم طرق التضليل الإعلامي، وأساليب الإقناع القسري (غسيل الدماغ)، واختراق الشخصية، وما تلاها من تحول كلُّ منهجٍ في التحكم بقيم وقناعات الجمهور إلى علم قائم بذاته.
في ضوء ما سبق قوله، سنحلل بطريقة علمية كيفية الاستراتيجيات والأساليب الناعمة والنفسية، التي توظفها وسائل الإعلام في حشد وتعبئة الرأي العام، إلى جانب تفسير دور القائم على الاتصال في صناعة الإجماع، والقطيع الضال، وما يلازمهما من بلورة رأي (داخلي، وخارجي) مهجن، يخدم أجندات الجهة المرسلة للمحتوى الإعلامي.
نتيجة لذلك، لم نجد أفضل من الخوض في التجربة الدعائية للإعلام التركي التي أحدثت إلى حد بعيد انعكاسات جمّة على الاستقرار الاجتماعي، والسياسي، والفكري للمجتمعات، وكان لها أدواراً متقدمة أيضاً في التأثير على هوية وانتماء الأفراد في الداخل، والخارج، لذا تناولتها العديد من الدراسات، والأبحاث الإعلامية، والنفسية، والاجتماعية، واتخذتها موضعاً للتفسير، والتحليل.[1]
=KTML_Link_External_Begin=https://www.kurdipedia.org/docviewer.aspx?id=556237&document=0001.PDF=KTML_Link_External_Between=انقر لقراءة الوجه الدعائي لتركيا في حربها النفسية لتضليل الرأي العام=KTML_Link_External_End=