هل حفظ دستور إقليم كوردستان كوردستانية بدره و جصان و زرباتية؟
محمد مندلاوي
نشرت بتاريخ17-07-2009) مقالاً أشرت فيه لجانب من المسيرة التحررية للشعب الكوردي، و في سياقه تطرقت بإيجاز إلى دستور إقليم كوردستان، الذي ترافقه منذ طرحه على برلمان الإقليم، جملة من الاعتراضات، من قبل الأحزاب و الشخصيات الكوردستانية، و أيضاً من الشريحة الكوردستانية الأصيلة، الكورد (الفيلية)، بسبب إغفاله عدداً من مناطقهم، على سبيل المثال وليس الحصر ك(بدره) و (جصان) و (زرباتية)، التي هي امتداد طبيعي لإقليم كوردستان.
أثناء الحملة الانتخابية، التي جرت في إقليم كوردستان، أكد و أصر رئيس الإقليم الأستاذ مسعود البرزاني، في كلماته التي ألقاها في (سليمانية) و (أربيل) و (دهوك)، على ضرورة تنفيذ المادة (140)، التي وضعت في دستور العراق الفيدرالي، لمعالجة المناطق المستقطعة من كوردستان، والتي تقدر مساحتها ب(أربعين ألف كيلومتر مربع)، و تضم محافظة وهي كركوك، و عدد من الأقضية، و النواحي منها: سنجار والشيخان و التلكيف و قرقوش و زمار وبعشيقة و أسكي كلك في محافظة الموصل، وخانقين و مندلي في محافظة ديالى، و بدرة و جصان و زرباتية في محافظة الكوت (واسط)، تأتي في مقدمة جميعها، محافظة كركوك السليبة، التي تستصرخ القادة الكورد لإنقاذها من براثن الاحتلال البغيض، لتعود إلى موقعها الطبيعي، إلى جانب شقيقاتها في إقليم كوردستان. رئيس الإقليم، في تلك الكلمات، لم يشر إلى بعض هذه المناطق، التي لم يذكرها دستور الإقليم، الذي حدد (قضاء) مندلي، كآخر مدينة تقع في جنوب الإقليم، لكن واقع و حقيقة حدود الإقليم الطبيعية و التاريخية أبعد من هذه الحدود بكثير حيث تتعدى مناطق (بدره) و (جصان) و (زرباتية) التي تتبع إدارياً محافظة الكوت (واسط)، وهي تقع خارج الوحدة الإدارية ل(قضاء) مندلي التابع لمحافظة ديالى.
إن الازدواجية التي جاءت في بعض مواد دستور الإقليم، وضع المواطن الكوردستاني في حيرة من أمره، حيث جاءت في المادة (الثانية(، الفقرة (الأولى)، أن كوردستان – العراق كيان جغرافي تاريخي تتكون من محافظات: دهوك، كركوك، سليماني، أربيل و سنجار وشيخان و قرقوش و عقرة و تلكيف ومن النواحي زمار و بعشيقة و اسكي كلك من محافظة نينوى وقضائي خانقين و مندلي في محافظة ديالى. ليس فيها أي ذكر لعدد من المناطق الكوردية الأصيلة، مثل (بدرة) و (جصان) و (زرباتية)، هذه المناطق تنطبق عليها نص المادة (الثانية)، الفقرة (الأولى)، من دستور كوردستان، حول تعريف حدود إقليم كوردستان الجغرافية و التاريخية وهذه المدن (بدره) و (جصان) و (زرباتية) هي امتداد طبيعي لأرض الكورد، وتاريخيا جزءاً لا يتجزأ منها، بدءاً من أسمائها الكوردية، و انتهاءً بسكانها الكورد قبل عمليات التعريب سيئة السيط. جاءت في الفقرة (الثانية)، من (المادة الأولى)، كالآتي: يتم تحديد الحدود السياسية لإقليم كوردستان – العراق باعتماد تنفيذ المادة (140) من الدستور الاتحادي. هنا يتساءل المواطن الكوردستاني، في المناطق التي لم تأتي ذكرها في دستور الإقليم، لماذا ثبتت في نص دستور الإقليم عدد من المناطق الكوردستانية، المشمولة بالمادة (140) و استثنيت مناطق كوردستانية أخرى مثل (بدرة) و (جصان) و (زرباتية)، ولم يتطرق لها دستور الإقليم؟! إذا لم تكن هذه هي الازدواجية، إذاً ماذا تسمى؟. إن المواطن الكوردستاني (الفيلي) في المناطق المذكورة، يتهم هؤلاء الذين كتبوا مسودة دستور الإقليم، بأنهم أناس قبليون لا زالوا يعيشون في عصر القبيلة والإمارة، ولم يتبلور في أفكارهم إلى الآن مفهوم الأمة و الشعب و القومية، ولا ينظروا إلى أكثر من حدود قبائلهم و عشائرهم، وألا لماذا يتخلون عن أراضي و مدن الأمة الكوردية بهذا الكرم الحاتمي للمستوطن الغاصب؟!.هذا الكلام يشمل أيضاً الأساتذة الصحفيون الكورد والصحافة الكوردستانية، الذين شقوا عنان السماء باعتراضاتهم على الصلاحيات الذي منحها الدستور لرئيس الإقليم، ونراهم يسكتون سكوت أهل القبور، عندما يغفل دستور الإقليم مناطق كوردستانية أصيلة، إن دل هذا على شيء، أنما يدل على عدم وجود الوعي القومي و النضوج السياسي لدى هؤلاء الأساتذة.
إن جميع التصريحات الصادرة، من هنا و هناك، تؤكد بأننا نقترب يوماً بعد آخر، من تطبيق بنود المادة (140)، السؤال هنا كيف تبحث حكومة الإقليم مع الحكومة الفيدرالية عودة المناطق المستقطعة مثل (بدرة) و(جصان) و(زرباتية) الخ إلى الإقليم، ولم يشر إليها دستور الإقليم؟!، باستثناء الإشارة التي جاءت في دستور الإقليم، في المادة (2)، الفقرة (الثانية)، التي أشرنا إليها، والتي تشير إلى المادة (140) و تنفيذ بنودها التي هي (التطبيع أولاً ثم الإحصاء ثم الاستفتاء لتحديد إرادة مواطني تلك المدن)، و في المرحلة الأخيرة،تتم عملية رسم الحدود السياسية للإقليم. هل يعلم المشرع الكوردي، أن بعض هذه المناطق، التي تشملها المادة (140) قد تم استيطانها و تعريبها من قبل الأنظمة العروبية، منذ السنين الأولى لتأسيس الكيان العراقي في سنة (1920)؟ و من ثم اتبعت الحكومات المتعاقبة في هذه المدن سياسة عنصرية همجية ضد الكورد، بفضل هذه السياسة الدنيئة تقلصت نفوس الكورد في هذه المدن و أصبح هؤلاء المستوطنون، يشكلون الأكثرية في بعض هذه المدن السليبة. هل وضع المشرع الكوردي، حلولاً لهذه المشكلة المعقدة؟! حيث أن الأرض كوردية كوردستانية و أكثر ساكنيها ليسوا كورداً، و المادة (140) وضعت لتعالج عمليات التعريب، التي جرت في زمن حكم حزب البعث فقط. هل أن المستوطنين يقبلوا أن يكونوا مواطنون عراقيون في إقليم كوردستان؟! أو يعودوا من حيث أتوا، لا نعتقد أنهم سوف يقبلوا بكلتا الحالتين، لسبب بسيط، وهو، أن استيطانهم في هذه المناطق، منذ اليوم الأول، كان بدافع تغيير ديموغرافيتها، يعني بصريح العبارة، أن وجودهم على هذه الأرض الكوردية، هو وجود عدائي، وجود احتلال، يرفضه كل العقائد السماوية و القوانين الوضعية، والمستوطن العربي، يعلم هذا جيداً، ويعلم أن صومه وصلاته لا يُقبل، لأن الأرض التي يعيش عليها، هي أرض مغتصبة، رغم هذا كله، نرى أنه يكابر، بل يخرج في بعض الأحيان في مظاهرات ضد أصحابها الشرعيين دون خجل أو استحياء. بعد كل هذا الذي قلناه، كيف يأتي الآن هذا الذي ارتضى لنفسه أن يكون غاصباً معتدياً على حقوق الآخرين و يصوت في الاستفتاء لصالح عودة ذلك الحق إلى أصحابها الشرعيين في الإقليم الكوردستاني؟!. لو كان المشرع الكوردي، يحمل في داخله فكراً وطنياً، قط لا يترك هذه المناطق الكوردستانية الأصيلة، دون أي ذكر لها في مسودة الدستور، لأن الإنسان الوطني، لا يتخلى عن شبر من أرضه، تحت أية ظروف، لأنها أمانة في عنقه، من يساوم عليها سوف ستلحقه لعنة الشعب والتاريخ إلى أبد الدهر.
إن رئيس إقليم كوردستان الأستاذ مسعود البرزاني، يعلم جيداً، أن المدن الكوردية المستقطعة، وعلى وجه الخصوص، تلك التي تقع في الأراضي المنبسطة، كانت السيطرة عليها أسهل من المدن التي تقع في المناطق النائية، و بدأت فيها عمليات التعريب منذ السنين الأولى، لتأسيس الكيان العراقي، من قبل بريطانيا العظمى في سنة (1920)، على سبيل المثال وليس الحصر، ناحية (جصان) التابعة لقضاء (بدرة)، تم تعريبها بأسلوب شيطاني، لو يجري الآن فيها استفتاء، من الممكن جداً، أن الناس، تدلي بآرائها خلاف الحق و الحقيقة، وتمنع عودتها إلى الإقليم، لأن أكثر سكنت المدينة، هم من العرب الذين استقدمتهم الأنظمة العروبية، التي تعاقبت على دست الحكم في العراق، والتي كانت هدفها، الاستحواذ على المناطق الكوردية بشتى الوسائل غير الإنسانية. والتي استمرت لعقود من الزمن، و تحولت نفوس المستوطنين العرب في عدد من هذه المدن المستقطعة، رويداً رويدا يوازي نفوس أصحابها الكورد المغلوبين على أمرهم، بل أصبحت نفوسهم في بعض المدن المستعربة أكثر من نفوس الكورد.
من الذين جلبوا الأعراب الرحل و اسكنهم في مدن الكورد و بنى لهم مدن على أرض كوردستان (ياسين الهاشمي)، ياسين هذا كان رئيس وزراء العراق، أبان الحكم الملكي، هو الذي جلب بدافع عنصري، أعداد كثيرة من العرب الرحل، واسكنهم في كركوك و ما حولها، وهو الذي بنى لهم مدينة الحويجة، واستوطنهم فيها، وفي العهد الجمهوري، كانت تجري عمليات التعريب على قدم وساق، على أيدي جميع الحكومات الانقلابية، إلى آخر يوم لسقوط نظام صدام المقبور. ناهيك عن غزو الأعراب لالعراق قبل (14) قرن، واحتلالهم واستيطانهم في مدنها الكوردية، حيث كانت أرض العراق في ذلك الزمان، جل سكانها من الكورد، وعلى وجه الخصوص في (وسطها) و (جنوبها)، التي كانت موطناً للسومريين، أجداد الكورد (الفيلية).
الشيء بالشيء يذكر، أتذكر إحدى هذه السياسات العنصرية القبيحة، الذي اتبعه رئيس جمهورية العراق، المقبور (عبد السلام محمد عارف)، ضد الشيعة و الكورد الشيعة و الكورد (الفيلية)، في قلب العاصمة بغداد، حيث كان سائداً في العراق، أن التجارة في سوق (الشورجة) التجاري في بغداد، التي هي السوق الرئيسية في عموم العراق، والتي تمول جميع العراق بالبضائع، كانت بيد الكورد (الفيلية) و الشيعة، لسوء طالع هؤلاء أن رئيس العراق الطائفي وقتذاك (عبد السلام محمد عارف)، لم يقبل بهذا الوضع، الذي كان سائداً منذ مئات السنين حيث الكورد و الشيعة يسيرون التجارة و السيولة النقدية في البلد، فعليه استقدم أبان حكمه، في الستينيات من القرن الماضي، أعداداً من الناس القرويين، من المناطق العربية السنية، من (الكبيسات) و(الأنبار) و (الراوة) الخ، إلى (بغداد)، ومنح كل شخص منهم خمسة آلاف دينار عراقي، التي كانت تساوي وقتذاك (16) ألف دولار أمريكي، وأطلق أياديهم في هذه السوق، وقال لهم بالحرف الواحد، خذوا التجارة من الكورد و الشيعة، لكنهم فشلوا في محاولتهم الخبيثة هذه فشلاً ذريعاً، لأنهم ليسوا أصحاب المصلحة ولا يعرفوا حيثياتها. فيما بعد عاود الكرَه و اتبع هذه السياسة الدنيئة، المقبور صدام حسين، لقد صب جام غضبه، على أبناء هذه السوق، حيث هجر العديد منهم في سنة (1970) و (1980) إلى إيران، تحت ذريعة واهية لا أساس لها من الصحة وهي أنهم من أصول إيرانية، وصل به الحقد العروبي - في مقال سابق وضحنا أن العروبي هو ذلك الإنسان الهمجي العنصري الذي يحاول تحقيق أهدافه بالأساليب الوحشية غير الإنسانية لكن الإنسان العربي الذي يعيش على أرضه حاله حال الشعوب المُحبة للسلام يريد أن يعيش بأمن وأمان ولا يحمل في داخله إلا الخير للآخرين، العروبية مدرسة إجرامية تفوق بممارساتها الإجرامية جميع الطغاة القتلة و المجرمين السفاحين في التاريخ وخير من يمثلها حزب البعث العربي الاشتراكي- لا يتحمل اسم عمارة بالكوردي، وهي عمارة البهبهاني في سوق الشورجة حيث غير اسمها، إلى عمارة القادسية، بعد فشل كل محاولته العنصرية، للقضاء على هذه السوق، أمر في النهاية ببناء سوق حديث، بجانب سوق الشورجة التجاري، سماها السوق (العربي)، بهذا التصرف الأرعن، اعترف المقبور صدام حسين ضمنياً، أن سوق شورجة، هي سوقاً كوردياً. الدلالة عليها، تأتي من اسمها الكوردي، و الانتماء القومي الكوردي لأكثر أصحاب المحلات و الخانات فيها.
[1]