الادارة الذاتية في الجزيرة السورية بين المشروع الوطني والطموح الكردي
#سليمان يوسف يوسف#
الحوار المتمدن-العدد: 4976 - #05-11-2015# - 22:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
الإدارة الذاتية في الجزيرة السورية، بين المشروع الوطني والطموح كردي
لا جدال على أن الإدارة الذاتية ، للأقاليم في الدول والأمم الحضارية، هي إحدى آليات العمل الديمقراطي لإشراك المواطنين في تقرير مصيرهم وتطوير أوضاعهم وصناعة مستقبلهم. من هذا المنطلق تُعتبر الإدارة الذاتية حق مشروع ومطلب ملح لمختلف المناطق والمحافظات السورية، خاصة وقد فشل الحكم المركزي على مدى عقود في بناء (دولة مواطنة) حقيقية، وفي إنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. منطقة الجزيرة - محافظة الحسكة ، باعتبارها الأكثر بعداً عن العاصمة (دمشق) وأكثر المناطق السورية عانت من حكم مركزي شمولي نهب واستنزاف ثرواتها وخيراتها حتى جعلها أكثر مناطق البلاد فقراً وعوزاً وتأخراً رغم أنها أغناها ب(الثروة الزراعية والحيوانية والنفطية)، هي أكثر المناطق والأقاليم السورية حاجة ل إدارة ذاتية أو لحكم ذاتي. على أن تأتي الإدارة الذاتية في سياق مشروع وطني تحديثي، وفي اطار (نظام حكم لا مركزي – ديمقراطي تعددي) لسوريا الجديدة. يتيح لأبناء منطقة الجزيرة فرصة المشاركة الفعلية والمتوازنة في إدارة شؤونهم والنهوض بمنطقتهم، وتطوير مختلف الثقافات واللغات المحلية ( الآشورية /السريانية، الكردية ،الأرمنية، العربية ) التي تزخر بها. لا أن تكون الإدارة الذاتية مشروع سلطة وغطاءً لمشروع سياسي /حزبي/عرقي. كما هو حال الإدارة الذاتية التي أعلنها ويسعى لفرضها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي - الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني ذو النشأة التركية - في المناطق التي انسحبت منها سلطة الاستبداد وباتت تحت سيطرته وسلطته، مستغلاً الظروف والأوضاع الاستثنائية التي تعصف بالبلاد. ولأنها كذلك مشروع سلطة وغطاء لمشروع عرقي، رفضت الغالبية الساحقة من أبناء الجزيرة، بعربها وكردها وآشورييها وأرمنها ، الانخراط في مجالس وهيئات الإدارة الكردية. إذ يكاد ينحسر جمهورها على أنصار (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) و (حزب الاتحاد السرياني) المرتبط به. تطعيم مجالس وهيئات الادارة ببعض الآشوريين السريان والعرب والأرمن، ممن أرادوا الانتفاع والارتزاق، لا يعني بأنها تحظى بدعم وتأييد هذه المكونات، وإنما هذا التطعيم هو لتجميل صورة الإدارة الكردية والتسويق لها في الداخل والخارج.
دفاعاً عن (المشروع الكردي) ، المتمثل بالإدارة الذاتية المعلنة، صرحت ( الهام احمد) - القيادية في حركة المجتمع الديمقراطي ‹TEV-DE الرديفة لحزب الاتحاد الديمقراطي - على موقع ولاتي نت بتاريخ 15/8/2015 على الجميع معرفة أن الإدارة الذاتية تُسيّر نظام في غرب كردستان ومن يرى نفسه خارج هذا النظام يجب أن يرى نفسه خارج غرب كردستان .كلام السيدة الهام يحمل تهديدات صريحة وواضحة بطرد وابعاد، عن المناطق المشمولة بالإدارة الكردية، كل من يعترض ويرفض المشروع الكردي. وهي تذكرنا بتهديدات القوميين العرب ، بطرد كل من يرفض المشروع القومي العربي ويعترض على توحيد الشعوب والأراضي العربية في دولة أو (أمة عربية واحدة).
حتى الآن ، لا من حكومة أو جهة، سورية أو غير سورية، اعترفت بالإدارة الكردية. لهذا، بقيت جميع قراراتها وقوانينها من غير قيمة قانونية ، ولا يؤخذ بها. مع هذا يستعجل الأوصياء على هذه الإدارة ، كأنهم في سباق مع الحدث السوري، في استصدار القوانين والقرارات وتشكيل مجالس ومؤسسات وهيئات دويلتهم وبناء جيشهم الخاص (وحدات حماية الشعبYPG ) ، بموازاة مؤسسات ودوائر الحكومة السورية ، التي مازالت تعمل في كبرى مدن المحافظة(الحسكة والقامشلي). ناهيك عن سيطرة الأسايش الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي على الكثير من المؤسسات والمنشئات والدوائر والأبنية الحكومية. وقد اُزيلت عنها أعلام الدولة السورية واعلام حزب البعث العربي الحاكم وصور بشار الأسد، واستُبدلت بالأعلام الكردية واعلام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وصور زعيم حزب العمال الكردستاني pkk (عبد الله آجلان ). كما استُبدلت اسماء الكثير من الساحات والشوارع والملاعب والمدارس بأسماء كردية. وترغم المحال التجارية والمدارس الحكومية والخاصة على التعطيل بالمناسبات الكردية وبمناسبات تخص الحزب. وفرض ترديد النشيد القومي الكردي (أي رقيب) في المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية . كل هذا حصل ويحصل أمام أعين السلطات الأمنية والعسكرية والسياسية التابعة للنظام من غير أن تحرك ساكناً. أنها لمفارقة سياسية تاريخية مدهشة، أن يقبل نظام قومي عربي ،ممثلاً بحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم لسوريا منذ أكثر من نصف قرن، بتقاسم (السلطة والثروة) في منطقة الجزيرة السورية ذات الغالبية العربية مع (حزب كردي) والعديد من قياديي هذا الحزب، كانوا في السجون أو منفيين عن البلاد ، حتى بعد أشهر من انطلاق حركة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكم بشار الأسد. أنها حالة شاذة واستثنائية عن أخلاق وقواعد نظام قومي عربي دكتاتوري شديد المركزية ، املتها ظروف الحرب الداخلية والصراع على السلطة ومصالح سياسية واقتصادية مشتركة مع خصوم الأمس، رغم التناقضات السياسية والأيديولوجية العميقة بينهما. أنها لعبة السياسة، في كل زمان ومكان، حيث لا أعداء ولا أصدقاء دائمين، فقط توجد مصالح ثابتة.
لا ننفي الدور الأساسي لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ( قوات حماية الشعب ) في طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية - داعش من المناطق التي سيطر عليها هذا التنظيم الارهابي في منطقة الجزيرة ومناطق سورية أخرى. بيد أن تضحيات الحزب لا تبرر له استغلال الأوضاع الراهنة ليجعل من الجزيرة ، التي يتصف مجتمعها بالتنوع الديني والعرقي والثقافي واللغوي، كانتون كردي وتنفيذ أجندة حزبية وقومية خاصة تتصادم مع المشروع الوطني السوري العام، وتتعارض مع الأهداف الوطنية التي من أجلها انطلقت حركة الاحتجاجات الشعبية ضد الدكتاتورية والاستبداد. الانفراد بتقرير مصير ومستقبل الجزيرة السورية من قبل أي حزب أو مكون سوري، بغض النظر عن هويته القومية والسياسية، سيولد ردود أفعال سلبية لدى المكونات والأحزاب الأخرى و يؤسس لعلاقات غير طبيعية بينها ، ويوفر بيئة خصبة ومناسبة للتطرف وإثارة الحساسيات والنزعات العرقية والطائفية. بالفعل، بدأ العرب والسريان الاشوريين والمسيحيين عموماً بالتعبير عن استيائهم وامتعاضهم من سياسات وممارسات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الهادفة الى تعزيز سلطته والانفراد في تقرير مصير ومستقبل الجزيرة السورية وفرض الهوية الكردية وإعادة صياغة الحياة ورسم المستقبل في هذه المنطقة الحيوية من سوريا ، بما يتفق مع عقيدة وفلسفة الحزب. عربياً: أعلنت العشائر العربية في حزيران الماضي عن تشكيل ما اُطلق عليه لواء درع الجزيرة السورية . جاء في بيان الاعلان عنه أنه سيتصدى لخطر تنظيم الدولة الاسلامية – داعش الارهابي. ومن غير المسموح لأي جهة استغلال الظروف الاستثنائية التي يمر بها الوطن من اجل تنفيذ أية أجندة انفصالية أو فدرالية تحت أي عنوان.. وسنواجه بقوة وبكل الأسلحة المتاحة والكبيرة والمتعددة أي محاولات عبثية بمصير الجزيرة السورية، في إشارة واضحة ل (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) و(قوات حماية الشعب) التابعة له. آشوريا /مسيحياً: قبل أسابيع ، اصدرت الكنائس والمؤسسات والأحزاب السياسية الآشورية السريانية والأرمنية والتجمعات المدنية والهيئات المجتمعية المسيحية، بيانا للراي العام ، استنكرت فيه قوانين وقرارات الإدارة الكردية ،خاصة تلك المتعلقة بإدارة أموال المهاجرين والتجنيد الاجباري في القوات الكردية وفرض المنهاج الكردي في المدارس الحكومية والخاصة التابعة للكنائس. وحذرت في بيانها من العواقب الخطيرة لمثل هذه القوانين والقرارات التعسفية والغير مدروسة وتناقضها مع مبادئ حقوق الإنسان وحقوق المواطنة وحق التملك وما قد تسببه من إثارة للفتن الطائفية بين إثنيات المجتمع . واتهمت في بيانها الإدارة بمحاولة الاستيلاء على أملاك المسيحيين من عقارات واراض زراعية بحجة استثمارها لصالح المجتمع ، ودفع المسيحين للهجرة من مناطقهم التاريخية وإحداث خلل ديمغرافي يشكل خطراً على الوجود الآشوري السرياني والمسيحي في الجزيرة. ختمت بيانها - بمقاضاة الإدارة الكردية - بالمطالبة بإلغاء هذه القوانين والقرارات نعتبر أنفسنا مدّعيين شرعاً وقانوناً أمام المحاكم ودوائر القضاء المحلي والدولي للمطالبة بإلغاء هذا القانون. البيان يعكس حالة الإحباط واليائس والاستياء العام في الشارع المسيحي ، من نظام شمولي دكتاتوري تخلى عن البلاد والعباد وتمسك بالسلطة. كما ان البيان يحمل هواجس ومخاوف المسيحيين من مستقبل مجهول يبدو قاتماً في ظل سلطة كردية ناشئة ، تسعى لتكون بديلاً لهذا النظام في منطقة الجزيرة ، لا يبدو أنها تختلف عنه في سلب الارادات وفرض الأجندات وتمجيد الشعارات وتأليه الرموز .
سليمان يوسف يوسف
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
[1]