بدخول جنود عراقيّين مع منظمة اليونسكو إلى متحف الموصل في 13 آذار/مارس 2017، انكشف حجم الدمار الذي ألحقها #داعش# بمحتوياته التي لا تقدّر بثمن، بين قطع أثريّة ثمينة هشّمت واحترقت، وأخرى اختفت نهائيّاً، حيث سرقها أفراد التنظيم، ووجدت طريقها إلى تجّار الآثار.
الاعتداء علی المتحف كان في 26 شباط/فبراير 2015 و ما بقي من المتحف اليوم الذي تأسّس في عام 1952، ويعدّ في المرتبة الثانية من حث الأهيمّيّة بعد المتحف العراقيّ في بغداد، ركام من صخر ورماد، وهيكل محترق في الكامل، وبعدما كانت بوّاباته تحرسها نسخة مقلّدة لثورين مجنّحين، يرمزان إلى #المملكة الآشوريّة# التي تأسّست في #نينوى# في عام 705 قبل الميلاد، فإنّ ما خلّفه داعش اليوم، أطلال ترقى إلى الخراب الكامل. وأكّدت عضو مجلس محافظة نينوى جليلة العبيدي أنّ الخسائر جسيمة لا تقدّر بثمن، وقد طالت هيكل المبنى ومحتوياته من الآثار على حدّ سواء. وأضافت: لم يتبقّ من القطع الأثريّة التي كان يحتويها الموصل شيء، لقد سرقت كلّ ممتلكات المتحف، أو تمّ تهريبها.
هذه الممتلكات العائدة إلى المتحف هي آثار ذات أهميّة تاريخيّة عظيمة، تعود إلى حقبتي السومريّين والإمبراطوريّة الأكديّة (2300 ق.م) اللتين حكمتا في العراق، وقطع أثريّة من الحقبة الهيلينيّة التي سبقت المسيحيّة بثلاثة قرون، فضلاً عن قطع أثريّة كان قد عثر عليها في مدينة #نمرود# الأثريّة في جنوب شرق الموصل، والتي سيطر عليها داعش أيضاً في عام 2014 ثمّ دمّرها، وتعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، لتزيد من مأساة الآثار الكبيرة في العراق، التي نجمت عنها سرقة نحو 200 ألف قطعة أثريّة منذ عام 2003.
ويقول مدير دائرة آثار نينوى فالح الشمري في اتّصال مع المونيتور إنّ المتحف كان يضمّ ثلاثة أقسام وفق التسلسل الزمنيّ، حيث اهتمّ القسم الأوّل بآثار وصور ومجسّمات لعصور ما قبل التاريخ بنحو 3000 عام قبل الميلاد. أمّا القسم الأهمّ فكان الآثار الآشوريّة التي تعود إلى أكثر من 900 عام قبل الميلاد، وتضمّ اللقى والقطع الأثريّة التي عثر عليه طوال الفترة الماضية في مناطق نينوى وتعود إلى الحقبة الآشوريّة، وهي قطع نادرة ليس لها مثيل في أيّ متحف آخر في العالم.
ويستطرد في الوصف: أفرد المتحف قسماً خاصّاً من مقتنياته لحقبة الدولة الحضريّة التي تعود إلى نحو مئة عام قبل الميلاد. ويزيد في القول: عني المتحف أيضاً بالحقبة الإسلاميّة التي تبدأ من ظهور الإسلام في القرون السابع الميلاديّ، إلى سقوط الخلافة الإسلاميّة في عام 1924، وتحتوي على مخطوطات ووثائق ورموز وتحف إسلامية قيّمة.
ويعترف الشمري: نحن في مرحلة استيعاب الصدمة، لأنّ ما نراه اليوم ليس متحفاً، إنّه مكان أشباح، بعدما تحوّلت حتّى الجدران إلى واجهات سوداء من دخان وغبار. وكلّ تلك الآثار أصبحت أثراً بعد عين، فقد سرق أفراد داعش كلّ القطع الأثريّة الصغيرة، وكلّ ما يمكن حمله، فيما حطّموا بالفؤوس الآثار الكبيرة والثقيلة وأحرقوها بالنيران.
بل إنّ داعش عمد إلى الحيلة للتغطية على استفادته من الآثار، حين سرق الأصليّة منها، وأتلف النسخ المقلّدة لإدراكه عدم أهميّتها المادّيّة، بحسب ما صرّح به محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي إلى وسائل الإعلام في 26 شباط/فبراير 2015.
بحسب ما أوضحه الباحث والمهتمّ في شأن التراث والآثار وزير السياحة السابق عادل فهد الشرشاب، في اتّصال مع المونيتور، كاشفاً عن أنّ الخطوة الأولى في إعادة تأهيل المتحف هي رفع الأنقاض وجدولة الخسائر والمفقودات، حيث تمّ رفع تقرير إلى الهيئة العامّة للتراث لبحث الإمكانات الآنيّة المتاحة لإعادة إعمار المتحف الذي يتطلّب دعماً فنّيّاً دوليّاً أيضاً.
وكشف الشرشاب عن أنّ اجتماع منظّمة اليونسكو في 23 شباط/فبراير 2017، بحث سبل إعادة تأهيل المتحف، والشروع في تأمين الدعم الماليّ له، مشيراً إلى أنّ إدارة المتحف لن تنتظر طويلاً، وقد تقدّمت بطلب رصد أموال من الحكومة الاتّحاديّة والمحلّيّة لأجل سرعة إنجاز الأعمال الممكنة.
كما أوضح الشرشاب أنّ اليونسكو جدولت زيارة المتحف ضمن أعمالها، بوفد يضمّ خبراء دوليّين وعراقيّين، لا سيّما وأنّ الجميع يعتبر إعادة إعمار المتحف واجباً إنسانيّاً لصالح حفظ التراث الإنسانيّ العالميّ. وناشد الشرشاب كلّ الدول إلى العمل الجادّ لأجل إعادة القطع المهرّبة إليها، ومتابعتها لا سيّما وأنّ الكثير منها ما زال متداولاً بين مهرّبي الآثار وتجّارها.