كتاب العالم بعيون كردية للكاتب الكرديبدل رفو كتاب ثري، يحكي عن رحلات الكاتب في عدة دول وأماكن من العالم، وانطباعاته وأفكاره وأحاسيسه حول تلك الأماكن، ويبدو بدل رفو بطل سرده، فهو يرى بعينيه ويسمح لحواسه بممارسة التراسل، هذا السؤال مطروح على القاري...
خاص: قراءة- سماح عادل*
كتاب العالم بعيون كردية للكاتب الكرديبدل رفو كتاب ثري، يحكي عن رحلات الكاتب في عدة دول وأماكن من العالم، وانطباعاته وأفكاره وأحاسيسه حول تلك الأماكن.
في المقدمة يقول عبد الإله الصائغ شاعر ومؤرخ ودكتور في الفلسفة وأستاذ متمرس في علم تحليل النص: سؤال وجيه هو لماذا اختار بدل رفو ذو الرؤية الأممية أن تكون رؤيته للعوالم التي زارها بعيون كوردية! وفيما يلي مشاكسة بين بدل رفو وعبد الإله وهي منشورة: كلما قلت للنمسا أنا كوردي قالوا لي أنت الصحفي الغراتزي النمساوي... وكلما اقتربت وقلت للكورد أنا كوردي أجابوني لا أنت غريب عنا ولست منا ولا مكان لك بيننا..!! وشاكسه عبد الإله الصائغ: المبدع الأثير بدل رفو أنت كوردي نعم، أنت نمساوي نعمين، أنت عربي يقينا بل أنت منتسب للإنسان، ستعيش غربة المكان، غربة الزمان، غربة مع البشر، لأن دمك الفائر ينتسب لكل الأوطان، وقلمك الثائر يغني للإنسان وفنك الساحر يثقلك في الميزان! أنت بدل رفو دون ألقاب دون عنوان! كن كما أنت من أجلنا، وأقول لك يا بدل رفو إن الأرواح المعذبة تنجذب إلى بعضها بمغناطيسية عسير مقاومتها ولذلك سوف أجعلك تصغي إلى مقطع من ملحمة جلجامش ففيها ما يدريك انك تبحث عن نفسك في رحلاتك، وتكابد كي تعرفها في الأماكن القصية والأزمنة العصية.
ويواصل عن الكتاب: يبدو بدل رفو بطل سرده، فهو يرى بعينيه ويسمح لحواسه بممارسة التراسل، هذا السؤال مطروح على القاري، وليلاحظ القارئ بنفسه من خلال الضوء تقنيات بدل رفو في عمله السردي ومْكره الفني لتلقي الديباجات المسكوت عنها.
رحلة الهند..
ثم يبدأ الكتاب برحلة الهند ويقول الكاتب فيها أن السياحة في الهند قنبلة إذ أن عدد السياح في الأعوام الأخيرة قد فاق بصورة ملحوظة سياح دول جنوب شرق آسيا، بعد أن كانت تحتل المقدمة لأعوام طويلة مثل تايلاند والفلبين ومينامار. هكذا قررت التوجه نحو الهند وأكثر هذه الأماكن والمقاطعات التي تكون قبلة السياح، هو إقليم راجستان لمشاهدة القصور والمدن الأثرية المخلدة، للفترة التي حكم فيها الإسلام والطابع الكلاسيكي للتصميم الإسلامي لفن العمارة. وقتها أفاد الإسلام من خبرات وطاقات المسلمين في العالم وخاصة من بلاد فارس وأفغانستان.
أما بالنسبة للأديان في الهند فالمسلمون يحتفظون بالديانة الثانية بنسبة 11 بالمائة، والمسيحيون بنسبة 4،2 وغالبيتهم يعيشون في الجنوب. وهناك أكثر من 330 ألف إله للهندوس وآلهتهم هي رموز لهم، ومن آلهتهم وتماثليهم كريشنا، وهو يعزف الناي وشيفا هي آلهة التطيب وكالي ووو.
ويؤكد الهند بلاد التحف والكنوز الفنية وكل هذه التحف الإنسانية يمكن مشاهداتها في قصور القياصرة والملوك. وهناك قانون في الهند من يضع يده على تحفة فنية عمرها أكثر من مائة عام يتوجب عليه الحصول على رخصة من الدولة. كذلك يعد فن النحت والطرق على الخشب من الفنون الرائعة وخاصة التماثيل الصغيرة التي تبرز حضارة الهند وتباع للسياح بأسعار زهيدة، وأجود أنواع الخشب المستخدم للنحت هو من كشمير، وأما بالنسبة للملابس، فليس هناك بلاد في العالم تميزت ملابسها بالألوان الزاهية بقدر الهند.
وأقمشة الهند مشهورة وخاصة الساري في كشمير، وتتنوع صناعة القطن فيها ومشهورة بصناعة الشال والساري .أما بالنسبة لوجبات الأكل فقد غزتنا البهارات الهندية وخاصة الكاري.
يوغسلافيا القديمة..
ثم رحلة يوغسلافيا القديمة، يحكي الكتاب عن جمهورية البوسنة والهرسك: لقد اعترفت الأمم المتحدة بهذه الجمهورية عام 1992، وعدد نفوسها يبلغ 4 ملايين و 625 ألف نسمة وعاصمتها (سراييفو) ونفوسها 305 ألف نسمة، وأعلى قمة جبل فيها (ماكليج 2386 متر)، وأكبر بحيرة فيها (بيليجلو 33 كيلو متر مربع). أما دياناتها فهي (الإسلام 48 بالمائة)، (الارثودوكس 34 بالمائة)، (الكاثوليك 15بالمائة). أهم أنهارها هي بوسنا 271 كيلومتر، درينا 346 كيلومتر، نيريتفا 218 كيلومتر، أونا 214 كيلومتر، فيرباص 240 كيلومتر.
لغات جمهورية البوسنة هي البوسنية والصربية والكرواتية. أما خط الكتابة فيها فهو اللاتينية والكيريليشية. وإذا كان للعالم رئيس واحد فلهذه الجمهورية ثلاث رؤوساء وهو مجلس رئاسي من مسلم وصربي وكرواتي.
سراييفو: تعد هذه المدينة قدس أوروبا حيث الجوامع بجانب الكنائس، هناك أكثر من 400 جامع وكنيسة كاثوليكية ومعبد يهودي وكاتدرائية في هذه المدينة.
موستار: مدينة الجمال والخيال والعشق والطبيعة الساحرة وعدد سكانها يبلغ 100 ألف نسمة وهي عاصمة الهرسك. جولة في هذه المدينة التاريخية رحلة إلى عبق الأزمنة والتاريخ. في مركز المدينة يقع جامع (كاردوز بك) وهو الجامع الرئيسي في المدينة وقد شيده محمد كارادوز عام 1557 وجدرانه من الحجارة السميكة وبتصميم إسلامي عثماني.الهرسك تعني بلاد الارشيدوق وتقع موستار على حافة نهر(نيريتفا) المشهور وجمال لونه الأخضر بعكس ألوان الأنهار الأخرى على هذه المدينة التاريخية.
هذه المدينة هي المدينة القديمة والأبراج على جانبي النهر. أما الجسرالقديم فيعد هوية المدينة القديمة وأصالة حضارته العريقة والأزقة القديمة والجوامع وكذلك القصر والحمام التركي.
رحلة باريس..
يصف الكتاب باريس بأنها مكانا وساحة كبيرة لأشهر وكبار الأدباء ونقطة التقاء أعظم الحضارات الإنسانية والثقافات. وثمة احتمال أن يفقد الأديب قوة التركيز بسبب جمال هذه المدينة، ولكن سحرها يكون هدفا كي لا يخسر الأديب هدفه. الأديب الخالد (اوسكار وايلد) فقد الهدف والعقل في باريس وحيث ودع الحياة في أفقر بيوتها. ومكان البيت شيد أضخم فندق على الإطلاق في باريس. وكذلك (موليير) مؤسس المسرح الفرنسي في القرن السابع عشر والكوميدي الفرنسي (راسين) وقد ترك أعمالا خالدة للمكتبة الإنسانية. أما في القرن التاسع عشر فقد غزا الرومانسي (بلزاك وإميل زولا وفيكتور هيجو) باريس. تضم باريس أكثر من 10 آلاف مقهى. وهي مشهورة في عالم المقاهي. ويتردد الفرنسيون بصورة مكثفة على المقاهي وخاصة التي تقع في التقاطعات، وبعض هذه المقاهي مشهورة من القرن السابع عشر، ولكل مقهى حكاية تروى. والأكثر شهرة الآن المقاهي التي تقع في شارع الشانزليزيه ما بين قوس النصر باتجاه متحف اللوفر. وفي شارع الشانزليزيه بل في كل شارع هناك مقهى للأدباء والفنانين.
رحلة مصر..
أظهر الكاتب احتفاء كبيرا بمصر حيث يحكي أن: عيد الأضحى المبارك في مصر له نكهة خاصة، لأن الناس والشعب المصري لهم طبيعة رائعة في الاحتفال بهذا العيد المبارك، وفي اليوم الأول اتخذت الطريق إلى كورنيش النيل لأرى الألوان الزاهية والجمال، يطغى على هذه البقعة من الأرض الجميلة وكثرة رجال البوليس ببدلاتهم التي ذكرتني بأفلام أيام زمان الأسود والأبيض، وكثرة الباعة المتجولين على الرصيف ورحلات باليخت في نهر النيل الجميل، والحفلات والرقص داخل هذه اليخوت وألعاب الملاهي هذه المرة في منطقة القلعة وكثرة الحصن هناك.. لحظات رائعة وجميلة أعادتني إلى أيام الموصل الغابرة في القلعة وضحكات وألعاب الأطفال. إنه عيد ويا له من عيد.
ويواصل حكيه أن في مصر أبواب المتاحف والجوامع مفتوحة دائما في وجه السواح والأجانب، ففي زيارة إلى متحف بيت الكريتلية نسبة إلى جزيرة كريت في اليونان، ويسمى أيضا متحف كاير أندرسون حيث كان أندرسون طبيبا في الجيش البريطاني، حين كان يحتل مصر. وهذه التحف والآثار جمعها أندرسون في رحلاته وأسفاره. هذا المتحف يتكون من بيتين
الأول بناه الحاج محمد صالح الجزار، والثاني بناه عبد القادر الحداد وسمي الأول ببيت الكريتلية والثاني ببيت آمنة بن سالم.
كاير أندرسون الطبيب في الجيش البريطاني جمع تحفا من عصور مختلفة وهي آثار إسلامية وقبطية وفرعونية ويونانية ورومانية، ومجموعات صور فوتوغرافية وقاعة لغرفة الحريم وصالة لتعليم القرآن الكريم للأطفال بالمجان، وقد أهدى أندرسون كل هذه التحف إلى دولة مصر، وهي الآن تعود إلى المجلس الأعلى للآثار في مصر.
تعد غرفة الأقواس في المتحف من الملامح المميزة للعمارة المحلية في القاهرة، ويوجه وضع هذه الغرف على نحو يمكنها من التقاط النسيم السائد القادم من الشمال الغربي. ويمكن لصاحب البيت أن يراقب الأنشطة الجارية في الفناء. ويكون الوصول إلى غرفة المقعد من الفناء عبر مدخل حجري مرتفع ثلاثي الفصوص يؤدي إلى درج مبطن بفسيفساء من بلاطات الرخام والخزف، وهناك المزيد من البلاطات المبطنة للجدار الخلفي لغرفة المقعد ذاتها. والمساحة الغائرة بالمكان هي المنطقة التي يترك فيها الخدم والزوار أحذيتهم قبل الدخول.
ثم ينتقل إلى جامع ابن طولون، ذاكراه أنه بنى ابن طولون هذا الجامع حين أرسله خليفة بغداد إلى مصر، وأخذ ببناء هذا الجامع مستمداً من فن العمارة للزمن العباسي وملوية سامراء، وقد كان متأثرا جدا بملوية سامراء ولهذا بنى نموذجا أصغر على شاكلته، وصعدت على قمة الملوية ونظرة رائعة من هذا المكان المرتفع على البيوت والجوامع وجزء كبير من القاهرة، لقد شيد الجامع عام 876 ولغاية 879، وأمر ابن طولون مهندسيه أن يكون محصنا ضد مياه الفيضان والحريق، وفي عام 2000 بدا مشروع القاهرة بترميم هذا الصرح العظيم بعد تعاظم المشكلات التي تواجهه نتيجة الإهمال على كافة المستويات.
ويحكي موقفا مؤثرا : من المشاهدات الرائعة والتي ستظل لها أثرا في القلب والفكر، حين علم أحد باعة الفواكه وهو صعيدي بأني من كوردستان العراق، وأخبرني بأنهم أجدع ناس وقضى سنوات عمره مع الكورد في الموصل ولحظتها ترك دكانه ليجلب لنا شايا من المقهى وقال لي منكم رائحة الحبايب أيها الكورد.. هذه هي أصالة وأخلاق الإنسان الحقيقي، وقال لي بان خيركم علينا انتم العراقيين، إنه أحمد أبو علاء المصري.. ما أروع الكلمات وما أروع الإنسان البسيط، وما أروع القاهرة وهي تكتسي نفحات عيد الأضحى وكل عام وأنتم بألف خير.
ثم ينتقل إلى أثار أقدم ويذكر أن أهرامات الجيزة مليئة بأهرامات صغيرة بالإضافة إلى الكبيرة، وكذلك المقابر والمعابد وما حولها أيضا.. يعد هرم خوفو من أعظم آثار العالم وليس مصر فقط، نظرا لحجمه الكبير وقوة صموده أمام كل التعريات الجوية، وأن كل عجائب الدنيا السبعة قد إنهارت ولم تظل لها أثرا، مثل حدائق بابل المعلقة، ومنارة الأسكندرية، والبقية أيضا ولكن ظلت الأهرامات الوحيدة من تلك العوالم.
رحلة إلى أهرامات الجيزة تحلق بك الحياة إلى عالم ملئ بالفن والعمارة والقوة والتقنية الهندسية في فن البناء لذلك الوقت قبل الميلاد، فقد ترك المصريين القدماء ورائهم تاريخا من فن العمارة والمعابد الأثرية،ّ وقد حدثني أحد الهجانين بأنه التقى بكثير من رؤوساء العالم في هذا المكان .. جميل أن يعيش الجيل المصري الحالي من أهرامات أجداده، ودور الآلهة والجوامع للعثمانيين والمماليك، واليوم يعيشون من أدب نجيب محفوظ وهذا هو تاريخهم الحديث وهو دليل قاطع بان الأدب اليوم هو هوية الأوطان الحقيقية.
ثم ينتقل إلى المتحف المصري القديم الذي يذكر أنه يقع في مركز العاصمة القاهرة، من أروع متاحف العالم مقارنة بكبار متاحف الدنيا، لما يقتنيه من تحف ومقتنيات لا تقدر بثمن. وهي ثمرة اكتشافات وحفريات قام بها أهم خبراء العالم من أجل أن يسجلوا لهم وللإنسانية تاريخاً خالداً. فأول متحف مصري للآثار تم إنشاؤه من قبل العالم الأثري الفرنسي (مارييت باشا). وقام بحفظ أعمال ومقتنيات وتحف وفنون المصريين القدماء. وكان هذا المتحف في بولاق وافتتحه وقتها الخديوي إسماعيل في عام1863. وفي عام 1890 نقل المتحف إلى الجيزة. أما المتحف الحالي، الذي نقلت تحفه ومقتنيات الجيزة إليه، فيقع في مركز العاصمة ويقابل أضخم مجمع مصري وهو مجمع التحرير.
وعن أم كلثوم يقول سيدة الغناء العربي التي تربعت على عرش الغناء العربي، وفي قلوب كل العشاق والمحبين لغناء أصيل بعيد عن الابتذال، صفق لها الكثيرون وأحبها الجميع. ومنذ رحيلها منتصف السبعينيات والغناء العربي يفتقد إلى سيدة تحل محل هذه الفنانة العملاقة. البحث من كوردستان إلى مصر والتوق لرؤية تحف ومقتنيات سيدة الغناء جعلني أبحث عن متحفها الذي افتتح عام 2001. وقد تعهدت وزارة الثقافة المصرية بإقامة هذا التذكار الخالد لهذه السيدة التي منحت حياتها للفن في زمن غير زمننا. متحف أم كلثوم يقع في جزيرة الروضة في قصر المنسترلي باشا والذي كان يعود إلى حسن فؤاد المسترلي وهو ينحدر من مدينة بيتولا في شمال اليونان وهذا القصر يعد من متاحف القاهرة الحديثة.
ثم يكمل الكتاب عن رحلات الكاتب إلى جزيرة صقلية والمكسيك والنمسا وسويسرا والسويد وكرواتيا وكازاخستان وإيطاليا وشفشاون بنفس طريقة السرد التي تحمل مشاعر إنسانية وانطباعات أكثر من كونها حكي محايد.
*كاتبة مصرية[1]