أرجع أحمد قرموس تكثيف دولة الاحتلال التركي لهجماتها ضد شمال وشرق سوريا، إلى انهيار النظام التركي الحاكم مع اقتراب مئوية اتفاقية لوزان، وتدوّل القضية الكردية على المستوى العالمي. فيما وشدد على ضرورة فتح قنوات حوار جادة بين حكومة دمشق والإدارة الذاتية.
يشهد العالم والشرق الأوسط عامة وسوريا على وجه الخصوص أحداثاً متسارعة، وتسعى الدول المتدخلة في سوريا لتحقيق وترسيخ مصالحها ومشاريعها على حساب شعوب المنطقة. وتستغل دولة الاحتلال التركية التناقضات الحاصلة بين القوى الإقليمية والعالمية، لذلك تشن هجمات مكثفة ضد مناطق شمال وشرق وسوريا الآن.
وتعرضت معظم المناطق الحدودية بين مناطق شمال وشرق سوريا وتركيا لهجمات وقصف مكثف عبر الطائرات المسيّرة وحتى الحربية، بعد سلسلة اجتماعات دولية، كقمة مدريد في 28-29 حزيران المنصرم، والقمة الثلاثية في طهران في 19 تموز بين روسيا وتركيا وإيران، واجتماع سوتشي في 5 آب بين أردوغان وبوتين.
الرئيس المشترك للمؤتمر القومي الكردستاني، أحمد قرموس وفي تصريح لوكالتنا، قال: يجب تحليل هذه الهجمات بشكل عميق. الهجمات التركية هي نابعة من الذهنية التي تتبعها تركيا منذ زمن العثمانيين وصولاً إلى زمن الاتحاد والترقي وبناء الجمهورية التركية، هذه الذهنية تؤسس نفسها على إنهاء وطمس وإبادة الشعب الكردي، وتسعى جاهدةً للقضاء على أي مكتسب كردي أينما وجد.
وأكد أحمد قرموس أن دولة الاحتلال التركي كشفت عشرات المرات عن عدائها بشكل واضح للشعب الكردي وقضيته، ونوه: ويسعون لإضفاء الشرعية على هجماتهم ضد الكرد، عبر القول (إنها حرب الوجود واللا وجود بالنسبة لنا).
تغير استراتيجية حلف الناتو
تطرق قرموس إلى الاجتماعات والمساومات الدولية التي تمت مؤخراً، وبشكل خاص إلى ما حدث خلال قمة مدريد لدول حلف الشمال الأطلسي في 28-29 حزيران، وقال: القمة عقدت من أجل توسيع حلف الشمال الأطلسي عبر ضم كل من فنلندا والسويد إلى الحلف، وخلال القمة تم تغيير استراتيجية الحلف وتم وضع استراتيجية جديدة، وتم أخذ مصالح الدول الأعضاء في الحلف بعين الاعتبار.
وأشار إلى أن دولة الاحتلال التركي سعت للاستفادة من عضويتها ضمن حلف الشمال الأطلسي لتكثيف الهجمات ضد الشعب الكردي.
ولفت قرموس الانتباه إلى القمة الثلاثية التي عقدت في العاصمة الإيرانية طهران، بين الرئيس الروسي بوتين والإيراني رئيسي والتركي اردوغان، وأكدت أن المجتمعون اتفقوا على حماية مصالح بعضهم البعض، وأعقبه لقاء سوتشي بين بوتين واردوغان وتضمن كيفية التعامل مع الوضع القائم في سوريا وكيفية حماية كل دول لمصالحها، وخلال الاجتماعين تم التركيز على دور الشعب الكردي في سوريا وموقفهم من الوجود الأميركي في المنطقة.
ورأى أحمد قرموس أن الثالوث التركي- الإيراني- الروسي لم يصل إلى صيغة مشتركة، وقال: لأن الدول الثلاث تتقاطع مصالحها مع بعضها البعض ضمن الشرق الأوسط، إيران لديها مصالح وتسعى للحفاظ على هذه المصالح، روسيا وبعد حربها في أوكرانيا ومحاصرتها من قبل المجتمع الدولي دخلت في مرحلة صعبة ولم يبق بيدها سوى سوريا لذلك تسعى بكامل طاقتها للحفاظ على وجودها ومصالحها في سوريا، أما بالنسبة لتركيا فوضعت كافة أهدفها بصدد سوريا جانباً في سبيل القضاء على أي إرادة أو مكتسب يحققها الكرد في سوريا.
وأوضح أحمد قرموس أن دولة الاحتلال التركي تسعى للاستفادة من التناقضات القائمة في المنطقة لشن هجمات ضد مناطق شمال وشرق سوريا، وقال: تركيا تسعى للاستفادة من الحرب الأوكرانية القائمة، ومواقف الناتو من هذه الحرب، ومن الوجود الإيراني في المنطقة لشن هجمات جديدة، بالإضافة لجس نبض القوى العالمية والقوى المتداخلة في سوريا؛ مَن معها ومَن ضدها.
وأشار قرموس إلى أن ما يتم ملاحظته الآن هو عدم حصول تركيا على الإذن لشن عدوان بري ضد شمال وشرق وسوريا، لذلك تشن هجمات عبر الطائرات المسيّرة والمدفعية والدبابات لإضعاف إرادة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، وقال: لكي تقوي موقفها في أي مفاوضات تجري لاحقاً.
ونوه قرموس إلى أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة حساسة الآن، والدول الكبرى كروسيا وأميركا والاتحاد الأوربي وحتى إيران لا يرغبون بأن تستفيد دولة واحدة فقط مما يجري في الشرق الأوسط، وقال: إن ما يجري الآن أن كل القطبين الاتحاد الأوربي وأميركا من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى يسعون للاستفادة من الدور التركي المهم بالنسبة لهما الآن، وبشكل خاص الدور الذي تلعبه تركيا في الحرب الأوكرانية وبشكل خاص حركة السفن الحربية في البحر الأسود.
تركيا تهدف للسيطرة على كامل المناطق الحدودية في روج آفا وجنوب كردستان
رأى قرموس أن روسيا لا تود أن تسيطر تركيا على مساحة أخرى ضمن سوريا لأنها دولة في حلف الناتو، وقال: روسيا لا تود أن تخرج سوريا من تحت سيطرتها، لأن سوريا هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي توجد فيها قواعد وتواجد عسكري روسي.
وبيّن أن كلا القطبين لا يمنحون تركيا دوراً استراتيجياً للتحرك ضمن سوريا، لذلك تعمل تركيا على التذبذب بين كلا القطبين، مما يفتح لها المجال لشن هجمات عبر الطائرات المسيّرة والأسلحة الثقيلة ضد مناطق شمال وشرق سوريا.
وقال: هذه الهجمات ستستمر لوقت معين، هدف تركيا الأساسي السيطرة على كامل المناطق الحدودية في روج آفا وجنوب كردستان قبل حلول عام 2023، هذه المناطق التي تعرّفها ضمن ما يسمى بالميثاق الملي.
وأكد أحمد قرموس أن الشعب الكردي في شمال وشرق سوريا يمتلك مشروعاً ديمقراطياً منقطع النظير في الشرق الأوسط، لذلك تتخوف تركيا التي تعاني من وضع داخلي متأزم من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية من هذا المشروع.
لماذا المجتمع الدولي يلتزم الصمت
تطرق أحمد قرموس إلى الصمت الدولي والإقليمي حيال الهجمات التركية والمجازر التي ترتكبها بحق الأطفال والنساء وقال: الكرد يمتلكون مشروعاً ديمقراطياً، وهذه القوى الرأسمالية والمحتلة لا تود أن تُحل القضية بالشكل الديمقراطي، وترى بأن المشاريع الديمقراطية تُشكل خطراً بالنسبة لهم.
ويرى قرموس أن الصمت الدولي لن يدوم طويلاً، وستُغير بعض الدول مواقفها، وقال: الهجمات التركية والسياسة التي تتبعها في المنطقة ستشكل خطراً على مصالح بعض الدول. مؤخراً أدلت تركيا بتصريحات حول أميركا وقالت إنها تدعم الإرهاب، ونفذ التحالف الدولي بقيادة أميركا هجوماً في المناطق التي تحتلها تركيا في سوريا هذه مؤشرات على أن المواقف الدولية تتغير حيال تركيا، موضوع آخر؛ أثناء اجتماع بايدن في السعودية مع ثماني دول أدلت أميركا ببيان، وأشارت من خلاله إلى أن قواتهم ستبقى في العراق وسوريا ومناطق شمال وشرق سوريا ولن تتخلى عن تلك المناطق لصالح بعض الدول في إشارة إلى روسيا وإيران، وقال إن تطلب الأمر ستبقى قواتنا لعام 2040.
وتابع قرموس: من إحدى مؤشرات انهيار السياسية التركية في سوريا وشمال وشرق سوريا التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المسؤولون الأتراك والتي تطرقت إلى ضرورة فتح قنوات حوار مع النظام السوري.
بعض القوى الكردية تتحرك خارج الأطر الاستراتيجية للقضية الكردية
بحسب أحمد قرموس فإن السبب الرئيس لصمت المجتمع الدولي والذي من الممكن أن يتغير في أي لحظة نتيجة الأوضاع المتسارعة في المنطقة، هو عدم التفاف كافة القوى الكردية والكردستانية حول استراتيجية مشتركة نتيجة عدم عقد مؤتمر وطني كردستاني، وهذا يؤدي إلى تحرك بعض القوى خارج الأطر الاستراتيجية للقضية الكردية.
وانتقد أحمد قرموس صمت الدول الضامنة لعملية وقف إطلاق النار (روسيا وأميركا)، وأوضح أن صمت هذه الدول هو نتيجة الوضع القائم في المنطقة والحروب الدائرة وبشكل خاص الحرب الأوكرانية، وكلا الدولتين تتحركان بموجب مصالحهما، ولا تودان إنهاء النزعات والصرعات في المنطقة، وقال: تركيا تنتهك اتفاقيات وقف إطلاق النار مستفيدةً من صمت الدول الضامنة، الآن هي في وضعية شن الهجمات المستمرة.
وسلط قرموس الضوء على أسباب تكثيف دولة الاحتلال التركي هجماتها ضد مناطق شمال وشرق سوريا، ونوه إلى أن هذه الهجمات المكثفة نابعة من إدراك تركيا بأن الوقت ليس لصالحها، لأن نظامها الحاكم اقترب من الانهيار، ومن جهة أخرى يتم تداول القضية الكردية الآن على المستوى العالمي، وقال: لا يمكن التكهن إلى متى ستستمر هذه الهجمات، ولكن الأيام القادمة كفيلة بتوضيح ذلك.
وأشار أحمد قرموس إلى موقف قوات سوريا الديمقراطية والبيانات الصادرة مؤخراً من القوات، وقال: قوات سوريا الديمقراطي تستخدم حق الدفاع المشروع، وفق مبادئ واسس النضال الثوري، هذه القوى الآن معروفة على المستوى العالمي بنضالها وكفاحها الديمقراطي، ولديها اعتبار على المستوى العالمي، لذلك على القوات والإدارة الذاتية الضغط على القوى الدولية والتحالف الدولي لفرض حظر طيران في أجواء شمال وشرق سوريا.
ولفت أحمد قرموس الانتباه إلى أن تركيا لا تعطي أي أهمية لحكومة دمشق، وقال: استهدفت تركيا إحدى نقاط قوات دمشق في كوباني وقتلت عدد من عناصرها، هذا دليل واضح على أن تركيا لا تعطي أي قيمة لهذه القوات، لذلك يجب أن يتم فتح قنوات حوار بين حكومة دمشق والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، لردع الهجمات التركية والعمل من أجل تحرير المناطق المحتلة والقضاء على المرتزقة المتطرفين.
ودعا الرئيس المشترك للمؤتمر القومي الكردستاني أحمد قرموس كافة القوى الديمقراطية لتوحيد صفوفها من أجل ردع السياسات التركية.[1]