*امبرين زمان
تزوجت ديلان كارجيك من حبيبها الشاب، مسعود، في 12 من حزيران (يونيو). احتفل الزوجان الكرديان، بزفافهما بحفلة صاخبة في قاعة للأفراخ في إسينيورت، إحدى ضواحي اسطنبول الشعبية. في اليوم التالي، استدعت الشرطة مسعود وتسعاً من الحضور، من بينهم أحد إخوته، للاستجواب ومن ثم تم اعتقالهم بعدها بتهمة الدعاية الإرهابية.
الجريمة التي اتّهم مسعود بارتكابها هي لف شال باللون الأحمر والأصفر والأخضر على كتفيه وترديد شعارات ممنوعة مع المدعوين أثناء أدائهم للدبكة #الكردية#، حسب التقاليد الكردية.
زعمت الشرطة أن الخرقة، حسب ما تم وصف الشال في تقريرها، كانت علم حزب العمال الكردستاني. فألوان علم العمال الكردستاني هي الأحمر والأصفر والأخضر، وردد المدعوون شعارات مؤدية للعمال الكردستاني.
بعد يوم من الاعتقالات، تم استجواب الموسيقيين الذين عزفوا في حفل الزفاف بتهمة أداء أغان انفصالية وإطلاق سراحهم بعدها.
لا أعرف ماذا أقول. قالت ديلان، العائدة من زيارة زوجها في سجن سيليفري في اسطنبول لتوّها، للمونيتور سائلة ما زلت في حالة صدمة. إذا لم نكن قادرين على الغناء بلغتنا الخاصة، حتى في أكثر الأيام خصوصية بالنسبة لنا، فما معنى وجودنا؟. مضيفة ليس لدي أي فكرة عما سيحدث الآن، لقد تدمّرنا جميعاً. لكن وضعها ليس أكثر سوءاً من حماتها( أم زوجها) التي بات لديها ثلاثة أبناء في السجن، آخرهم قد سجن العام الماضي بسبب أنشطته السياسية.
تعتبر قصة عائلة كارجيك بسيطة مقارنة مع قصص التسعينيات التي شهدت حملة أرض محروقة شنّتها الدولة التركية ضد حزب العمال الكردستاني في المنطقة الجنوبية الشرقية ذات الأغلبية الكردية في البلاد محوّلة آلاف القرى إلى ركام حيث أجبر أكثر من مليون كردي على الفرار من منازلهم، ولجأ الكثيرون، كما فعلت عائلة كارجيك، من سكان مقاطعة وان على الحدود الإيرانية، إلى اسطنبول والمدن الكبيرة الأخرى ليواجهوا العنف والتمييز المستمرين.
آلاف الأكراد، يصل عددهم إلى 3000 حسب جماعات حقوقية، قتلوا في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء أو اختفوا قسراً، وتعرض كثيرون آخرون للتعذيب الوحشي وسجنوا بتهمة التواطؤ المزعوم مع المتمرّدين.
بلغ القمع مستويات سخيفة في بعض الأحيان، حينما اتُهم أصحاب المطاعم مثلاً بدعم المتمرّدين بسبب شكل أوان للملح ممالح، على هيئة رجل ذو شوارب، حيث تم الإدّعاء بأنه يشبه زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان.
وصل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى السلطة في عام 2002 واعداً بانتهاج سياسات معاكسة للمتّبعة خلال عقود من الوصاية العسكرية، ونقل البلاد إلى الاتحاد الأوروبي من خلال حزمة من الإصلاحات الديمقراطية، شملت تخفيف القيود المفروضة على اللغة الكردية وإطلاق محادثات سلام مباشرة مع أوجلان وحزب العمال الكردستاني.
توجّه عدد متزايد من الكرد، ولا سيما المحافظون المتديّنون، للتصويت ل#أردوغان#، ما أدّى إلى وضع حزب العدالة والتنمية في منافسة مباشرة مع #حزب الشعوب الديمقراطي# الموالي للكرد في البلاد.
انهارت آمال السلام الدائم ووقف إطلاق النار الذي استمر لمدة عامين ونصف في عام 2015، عندما تخلّى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن محادثات السلام.
تجدّدت الذهنية الأمنية للدولة التركية مشبّعة بالانتقام، وجاء الانقلاب الفاشل عام 2016 للإطاحة بأردوغان بمثابة غطاء لموجة جديدة من القمع استهدفت المعارضين من جميع الأطياف، لكن مع تركيز الحكومة غضبها بالدرجة الأولى على أتباع فتح الله غولن، الداعية السني المقيم في بنسلفانيا، والمتّهم بتدبير الانقلاب، وقبلهم الكرد الذين يعتبرون متعاطفين مع أوجلان.
قال النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي هيشيار أوزسوي في مقابلة أجريتها معه مؤخراً لم يعد الناس قادرون على التنفّس. لقد أفناهم الغضب (من الحكومة).
وبدوره، قال حسين يلدريم، الموكّل عن عائلة كارجيك وأصدقائهم، للمونيتور أمثّل الكثير من المعتقلين السياسيين لدرجة أنني لم أعد اتذكّر العد، كاشفاً عن إعداد لائحة اتّهام ضدّ موكّليه لكن القضية لا أساس لها على الإطلاق، وسجنهم غير قانوني لأن التهم الموجّهة إليهم تقتصر على الدعاية لمنظمة إرهابية، وهي جريمة لا تتطلب القوانين احتجازهم.
وأضاف يلدريم أن الفضيحة الحقيقية هي في اقدام عناصر من الشرطة على حضور الحفل بزي مدني، وتصوير الحدث، والآن يتم استخدام هذه الصور كدليل ضدّ المتهمين. ليس من حق الشرطة القيام بذلك، كون الحضور ليسوا قيد التحقيق قانونياً، لقد تم فبركة هذه القضية من البداية إلى النهاية. تم تسريب مقاطع الفيديو إلى وسائل الإعلام الموالية للحكومة، والتي نشرت القصة بالطريقة المطلوبة وبعناوين مثيرة.
من المرجّح أن استهداف عائلة كارجيك سببه المكانة التي يحظون بها في الأوساط الكردية بسبب نشاطهم. العديد من أفرادها مسجونون، فيما يقاتل آخرون في صفوف حزب العمال الكردستاني.
يدير العريسان متجراً للهدايا. كنا نخطط لقضاء شهر العسل في فتحية؛ قالت ديلان لقد حجزنا فندقاً، مضيفة بالطبع، لسنا الوحيدون. هناك الالاف في وضعنا وأسوأ بكثير، لكنني حضرت العديد من حفلات الزفاف التي كانت شبيهة بزفافنا، ولم يحدث شيء. اسينيورت تدار من قبل حزب الشعب الجمهوري المعارضة الأم.
لا يزال الآلاف النشطاء وحتى البرلمانيين السابقين من حزب الشعوب الديمقراطي، بينهم صلاح الدين دميرتاش، السياسي الكردي الأكثر شعبية في البلاد، يقبعون خلف القضبان بتهم تتعلق بالإرهاب بأدلة سطحية. بدءً من عام 2017، استولت الدولة على أكثر من 80 بلدية كانت تدار من قبل رؤوساء كرد منتخبين مبدّلة إياهم بأوصياء غير منتخبين وذلك بتهم أدائهم لعملهم بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني.
في آذار 2021 تم رفع دعوى قضائية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي بذات التهم. تتزايد احتمالية إغلاقها مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد بحلول 18 من حزيران 2023. يبدو ترجيح الكرد يميل للتصويت لصالح المعارضة، كما حصل في إعادة انتخابات بلدية اسطنبول لعام 2019. تعتقد الحكومة، أنه في حال استبعاد حزب الشعوب الديمقراطي، قد يقاطع الكثيرون الانتخابات، ما يصبّ في صالح حزب العدالة والتنمية.
في كل الأحوال، فإن تجريم الحزب وأعضائه يصعّب عليهم القيام بحملات انتخابية، سواء كانت شخصية أو لصالح جماعات المعارضة الأخرى.
وحول العنصرية المتزايدة ضد الكرد، كتب محمد كورت، الأكاديمي الكردي وزميل ماري سكلودوفسكا كوري العالمي في كلية لندن للاقتصاد، في مقال نشر حديثاً على الرغم من أن الكرد لا علاقة لهم بالانقلاب العسكري، إلا أنهم تحملوا نتائج تدهور الأوضاع السياسية.
مضيفاً في مقالته لقد واجهت أيضاً عدداً غير محدود من الاستدعاءات والتوقفات والتفتيش وتعّرضت للتمييز طوال حياتي في المناطق التركية. لقد شاهدت تغيّر تعابير وجه الأتراك عند اخبارهم من أين أتيت. واعتدت أنا وملايين الكرد على سماع الرد ذاته: لا بأس؛ إنهم (الأكراد) بشر أيضاً.
وقال كورت للمونيتور لطالما شكّلت قوات الأمن العمود الفقري للممارسات القومية والعسكرية والتمييزية ضد الكرد، كما كان الوضع في التسعينيات ومؤخّراً أثناء حرب المدن مع حزب العمال الكردستاني في عامي 2015 و 2016، عندما ارتكبت قوات الأمن التركية ما وصفته لأمم المتحدة بجرائم حرب ضد المدنيين الكرد.
وأضاف كورت بالنسبة للكثيرين منهم، كل الكرد مشتبه بهم بشكل طبيعي بغض النظر عن تورّطهم في أي نوع من النشاط أم دونه. عملية التحقيق والاعتقال يتم كنوع من الاضطهاد، ولا يتعلق الأمر مطلقًا بالاشتباه بل الهدف إعطاء رسالة واضحة للآخرين حول العواقب التي من الممكن أن يواجهوها.
أحد الأمثلة عن هذه الأفعال يمكن ايجاده في مداهمة لمنزل شخص متّهم بعضويته لحزب العمال الكردستاني تمت الإشارة إلى اسمه من خلال الأحرف الأولى فقط M.E.A، في قرية نائية تسمى أونيكيديري بالتركية وسيرسول باللغة الكردية في 20 حزيران (يونيو) الماضي، على الحدود مع إيران. تسببت لقطات قيام العشرات من أفراد الأمن بإطلاق النار في الهواء أثناء مداهمة المنزل بضجة على مواقع التواصل الاجتماعي. أكّدت بعثة لتقصي الحقائق بقيادة جمعية حقوق الإنسان التركية مزاعم السكان المحليين حول استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة غير المبررة ضد المشتبه به وزوجته، اللذين فقدا الوعي بعد تعرضهما للركل في ساقيهما، كما أدى دفعهم لابنتهما البالغة من العمر 7 سنوات إلى وقوعها على الأرض أثناء محاولتها حماية والديها.
عثرت جمعية حقوق الإنسان على 400 قطعة من فوارغ الرصاص في مكان الحادث، فيما نفت الولاية جميع الادعاءات الواردة في بيان اللجنة، قائلة إن عناصر من القوات الأمنية أطلقوا النار في الهواء بعد تعرّضهم للرشق بالحجارة من قبل السكان المحليين.
حادثة أخرى تشكّل أحد الأمثلة على الإفلات من العقاب وقعت في وان في أيلول (سبتمبر) 2020 عندما قامت قوات الأمن باعتقال مزارعين اثنين ونقلهم بطائرة هليكوبتر حيث تعرضّها للضرب حتى الموت خلال عملية النقل بتهمة مساعدتهما لحزب العمال الكردستاني. مات أحد المزارعين، فيما لا يزال الآخر يعاني من الإصابة التي لم يتعافى منها بعد.
كما تم اعتقال أربعة صحفيين محليين قاموا بتغطية القصة وحوكموا بتهمة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، وسط تصاعد الضغط على مؤسساتهم الإخبارية، ميزوبوتاميا ووكالة جين الجديدة النسائية بالكامل. سُجن 16 صحفياً على ذمة المحاكمة في وقت سابق من هذا الشهر بتهمة نشر دعاية إرهابية في ديار بكر، أكبر المدن ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد. اثنان منهم يعمل في وكالة ميزوبوتاميا وثالثة من وكالة جين.
قال مراسل ميزوبوتاميا، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن أسمه وسنسمّيه زكي، إن أحد الأسباب المحتملة للاعتقالات هو منع الصحفيين من الكشف عن القصص التي تريد الحكومة طمرها، خاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات وقبل أي هجوم عسكري آخر ضد الكرد السوريين الذين تعهد أردوغان بمعاقبتهم.
قال زكي لموقع المونيتور الضغط على وسائل الإعلام المستقلة بلغ أعلى مستوياته منذ 30 عاماً. سابقاً كانوا يوقفون عملنا بقتلنا. اليوم يستخدمون التهديد بالملاحقة والسجن، ما دفع العديد من زملائنا إلى مغادرة البلاد. إنهم يطبقون العدالة ضدنا بطريقة مزاجية صرفة.
*المصدر: المونيتور: الترجمة -المركز الكردي للدراسات.[1]