اجرى اللقاء / رزكار شواني
ونحن نستذكر هذه الايام الذكرى الثمانين لتأسيس الاذاعة الكوردية في العراق، لابد ان نحيي جميع العاملين في هذه الاذاعة العريقة ( مذيعين وفنيين وفنانين) من منهم على قيد الحياة و من منهم رحلوا والذين تركوا بصماتهم الواضحة بأحرف من نور على ماقدموا من خدمات جليلة من اجل الاعلام و الثقافة والفن الكوردي عبر هذه الاذاعة التي تعتبر المدرسة الحقيقية لبروز هؤلاء المبدعين .. وفي هذا المنبر نستذكر الرائد الاعلامي والإذاعي المخضرم هاشم علي مندي الذي استطاع ان يقدم عطاءا كبيرا منذ اواخر عام 1971 ولايزال يواصل عطائه الاعلامي عبر اثير الاذاعات العالمية كونه يعيش حاليا في المهجر .. فسيرة حياته تقول :
- جيئ بي الى كركوك طفلا رضيعا لم يكمل شهره السادس في صيف عام 1952، وفي رواية أخرى عام 1953 لإختلاف الرأي في سنة ميلادي، لم يكن المجئ طوعا بل رغما عنا حيث كان المرحوم والدي (علي مندي مبارك) يقضي حكما بالنفي الى كركوك وقبلها الى بغداد ومن بعد الى الرمادي لرفضه الاهانات العنصرية القومية والعرقية من رؤسائه المتعصبين، فكان يجرنا معه بحثا عن الكرامة ولقمة العيش.
لم يكن حالي افضل منه بل عانيت من الاضطهاد القومي والعرقي وانا طفل صغير، في حديثة لأني لم أكن اتحدث العربية بادئ الأمر، وفي كركوك لأني احتجت فترة لتعلم التركمانية، ولكوني احتجت ايضا فترة لتعلم السورانية، وانا البهديناني القادم من أعالي جبال آرارات، لكن كل ذلك اجبرني على اجادة اللغات المحلية واللهجات، والتحلي بالتسامح، ونبذ كل اشكال التمييز.
هذه الحقيقة تدحض مقولة ان الشعب كان بريئا من هذه النزعات العنصرية وان الساسة هم من يختلقونها بل الساسة يستغلونها لأنها موجودة فالكل يرفض الاخر وهذا يجبرنا على نبذها لمنع الساسة من استغلالها وتحقيق التعايش السلمي.
قضيت السنوات السبع الاولى من طفولتي في حديثة- الحقلانية- بالرمادي، انتقلنا بعدها الى كركوك ثانية لانتظم في مدرسة الحكمة الابتدائية للبنين ومن ثم متوسطة الحكمة فاعدادية كركوك للبنين.
شاركت في النشاط الفني المدرسي منذ الرابع الابتدائي في الغناء باشراف المرحوم قادر مردان وأنشدت في تلفزيون كركوك بالكوردية عند اول تأسيسه أي رقيب وباخجه ي باشا، شاركت في التمثيل في مسرحيات عدة مع الراحلين تحسين علي شعبان ومحمد انور رمضان والاستاذ سلمان فائق، والكاتب نصرت مردان.
البدايات مع الاذاعة والتلفزيون
بدأت بالتلفزيون كهاوٍ كما اسلفت، أما الاذاعة فعشقتها بسبب عشق والدي المرحوم لها حيث كنت الاحظ شغفه بالاستماع لاذاعتي بي بي سي وصوت اميركا اللتين التحقت بهما لاحقا، كان يستمع اليهما لانهما كانا يتداولان اخبار الثورة الكوردية وكان يستمع سرا لاذاعة صوت كوردستان ... دبرت له مرة مقلبا بتسجيل نشرة اخبار بنمط بي بي سي وادرت المسجل عند تمام الساعة وبعد دقات بيغ بن، إنتبه للمقلب حين ضج الاهل بالضحك لأنه كان يصغي باهتمام ... التحقت بالاذاعة الكوردية في بغداد في السنة الاولى لدراستي الجامعية في اكاديمية الفنون الجميلة، وحصل ان نجحت في الاختبار وكان باللهجة السورانية وحين علم المسؤول اني بهديناني استثناني لكن مسؤولا آخر اعادني وطلب مني البحث عن زملاء بهدينانيين مواز لعدد السورانيين لان برامج الاذاعة منذ تأسيسها عام 1939 كانت مناصفة بين اللهجتين.
كنت اول واخر مذيع في الاذاعة الكوردية في بغداد يذيع باللهجتين في الوقت ذاته حتى اغلاقها عام 2003 على حد علمي.
كما بدأت بتسجيل برامج باللهجتين في بغداد لتبث في تلفزيون كركوك في مجالات الثقافة والفن مثل برنامج جيهاني هونه ر و شانوو وشانوكه ري واعدت تصوير اغاني تراثية مع الطبيعة لحسن زيرك وعلي مردان ومحمد عارف جزراوي وغيرهم.
انتقلت الى الاذاعة العربية بالصدفة بسبب مضايقات المسؤول عن الاذاعة الكوردية الذي كان يحاول اجبارنا على الانضمام الى صفوف الحزب الحاكم، حيث شكوت الامر للزميل سعد البزاز وطلبت منه اختباري كمذيع وتم ذلك ونقلت في اليوم نفسه الى اذاعة بغداد في اول سابقة في تاريخ الاذاعتين وتسلمت النشرة الاخبارية الرئيسية في غضون اسابيع في حين كان هناك من ينتظر دوره لسنوات. تلك الفرصة اوصلتني الى مراحل متقدمة في الاداء المحلي الذي مهد لي للانتقال الى الاقليمية ومن ثم العالمية عبر العمل في مؤسسات عربية ودولية، في القارات الاربع اسيا، افريقيا، اوربا واميركا.
* بمن تأثرت في الوسط الاعلامي ؟
أول من تأثرت به اعلاميا المرحوم سعاد الهرمزي حيث كنا نسكن في محلة بكلر كنت انظر اليه باجلال وهو يتحدث بصوته الرخيم الجميل عبر الصندوق السحري – الراديو .
كذلك اخي وصديقي الرائد نهاد نجيب آوجي كنت معحبا بصوته العميق وأدائه الرزين ومن بعد تأثرت باساتذتي حافظ القباني، حسين حافظ، بهجت عبدالواحد، عبدالكريم الجبوري الذين اصبحوا فيما بعد زملائي واصدقائي.
اما الفنانين الذين تأثرت بهم وعملت معهم جاسم العبودي، ابراهيم جلال وجعفر السعدي وجعفر علي وكثيرون.
* متى تركت كركوك ؟
تركت كركوك عام 1970 لكنها لم تتركني حتى الان، بل اراها يوميا واحلم بها واشم رائحتها، اشم رائحة فجر احيائها شاطرلو وبكلر وامام عباس، واحس بزحمة سوق القورية ظهرا، واشم نسائم حديقة ام الربيعين وعرفة عصرا، ونزهة شوارع الجمهورية واطلس والمطار، واستذكر افلام سينما العلمين والحمراء والخيام واطلس... واتذوق كاهي ابو صباح وكباب الرشيد وعثمان، واتمتع بكنوز المكتبة العامة، خيالي لايخيب ظني ... انا في كركوك رغم بعد المسافات.
ومنذ ان غادرت كركوك لم اعد اهتم للاقامة او مغادرة اي مدينة او بلد كركوك المدينة الوحيدة التي تألمت لمغادرتها واتمنى العودة اليها. بعد كركوك عرفت الكثير من المنازل في اربع قارات وعبر العديد من البحار والمحيطات لكن الحنين ابدا لأول منزل كركوك .
انا الان مقيم في الولايات المتحدة، في ولاية فرجينيا المجاورة لواشنطن، اعمل في راديو سوا عراق وهي الى جانب الحرة والحرة- عراق ضمن شبكة الشرق الاوسط الاميركية للاعلام.
* كيف ترى الاعلام الكوردي ؟
الاعلام الكوردي يتمتع بمساحة واسعة من الحرية كنا نحلم بجزء يسير منها لذا فهي وصلت الى العالمية واصبحت وسائل اعلام محلية مصدرا للاخبار كما انتشر مراسلوها في عواصم القرار وهذا أمر جيد ...
* اخيرا ما ذا تتمنى؟
اتمنى أن اعود الى خدمة الاعلام الكوردي والعربي من جديد لبضع سنين ووضع خبراتي التي جمعتها منذ نحو اربعين عاما في خدمة المؤسستين الاعلاميتين العربية والكوردية، وأن اكحل عيني برؤية كركوك ومن تبق من الأهل وأصدقاء الطفولة.[1]