رفع شعار إستقلال كوردستان (1)
د. مهدي كاكه يي
من خلال التمعن في الواقع الكوردستاني، يظهر بعض الحقائق المهمة المتعلقة بالقضية الكوردستانية. هذه الحقائق هي عوامل مؤثرة جداً على القضية الكوردستانية، بل أنها تُحدد الخيارات الكوردستانية الهادفة الى تحقيق حرية شعب كوردستان و تحرير وطنه. لذلك ينبغي أن تؤخَذ هذه الحقائق بنظر الإعتبار عندما يتم البحث عن حل القضية الكوردستانية و إختيار الشعار الذي ستتبنّاه القيادة الكوردستانية لمثل هذا الحل و لوضع إستراتيجية متكاملة و ناجحة للنضال الكوردستاني.
الحقيقة الأولى: إن كوردستان بلد مُغتصَب من قِبل عدة دول و لذلك فهي مجزأة، كل جزء يتبع سياسياً و ثقافياً و لغوياً و إقتصادياً و إجتماعياً للدولة المُغتصِبة له و التي تنهب أيضاً الثروات الطبيعية الهائلة لكوردستان. نتيجة واقع التجزئة و مؤامرات الدول المُغتصِبة لكوردستان و إنعدام قيادة وطنية كوردستانية محنّكة، أصبح النضال الكوردستاني مجزأً و مشتتاً، حيث أن كل جزء من أجزاء كوردستان يناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل أن الأقاليم الكوردستانية في أحايين كثيرة تُخاصِم و تحارب بعضها البعض بدلاً من توحيد نضالها ضد مُغتصِبي كوردستان.
كما أن كل جزء مُغتصَب من كوردستان قام بتأسيس تنظيمات سياسية خاصة به، بدلاً من تنظيمات سياسية موحدة تضم كافة أجزاء كوردستان و بذلك يقرّ القادة السياسيون الكوردستانيون عملياً بتجزئة كوردستان و الإعتراف بالواقع الكوردستاني الحالي و بحدود الدول المُغتصِبة لكوردستان التي رسمتها الدول الإستعمارية و عمل هؤلاء القادة و لا يزالون يعملون على تجزئة النضال الكوردستاني و تفريق و إضعاف قوة شعب كوردستان.
الحقيقة الثانية: إن الخطورة الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تكمن في أن إستعمار كوردستان هو إستعمارٌ إستيطاني، حيث تدّعي الدول المُغتصِبة لكوردستان بأن شعب كوردستان هو جزء من الشعب التركي في تركيا و من الشعب العراقي في العراق و أنه جزء من الشعب العربي في سوريا و جزء من الشعب الإيراني في إيران و أن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي هذه الدول المُغتصِبة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان تعتبر كوردستان مُلكاً لها و بذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته و تُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين.
هذا الإستعمار الإستيطاني يُشكّل خطراً جدّياً على وجود الشعب الكوردستاني كشعبٍ مستقل له حضارته و ثقافته و تأريخه العريق. لِكي يدوم إستمرار الإستعمار الإستيطاني لكوردستان، يعمل المحتلون على إزالة آثار وجود الشعب الكوردستاني، حيث عملت حكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان و لا تزال تعمل على تعريب و تتريك و تفريس كوردستان و شعبها، حيث قامت بتشريد ملايين الكوردستانيين من أماكن سكناهم في كوردستان و ترحيلهم قسراً الى المناطق العربية و التركية و الفارسية في كل من (العراق و سوريا) و تركيا و إيران على التوالي و تم إحلال العرب و الترك و الفرس محلهم و تم إغتصاب ممتلكاتهم. كما تم تغيير عشرات الآلاف من الأسماء الكوردية للشوارع و الأماكن و القرى و المناطق و المدن الكوردستانية لإلغاء الوجود الكوردي في وطنه و على أرضه التأريخية. نتيجة هذه السياسة الإستعمارية الإستيطانية، تم تتريك و تعريب و تفريس الملايين من الكورد و تقلصت و إنكمشت حدود كوردستان.
الحقيقة الثالثة: قامت الحكومات العنصرية الحاكمة للدول المُغتصِبة لكوردستان، بترسيخ الفكر القومي العنصري الإستعلائي في نفوس شعوبها و تلقينها بمعلومات كاذبة مشوهة عن الشعب الكوردي و أصله و تأريخه و حضارته ضمن مخطط مبرمج لخلق عداءٍ قومي بين شعب كوردستان من جهة و الشعوب التركية و الفارسية و العربية من جهة أخرى لكسب هذه الشعوب الى جانبها للمساهمة في إنجاح مخططاتها العنصرية بِمحو شعب كوردستان كشعب و تتريك و تفريس و تعريب كوردستان لسرقتها و نهب ثرواتها.
هذا المخطط العنصري لغسل أدمغة الشعوب التركية و الفارسية و العربية تمّ و يتم عن طريق وسائل الإعلام و مناهج التعليم و عن طريق زج هذه الشعوب في حروب كارثية و تجويعها و تجهيلها و نشر الأمية في صفوفها لتسهيل عملية غسل أدمغتها و إنقيادها الى القبول و الإيمان بالفكر العنصري لحكوماتها و خلق مواقف عنصرية و عدائية تجاه حق الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال كأي شعب آخر من شعوب العالم.
هذه الحكومات نجحت الى حد كبير في إقناع شعوبها بأن كوردستان هي أرض تركية (القسم المُغتصَب من قِبل تركيا) و عربية (القسم المُغتصَب من قِبل العراق و سوريا) و إيرانية (القسم المُغتصَب من قِبل إيران). هذا النجاح لحكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان خلق شرخاً كبيراً في العلاقة بين شعب كوردستان من جهة و الشعوب التركية و الفارسية و العربية من جهة ثانية و الذي عمل على جعل تمتع كوردستان بإستقلالها من الأمور الصعبة من خلال الحوار و التفاهم و الإتفاق و في نفس الوقت قاد الى جعل النضال الكوردستاني أكثر صعوبةً.
لو أُعطيت الشعوب التركية و الفارسية و العربية فرصةً جيدة لتكون واعية و مُدرِكةً لمصالحها، لَكانت هذه الشعوب تتحالف مع شعب كوردستان لتحريره من الإحتلال و تحرير هذه الشعوب نفسها من حكوماتها الدكتاتورية و العنصرية لتحقيق الحرية و العيش الكريم لنفسها و لشعب كوردستان و لَقامت ببناء أنظمة ديمقراطية في بلدانها، تنعم بالحرية و السلم و الأمان و الإزدهار. إن مصالح شعب كوردستان تلتقي مع مصالح شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان للقضاء على الأفكار الشمولية و العنصرية المتخلفة و بناء دول ديموقراطية تعمل حثيثاً للإلتحاق بالدول المتقدمة المتحضرة و المساهمة في خدمة الإنسانية و تعمير و تطوير كوكبنا الأرضي، إلا أن تخلف شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هو عائق أمام توحيد صفوفها مع شعب كوردستان لتحرير نفسها من براثن الدكتاتورية و الشمولية و العنصرية من جهة و تحقيق إستقلال كوردستان من جهة أخرى. في الحلقة الثانية من هذه السلسلة من المقالات، نستمر في سرد هذه الحقائق المؤثرة على شعب كوردستان والتي يتحدد على ضوئها النضال الكوردستاني والشعار الذي ينبغي رفعه والإستراتيجية الصائبة التي يجب تحديدها.
[1]