رؤوف قره قوجان
استندت سياسة الدولة التي سادت في سوريا بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عبر انقلاب، على التوازنات واستمرت على هذا النحو. إن بقاء الأقلية العلوية في السلطة على المدى الطويل يتحقق من خلال المحافظة على التوازنات الداخلية. حنكة ومهارة حافظ الأسد في السياسة الداخلية ساهمت في الحفاظ على قوته وربطت السياسة الخارجية بالثنائية القطبية في العالم بسبب الحرب الباردة وحقق مكانة جيدة لسوريا. وقد اتبع نهجاً مماثلاً أيضاً بالنسبة للعالم العربي. علاقته مع المنظمات الفلسطينية ونفوذه في لبنان وسياساته ضد إسرائيل رسخت النهج نفسه.
كما استفادت حركة الحرية الكردية من هذا الموقف في سوريا. كانت علاقاتها مع التنظيمات الفلسطينية وعلاقاتها في لبنان واستخدامها للأراضي السورية مرهوناً بظروف تلك المرحلة. جاء حزب العمال الكردستاني إلى الشرق الأوسط وبقي في المنطقة لمدة 20 عاماً، لأنه استخدم قوته للاستفادة من سياسة التوازن في سوريا.
كان انهيار الاشتراكية الواقعية يعني نهاية سياسة التوازن في سوريا. توجهت القوى الرأسمالية العالمية، حكام العالم ذي القطبية الأحادية ، إلى الشرق الأوسط وأجبرت القوى الموجودة قوى الدولة القومية في العراق وسوريا وأفغانستان وتركيا على التغيير. وقد أدى ذلك أيضاً إلى تكوين علاقات جديدة من الناحية التكتيكية والاستراتيجية. مؤامرة 9 تشرين الأول الدولية، التي فُرضت على القائد آبو، جاءت نتيجة التوازنات الجديدة في الشرق الأوسط، أو كانت هي الخطوة الأولى للتدخل.
بعد أن تم توجيه البنادق إلى سوريا، لم يعد بإمكانها الإبقاء على القائد آبو. بسبب التهديد بالتدخل العسكري من قبل الدولة التركية والولايات المتحدة، أجبرت سوريا القائد آبو على المغادرة. نظراً للأهمية التي كان يوليها للصداقة، اضطر القائد آبو إلى مغادرة سوريا في 9 -10- 1998 من أجل وقف التهديد الذي تتعرض له سوريا.
24 عاماً مرت على المؤامرة الدولية. لم تكن مؤامرة فقط للقضاء على النضال من أجل حرية الشعب الكردي، بل كانت مؤامرة للقضاء على آمالهم. مؤامرة 9 تشرين الأول تم تقييمها وشرحها من جميع جوانبها. لقد تم إفشالها دون أن تصل إلى أهدافها وغاياتها. لكنهم ما زالوا يحاولون الاستمرار بها. بدأت المؤامرة في شخص القائد آبو واستمرت بمفاهيم جديدة لخطط الحرب والٍإبادة.
تستمر سياسة التوازنات التي سادت في عهد حافظ الأسد بطرق وسبل مختلفة. رغم أن سوريا أصبحت على سرير الموت، إلا أنها تحاول المقاومة والبقاء على أساس التوازنات. إنها لا تقاوم فحسب، بل إنها تقوي قبضتها تدريجياً وتحاول الحصول على تنازلات.
الحرب التي بدأت في آذار 2011 ما زالت مستمرة. هناك المزيد من الفاعلين على الأرض وقد تغيرت مواقفهم. أصبحت تركيا هي القوة المحركة لاستمرار الحرب الأهلية في سوريا واحتلت بعض المناطق. قامت بحماية معارضي النظام داعش والنصرة والمرتزقة الجهاديين الأجانب وعن طريقهم قامت بتحقيق مخططاتها حول سوريا. لقد بنت استراتيجيتها الأساسية على الإطاحة بالنظام. ولكن أفلست هذه السياسية، وهي الآن تجري وراء المفاوضات مع النظام.
نتيجة لتغيير سياسة التوازنات في سوريا، أسفرت الخطوات الأولية للمؤامرة عام 1998 عن اعتقال القائد آبو. الآن هناك خطر جديد. يجب على الكرد إعادة دراسة التقارب التركي السوري. ومع ذلك، تم الضغط على الكرد لاتخاذ موقف ضد سوريا وبُذلت جهود كثيرة من أجل ذلك. استقبلت الحكومة التركية إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي بالسجاد الأحمر في أنقرة. وكان معلوماً أنها أرادت استخدام الكرد وفق سياساتها وإجبارهم على القتال ضد سوريا. لم تستطع حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية الحصول على ما توقعته من الكرد، لذلك تحولت إلى عدو لا يرحم. على الرغم من ذلك، حافظ الكرد على السياسة الديمقراطية والحوار وحل المشاكل ضمن وحدة الأرضي السورية. واعتمدوا على سياسة الطريق الثالث. ولذلك فإن خططهم لاستخدام الكرد لم تنجح أبداً.
لم يستهدف الكرد أبداً الحكومة السورية خلال الحرب الأهلية السورية. وانسجاماً مع ذكرى القائد آبو في سوريا، كانوا من مؤيدي الحل في سوريا. إن إنشاء الإدارة الذاتية وإنشاء قوات دفاع لم يخلق قط تهديداً لسوريا. على الرغم من إمكانية حل المشاكل معاً من خلال الحوار، إلا أن مقاربات حكومة دمشق بفرض عودة فترة ما قبل 2011 لا تحل المشاكل ولا تسفر عن أي نتائج.
روسيا هي التي تتحكم بالوضع الحالي في سوريا وتركيا. روسيا بحاجة إلى تركيا وتركيا بحاجة إلى روسيا. على الرغم من أنهما تدوسان على أقدام بعضهما البعض، يبدو أنهما أقامتا شراكة مصيرية. السيناريوهات التي تجمع أردوغان مع الأسد وتحييد الكردي كتبت من قبل بوتين. لا مكان للكرد في هذه المعادلة. ما فُرض على الإدارة الذاتية لروج آفا في ذكرى مؤامرة 9 تشرين الأول هو أيضاً مؤامرة دولية، لكن اللاعبين فيها مختلفون.[1]