محمد زنكنة
من يتهم الكورد بالتطبيع؟
أقر مجلس النواب العراقي في السادس والعشرين من الشهر الجاري قانوناً لتجريم أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل، في خطوة كانت أحزاب الإطار التنسيقي تدعو إليها دوماً، رغم أن عدداً كبيراً من نواب تلك الأحزاب لم يحضر الجلسة.
المشكلة ليست هنا، إنما تكمن في الاتهامات المستمرة التي تتبناها هذه الأحزاب والأطراف ضد الأحزاب الكوردية والحركة التحررية الكوردستانية والقيادات السياسية في كوردستان بتسهيل التطبيع مع إسرائيل، وهي أسطوانة مشروخة لا تستخدم إلا للاستهلاك المحلي، ومع أن التاريخ خير شاهد على هذا الموضوع وبرغم التوضيحات التي قدمها السياسيون والصحفيون إلا أن في الإعادة إفادة، عسى ولعل، ولست متأكداً من ذلك، أن يكون ما نقوله ونذكره خطوة مهمة لإيقاف الادعاءات التي تطال إقليم كوردستان والتاريخ السياسي والثوري للنضال الكوردي.
لن أتحدث عن صلاح الدين الأيوبي لكنني اتحدى كل كتّاب التاريخ أن يأتوا باي قائد عربي أو مسلم استطاع أن يحقق ما حققه صلاح الدين في القدس بدليل أن الفلسطينيين مازالوا يصرخون بأعلى صوتهم فتحها عمر وحررها صلاح الدين ومن لها الآن، والمشكلة الأكبر تكمن في إننا الكورد ما زلنا ندفع ثمن تحرير القدس على يد صلاح الدين، حيث يذكر التاريخ بأن الجنرال الفرنسي هنري غورو وبعد دخول القوات الفرنسية إلى دمشق بعد إعلان الانتداب البريطاني على فلسطين، توجه نحو ضريح صلاح الدين الأيوبي، وقال: ´يا صلاح الدين أنت قلت لنا خرجتم من الشرق ولن تعودوا إليه، وها نحن عدنا فانهض لترانا فى سوريا´.
أي أن الكورد أصبحوا في القائمة السوداء لدول التحالف التي خاضت دوماً الحروب سوية واحتفظت هذه الدول للكورد بهذه العقدة، وللأسف سارت العديد من الدول العربية والإسلامية على ذات خط دول التحالف في هذه الفكرة واستفادوا من هذا السير واسسوا أكثر من عشرين دولة في ظل تقسيم مقيت وظالم لكوردستان.
وفي عام 1948، أي بعد عامين على إسقاط جمهورية كوردستان في مهاباد، أُعلنت اسرائيل كدولة من قبل ديفيد بن غوريون، وكانت إيران المحكومة من قبل عائلة بهلوي إحدى الدول المؤيدة لها، لتدخل الدول العربية التي لم تكن جميعها قد نالت استقلالها إلى دوامة حرب انتهت بفضيحة الأسلحة الفاسدة كما روج لها في ذلك الوقت، وقتها كان البارزاني الخالد ورفاقه من قوات البيشمركة في الاتحاد السوفييتي، فإن كانت لإسرائيل علاقات مع أي شخصية أو طرف كوردي، هل كان من الصعب عليها أن تضم الكورد أيضاً إلى جبهتها المؤيدة لها والعمل على استقلال كوردستان وكسب الاعتراف الغربي لها؟ ولكل من يريد ان يعرف كيف تعامل البارزاني مع اغراءات المخابرات السوفييتية في ذلك الحين، فليقرأ مذكرات بافيل سودوبلاتوف الضابط البارز الذي جند المئات من الجواسيس ونفذ العشرات من عمليات الاغتيال، ويركز كيف وبأي طريقة رفض البارزاني ورفاقه بان يكونوا تحت طوع وامرة السوفييت.
عشرات بل مئات من الجنود الكورد من خلفيات دينية ويسارية وحتى قومية، شاركوا في صفوف الجيش العراقي ومئات من الفدائيين انضموا لحرب فلسطين واُستشهد الكثير منهم وما زالت قبورهم موجودة في مدن فلسطين المختلفة، وكان للاذاعة الفلسطينية قسم باللغة الكوردية يدار من قبل الشاعر الراحل احمد دلزار، وكان من المقربين لثلاثي أدب المقاومة الفلسطينية محمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم.
وبعد عودة البارزاني الخالد ورفاقه من الاتحاد السوفييتي، نزل ضيفاً على القاهرة واستقبله الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والذي خاض أكثر من حرب مع اسرائيل منذ أن كان ضابطاً في فلسطين وضمن المحاصرين في الفالوجة، مروراً بوصوله إلى الحكم، وصولاً إلى أعوام 1956 و1967 وحرب الاستنزاف، فإن كان عبد الناصر يعلم بأن البارزاني ميال لاسرائيل وهو الذي قاد بمعية اخيه مولانا الشيخ أحمد بارزاني رحمه الله ثورتين ضد الحكومة العراقية في العهد الملكي وساهم في بناء جمهورية كوردية، كيف كان ليستقبل عبد الناصر هذا الزعيم بكل تقدير واحترام حتى وأن افترضنا بان استقباله كان بسبب خلافه مع عبد الكريم قاسم الذي كان يسميه ب(قاسم العراق – أي مفرق العراق ومقسمه)، هل كان ليفعل ذلك لو كان متأكداً بان البارزاني متحالف مع إسرائيل أو متواصل معها؟
ولا يمكن لأي شخص أن ينكر بأن البارزاني قد أوعز بايقاف كل العمليات العسكرية ضد الجيش العراقي في عام 1967 احتراماً لمشاركة الأخير في حرب الأيام الستة التي انتهت بنكسة كبيرة ما زال التاريخ يذكرها، على العكس من الجيش العراقي الذي لم يتوقف عن تدمير كوردستان وتغيير واقعها الديموغرافي على مرأى ومسمع العالم، فإن كانت إسرائيل وبعلاقاتها الطيبة مع دول العالم على علاقة بالقيادة السياسية في كوردستان، هل كانت لتسكت على ما يحصل في كوردستان؟ هل كانت لتسكت عن اتفاقية الجزائر والانفال والقصف الكيمياوي وآلاف من الجرائم حصلت؟
وبرغم كل العداء بين الدول العربية وإسرائيل، إلا أن دولاً عربية كبيرة ومهمة عقدت اتفاقيات سلام واوقفت حالة الحرب معها بل دخلت لمرحلة صداقة أبدية تتفاخر بها، وهنا لن اتحدت عن أي إيجابية أو سلبية لهذه المواقف، لان لهذه الدول سيادة ورأياً وإرادة والقرار بيدها، بيد أن المتابع الذي يسمع دوماً الاتهام المتكرر لكوردستان بالتطبيع مع إسرائيل، ألا يسال نفسه كيف وبمعية من اخترق الجاسوس إيلي كوهين والذي سمّى نفسه كامل امين ثابت أهم وأخطر المؤسسات العسكرية السورية؟ ألا يفكر كيف سلمت القنيطرة لإسرائيل لتمتد إلى الجولان وتأخذها تحت سيادتها دون أي قتال وببيان واحد، ألا وهو البيان رقم 66 والذي كتب من قبل وزير الدفاع في ذلك الوقت حافظ الأسد؟ ألا يفتشون عن تفاصيل الاتفاق بين إيران وإسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي اثناء حرب الخليج الاولى في قضية سميت ب (إيران كونترا أو إيران غيت)؟
مع ذكر كل هذه المعطيات، ما زال الكثير من الاصوات النشاز يريد أن يثبت ما يستحيل إثباته بصور مفبركة او بملفات لا أصل لها ولا توجد إلا في مخيلاتهم، ولا تظهر هذه الاتهامات إلا اثناء وجود حلول يبادر بها الجانب الكوردي لأي مشاكل سياسية يعاني منها العراق بدليل القصف الصاروخي الذي طال أربيل، ومهزلة أسماء الإسرائيليين الذين زعمت الميليشيات بانهم قتلوا والتي سرعان ما تحولت إلى تريندات ساخرة، هؤلاء ينطبق عليهم المثل القائل (كان غيرك اشطر)، حيث لا ينسى جيل الحرب العراقية الايرانية الكتاب الذي ألفه مدير المخابرات العراقية (والذي قتل بأوامر مباشرة من صدام في تسعينيات القرن الماضي) فاضل البراك، وتحدث فيه عن علاقات لم تتواجد إلا في خيال المؤلف بين الحركة التحررية الكوردية بقيادة البارزاني وإسرائيل، وفعلاً حقق الكتاب مبيعات فاقت كل التوقعات، ليس لمحتواه بل لصورة البارزاني الخالد التي كانت على غلاف الكتاب.
أما من يذكر تصرفات أشخاص غير مسؤولين رفعوا العلم الإسرائيلي في مسيرات الجماهير للإعداد لاستفتاء استقلال كوردستان، فهم يعلمون جيداً بأن أصحاب هذا التصرف أُلقي القبض عليهم حينها واتضح بعد ذلك بأن أطرافاً مناهضة للاستفتاء وبدعم من أحزاب متنفذة هي من دفعت بهم للانخراط في هذه المسيرات لتشويه صورة الاستفتاء، وإن تكرر الكلام حول المؤتمر الذي عقد في اربيل وانقلب من مؤتمر للسلام وإعمار المدن المنكوبة إلى دعم للتطبيع، في هذا الموضوع لست مسؤولاً عن حالة النسيان والتذكر الانتقائي التي تصيبهم.
لقد قلتها سابقاً وأقولها الآن، في الحديث عن القضية الفلسطينية والموقف الكوردي تخرس كل الألسن التي تتهم الكورد بالعمالة، فإن كان من يتهمنا بذلك من مؤيدي البعث الصدامي، فليراجعوا ما قاله المفكر العراقي حسن العلوي في أحد لقاءاته حول طريقة تعامل صدام مع الرئيس الراحل ياسر عرفات وتعمد اهانته لانه كان يكرهه، وإن كانوا من مؤيدي الميليشيات فليتصفحوا مواقع التواصل الاجتماعي ليروا ما ينشره نشطاء وصحفيون ومسؤولون من إسرائيل من الناطقين باللغة العربية من مقاطع فيديو تبين مدى حب العراقيين ودعمهم من الوسط والجنوب لإسرائيل وتضامنهم معها، ولا تنسوا من تهرب من التصويت على قانون تجريم التطبيع، ومن حضر ولم يرفع يده للموافقة على هذا القانون.
ملاحظة: الآراء التي ترد ضمن قسم المقالات تمثل آراء الكتّاب ولا تعبر بالضرورة عن رأي كوردستان 24.[1]