د.زارا صالح
الكرد في سوريا وإشكالية التمثيل السياسي
الكرد في سوريا وتحديداً في منطقة الشمال والشمال الشرقي يسكنون ضمن الخارطة المرسومة من قبل المنتصرين في اعقاب الحرب العالمية الأولى وهم ليسوا مهاجرين أو ضيوفا بل شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية كردستان الذي الحق جزء منها بالدولة السورية.
اذا كان النظام يتنكر الوجود القومي للكرد ومارس سياسة الصهر والتعريب والالغاء منذ عقود الا ان تناول اطياف المعارضة السورية ايضاً لا يختلف كثيراً عن رؤية النظام فيما يتعلق بالحقوق القومية وهذا بحد ذاته احد إشكاليات الرؤية السياسية حول مستقبل سوريا ومازال التعامل يتم وفق نظرة ان الكرد ليسوا مكونا او قومية لها خصوصيتها بحيث يكون التمثيل المناسب لهم. وعند حضور المحافل او المؤتمرات (آخرها سيكون جنيف 4) فتتم دعوة الكرد ككتلة سياسية ضمن هيئات المعارضة وليس كجسم مستقل يمثل مكونا وشعبا بعينه.
هذا من جانب المعارضة بغض النظر عن دعوة اي جهة سياسية كردية (سواء المجلس الوطني الكردي او حزب الاتحاد الديمقراطي) الا ان المعضلة الاخرى في هذه الإشكالية تكمن في الجانب الذاتي الكردي ايضاً والذي يتمثل في طرفي الصراع السياسي حول الاحقية في التمثيل والادعاء بتمثيل الشعب الكردي بصورة منفردة او بالأغلبية.
كما هو معلوم فان قضية التمثيل هي نسبية في معظم بلدان العالم خاصة في الدول المتقدمة حيث تداول السلطة والديمقراطية تكون هناك حكومة ومعارضة ولا احد يقر بدعوة تمثيل الشعب كاملة. لكن لدى الأنظمة الشمولية فان اغلبها تحكم باسم الشعب ولا تقبل الشراكة الا الشكلية منها ولعل تجربة الانظمة الشيوعية وكذلك انظمة العالم الثالث ومنها العربية في سوريا والعراق ابان حكم البعث على سبيل المثال لا الحصر فعند اول فرصة للظهور انفجر بركان ادعاء تمثيل الشعب وعمت الثورات وتبين مدى صحة الكذبة الكبرى نتيجة القمع وكبت الحريات والاحتقانات التي خلفتها والتي كشفت المستور في علاقة الجلاد و الضحية وخرافة تمثيل الشعب او الاب القائد الراعي، في حين أن بلدان المنظومة الشيوعية انهارت بشكل كامل وتحررت الشعوب واستقلت في دولها الجديدة المقهورة.
في سوريا حيث يشكل الكرد حوالي العشرين بالمئة من نسبة السكان هناك اكثر من طرف سياسي يدعي تمثيل الشعب. حزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بمنظومة حزب العمال الكردستاني الذي يمتلك قوة عسكرية (قوات حماية الشعب) ويدير الكانتونات الثلاث (الجزيرة وكوباني وعفرين) في المناطق الكردية ويقول بأنه يدير مؤسساتها حكمها باسم الشعب وحتى هذه التسمية اي اسم الشعب يتم تداوله في اغلب المؤسسات مثل (محاكم الشعب، بيوت الشعب وغيرها) كي تضفي شرعية اوسع في عملية التمثيل وجعله مقدسا باسم الشعب لتأتي بعدها وتقر في اغلب مفاصل الإدارة والحياة بانها تمثل ارادة الشعب اي بمعنى ان الشعب هو صاحب القرار وهو الذي اختار ممثله وحزبه وهنا تختزل المفاهيم وتصبح في اطار حكم الشعب نفسه بنفسه في ظاهره وهذه احدى ميزات منظومة الحكم للأحزاب الواحدة في قيادة الدولة والمجتمع معا.
الطرف الآخر هو المجلس الوطني الكردي المدعوم من قبل إقليم كردستان والذي يضم مجموعة أحزاب كردية ومستقلين وتنظيمات شبابية والذي بدوره يدعي بانه يمثل الأغلبية من الشعب الكردي في سوريا رغم افتقاره للقوة العسكرية وإدارة المنطقة (هنا لابد من الإشارة إلى وجود حوالي خمسة الالاف من بيشمركة روجافا تابعة له لكنها موجودة في اقليم كردستان حالياً) ، ينطلق المجلس الكردي في رؤيته هذه حسب مشروعه القومي وبانه حامله وبرنامجه السياسي حول مستقبل سوريا في الطرح الفيدرالي الذي يصرح قياداته بان ذلك يعطيه الاحقية في التمثيل كون حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم ليس لديه مشروعا كرديا قوميا وانما يؤمن بنظرية الامة الديمقراطية و اخوة الشعوب ولا يمثل طموح الاغلبية المطلقة من الكرد في سعيهم نحو الدولة المستقلة او فيدرالية جيوسياسية تناسب الوجود والحق الكردي في كردستان سوريا.
طبعاً بغض النظر عن رؤية الطرفين وحججهما في احقية التمثيل فانه من الطبيعي أن يكون للكرد اكثر من تمثيل سياسي بحكم تعدد الاحزاب والتيارات والاجندات الاقليمية وتأثيرها في ذلك، لكن تبقى المسالة نسبية في حقيقتها وهذا هو محاكاة للواقع كي لا نذهب بعيداً وبالتالي ليس بمقدور اي طرف الادعاء الحصري بتمثيل الكرد. العامل الاخر الذي يفند نظرية التمثيل المطلق كرديا هو عامل غياب الدولة وطواعية النضال الوطني السياسي في سبيل الحقوق القومية اي غياب المؤسسات الرسمية مما يضفي بعدا تعدديا لجهة التمثيل وارتباط ذلك بالبعد الكردستاني للقضية الكردية عموماً وعلاقاتها مع الجوار الاقليمي والتي تفرض واقعاً تشرذميا في اكثر الاحيان وهذا ما يعود بنا إلى القبول بنظرية التمثيل النسبي لاكثر من طرف سياسي ولعل ذلك احد اسباب ضعف التمثيل الكردي ككتلة واحدة بمختلف تلويناتها السياسية ضمن اطر ومؤتمرات المعارضة والملف السوري .
لكن هناك ايضاً خصوصية في الوضع الكردي والذي يتمثل في طموح كردي قومي جمعي عام في تحقيق حلم الدولة المستقلة ويرى احياناً كثيرة من وجهة نظر الشعب الكردي بان حاملي هذا الهم والخط السياسي والقومي هو الأنسب للتمثيل حتى في بعده النسبي لانه قضية شعب مرتبط بثوابت قومية لا يجوز المساومة عليها.[1]