#صباح كنجي#
دفعني لكتابة هذه الاسطر كثرة الكتابات التي ترافقت مع رحيل الامير تحسين سعيد بك.. وما احتوته من انتقادات سياسية واجتماعية متباينة .. تجاوزت حدود المرحلة الراهنة.. وغاصت في العمق مقتبسة من التاريخ الدامي المرافق لمسيرة الايزيديين.. بعض الحوادث جرى تحليلها بشكل خاطئ.. كما هو الحال الصديق العزيز الدكتور خليل جندي.. الذي حمل مقاله المعنون (هل ستبقى الإمارة في العمارة!!) واورد فيه تبريرات غير مقنعة لاسباب الفرمانات التي ذكرها وعزاها لمشاكل واخطاء شخصية.. لا تتعدى حدود الذرائع لتبرير الهجوم على الايزيديين في تلك المراحل المختلفة..
كما هو الحال مع فرمان ميري كورا.. ذلك الكردي الجبان الذي يشكل عاراً ابدياً في مسيرة الكرد الانسانية.. بعد ان تمادى هذا الارهابي القبيح في جرائمه وتجاوز حدود الايزيديين لتشمل الاشوريين والكلدان والسريان والارمن.. وما حل بالقوش والالقوشيين من خارج الدائرة الايزيدية مثال مؤلم على تلك الجرائم.. التي ارتكبها جيش الراوندوزي الاعور..
ولا ادري لأية اسباب مشابهة يمكن للدكتور خليل جندي ان يلجأ في تبرير وتعليل أسباب مداهمته لهم وللدير الذي تحول الى مسلخ بشري على يد القوات الاجرامية المهاجمة لهم .. طالمنا كنا في خانة البحث عن الذرائع وتحميل الضحايا وزر ما اصابهم.. بدلاً من الوقوف الجدي امام معطيات التاريخ الدامي ..وتشخيص المآل المؤدية للعنف والجرائم والفتك بالابرياء.. واستخلاص الدروس والعبر من ذلك ..
في رأيي انه لا يمكن تجاوز بعض الحقائق والمسببات والتي لا نحتاج لتثبيتها للكثير من الجهد وكل ما نحتاجه بعض الشجاعة وشيئ من الموضوعة لنكتشف اننا نواجه تحديات مصيرية تكررت في حقب متباينة ومتتالية تمثلت ب :
اولا : عدم وجود دولة قادرة على حماية مواطنيها وراعاياها.. وما كان في بلادنا منذ فجر التاريخ ولليوم لم يتعدى مفهوم دويلات المدن المتحاربة.. ومن ثم نشوء بعض الامارات الضعيفة وما تبعها من امبراطوريات دينية تطاحنت وتصارعت مع غيرها وجعلت من رعاياها وقوداً لحروبها المتواصلة والمتسلسلة ..
وتبعها في مراحل لاحقة في عهود مختلفة من نشوء الدولة الاسلامية.. ممارسات مذلة بحق غير المسلمين باعتبارهم من أهل الذمة.. خاصة في عهد الامبراطورية العثمانية التي شهدت تتالي المذابح وتوالي الفرمانات بحق الايزيديين وغيرهم.. كما هو الحال مع مذابح الارمن والآشوريين التي يندى لها الجبين ..
وما حل في العراق في عهد المملكة العراقية لا يقل شئناً ولا يخلو من العيوب ذاتها.. فيما يخص المواطنة.. بعد ان اعتبر العراق كبلد جزء من الامة العربية وجرى تنصيب ملوك وفرض قادة عليه من صحراء السعودية وبادية الشام .. حيث تواصلت الجرائم والتجاوزات بحق الايزيديين والاشوريين والارمن بعد اقل من عقد من عمر المملكة العراقية.. التي ارتكبت فيها الشناعات على يد الجيش الملكي بقيادة وزير الداخلية انذاك في سنجار وسميل والعديد من المدن والقرى التي دخلها الجلاد الكردي بكر صدقي صيف عام 1933..
اما في حقبة البعث بعهديها من عام 1963 ولغاية سقوط النظام البعثي الدكتاتوري فقد موست شتى الممارسات اللاانسانية بحق المواطنين وكان مفهوم المواطنة لا يتعدى المنتسبين لتنظيم حزب البعث واجهزته القمعية .. لقد كانت دولة مواطنة للبعثيين فقط وما عداهم فاليسحق ويعذب ويسجن ويطرد ومن ارتضى بالبقاء متشبثاً بارضه وممتلكاته عانى صنوف من العذاب والذل فصولها معروفة للجميع ولا تحتاج للتذكير ..
باختصار ان ما حل بالعراقيين سواء اكانوا ايزيديين او غيرهم ممن يتشاركون في التواجد على هذه الارض المشتركة والتي تأبى مساواتهم.. يشكل المدخل الاول للمصائب التي حلت بالجميع .. فامّا دولة مواطنة تكفل سلامة مواطنيها.. واما دولة عشائر واحزاب وقبائل تتطاحن وستكون الدماء الجارية متواصلة ..
والحل لهذه المعضلة لا يتعدى الكفاح المشترك لتأسيس دولة المواطنة الحقيقية الحديثة ،او الاستعداد المطلوب لمواجهة المزيد من الجرائم المنظمة بحق المتواجدين في بلاد الرافدين واولهم الايزيديون الذين لن يكون ما حل بهم في عهد داعش الا المقدمة والمحرك للمزيد من الفرمانات القادمة الآتية.. أقول هذا محذراً لا متشائماً من احتمالات تجاوز الوضع الراهن وتحقيق ما يمكن ان يكون دولة مواطنة وهذا افضل للجميع ..
ثانيا: التحدي الثاني ..
الذي يواجه الايزيديين يأتي من المحيط الاسلامي بحكم تداخل الدين في السياسة وعملية صنع التطرف وتغذيته.. هنا ينبغي ان نفرق بين الدين الاسلامي وما يحتويه من مفاهيم عنصرية وميول عدوانية تبجل العنف وتشرعنه وفقاً لنصوص الدين ابتداء من القرآن وانتهاء بالفقة والاحاديث التي تنسب لمحمد .. وبين جمهرة المسلمين الذي يتواجد بينهم المسالمون ممن لا يمكن التوجس من مشاعرهم وتصرفاتهم.. لكنهم يفتقدون القدرة على منع التطرف او التصدي له ومواجهته أو حتى تحجيمه ..
لذلك فإن المحيط الديني الراهن كما هو الحال في السابق يشكل معظلة حقيقية.. طالما كان احتمال نشوء التطرف من رحم الدين الاسلامي ممكناً في كل لحظة.. ويزيد من خطورة هذا العامل الجيوسياسي ما توفره العولمة من امكانيات هائلة للمتطرفين للتنسيق والعمل في هذه المرحلة.. التي لا يمكن استبعاد عودة التطرف وتكرار الفرمانات كما حدث في عهد دولة الخلافة الاسلامية الاجرامية داعش ..
التي نشأت ونمت وتوسعت بسرعة صاروخية وحصلت على الدعم من شتى الدول واجهزة المخابرات وتتقديم التسهيلات اللوجستية لها من اوساط دولية لغايات واهداف ستراتيجية بعيدة المدى.. ليس من السهل فك ارتباطاتها وحل شفراتها الآن .. سيتم الاعلان عنها لاحقاً كأية احداث وظواهر كبرى تحمل الغازها وخيوطها السرية التي تتعرض للكشف مع مرور الزمن ..
لهذا اقول.. ان المحيط الاسلامي.. بهذه المواصفات وبهذه الدونية من رجال العشائر.. الذين خضعوا لداعش وممارساتها الاجرامية.. يشكل تحدياً خطيراً ليس من السهل مواجهة تجاوزاته على الايزيديين وغيرهم.. خاصة في محيط الموصل واطراف سنجار ومناطق كردستان.. التي تشهد هي الاخرى زحفاً اسلامياً كردياً لا يقل خطورة عن داعش في حالة تفجر صواعقه المحتملة.. كما حدث في قضاء الشيخان عام 2007 والذي اسفر عن حرق المراكز الثقافية الايزيدية وتدمير قصر الأمارة وتهديد عموم الايزيددين ونهب متاجرهم ودكاكينهم في القضاء من قبل العشائر الكردية المهاجمة التي كادت تؤدي لمذابح كبيرة لولا تدخل خالد شلي وتصديه للمهاجمين في اللحظة المناسبة ..
التحدي الثالث ..
يتمثل بوجود احزاب سياسية متهرئة ومتآكلة.. فقدت المصداقية في العراق وكردستان .. وأصبحت هذه الهياكل الحزبية جزء من حالة الفساد وتراكم الخراب الذي يعاني منه المواطنون .. وبقدر ما يمكن قوله عن فقدان المصداقية وتحول هذه الاحزاب الى اجهزة قمع تكمل تراجع دور الدولة.. بقدر ما يمكن الحديث عن تمادى هذه الاحزاب.. وخاصة الاحزاب الكردية.. التي تسعى للاستحواذ على الاوضاع في كردستان.. وتتدخل في شؤون الايزيديين وتنصب عليهم العناصر الانتهازية والمسؤولين الذين يتاجرون بحقوقهم واوضاعهم.. وهذا ما حدث بشكل جلي وواضح مع تشييع الامير الراحل ومحاولات الضغط على العائلة الاميرية بتحريك العناصر الانتهازية للتدخل والمشاركة في اختيار الامير القادم ..
بدلا من السعي لتقديم الخدمات وتحسين اوضاع الايزيديين وتوفير الحماية لهم وارجاعهم الى قرارهم ومدنهم واعادة تعميرها.. حيث ما زالوا في المخيمات المذلة يعانون الحرمان والآلام التي لا يمكن وصفها.. وهي معروفة للجميع وفي المقدمة منهم هذه الاحزاب المتعفنة التي ما زالت تسعى لا متصاص ما تبقى من دماء الكادحين والنازحين ..
في هذا المجال اقول: ومع وجود هذه الاحزاب الكارثية لا يمكن للايزيديون ان يثقوا بأي طرف واثبتت التجربة ان الجميع يتحمل مسؤولية ما حدث لهم.. خاصة الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.. اللذان يتحملان مسؤولية كارثة سنجار .. وما لحق بهم من دمار وخراب على يد داعش.. وما زالو ينتظرون بيأس الى مصداقية القيادة الكردية وتراجعها عن تعهداتها في محاسبة المنسحبين والفارين من مواجهة الدواعش بدون قتال في مناطق سنجار وسهل نينوى ..
وسيبقى هذا الاستنتاج المؤلم يورق الكثيرين ويجعلهم يتوجسون من اي دور قادم للاحزاب.. على الاقل فيما يتعلق بشؤونهم ومستقبلهم.. لأن هذه الاحزاب خذلتهم بالجملة..
التحدي الرابع ..
فيما يتعلق بالدور الاقليمي والدولي ومدى مصداقية المؤسسات الدولية في توفير الحماية لهم ومعالجة مشاكلهم وبناء مدنهم المهدمة وضمان سلامتهم ومستقبلهم.. فقد ثبت لحد الان.. ان كل ما حصل لليوم لا يتعدى في خطواته حدود الاعلام والدعاية الرخصية.. مع استغلال بعض الحالات الانسانية لامتصاص النقمة او تسخيرها لغايات تصب في مجرى الصراعات الدولية والاقليمية.. وبقدر ما يمكن وصفه بالتدخل السلبي في شؤون العراق.. من قبل مختلف الدول ابتداء بأميركا وبقية الدول الغربية الباحثة عن مصالحها.. وانتهاء بالملكة العربية السعودية والاردن وتركيا وايران وقطر وسوريا..
فقد شكل هذا التدخل كارثة للايزيديين حيث ثبت بالدليل القاطع ان لمخابرات هذه الدول مجتمعة يدا خفية في خلق مظاهر التطرف ونشوء دولة الخلافة الاسلامية الاجرامية.. من منطلقات وحسابات مختلفة ومتباينة.. صبت جميعها في بودقة واحدة.. انتجت الكارثة الرهيبة التي ما زال الايزيديون يدفعون ثمنها ..
من هنا يمكنني القول ان التحدي القادم سيتواصل.. حاملا في طياته عدم الثقة بوعود هذه الدول والركون لمخططاتها .. التي لا تأبه لمصير ابناء البلد.. او مستقبل ابنائه وسلامة وجودهم لاحقا ً..
التحدي الخامس ..
الوضع المتهرئ والبائس للمجتمع الايزيدي.. الذي يعاني من خلل بنيوي في تركيبته الاجتماعية وتداخل دوائره الدينية والاجتماعية وتقاطعاتها .. زاد من محنتها ما خلفه الدواعش من دمار وخراب وذل.. يستدعي وضع الخطط الكفيلة بمواجهة تداعياته لفترات بعيدة المدى.. وهذا ما لا يمكن تحقيقه وانجازه.. الا من قبل مؤسسات تتتصدى له بجدية .. وفي المقدمة منها مؤسسة الامارة التي ينبغي عليها ان تبرمج اوضاعها وتتخلص من الفوضى والعفوية..
وتؤسس لما يمكن ان يكون البديل عبر استحداث مجالس للمرأة والشباب والعلاقات تشمل الدولة والاحزاب والاديان والمؤسسات الدولية الفاعلة.. وهذا يحتاج بدوره لزج العناصر الكفوءة من اصحاب الشهادات والمتحدثين بلغات العالم.. بالاضاقة الى تفعيل دور المرأة الايزيدية خاصة وان المجتمع الايزيدي لا يخلوا من الكفاءات في هذا المجال.. بما فيها نساء وبناة الامارة الذين برز بينهن الكاتبات والحقوقيات وخريجات جامعات.. دون ان نغفل حاجة المجتمع للاصلاح وتقديم الخدمات التي ينبغي التركيز على اولوياتها في مختلف المجالات ابتداء من:
1 العمل على تأمين المستقبل الآمن للايزيديين وضمان سلامتهم.. عبر مؤسسات وطنية ودولية تضمن حياتهم ومستقبلهم.. وتحويل سنجار وسهل نينوى الى محافظات مستقلة بادارة وحماية من ابنائها.. وتوفير مستلزمات تطويرها باستثمار وارداتها النفطية لصالح اعادة بنائها وتعويض المتضررين منهم دون استثناء ..
2 ايلاء اهمية استثائية للمضررين من الدواعش وانقاذ ما تبقى من سبايا ومعتقلين ومحتجزين من نساء واطفال وشباب وتعويضهم وضمان معالجتهم مع ضمان اعادة النازحين الى قراهم وايقاف تداعيات الهجرة المستمرة لليوم قدر الامكان ..
3 العمل على فتح جامعات ومشافي وتطوير كافة المؤسسات المطلوبة القانونية والحقوقية والتشريعية بما يتناسب مع تحويل سنجار وسهل نينوى الى محافظات مستقلة لاحقاً..
4 تبني مشروع فتح قنوات للري من سدة الموصل باتجاه الغرب نحو مدن وقرى سنجار من جهة وخط ثاني نحو الشرق على امتداد سهل سينا ومن ثم القوش وبقية سهل نينوى حتى قره قوش مرورا ببعشيقة ليكون عاملا لعودة النشاط والحيوية للزراعة التي تعرضت للتراجع بسبب الجفاف والاوضاع الاستثنائية غير المستقرة.
5 خلق مجالس استشارية فاعلة وضمان زج مجموعة من الشبيبة من الجنسين في قوام مكاتب اعلامية نشطة والاستفادة من الامكانيات التكنولوجية المتقدمة وما توفره شبكة الانترنيت من امكانيات هائلة.. بالاضافة الى التواجد الكبير للجاليات في الخارج.. وما يمكن الحديث عنه في المجال المهني والتخصصي كرابطة للاطباء واخرى للمهندسين والاستفادة منهم في ادارة المؤسسات المنبثقة في مناطقهم مستقبلا.[1]