العلاقة الوجودية وظيفياً بين الكومونات والمجالس
محمد سعيد شيخموس
في المقالة السابقة تحدثنا عن دور )الكومونات( في نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية، و ماهية هذه ) الكومونات ( ، وعرَّفناها على أنها أي )الكومون( يُعتَبَر أصغر خلية مجتمعية تُمثل حيّاً أو قريةً صغيرةً تَسنُّ لنفسها قوانين إدارية خاصة و نظاماً للحماية وتسعى لتأمين المستلزمات الأساسية للحياة من غذاء وماء وحياة اجتماعية صحية، دون أن تكونَ وسيلة تأمين هذه الاحتياجات الأساسية الجَشَع و الاحتكار و التسلط، بل الروح التعاونية التشاركية الهادفة لتأمين مستلزمات البقاء والعيش الكريم، و قد سادَ هذا النظام في عدة مراحل تاريخية سواء كان بهذه التسمية أو غيرها، في قديم التاريخ لم تكن هناك حروب للسيطرة وتجميع الأموال، وإنما كانت هناك آلية للدفاعِ عن الذاتِ و حماية المجتمع، كل شيءٍ كان ضمن إطار الدفاع ولم يظهر في تلك الحقبة من التاريخ سعيٌّ و حروبٌ من أجلِ تجميع المال حيثُ يقول القائد آبو : ) عندما خُلِقَ نظام المعيشة لم يكن الإنسان يبحث فيه عن مصالحه، بل كان يريد أن يعيشَ فقط، ومن هنا ظهر مفهوم علم الاقتصاد، أي أنه علمُ تلبية حاجات المجتمع ( استطاعت البشرية أن تحمي نفسها من خوض الحروب و المعارك في مرحلةِ « الكلان « لأنها كانت تسعى لتأمين حاجاتها فقط، وذلك عن طريق العمل الجماعي والاجتماعي، فمن مرحلة « الكلان « و حتى ) كومونة( باريس وصولاً لمشروع ) الأمة الديمقراطية ( للقائد المفكر « عبدالله أوُجلان « والذي يعتمد ) الكومون ( كقاعدة ارتكاز بناء هذا المشروع الذي سيحقق الديمقراطية بأفضلِ أشكالِها، يبقى نظام ) الكومونات ( هو أفضل الأنظمة الإدارية لمجتمعٍ طبيعي، ولكن السؤال هو:
-هل بإمكان ) الكومون ( أن يحقق النجاح و العيشَ الصحيِّ منفرداً؟
-هل يمكن الاكتفاء بتشكيل ) الكومون ( فقط لتحقيق الديمقراطية بحقوقها وواجباتها ؟
-ماهي الخطوات التالية لتشكيل ) الكومون ( ليكون فعالاً وذا نتيجة ؟
-هل العلاقة بين ) الكومونات ( والمجالس علاقة وجودية ؟
-ماهي ضرورة وجود مرحلة انتقالية قصيرة للانتقال من تشكيل ) الكومون ( إلى المجالس الفرعية، و المجلس العام ؟
-ما أهمية ودور هذا الانتقال لتشكيل مجلس ديمقراطي ؟
-ماهي شروط وصول ) الكومونات ( إلى النجاح لتكون مفتاح الحل لجميع المشكلات داخل المجتمع ؟
-هل بإمكان ) الكومون ( أن يُحقق النجاحَ و العيشَ الصحي منفرداً ؟
في تعريفنا ) للكومون ( قلنا بأنه أصغر خلية مجتمعية، تعبر عن خصوصيتها، و تستطيع إدارة نفسها، ولكن خصوصية الإدارة هذه غير كافية لتحقيق النجاح والوصول إلى الهدف المنشود من ) الكومون (، بمعنى آخر هل يمكن أن يبقى )الكومون ( منعزلاً عن الوسط المحيط، أي ) الكومونات ( المحيطة؟ بالتأكيد لا.
في هذه الحالة ما هو نوع العلاقة بين ) الكومونات ( وكيف تكون هذه العلاقة ؟ لفهم هذه العلاقة يمكن تشبيه ) الكومونات ( بخلايا الجسم البشري فكل خليةٍ تتمتع بصفاتٍ تميّزها عن غيرها من حيث الحجم و الوظيفة، وفيها نظامُ إدارةٍ ذاتية يشْرِفُ على العمليات الاستقلابيةِ داخلَ الخليةِ، ولديها نظام حمايةٍ ذاتية ضد المخاطر الخارجية. هذه الخلية على الرغم من وجود نظام إدارة و حماية لديها لكنها غير قادرة على أداء وظائف مهمة إلا إذا اجتمعت هذه الخلايا لتشكل عضواً من أعضاء الجسم والذي يقابلُ في نظام ) الكومونات ( تشكيل مجالس الخطوط والأحياء، ولكن أعضاء الجسم التي تُشَكل في النهايةِ الجسم البشري تحتاجُ إلى مُنَظّم رابط بين الأعضاء لأداء وظائفها دونَ أن يكون أداء هذه الوظائف سبباً لإشكالات ومضاعفات سيئة في الجسم، و لضمان سلامة أداء هذه الأعضاء لوظائفها كان لا بد من وجود مُنَسّق ورابط بين عمل الأعضاء، هذا الرابط الذي يُنَظّم عمل الأعضاء هو الدماغ الذي يُوَجه التعليمات عبر الأعصاب إلى الأعضاء و يُنَسق عمل وظائف هذه الأعضاء و يؤمن التوافق والانسجام بين الأعضاء، وتتلقى في النهاية الخلية المَعْلُومَةَ وتُؤدي وظيفتها .
الدماغ في الجسم البشري يُقابله المجلس العام الذي عن طريق ممثلي المجالس يقوم بتقديم الخدمات وإعطاء التوجيهات إلى )الكومونات( والتي بدورها توصِلهُا إلى كل أعضاء ) الكومون (، و لكي يكون هذا التشابه واقعياً يمكِنُ القول بأنَ حياة الخلية مرتبطة بمنظومة إدارية ألا وهي الدماغ ، وشرط سَلامَة نَجاح الدماغ في أداء وظائفهِ مرتبط بسلامة و صحة كل خلايا الجسم، و أي خَلَلٍ في عملِ أيِّ خليةٍ كانت يؤثر سلباً على الصحة العامة للجسم وسلامته .
هذه العلاقة بينَ الخلايا و الجسم يُقابلها العلاقة بين ) الكومونات ( والمجالس الفرعية التي تمثل الأعضاء، و المجلس العام الذي يُمَثلُ منظومة الدماغ المنسق والموجه لعمل الأعضاء. في هذه الحالة أيُّ خَللَ في أحد ) الكومونات ( ينعكسُ أثرهُ سلباً على نجاح المجلس العام في الوصول إلى أهدافهِ .
هل يُمكنُ تحقيق الديمقراطية بحقوقها و واجباتها بالاكتفاء بتشكيل ) الكومونات ( فقط ؟
الديمقراطية بمفهومها التقليدي تُعَرَّف بأَنها « حكم الشعب نفسه بنفسه « و هو مصدر السلطات في الدولة ، فهو يختار الحكومة وشكلها و النظام السائد في الدولة ، ولكن حتى لا يبقى هذا التعريف مصطلحاً فضفاضاً يجب أن تكون آلية تطبيق هذا التعريف واضحة و هي مرتَبِطة بآلية اختيار الحكومة أي الإدارة التي تُمَثّلُ إرادة المجتمع .
أما الديمقراطية بمفهوم « الإدارة الذاتية الديمقراطية « ضمن مشروع « الأمة الديمقراطية « للقائد المفكر « عبدالله أُوجلان « هي امتلاك الفرد ضمن المجتمع إرادة حرة في التعبير عن الرأي و المشاركة في صنع القرارات السياسية و الاقتصادية و الثقافية وغيرها ، و في الوقت نفسه هذه الديمقراطية لا تتحقق على أرض الواقع إلا إذا أدركَ الفرد واجباته و التزمَ طوعاً القيامَ بها ضمن ) الكومون ( ، و لكي تكون ) الكومونات ( مشاركة و ذات تمثيل في صنع القرارات العامة و الخاصة بالمجالس أو )الكانتون ( يجب أن تكون هناك آلية أو وسيلة لإيصال هذا التمثيل إلى مركز القرار . هذه الوسيلة و التمثيل يتم عبر المجالس الفرعية للخطوط و التي تُمَثّل ) الكومونات ( وتتشكلُ عبرَ انتخاباتٍ حرةٍ و ديمقراطيةٍ و تُمَثَّل هذه المجالس الفرعية في المجلس العام للمنطقة بانتخابات داخل المجالس الفرعية لانتخاب ممثلي تلك المجالس في المجلس العام و بالآلية نفسها يتم انتخاب ممثلي المجلس العام في مجلس )الكانتون (.
ماهي الخطوات التالية لتشكيل )الكومون ( ليكون فعالاً و ذا نتيجة ؟ و ماذا نسمي هذه المرحلة ؟
أثناء تشكيل ) الكومون ( يتم انتخاب بعض اللجان الأساسية مثل « لجنة الصلح « و » الحماية « و «الاقتصاد « و « اللجنة الخدمية ، « هذه اللجان التي يمكن تفعيلها من لحظة تشكيل ) الكومون ( هي ذات تأثير مباشر في المجموعة التي تشكل ) الكومون ( ، وكلما كانت هذه اللجان نشيطة و قادرة على القيامِ بواجباتها فإنها تخلقُ الثقة بأهميةِ ) الكومون ( ، و تُهيئ الأرضية لتشكيل المجالس الفرعية فالمجلس العام ، وهذه المرحلة الانتقالية ضرورية للتواصل والتعاون والتعارف بين أعضاء ) الكومون ( الواحد ، ) فالكومونات ( التي تشكل فيما بعد المجلس الفرعي حتى يتم انتخاب ممثلي ) الكومونات ( المناسبين و القادرين على القيام بواجباتهم في المجالس الفرعية ، وهنا تكمن أهمية المرحلة الانتقالية من ) الكومون ( للمجالس الفرعية و هي ضرورية للاختيار الديمقراطي السليم أثناء انتخابات المجالس.
الشروط الواجب توفرها في ) الكومون ( ليمتلك قوة الحل لمشكلات المجتمع:
عندما نقول بأن الهدف من وجود نظام ) الكومونات ( و المجالس هو العودة إلى الحياة الطبيعية للمجتمعات ، فالطبيعة تُعلمنا أن التوازن هو شرط استمرارية الوجود الطبيعي لكل الكائنات ، حيث نجد الآلاف من الأزهار بألوانها الزاهية ، و كل لونٍ يُعبر عن جمالهِ ، فتزدهرُ الحديقة ، و تصبح أكثر غنى من أن تكونَ بلونٍ واحد ، و هذا ينطبقُ على المجتمعات التي تحوي العديد من اللغات و الثقافات و الإثنيات ، و مثلما أن سر جمال الحدائق هو ظهور ألوانها ، فإنَّ شرط امتلاك ) الكومون ( قوة الحل لمشكلات المجتمع هو أن تتمتع كلُّ لغةٍ أو أثنيةٍ بإرادةٍ حرة في التعبيرِ عن نفسها و خصوصيتها ، هذا النوع من التوازن يجب أن يكون موجودا بين الرجلِ و المرأة ، العلم و العمل ، الفرد و المجتمع ، حتى بين الخير والشر ليكونَ للخير معنى يدفع الفرد للتضحية وصولاً لهذا الخير ، وللشر أعداء يسعون لشلِّ حركته و الحدِّ من انتشارهِ و إبطال تأثيره ، و مثلما أن الأزهار تكونُ أكثرَ جمالاً و نمواً إذا امتلكت تربتها ذخيرة غذائية كافية لنموها فإن ) الكومون ( الذي يمتلكُ رصيداً اقتصادياً سيكون أكثر تعبيراً و استقلاليةً ، و سيكونُ فاعلاً أكثر ضمن المجالس .[1]