=KTML_Bold=نبذة تأريخية عن #الكورد والآشوريين# و العلاقة بينهم -1- − كوردستان مهد السُلالات البشرية الأولى=KTML_End=
د. مهدي كاكه يي
إن العولمة والتقدم الهائل في وسائل الإتصالات والمعلومات وبروز معالم نظام عالمي جديد، زادت من وعي الفرد والشعوب على السواء والذي بدوره أدى الى بدء الشعوب المقهورة والمسلوبة الإرادة بالإنتفاضة والثورة على المحتلين وعلى الحكومات العنصرية والشمولية البدائية المتخلفة وقاد الى التغييرات التي حصلت وتحصل في منطقة الشرق الأوسط وفي جنوب غرب آسيا وخاصة في الدول المحتلة لكوردستان وإنهيار صرح هذه الحكومات العنصرية المتخلفة وتأسيس إقليم شبه مستقل في جنوب كوردستان. كل هذه التطورات الإيجابية التي هي لصالح شعب كوردستان، خلقت ظروفاً ممتازة للقيام بدراسات وأبحاث علمية موضوعية حول التأريخ الكوردي لإكتشاف المعالم الحقيقية لحضارة الشعب الكوردي وتأريخه وعراقته وإمتداد جذور وجوده في وطنه الى عُمق التأريخ. هكذا بدأت الدراسات التأريخية الموضوعية تُجرى عن التأريخ العريق للشعب الكوردي وتنكشف محاولات المحتلين العنصريين في تزييف الحقائق حول التأريخ الكوردي وعراقة حضارته ولغته. لذلك إرتأيتُ أن أكتب نبذة مختصرة جداً عن إمتداد الوجود الكوردي في كوردستان في عمق التأريخ، حيث أن كوردستان هي مهد السلالة البشرية الأولى والثانية، لتعريف قُرّاء العربية بتأريخ وحضارة الكورد للمساهمة في خلق شخصية كوردية ذات الإعتداد بالنفس والبعيد عن الشعور بالدونية والتبعية الناتجة عن إحتلال كوردستان لفترة زمنية طويلة وفرض ثقافات ولغات وحُكم محتلّي كوردستان على الشعب الكوردي. كما أن الهدف من هذه الدراسة هو كتابة تأريخ الشعب الكوردي بصورة علمية موضوعية مبنية على الحقائق ومستندة على مصادر موثوقة ودحض أكاذيب ودجل محتلي كوردستان حول تأريخ الشعب الكوردي وقيامهم بإلغاء وتعتيم وتشويه التأريخ الكوردي العريق وإدعائهم بحداثة الوجود الكوردي في المنطقة وكشف تزويرهم لتأريخ هذا الشعب العريق وفضح تضليلهم لشعوبهم، حيث أن كوردستان هي مهد الحضارة البشرية.
إن كوردستان هي مهد الحضارة البشرية إستناداً الى الآثار القديمة التي تم إكتشافها فيها، حيث يذكر العالم الأمريكي البروفيسور روبرت جون بريدوود بأن الإنتقال من حياة الصيد الى حياة الزراعة حدث في شمال كوردستان في حوالي عام 6000 - 10000 قبل الميلاد. كما أنه يضيف بأن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طوّرت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للإستعمال اليومي وأن الزراعة وتطوير المحاصيل قد وجدتا في كوردستان منذ (12) ألف سنة، إنتشرت منها إلى ميزوبوتاميا السفلى، ثم إلى غرب الأناضول ثم إلى الهضبة الإيرانية ثم وصلت منذ ثمانية آلاف سنة إلى شمال أفريقيا ثم أوروبا و الهند. يضيف هذا العالم الأمريكي بأن الكثير من المحاصيل التي نعرفها الآن، كالقمح والذرة والشعير قد إنطلقت من كوردستان. حول الصناعة، يؤكد البروفيسور المذكور بأن الموقع الآثاري چيانو الواقع في شمال كوردستان يمكن أن يُطلق عليه إسم أقدم مدينة صناعية في العالم، حيث يُستخرج منه النحاس إلى يومنا هذا، كما عُثر فيه على صلصال دُوّن عليه التبادل التجاري.
في شمال كوردستان، في موقع چيانو و الذي يعني بالكوردية الجبل الجديد، الذي يقع في شمال غرب مدينة آمد (ديار بكر)، تم إكتشاف آثار تعود الى أكثر من سبعة آلاف سنة قبل الميلاد و كان عدد المساكن فيه يتراوح ما بين 25 و50 بناية وكان فيه أيضاً مخزناً لحفظ المواد. تم العثور في هذا الموقع أيضاً من قِبل عالم الآثار روبرت بريدوود وفريقه التنقيبي على أقدم قطعة قماش في العالم والتي تمت حياكتها في حوالي عام 7000 قبل الميلاد. كما يُعتبر موقع چيانو مهد تصنيع النحاس، حيث تم فيه إكتشاف بعض الأدوات النحاسية التي يرجع تأريخها الى عام 7200 قبل الميلاد (مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797، ترجمة الدكتور خالد فاروق عمر، الدار العربية للموسوعات، بيروت، الطبعة الأولى، 2000).
في جنوب كوردستان، في كهف زرزي الواقع قرب منابع نهر الزاب الأسفل وعلى سفوح الجبال المقابلة لسورداش، تم العثور على آثار تعود الى أواخر العصر الحجري القديم، من قِبل عالم الآثار دوروثي گارود وهذه الآثار عمرها أكثر من 12 ألف سنة (الدكتور جمال رشيد والدكتور فوزي رشيد أحمد: تأريخ الكرد القديم، أربيل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1990، صفحة 27). عثر هذا العالِم في كهف هزارميرد الواقع قرب مدينة السليمانية على صناعة صوانٍ أولية و دلّت إكتشافاته على أنه كان هناك إتجاهاً متزايداً نحو الإعتماد على المنتوجات النباتية وأن أهل الكهف كانوا يعرفون الزراعة و تدجين الحيوانات (سيتون لوريد: بلاد الرافدين. ترجمة الدكتور سامي سعيد الأحمد، بغداد، دارالرشيد، وزارة الثقافة والإعلام العراقية، 1980، صفحة 22). لقد وجِدت في الكهفَين المذكورَين ملتقطات تعود للعصر الحجري القديم.
كما أن عالم الآثار روبرت بريدود من جامعة شيكاغو إكتشف في عام 1928 أدوات من الحجر في كهف هزارميرد تعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط (مائة ألف عام قبل الميلاد) وهي مجموعة آثار حجرية من صنع الإنسان المسمى نياندرتال (الدكتور تقي الدين الدباغ و الدكتور وليد الجادر: عصور ما قبل التاريخ، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1983).
يعد كهف (شانيدر) من أشهر الكهوف الأثرية في عصور ما قبل التأريخ في الشرق الأدنى ومنطقة غربي آسيا، حيث يُعتبر هذا الكهف من أقدم المستوطنات الزراعية في العالم (الدكتور تقي الدين الدباغ والدكتور وليد الجادر: عصور ما قبل التاريخ، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1983، صفحة 136-140) ، حيث عُثر في كهف شانيدر على أول هيكل عظمي لإنسان النياندرتال يرجع تأريخه إلى العصر الحجري القديم (المستيري) والذي يرقى إلى ما قبل حوالي خمسين ألف سنة (الدكتور أحمد سوسة، حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسومريين، بغداد، دار الرشيد، 1980، صفحة 377). قام الأستاذ رالف. س. سوليكي بإكتشاف أربعة هياكل بشرية ذات مزايا إنسان النياندرتال في كهف شانيدر وذلك بين السنوات 1953 و1957 (أ.و.ل فيلجيفكسي: الأكراد: البداية والتاريخ الأثنوغرافي في الشعب الكردي، ترجمة الدكتور أحمد عثمان أبو بكر، مجلة شمس كردستان، العدد 86، بغداد، 1984). يقع هذا الكهف في جبال زاگروس عند الحافة الشمالية الغربية لسلسلة برادوست في جنوب كوردستان. إن الاختبارات التي أجراها المختصون تشير إلى أن الإستيطان الأول لإنسان النياندرتال في كهف شانيدر تم 100 ألف عام قبل الميلاد.
تم العثور في موقع (برده بلكه) الواقع في شمال شرق چمچمال الواقعة في جنوب كوردستان، على أدوات كثيرة من الحجر معظمها بهيئة فؤوس يدوية، يرجع تأريخها إلى العصر الحجري القديم، أي ما قبل نحو (مائة ألف سنة) (الدكتور أحمد سوسة، حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسومريين، بغداد، دار الرشيد، 1980، صفحة 352؛ الدكتور جمال رشيد والدكتور فوزي رشيد أحمد: تأريخ الكرد القديم، أربيل، دار الحكمة للطباعة والنشر، 1990، صفحة 62).
قامت بعثة آثارية من جامعة شيكاغو برئاسة عالم الآثار روبرت بريدوود بالتنقيب في قرية جرمو الأثرية التي تقع أسفل جبال زاگروس في شرقي مدينة كركوك. توصلت االبعثة الآثارية الى أن الإنسان القديم بنى قرية زراعية مستقرة في جرمو قبل أكثر من 9000 عام (الدكتور جمال رشيد والدكتور فوزي رشيد أحمد: تأريخ الكرد القديم، أربيل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1990، صفحة 28) وكان يعيش في هذه القرية ما بين 100 الى 150 شخصاً. كما وجدت فيها آثار تدل على قيام سكان القرية القدماء بتدجين بعض الحيوانات مثل الماعز والأغنام والكلاب وأنهم كانوا يزرعون الحنطة والشعير والبازلاء لإطعام أنفسهم وحيواناتهم (عبدالفتاح علي يحيى: كردستان مهد حضارة العصر الحديث، مجلة كاروان، العددان 96 و70، أربيل، 1988).
في غرب كوردستان، في كهف (الدودرية) الواقع بالقرب من قرية برج عبدالو، عثرت بعثة أثرية يابانية في عام 1992 على عظام طفل في الخامسة من عمره والذي يعود تأريخه إلى مائة ألف عام وقد أثبتت الإكتشافات الأخيرة هذه بأن المنطقة تعد بمثابة موطن السلالة البشرية الأولى، وعثر فيها أيضاً على بقايا صوانية وعظمة تعود إلى إنسان ما قبل التاريخ، الذي يعود إلى الدور النياندرتالي (بابي ريبەر: نظرة على ماضي وحاضر جبل الكرد، مجلة متين، عدد 29، صفحة 111-114).
في شرق كوردستان، في كهف بيستون الواقع قرب كرمانشاه وكذلك في كهف تامتاما الواقع قرب بحيرة أورمية، تم العثور على أدوات مصنوعة من الصوان من قِبل عالم دراسات الإنسان (الأنثروبولوجيا) الأمريكي كاريلتون كوون سنة 1949 وهذه الأدوات تشبه تلك التي إكتشفته دوروثي جارود في كهف (هزارميرد) وهذا يدل على أن الذين سكنوا في هذه الكهوف كانوا من نفس النوع من البشر أي أنه كانت هناك علاقة مشتركة بين الأقوام التي أنتجت تلك الاثار الحضارية {الدكتور سامي الأحمد ورضا جواد الهاشمي: تأريخ الشرق الأدنى القديم (إيران والأناضول)، بغداد، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي صفحة 39 (تأريخ إصدار الكتاب غير مذكور)}.
يقول المستشرق الإنكليزي البروفيسور إدوارد براون بأن الآثار التي تم إكتشافها في شوش (سوسه) في إيلام، تُقدّر أعمارها بحوالي 20 ألف سنة. يضيف هذا البروفيسور بأنه فيما لو تستمر التنقيبات في شوش، فأنها ستقود بلا شك الى العثور على أدوات وأشياء أقدم من تلك التي تم إكتشافها (إدوارد براون، تأريخ الادب في ايران. ترجمة أحمد كمال الدين حلمي، الجزء الأول، الكويت، 1984، صفحة 185).
ملاحظة: المصدر الرئيس الذي تم الإعتماد عليه في كتابة هذا القسم هو مقال المؤرخ عثمان يوسفي، الباحث في جامعة طهران، المعنون {تاريخ كُردستان (على ضوء المكتشفات الاثرية)}.
[1]