نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (30) – أسلاف الكورد: الميديون
د. مهدي كاكه يي
سقوط الإمبراطورية الميدية
بعد أن نجح كورش في ضمان دعم قائد الجيش الميدي (هارپاك) له ونجاحه في التحالف مع الممالك الأخرى في المنطقة، في مسعاه للإطاحة بِحُكم جدّه (أستياگ) وإسقاط الإمبراطورية الميدية، قام كورش بقيادة جيش ضخم في هجومه على الإمبراطورية الميدية. إستمرت الحرب بين الجانبَين لمدة ثلاث سنوات. بعد أن إنضم إليه أعداد كبيرة من القبائل الفارسية والكوردية وغيرها، المُستاءة من حُكم الملك الميدي، زحف كورش على رأس جيش جرّار نحو العاصمة الميدية وبالقرب منها نشبت معركة كبيرة بين الطرفَين المُتحاربَين، وكان (أستياگ) يقود قواته بنفسه، حيث دافع عن عاصمته دفاعاً مستميتاً للحفاظ على عرشه ومملكته، إلا أن قائد الجيش الميدي (هارپاك) حسم مصير الحرب الدائرة، عندما إنضمّ مع مَن كان معه من قادة وجنود الى صفوف جيش العدو وبذلك وجّه طعنة قاتلة الى صدر الملك الميدي (أستياگ) وجيشه، حيث أدى الى ضعف الروح المعنوية للجيش الميدي، الذي لم يستطع الصمود أمام جيش العدو وبدأ ينهزم في ساحة المعركة. هذا قاد الى إندلاع ثورة عارمة في مملكة ميديا والتي تمخضت عنها إسقاط حُكم (أستياگ) في عام 550 قبل الميلاد.
هكذا لعبت الخيانة دورها في رجحان كفة جيش (كورش)، حيث أن عدداً قليلاً فقط من أفراد الجيش الميدي، لم يكونوا على علم بالمؤامرة التي أحاكها (هارپاك) ضد الملك الميدي (أستياگ) ولذلك فأن هؤلاء القلة حاربوا ببسالة، بينما الباقون والذين كانوا يُشكلون أكثرية أفراد الجيش الميدي، فأنهم أما فرّوا من ساحات القتال أو إستسلموا وإنضموا الى الجيش الغازي1. هكذا دخلت القوات الفارسية الغازية العاصمة الميدية وأسقطعت الإمبراطورية الميدية وتم خلع الملك (أستياگ) عن عرشه2.
لقد عامل (كورش) جده الملك (أستياگ) بإحترام كبير وأبعده الى (هيركانيا) الواقعة في شمال إيران الحالية، حيث أنه قوبل بإحترام كبير من قِبل حاكم (هيركانيا). قام (أستياگ) بالإلتقاء بإبنته (ماندانا) وبعد ذلك، بناءاً على أوامر (كورش)، تمّ أخذ (أستياگ) من قِبل أحد القوّاد الذي كان إسمه (بتسياك) الى منطقة صحراوية وتركه هناك وحيداً، فمات من الجوع والعطش3. هكذا إنقرضت الإمبراطورية الميدية وتمت إقامة إمبراطورية فارسية على أنقاضها والتي حملت إسم (الإمبراطورية الأخمينية) وذلك في سنة 550 قبل الميلاد.
لقد أحسن كورش معاملة (هارپاك) وقام بتكريمه، حيث أنه هو الذي حسم الحرب لصالح الأخمينيين وساهم في إسقاط الإمبراطورية الميدية وتأسيس الإمبراطورية الأخمينية.
لما وقع أستياگ في الأسر، جاءه (هارپاك) يقرّعه ويهينه، فرماه الملك الميدي بنظرة إزدراء، وسأله إن كان شريكًا لكورش في مؤامرته، فصرّح هارپاگ أنه هو الذي حرّض كورش على الثورة، فقال له أستياگ:
إذاً فأنت لستَ الأشدَّ لؤمًا بين البشر فقط، بل أكثرَ الرجال غباءً، وإذا كان ﮪذا من تدبيرك حقاً، كان الأجدرُ بك أن تكون أنت الملك، ولكنك أعطيتَ السلطانَ لغيرك، واللؤمُ فيك جليّ، لأنك بسبب ذلك العَشاء حملتَ الميديين إلى العبودية، وإذا كان لا بدّ لك من أن تُسلّم العرشَ لآخر غيرك، لَكان الأجدرُ بك أن تقدّم هذه الجائزة لِميدي، بدلاً من فارسي، لكنّ الحال القائمة الآن هي أن الميديين الأبرياء من كل جُنحة، أصبحوا عبيدًا بعدما كانوا أسياداً، وأصبح الفرسُ سادةً عليهم، بعد ما كانوا عبيداً عندهم4.
هكذا إختفى الميديون مبكراً من المسرح السياسي لِغرب آسيا بعد أن كانوا أسياداً لهذه المنطقة، حيث أن حكمهم دام لمدة مائة وثمانية وعشرين عاماً. كانت الإمبراطورية الميدية تحدها من الشرق أفغانستان، بل كان بعض أراضي أفغانستان جزءاً من ميديا، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال مناطق (كادوس) فيما وراء نهر (آراس) ومن الجنوب الخليج الفارسي، حيث أنها كانت تضم كلاً من فارس و أرمينيا و آشور و إيلام و هيركاني و جزء من باكستان على المحيط الهندي و كذلك غربي كوردستان.
المصادر
1. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 93.
2. المصدر السابق.
3. دياكونوف. ميديا. صفحة 115.
4. أرنولد توينبي. مختصر لدراسة التاريخ. الجزء الثاني، صفحة 187.
[1]