ما هي غاية بشار الأسد من الإدارة الذاتية
#محمود عباس#
الحوار المتمدن-العدد: 6993 - #19-08-2021# - 09:15
المحور: القضية الكردية
حديث المجرم العرضي عن مفهوم الإدارة الذاتية ربما لا يستحق النقاش عليه، وحتى التطرق له، لكن بما إننا أصبحنا بهذا الكلام أمام منهجية الأسد المقبور، بعد تدميره لحماه وحلب، يوم أعطى أبناء المدينتين بعض الصلاحيات؛ وعدل بندين من الدستور، وعلى عتباتها أستمر في تدمير الوطن، وإذلال المجتمع السوري، فلا بد من تعرية محاولات الأبن قبل إعادة منهجية والده، بعدما أزداد حسه بقرب نهايته، بغض النظر عما يقال إنه ربح الحرب على الأرض.
أثبتت تجارب التاريخ أن نهايات الطغاة غير متوقعة، وفي مرحلة يكونون فيه على قمة نشوة النصر، لكنهم وبحدس ما يشعرون بدنوا الأجل، وإلا فمن شبه المستحيل أن يتنازل المجرم بشار الأسد عن سلطاته الشمولية المركزية، وهو على دراية تامة أنها ستكون بداية دماره، إن لم يكن من الشعب، فمن حاشيته المتغذية على الدكتاتورية.
أين كانت الضغوطات، روسية، إيرانية، أو خباثة سياسية، فعرض منطق الإدارة الذاتية تعني في بعدها العام اللامركزية في السلطة، حتى ولو إنها مررت بعجالة في كلمته، منافقا على أنه كان على أبواب تطبيقها قبل عام 2011م، ويقال إن الكلمة كانت موجهة لأبناء الجنوب، على خلفية أحداث درعا الأخيرة ومحافظة السويداء، وهي في البعد العملي غير منطقية، لأن المقترحات التي يعرضها الوفد الروسي، في المفاوضات الجارية الأن على لجنتي أبناء درعا حول رسم خريطة الطريق، ليس فقط تلغي كل ما له علاقة بمنطق الإدارة الذاتية، بل يطالبهم الوفد بالعودة إلى سلطة مركزية مطلقة.
كما ويستثنى منه الطرف الأخر، المنطقة الشمالية الغربية، إدلب وعفرين، المحتلة من قبل تركيا، فإلى جانب وضعها الكارثي، تعتبرها المعارضة العربية، والمنظمات التكفيرية المهينة للثورة السورية، محررة وبداية ليس لإدارة ذاتية، بل مقدمة لإقامة دويلة بنظام إسلامي سني منفصل، تحت الوصاية التركية الإسلامية.
ويظل هناك الجزء المتبقي من المنطقة الكوردية بعد احتلال عفرين (الإدارة الذاتية في شرق الفرات) وخروجها من معادلة المساومة، وهي الأعمق جدلا، وحيرة، لكل القوى المتصارعة على سوريا، وفي مقدمتهم سلطة بشار الأسد، والمعارضة العربية، بل وحتى بين القوى الكوردية المتضاربة فيما بينها.
لأن الجهة الأولى والثانية ترفض الإدارة الذاتية والفيدرالية دون حوار، وبجمود فكري، ومنهجية سلطة الأسدين والبعث في هذا أكثر من فاضح، لكنها ولخباثة مترسخة فيها من عهد المقبور وإرشادات روسية، بإمكانها الحوار فيم إذا كانت تأمل بإعادة سيطرتها على المنطقة. والأخيرة، أي الحراك الكوردي، لا زالت على خلاف واختلاف حول ما تم ولم يتم من رسم الخطوط النهائية لمشروع سياسي كوردي واضح حول مصير المنطقة، وهو ما يسهل للنظام المجرم عرض خطط خبيثة للتلاعب بمفاهيم حراكنا الحزبي.
فما طلبته، وحاورت عليه، معظم الأطراف الحزبية الكوردية من قوى المعارضة والنظام، مشاريع ومنهجيات ضبابية؛ تأثرت بالظروف والعلاقات والمصالح الحزبية، تغيرت ولا تزال تتغير بشكل دراماتيكي، انتقلت من الحقوق الثقافية السياسية، إلى الحكم الذاتي، إلى الإدارة الذاتية (وهذه لها أوجه متعددة غريبة) إلى الفيدرالية المتعالية صوتها والمختفية حسب مصالح بعض القوى الكوردية، وتأثرهم بردود أفعال المعارضة أو القوى التي تتعامل معها، غطيت تحت منطق السياسة، متناسين أن التكتيك والسياسة هي وسائل ودروب لتحقيق الهدف، وليس لتغييره وتمييعه.
فما عرضه بشار الأسد، خدعة سياسية تظهر وكأنها موجهة للأخرين، لكنها في أعمق أبعادها تعني وبشكل مباشر الإدارة الذاتية، ومن بعدهم كلية الحراك الكوردي، وبلهجة فيها الفوقية والتصغير لمطلب الشعب، والمتمثل بالفيدرالية، تخللتها تهميشهم، وعدم الاعتراف بحواراتهم مع المكون العربي. لأنها، سلطة بشار، وجميع القوى المعنية بأمر سوريا، يدركون مكانة المنطقة الكوردية بالنسبة لسوريا عامة، من البعدين: الاقتصادي والسياسي والجغرافي، فهي كما يقال سلة الغذاء لسوريا عامة، ومنبع ثروتها من النفط والغاز، وهي ثلث مساحة سوريا الكلية. والديموغرافي، وحيث التجاء ما يقارب المليونين من أبناء الداخل إليها، إلى جانب مستعمرات الغمريين من العقود الماضية، والإشكاليات التي رافقتهم ولا تزال حاضرة بأبعادها الكارثية.
فمن الجهالة الحوار مع مجرم حرب؛ والذين يقفون وراءه، والخباثة السياسية تتقدمه. ومن السذاجة التنازل عن النظام الفيدرالي، والسلطة اللامركزية، وتقبل حديثه حتى فيما لو عرضه كحسنة نية قد تؤدي إلى حوارات وطنية. ومن الغباء التعامل مع السلطة الغارقة في الإجرام، المطلوبة إنسانيا، وسياسيا، وقضائيا، إقليميا ودوليا، فيصبح مشاركا في جرائمه. كل هذا موجه لقيادات المعارضة الوطنية في تلك المناطق المقالة على أن الرسالة كانت موجهة لهم، قبل أن تكون معنية لقيادات الإدارة الذاتية والتي لها تاريخ في التعامل مع نظام بشار الأسد؛ في بدايات الأحداث، ولاقت منا الكثير من النقد والتحذيرات والنصائح.
فسوريا الحالية والعودة إلى المركزية، تحت هشاشة الإدارات الذاتية المشابهة للإدارات المحلية، تعني إحياء الدكتاتورية بوجوه أخرى، وإهمال مكونات مناطق دون أخرى، والترويج لديمقراطية كغطاء للدكتاتورية، وهو ما كان يفعله الأسد الأب المقبور، عندما شكل الجبهة الوطنية التقدمية وقبلتها الأحزاب الانتهازية بدونية.
فالمنهجية الثابتة لإنقاذ الوطن من شر التقسيم، على مبدأ المذهبية الدينية، وليست القومية كما يروج لها الطامحون، إلى تجزئتها وقبول الوصاية الإقليمية، تترسخ ليس بإدارات ذاتية، بل بإقامة نظام فيدرالي، مبني على المبدأ المذهبي والقومي، وبمسميات واضحة، وعلى جغرافيات تتلاءم والواقع، والذي سيؤدي إلى تطوير المناطق وإنقاذ سوريا من الاستبداد الدكتاتوري، والفساد والرشاوي، والإهمال المقتصد، وسيحافظ على وحدة جغرافية سوريا الحالية.
كبعد سياسي لا بد من تحليل خلفيات العرض، ومقارنتها مع ما لم يتجرأ الحديث فيه، النظام الفيدرالي، ودراستها، من الأبعاد الاقتصادية- السياسية، والحوار عليها، وعقد مؤتمرات خاصة بالقضية، ولكن ليس مع مجرم حرب، بل مع القوى السورية الوطنية، وسلطة غير السلطة الحالية، علنا نتفق على كتابة دستور عصري ديمقراطي.
كل ما يتم الاتفاق عليه حول قادم سوريا ونظامه، لا بد وأن يدرج ضمن دستور معتمد، بعد عزل معظم أعضاء اللجان الحاليين، مع بنود فوق دستورية، تؤكد على أن الكورد شعب قائم على أرضه التاريخية، وأن النظام في سوريا فيدرالي لا مركزي. والاعتراف بفيدرالية إقليم كوردستان، من عفرين إلى ديركا حمكو بدون انقطاع جغرافي.
هذه القضايا التي يعتبرها البعض من الطرفين، السلطة والمعارضة، العربية والمناوئة للقضية الكوردية والمتأثرة بسياسات الدول الإقليمية المحتلة لكوردستان، طعنة في سوريا كوطن، دون أن يعالجوها، والقضية الكوردية من أبوابها الحضارية، بعد التحكم إلى حكمة التحرر من الصور النمطية الكارثية التي رسختها الأنظمة العنصرية في أذهاننا جميعا، ونحن الكورد في مقدمتهم، إلى درجة أصبح أغلبية حراك المكون العربي يرفض المفاهيم وطروحات الكورد مهما كانت منطقية وصحيحة، حتى ولو نورت دروب بناء سوريا على البعد الحضاري الإنساني.
نحن هنا لسنا في حلقات المجاملة والعواطف، ولا في محاور التعامل الإنساني أو المرونة السياسية، بل بناء سوريا تشمل الكل، وبأمل أن تصبح الوطن الحقيقي، وهذه لن تكون ما لم يتم تصحيح تاريخ أمتنا المحرف طوال القرن الماضي وأقدم، وإزالة الصور المشوهة عن الكورد المرسخة من عهد الأنظمة الشمولية، والتي دمرت ليس فقط الشعب الكوردي ومنطقتهم، بل وأغلبية المكون العربي، المنتج للبعث والأسدين، والمنظمات التكفيرية الجهادية.[1]