اذا كان الحديث عن موقع الكورد على صعيد الشرق الأوسط و علاقاته مع الغرب يشغل حيزاً كبيراً بين الصحافة الغربية، فإنه من المهم جداَ ان نراجع انفسنا بغية قراءة موقعنا بين هذه الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط و العراق، وينبغي علينا معرفة حقيقة و هي ان موقع الكورد بين العالم الغربي ليس محض صدفة، وبغية الوقوف على الفرص المتاحة للكورد للتحرك بين هذا العالم الملىء بالأضطرابات و التناحرات، استضافت كولان الدكتور ادريس احمدي استاذ العلوم السياسية في جامعة استوكهولم حيث اجاب عن الأسئلة الموجهة اليه:
ترجمة/ بهاءالدين جلال
* لو بدأنا من هذه النقطة وهي اننا ككورد ماهو موقعنا في السياسة الأمريكية؟ أو بمعنى آخر ماهي العوامل المؤدية الى احداث التغيير في السياسية الأمريكية ازاء الكورد؟
- قبل كل شىء فإن جيوبولتيك اقليم كوردستان ادى الى وقوف دول جواره ضد استقلال الأقليم، و في العراق حاول الأميركان كثيراً لأعادة بناء العراق بشكل آخر ليصبح دولة ديمقراطية، ولكن كما نرى الآن فإن المذهبية حلت محل الدكتاتورية ما ادت الى حدوث نزاع مستمر مع السنّة، و لقد اخذ العراق يسير صوب الدكتاتورية، ولكن الكورد وقف ضد هذا التحول حيث لولاه لما ظهرت العملية الديمقراطية في العراق رغم نقصها و فشلها. وبين كل هذه الأوضاع تميّز الكورد بخصائص جعلته متقارباً مع النهج الأمريكي و الغربي، ومنها ان الكورد ملتزم بالديمقراطية و العلمانية و احترام حقوق الأنسان و حقوق القوميات الأخرى المتعايشة معه في اقليم كوردستان، وهذه الخصائص تتفق مع ما يتميز به الغرب من الأهداف و المصالح، وادى ذلك الى انْ يتمتع الكورد بموقع متميز في السياسة الغربية عموماً و في امريكا على وجه الخصوص، ولو اخذنا ايران نموذجاً نجد انها دولة مهمة بالنسبة الى الغرب، ولكن لعدم مشاركتها مع الغرب في هذه الخصائص، نرى ان الدول الغربية تكن لها العداء بدلاً من التقرب منها.
* هل تعتقد انّ لأمريكا سياسة رسمية ازاء الكورد؟
- اعتقد ان لأمريكا الآن سياسة واضحة حيال الكورد، واشرت الى ذلك في البحث الذي قدمته في مؤتمر كوردستان العراق و اعادة صياغة الشرق الأوسط، لقد تغيرت الأوضاع الآن، كان الأميركان في السابق قد استثمروا اموالا كبيرة لكي يتمكن العراق مستقبلاً ان يلعب دورا متوازياً في المنطقة كحليف لأمريكا و دون تبعية لأيران، ومن الواضح جداً انّ الوجود الأمريكي في المنطقة يحتاج من الناحية الأقتصادية الى نفقات طائلة و كذلك بين الراي العام فإن الأمريكيين يرغبون في وجود موطأ قدم لهم في دول أخرى، ولو نظرنا الى تأريخ العلاقات بين الأمريكان و الكورد لوجدنا ان تلك العلاقات كانت مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سبعينيات القرن الماضي سرية، ثم تغيرت بعد عام 1991 الى حماية الكورد و انشاء منطقة آمنة و حظر للطيران، وفي هذه الفترة وبالرغم من وجود مشكلات داخلية الاّ ان الكورد تمكنوا من انشاء حكومة و ادارتها بانفسهم، ما ادى ذلك الى تهيئة الأجواء للمشاركة في اسقاط نظام صدام حسين عام 2003، وهذا دليل على ان العلاقات بين امريكا و الكورد اتخذت منحى آخر أي الى علاقة مؤسساتية، وعلى سبيل المثال افتتاح القنصلية الأمريكية في اربيل و الزيارات المتكررة للسيد مسعود بارزاني رئيس اقليم كوردستان الى واشنطن، و استقباله من قبل الرئيس الأمريكي، ولكن ينبغي ان نكون حذرين من انّ امريكا تريد عراقاً موحداً، صحيح ان هناك خلافاً و قلقاً في السياسة الأمريكية ، ولكن من جانب آخر نرى ان الشيعة في العراق هم حلفاء ايران، ولكن السنة ليست لهم قيادة منظمة و ان قادتهم المتشددين لهم تأثير كبير على تطور الأحداث، وعلى صعيد الدول الجوار لكوردستان هناك مشكلة فكرية بين امريكا وايران مذ اكثر من 30 سنة، وتركيا قد ابتعدت عن امريكا منذ تولي حزب العدالة و التنمية زمام الحكم، ولهذا السبب نجد ان مجموع تطورات الأوضاع كانت عامل مساعد لتطوير العلاقات بين الكورد و امريكا، ولقد اختارت واشنطن الكورد ليكون حليف لها على اساس الثقة الراسخة ، واعتقد لو ان الأوضاع بقيت على هذا الحال لشهدت تلك العلاقات تقدماً اكبر في المستقبل، و سوف تتجه نحو مؤسساتية افضل.
* ألا تشعر بوجود تناقضات في وجهات النظر، وكما اشرت اليه ان امريكا لازالت لديها قناعة بضرورة وجود سياسة موحدة نحو عراق كبلد واحد، ولكن كما نرى فإن الكورد قد اعلنوا خطاب الأستقلال بشكل واضح و صريح، كيف تقرأ هذه التناقضات؟
- من المحتمل ان اطرح بعض الملاحظات على اقليم كوردستان من اجل التخلي عن استقلالية كوردستان في الوقت الحاضر، ما يساعد ذلك في محافظة الولايات المتحدة الأمريكية على علاقاتها مع الأقليم وتعميقها، ومن دون انْ يسبب ذلك قلقاً الى دول الجوار بأن امريكا تمتلك خطة لبناء اسرائيل آخر حسب ظن تلك الدول.
ولكن الأمريكان مهما حاولوا كسب ثقة تلك الدول التي قسمت عليها كوردستان لن يستطيعوا تحقيق هذا الهدف، كما ان الكورد مهما حاولوا الغاء مسألة الأستقلال من اجنداهم السياسي لم يستطيعوا التقليل من قلق دول الجوار، لذا فإنني ارى المسألة على عكس من ذلك، و هذا يعني اننا لو لم نعلن الأستقلالية في مستقبل قريب فإن مسألة الأستقلال و اثارة هذه المسألة سوف تخلق ارضية معنوية، و اكثر من ذلك اعتقد لو لم يقوم رئيس اقليم كوردستان باثارة مسألة الأستقلال بهذا الحجم، لما كان للكورد موقع قوي للحديث عن هذه المسألة مع امريكا، ويعود هذا الأمر الى انه من وجهة نظر امريكا فإن الأعلام الكوردي قد خلق مشاكل كبيرة للسياسة الأمريكية في المنطقة، و ان رئيس اقليم كوردستان الذي جعل من هذه المسالة مطلباَ جدياً حينذاك يضطر الجانب الأمريكي اجراء المساومة مع الكورد، انا باحث اكاديمي لا ابالغ بأنني احتفظ ببعض الأسرار، ولكن حسب الأسس العلمية في السياسة، فإن مسألة اثارة الأستقلال عزز الآن مكانة الكورد في السياسة الأمريكية.
*لقد تحدثت عن دور رئيس اقايم كوردستان في اثارة مسألة الأستقلال، و لكن هذا الرئيس نفسه استطاع ان يلعب دوراً متميزاً كأحد افراد البيشمركة من دحر داعش، ما ادى ذلك الى رفع مكانة الكورد في هذه الحرب العالمية، كأكاديمي كيف تقيّم دور الرئيس البارزاني في هذا الجانب؟
- مشاركة الرئيس البارزاني في جبهات الحرب ضد داعش الى جانب قوات البيشمركه، حتى لو كان رمزياً، تعد رسالة الى العالم بأنه ليست قوات البيشمركه لوحدها مستعدة للتضحية فحسب، بل ان رئيسها مستعد ايضاً للدفاع و درء الأخطار المحدقة بكوردستان و العراق و المنطقة، و اود التركيز هنا على نقطة مهمة وهي عندما زار الرئيس البازاني الولايات المتحدة الأمريكية وكان حاضراً في معهد اطلنتيك و القى خطبة فيه، بدأ رئيس المعهد في معرض كلمة ترحيبية بالرئيس البارزاني قائلاً: اتقدم بالشكر الى رئيس اقليم كوردستان لأنه يشارك بشكل مباشر في جبهات القتال، وهذه رسالة بحد ذاتها الى أن قيادة كوردستان تختلف عن قيادة العراقيين و خاصة الشيعة، و الأهم من ذلك و الذي اقلق امريكا هو ان تركيا الحليفة لواشنطن لم تكن مستعدة للمشاركة في الحرب ضد داعش، وهذا هو سبب في ابراز اكثر لمكانة اقليم كوردستان و شخص السيد مسعود بارزاني.
*الجانب الآخر من حرب داعش هو التحول الحاصل في صفوف الكورد عموماً ازاء هذا التهديد، بالأخص مشاركة البيشمركة في حرب كوبانى، ماهي قراءتكم لهذا الجانب؟
- صحيح ان حرب داعش ادى الى وحدة الصف الكوردي الاّ انه لايجوز التغاضي عن انها خلقت ارضية الأنشقاق ايضاً، حيث نرى القوى الكوردستاية الرئيسة قد انقسمت على جبهتين، جبهة متحالفة مع امريكا و الغرب، و الأخرى مع ايرن و سوريا، لذا اعتقد بأنه علينا اجراء قراءة مزدوجة لهذه المسألة، صحيح انّ هناك وحدة الصفوف على الصعيد الجماهيري، ولكننا نشعر بالأنشقاق على صعيد الأحزاب السياسية، قد يكون بعض الصحفيين و المراقبين مطلعين على تفاصيل هذا الموضوع، ولكن امريكا و الغرب لهما الأطلاع الكامل عليه، انني على علم بأن هذا التقسيم يضر بالكورد، و لو لم تكن بين تلك الأحزاب الكوردية صراعات مستمرة لأستطاعت الأجزاء الأخرى من كوردستان الأستفادة من تطور و نتائج هذه المسالة.
* لو توقفنا قليلاً على الأنتخابات التركية و المسألة الكوردية في الشمال، حيث هناك انتخابات تجري بداية الأسبوع المقبل وهي انتخابات مهمة و مصيرية، الكورد يشارك هذه المرة كحزب سياسي و يتطلع الى الحصول على اكثر من 10%، ما رأيكم بهذه الآنتخابات؟
- لقد حاولت تركيا في السنوات الماضية أو بالأحرى منذ تسنم حزب العدالة و التنمية زمام الحكم، عدم تعزيز علاقاتها مع اقليم كوردستان، و لكن اجرت فيها بعض التغييرات، وخاصة التوقيع على معاهدة طويلة الأمد للطاقة مع الأقليم، ولكن هذه التغييرات ليست ستراتيجية، لأن في هذا التغيير الستراتيجي يتم اعادة تعريف الأصدقاء و الأعداء، ويرى شخص قومي تركي الشعور القومي الكوردي في شمال كوردستان بأنه خطر ستراتيجي على الأتراك لذا يحاولون تقويض هذا الشعور، وخير دليل على ذلك هو عندما هاجم داعش اقليم كوردستان لم تعرب تركيا عن أي موقف ايجابي، وفي الأنتخابات الحالية يحاول حزبا العدالة و التنمية(آك بارتي) و الشعب الديمقراطي الكوردي( هدب) الحصول على اعلى صوت، صحيح ان حصول الكورد في تركيا على اكثر من 10% يعد امراً مهماً بالنسبة له، ولكن السلطات التركيية لاتريد ذلك ولايمكن ان نتوقع حدوث أي تغيير ستراتيجي من الجانب التركي.
* هل تعتقد ان (هدب)یستطيع تجاوز نسبة 10% في الأنتخابات الجارية؟
- اعتقد انّ مسؤولي هدب يؤمنون بضرورة التحالف مع اليساريين الأتراك، من اجل تجاوز هذه النسبة، هناك احتمال بقيام بعض الأحزاب اليسارية التي لاتؤيد الحزب الحاكم بالتصويت لصالح هدب، ولكن لايمكن الأعتماد على هذه الأحتمالات، ففي الفترة القليلة المتبقية قد تحدث مفاجئات، ان فوز الكورد بنسبة عالية في البرلمان التركي شىء يسعد الكل، ولكن في حال فشل هدب في تحقيق هذا الهدف، فإن ذلك سوف يؤدي الى تعزيز مواقع الأطراف التي تعتقد ان الحل الوحيد للتعامل مع المسألة الكوردية هو اللجوء الى الحل العسكري حصراً، كما ان خسارة هدب سوف يزيد من احتمال توسيع الهوة القائمة الآن بين عبدالله اوجلان و قنديل، ولكن لننتطر النتائج قريباً.
* كما رأينا فإنّ رجب طيب اردوغان رشح نفسه في الأنتخابات و دخل العملية الأنتخابية و يطلق حملة دعائية لجزب العدالة و التنمية، ان هذا التصرف لأردوغان هو خرق للدستور التركي، أليست هذه محاولة لمنع هدب من تجاوز هذه النسبة؟
- جزء من اهتمامات حزب العدالة و التنمية يكمن في هدب و المسألة الكوردية، و الجزء الآخر هو مع الأحزاب الأخرى، و بالأخص CHP الذي سعى كثيراً من اجل اعادة التنظيم، و هذان الحزبان CHP وHDP ليس لديهما شىء مشترك، ولكنهما يستطيعان تجاوز خلافاتهما من اجل الصراع مع الطرف الثالث، صحيح ان (جهب) حزب قومي تركي و عنصري ايضاً، ولايؤمن بالمسألة الكوردية باي شكل من الأشكال، و يدعي (جهب) بأنه لو تسلّم مقاليد الحكم لقام بطرح حلول مناسبة للقضية الكوردية، لذا فإن دخول اردوغان في الأنتخابات هو مواجهة (جهب و مهب) و كذلك لمنافسة الأصوات التي قد يحصل عليها (هدب).
* السؤال الأخير، يتعلق بوجهة نظرك لمستقبل الكورد، بأعتقادك ماذا سيكون مستقبل الكورد في الشرق الأوسط؟
- قبل كل شىء أود أنْ ابدأ من حرب داعش، ان هذه الحرب خلقت لكوردستان مخاطر كثيرة، و مجموعة من الفرص، اعتقد لو ان الكورد استطاع ترتيب بيته لحقق الكثير من تطلعاته، لقد اعدت مجموعة الأزمات الدولية مؤخراً تقريراً بعنوان تسليح الكورد، اشارت فيها الى ثلاث نقاط مهمة:
1- ليست لدى قوات البيشمركة أية مشكلة في مجال التضحية و الصمود ضد ارهابيي داعش.
2- قوات البيشمركة تخضع شكلياً الى وزارة واحدة، ولكن في الواقع لم تتحد حتى الآن ،حيث ان قوات البارتي و الأتحاد الوطني تقاتل بالتنسيق ضد داعش.
3- لا يوجد التعاون المطلوب بين قوات الآسايش و المؤسسات الأستخبارية.
ولو نظرنا الى واقع اقليم كوردستان من هذا المنظور لشعرنا ان هناك بعض المخاطر، و خاصة الصراع القائم بين البارتي و الأتحاد الوطني و الذي ادى الى زيادة نفوذ حزب العمال الكوردستاني في منطقة سنجار، وهذا ما يشكل ايضاً الخطر من حيث حدوث اشتباكات( لاسامح الله) بين قوات البيشمركة و مسلحي حزب العمال، حيث يدعي الأخير بأن جماهير سنجار ترغب في تأسيس اقليم خاص بها، و بالنتيجة تؤثر سلباً على مفهوم و مطلب الأستقلال، من جهة اخرى التصريحات الأمريكية المتعلقة بدعوتها للعراق الموحد، ما ادت الى كسب ثقة الشيعة و ان امريكا لو ارادت ارسال المساعدات العسكرية الى البيشمركة ينبغي ان ترسلها عن طريق بغداد. ووفق تقرير مجموعة الأزمات الدولية لم تقم امريكا بشكل جدي في الضغط على قوات بيشمركة كوردستان من اجل التوحيد، ومن هنا اعتقد ان اقليم كوردستان و انْ لم يستطع تغيير السياسة الأمريكية، فإنه يستطيع على الأقل العمل من اجل زيادة التنسيق بين قوات البارتي و الأتحاد الوطني.[1]